الانتفاضة الفلسطينية من المقدس الوطني إلى المقدس الديني والمدني

اعتقد اليمين الفاشي الصهيوني بقيادة رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو أنَّه حقّق انتصارًا كبيرَا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بعد انتقال الشطرالأعظم من الحركة الوطنية الفلسطينية التي تبنت نهج التسوية بِقَدِّهِ وقدِّيدِهِ،من خندق الوطنية وهدف التحريرإلى طورالعمالة المطلقة والاستسلام لإملاءات العدوالصهيوني دفعة واحدة بعد توقيعها اتفاقيات أوسلو،إِذْ إِنَّ الكيان الصهيوني ليس ساذجًا إلى درجة استدعاء قيادات السلطة الفلسطينية إلى باطنه في الأرض المحتلة من دون قصقصة أظافرها وخلغ أنيابها ووضعها قيد سيطرته الكاملة على مدار الساعة ومن جميع النواحي !
كما اعتقد هذا اليمين الصهيوني الفاشي أنَّه حقق انتصارَا بعد اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إلى قداس إنجيلي ومسيرة انتصار،ثم جاء ما أطلق عليها “اتفاقيات إبراهيم”، عندما طبعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين و المغرب و السودان العلاقات مع الكيان الصهيوني.
الهبة الشعبية لفلسطينيي ال48
وفيما جعل هذا اليمين الصهيوني الفاشي من شرق القدس مركزا للجولة الثانية من الاستيطان بهدف تهويد مدينة القدس بالكامل، والتبرير بشكل وقح ومفتوح، فإنَّه أشعل لهيب الهبة الشعبية الفلسطينية التي انطلقت شرارتها من باب العامود في مدينة القدس القديمة- وهذا لهيب لا يمكن للصهاينة التحكم به-و كان محركوها الشباب المقدسي ،فتحولت إلى انتفاضة فلسطينية جديدة.
يُعَدُّالحرم القدسي الشريف أكثر المتفجرات حساسية في فلسطين المحتلة و منطقة الشرق الأوسط، وقد يؤدي حدث تكتيكي صغير في المنطقة إلى اندلاع نيران في عدة قطاعات، فمنذ عام 1990، حين أعلن المستوطنون المتدينون الصهاينة عن نيتهم وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم، ما دفع الفلسطينيون إلى اعتبار ذلك هجومًا على المسجد الأقصى،والأضرحة الإسلامية، وهو ما دفعهم إلى شن أعمال مقاومة انتهت بإصابة العشرات من المصلين عند حائط البراق، ومقتل 17 فلسطينيًا، وثمانية مستوطنين صهاينة.ثم اندلعت أعمال عنف في جميع أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية في عام 1997 أسفرت عن مقتل 17 جنديًا إسرائيليًا، وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين و الصهاينة.
وتكرَر المشهد عينه في أواخر العام 2000، حين اقتحم أريئيل شارون المسجد الأقصى، ما تسبب في مقتل أربعة فلسطينيين، وإصابة 200 آخرين، ما تسبب أيضًا في اندلاع الانتفاضة الثانية، حيث تم إغلاق الحرم القدسي أمام المتطرفين اليهود لمدة ثلاث سنوات.ولكنَّ على خلاف الانتفاضتين الفلسطينيتين السابقتين(1987و 2000)،هذه الانتفاضة الجديدة شملت منخرطين جددًافي الاحتجاجات من فلسطينيي الداخل في الأراضي المحتلة عام 1948، والقدس والضفة وغزة وفي الشتات،كما جذب الاحتجاج في المسجد الأقصى المسيحيين إلى جانب المسلمين، فقد جاءوا من حيفا ويافا والقدس أيضا. ولو أوقفتهم المضايقات على الطرق السريعة، ذهب أهل القدس بسيارتهم ونقلوهم.
الفلسطينيون سواء الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948،والخاضعين للإحتلال الصهيوني و لنظام الأبارتايد،أو في غزة، وفي باقي مدن الضفة الغربية ،عبروا من خلال هذه الانتفاضة الجديدة عن شعورهم بوحدتهم ،لأنَّ الكل يشعر بنفس النار والعاطفة. وكلهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، وكل واحد منهم يعرف ما هو على المحك.
فقد انطلقت تظاهرات فلسطينية كبيرة في مدينة اللد، التي تُعَدُّ من المدن المختلطة التي يقطنها اليهود والعرب، (77 ألف نسمة، بينهم 47 ألف يهودي و23 ألف عربي) الواقعة في ضواحي تل أبيب، شكّلت مسرحًا لاشتباكات عنيفة وأنّ عربيًا إسرائيليًا قُتِل فيها، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي ، حالة الطوارئ فيها، بعد أن تحولت ساحة للمواجهة بين الفلسطينيين و الشرطة و المستوطنين الصهاينة، دعمًا لغزة التي تتعرض لعدوان صهيوني ، وانتصاراً للقدس والمسجد الأقصى . ويعد هذا التطور سابقة لم تقدم عليها إسرائيل منذ انتهاء الحكم العسكري الذي كانت تفرضه على فلسطينيي الداخل في عام 1966..
وينظر الكيان الصهيوني بخطورة بالغة إلى انضمام فلسطينيي الداخل لمسار الانتفاضة الفلسطينية الجديدة .وحسب المفتش العام للشرطة الصهيونية كوبي شفتاي في مدينة اللد، فإنَّ التظاهرات التي شهدتها المدينة فاقت في قوتها و اتساعها تلك التي نظمها فلسطينيو الداخل في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، إثر إقدام شرطة الاحتلال الصهيونية على قتل 13 مواطناً فلسطينياً.
وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني لم يعلن حالة الطوارئ إلا في مدينة اللد، إلا أن خريطة المدن والبلدات اتسعت في الداخل الفلسطيني التي شهدت تظاهرات واشتباكات كبيرة مع شرطة الاحتلال الصهيونية ، وشملت التجمعات البدوية في النقب، وعكا، ومدينة أم الفحم، وحيفا، وجسر الزرقا، وغيرها. ولم تشمل التظاهرات التي نظمها فلسطينيو الداخل فقط مواجهات مع الشرطة، بل أيضاً اشتباكات مع المستوطنين، في ظل مزاعم للشرطة بأن المتظاهرين الفلسطينيين، تحديداً في اللد وعكا، قاموا بإحراق عشرات الحافلات وعدد من المنازل والمحال التجارية التابعة للمستوطنين.
يعاني فلسطينيو الداخل المحتل منذ عام 1948، الذين تدعي مؤسسة الحكم في تل أبيب أنها تتعامل معهم “كمواطنين إسرائيليين”،من سياسات التمييز العنصري الذي يمارسه نظام الأبارتايد داخل الكيان الصهيوني ،فهم يعيشون إما في بلدات ومدن ملاصقة للتجمعات الاستيطانية، أو يقطنون مع المستوطنين في المدن المشتركة، ولهذا السبب بالذات تبدو مشاركتهم في هذه الانتفاضة الجديدة، تفجيرًا لصراع جديد مع المستوطنين. وإذا كانت المواجهة المتواصلة مع غزة يمكن أن تنتهي في غضون أيام، كما حدث في الحروب والجولات السابقة، فمن الصعب التحكم بمصير مواجهات واسعة بين فلسطينيي الداخل وسلطات الاحتلال والمستوطنين، بسبب حالة الاحتكاك الدائم واللصيق بين الفلسطينيين و المستوطنين الصهاينة.
وفي نطاق ردود الفعال الدولية، بعث 25 نائبًا بالكونغرس الأمريكي برسالة إلى وزير الخارجية،أنتوني بلينكين ،يحثونه فيها على ممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل لمنعها عن تهجير الفلسطينيين من أماكنهم في حي “الشيخ جراح” بمدينة القدس المحتلة، معتبرين تلك الممارسات “جريمة حرب”.
وأشارت الرسالة أنَّ إسرائيل هدمت 100 مبنى في حي البستان، حيث يعيش 1550 فلسطينياً، 60 في المائة منهم أطفال، من أجل بناء “حديقة تلمودية”” لافتة إلى وجود إشعارات من الجانب الإسرائيلي تشير لاستعدادها لإخلاء منازل 12 عائلة فلسطينية بحي “الشيخ جراح” مكونة من 169 شخصًا 46 منهم أطفال من أجل تسكين مستوطنين إسرائيليين بشكل غير قانوني.
كما ذكرت الرسالة أن الإدارة الإسرائيلية تتجاهل تمامًا العائلات الفلسطينية وتعتبرهم في حكم العدم.وتابعت “ووفقًا لمركز أبحاث التربة، دمرت إسرائيل حوالي 5000 منزل فلسطيني في القدس الشرقية بين عامي 1967 و 2017. وبحسب المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، دمرت إسرائيل كذلك 349 منزلا لفلسطينيين في القدس الشرقية بين عامي 2018 و 2020”.وشدَّدت على أنَّ “القدس الشرقية جزء من الضفة الغربية، ولقد قامت إسرائيل باحتلال تلك المنطقة عسكريًا إلى جانب دمجها بشكل غير قانوني إلى بلدية القدس ثم ضمها رسميًا إليها منتهكة بذلك القانون الدولي”.
العدوان الصهيوني على غزة ورد المقاومة
المقاومة الفلسطينية في غزة بشقيها حركتي حماس و الجهاد الإسلامي، قامت بشكل منهجي ببناء قضيتها حول القدس، وبدأت بإطلاق صواريخ من غزة، حيث أفادت مصادر إسرائيلية أنَّ عدد الصواريخ التي انطلقت من القطاع حتى الآن، بلغت أكثرمن 1500 صاروخ ، منذ بداية المواجهات في القدس الشرقية ، وطاولت مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، من اللد إلى تل أبيب إلى مستوطنات “غلاف غزة”، وصولاً إلى بئر السبع جنوباً، وذلك ردًّا على مواصلة جيش الاحتلال استهداف المباني السكنية في القطاع، وتحديداً الأبراج، وأحياناً من دون قنابل تحذيريّة.
ويُعَدُّ إطلاق الصواريخ على القدس إنجازًا تحقق، وسجل باسم حماس، وسوف تسعد بدفع سكان غزة للاحتفال بهذا الإنجاز في حركة المقاومة، لكنه استدعى ردًّأ صهيونيا كبيرًاتمثل في العدوان على غزة.فقد أراد جيش الاحتلال الصهيوني الرد بقوة قبل أسبوعين، لكن المستوى السياسي أوقفه لتبريد المنطقة، على أمل عبور رمضان بسلام، والآن أزيلت القيود، ووافق مجلس الوزراء الصهيوني على خطوات العمل بثلاث قنوات رئيسية: أولها إحباط وتعطيل إطلاق الصواريخ قدر الإمكان، وثانيها إلحاق ضرر كبير بذراع حماس العسكرية وبنيتها التحتية التي تستخدمها، وثالثها توجيه ضربة قاسية لمشروع التسلح الحمساوي الذي اكتسب زخماً في الأشهر الأخيرة خلال هدوء القطاع، حسب الخبير العسكري الإسرائيلي، يوآف ليمور في مقال بصحيفة إسرائيل اليوم.
لقد سقط خلال العدوان الصهيوني على غزة،أكثر من 83 شهيدًا، من بينهم 17 طفلًا و 6 سيدات ومسن، وإصابة 900 فلسطينياً بجراح مختلفة، في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007، ضارباً بتحذيرات “كتائب القسام”، وقبل ذلك المواثيق الدولية، عرض الحائط،فيما أعلنت “كتائب القسام”الذراع العسكرية لحركة “حماس”، يوم الأربعاء 12مايو 2021، استشهاد قائد لواء مدينة غزة فيها باسم عيسى، وعدد من مساعديه، وقالت إنّهم استشهدوا أثناء عدوان الاحتلال الصهيوني  على مواقع ومقدرات وكمائن المقاومة.
في المقابل، أسفرت عمليات المقاومة الفلسطينية منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، قبا بضعة أيام ، عن مقتل ستة جنود إسرائيليين، آخرهم جندي حين استهدفت “كتائب القسام”، يوم الأربعاء الماضي ، جيباً عسكرياً للاحتلال على الحدود شمال قطاع غزة بصاروخ “كورنيت”.
في خضم الحرب الفلسطينية-الإسرائيلية المشتعلة، نجحت المقاومة الفلسطينية على اختلاف مكوناتها السياسية والإيديولوجية،في ترسيخ صورتها في الوعي الفلسطيني كـمدافع عن القدس، وإيجاد معادلة أمام العدو الصهيوني بموجبها يعني المس بالقدس ردًّا فوريًا من غزة، ورغم كل شيء، فلا يبدو أنَّ جولة القتال الحالية تختلف عن سابقاتها.فالمقاومة الفلسطينية بتصديها للعدوان الصهيوني أثبتتْ للشعب الفلسطيني أنَّ الكفاح المسلح ليس مجرد شعار، وأنَّها لا تزال مستعدة للتضحية، ودفع الثمن، حتى في غزة، العزيزة على قلب حماس ، مقابل ما يعرفه الفلسطينيون عن منافستها، السلطة الفلسطينية، أنَّ القدس ليست في أجندتها، بدليل أنها تواصل عملية التنسيق الأمني، لأنه رغم التصريحات العدائية والمتعاطفة مع القدس، فإن أجهزة أمن التابعة لسلطة الرئيس محمود عباس فرقت المظاهرات بالضفة الغربية المنددة بالعدوان الصهيوني.
المقاومة الفلسطينية من الْمُقَّدَسِ الْوَطَنِي إلى الْمُقَّدَسِ الدِّينِي
الركض وراء سراب التسوية لم يَقُدْ إلى بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ,رغم كل التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية للكيان الصهيوني وأمريكا,وقمعها للمعارضة الفلسطينية،ولا سيما, خلال العقدين الأخيرين،لأنها كانت تعتبر، ومعها المزاج العام الفلسطينيي، الضفة والقطاع والقدس الشرقية أنَّ أي مساس فلسطيني أمني بالتزامات أوسلوهومساس بالمشروع الوطني الفلسطيني.
فعندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة فتح في 1 كانون الثاني /ينايرعام 1965، ولعبت دوراً بارزاً في تفجير الكفاح المسلح في فلسطين المحتلة وفي بلدان الطوق، جنباً إلى جنب مع باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى، لم تشارك الحركة الإسلامية الفلسطينية في معمعان الكفاح المسلح الذي كان دائراً آنذاك، واستمر لمدة عقدين من الزمن. وعندما انساقت معظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في خط التسوية، والبحث عن حلول سلمية للصراع العربي- الصهيوني، وأصيبت المنظمة بالعجز والوهن، في ظل تراجع دورها على الصعيد العسكري، برزت ” الظاهرة الجهادية” من خلال تفجر العمل العسكري الذي مهد لانطلاقة الانتفاضة الأولى في فلسطين المحتلة في9 كانون الأول 1987.
تاريخياً وجدلياً مثلت الانتفاضة الفلسطينية بداية انتقال الكفاح المسلح من المقدس الوطني إلى المقدس الديني. فالمقاومة الفلسطينية اكتسبت شرعيتها السياسية والتاريخية في ظل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لها عندما تبنت ومارست الكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين.
فبعد أن كانت قيادة المنظمة تضفي على الكفاح المسلح القداسة في العقد الأول من عمر الثورة الفلسطينية، بدأت تتراجع عنه لاحقاً، وتحرمه كلما توغلت في تبني خيار الحل السلمي. وانطلاقاًمن هذا نستطيع القول، إنَّ التراجع في الأداء العسكري للمقاومة الفلسطينية، لم يبدأبإسقاط حق المقاومة في أوسلو، بل لقد بدأ مبكراً، وكان من أهم محطاته عندما أعلن عرفات في خطابه أمام الأمم المتحدة في جنيف عام 1988 نبذه للكفاح المسلح ووصفه “بالإرهاب”، في عز أيام الانتفاضة. وهكذا سقط المقدس الوطني في أحابيل خط التسوية.
اليوم تبدلت الأحوال. فـالسلطة الفلسطينية تطلع علينا أسراباً على الفضائيات العربية يمطروننا بوابل من الأكاذيب والأضاليل، ويقولون لنا إن لديهم مشروعاً وطنياً هدفه “إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”. طبعاً شريكهم الكبير والمفضل بنيامين نتنياهو يقول “القدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل” وأن عنده معلومات بأن الفلسطينيين يبنون في أبوديس ويحضرونها لتكون عاصمة لهم وبديلاً عن القدس.
على نقيض تراجع “المقدس الوطني” في المقاومة الفلسطينية، برز المقدس الديني في الجهاد من أجل التحرير. وتعتقد الحركات الإسلامية التي تبوأت مركز الريادة في المقاومة الفلسطينية، أنَّه لا يستطيع أي حاكم أوأي قائد مهزوم أن يضع المقاومة ببساطة في بورصة السياسة ويفرط فيها على طاولة المفاوضات، فالمشكلة بدأت عندما استبعد الجانب العقائدي، بما يحمله من مخزون روحي تعبوي، في استمرار المقاومة.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: تصر المقاومة الفلسطينية (“كتائب القسام” وباقي الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة حركة الجهاد الإسلامي ،والفصائل الوطنية الأخرى)، أنَّها بدأت في الاستعداد لمعركة عسكرية شاملة، تحركها الفصائل وفقاً لأهدافها وعدم انتظارها لتكون ردة فعل للتصرفات الإسرائيلية التي تسعى لموجة تصعيد دون الدخول في معركة برية، لعلمها التام بعدم قدرتها على خوض تلك المعارك في الوقت الراهن.
في قراءة موضوعية لهذه الانتفاضة الفلسطينية الجديدة،يجمع الباحثون والخبراء في شؤون القضية الفلسطينية، على تراجع المقدس الوطني والقومي للمقاومة الفلسطينية التي انطلقت مع بداية 1965، لمصلحة المقدس المركّب الديني والمدني الحقوقي ،لا سيما بالنسبة لفلسطينيي الداخل الذين يسكنون في المناطق المحتلة عام 1948،والذين شاركوا مشاركة فعالة وبقوة في هبَّة القدس والأقصى التي تشبه في أهميتها ورمزيتها ما حدث في يوم الأرض الأول عام 1967.
لقد أدَّى التراجع الوطني في صفوف فصائل المقاومة الفلسطينية، وهزيمة المشروع القومي العربي،واحتداد الانقسام الفلسطيني بين حماس في غزة، وفتح في رام الله،وانهيار الوضع العربي بين أكثرية من البلدان العربية أصبحت تلهث وراء التطبيع مع العدو الصهيوني، وأقلية تمارس سياسة الممانعة لا أكثر ولا أقل،إلى أن يركز فلسطينيو الداخل أكثر على البُعد المدني وقضايا الحقوق في المساواة مادام أنهم يعيشون داخل الكيان الصهيوني ،من دون أن يعني ذلك تراجعهم عن الخطاب الوطني والهم الوطني،بل إنَّ انخراطهم في هذه الانتفاضة الجديدة تأكيد مهم على التزامهم بالقضية الفلسطينية كقضية وطنية وقومية في آن معًا.
إنَّ عملية انتقال المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد العدو الصهيوني من المقدس الوطني إلى المقدس الديني، وبروز الحركة الإسلامية الجهادية في فلسطين كقوة طليعية في المقاومة الفلسطينية ،يقتضي إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على قاعدة التنوع الإيديولوجي في داخله، لكنَّ تُقَّوِيهِ ثوابتٌ وطنيةٌ مشتركةٌ، أهمها أنَّ قضايا الفلسطينيين في مناطق الـ48 هي جزء من القضية الفلسطينية ولا يمكن الفصل بينهم.
الذي يُؤَّمِنُ استمرار هذه الانتفاضة الفلسطينية الجديدة،يتمثل في إعادة التأكيد على الثوابت الوطنية و القومية للمشروع الوطني الفلسطيني، ولنهج تحرير كل فلسطين،وإعادة تشكيل بنية المقاومة الفلسطينية المسلحة،من دون استبعاد الفصائل الأخرى،لا سيما التيار الوطني داخل حركة فتح،الذي أسس”كتائب شهداء الأقصى”مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000،وعاد إلى ممارسة الكفاح المسلح كما لوكانت “فتح “في الستينيات. وخلال هذه الانتفاضة استطاعت حركتا حماس والجهاد ومعهما بقية قوى المقاومة تعميق خيار المقاومة ضد العدو الصهيوني ، وإنعاشه في مواجهة خيار تصفية القضية الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى