ماذا يعني ان يهتف شباب القدس لصدام حسين ؟؟

 

 

لبنان – كتب محرر الطليعة السياسي*

فلسطين المتميزة بماضيها وتاريخها الحافل بمحطات مفصلية في التاريخ البشري، حافظت على هذه الميزة وكأنها ثابت من ثوابت تاريخها. فهي لم تكن ارض مقدسة بالنظر الى كونها مهد ديانات ورسالات سماوية وحسب، بل كانت ارض صراع بين إمبراطوريات وممر العبور من الغرب إلى الشرق وبالعكس.

فلسطين المتميزة بموقعها الاستراتيجي كممر بري بين القارتين، تتميز بمكانتها الاعتبارية في التاريخ الإنساني بعناوينه الدينية والمدنية. وان تكتسب أهمية في تاريخها المعاصر ويشتد الصراع عليها وفيها، فهذا ليس إلا استحضار لتاريخها وان تبدلت الأدوات والأسماء. ففلسطين هذه سقطت على أرضها إمبراطورية الروم كنتيجة لمعركة اليرموك، وسقطت الحملات الصليبية بعد معركة حطين. وما بعد هاتين المحطتين استعصت على الفرنسيين ولم تسقط في أيدي الإنكليز وبعدهم الصهاينة إلا بتآمر دولي استهدف فلسطين لذاتها ومن خلالها الامة العربية.

فلسطين التي كانت ساحة التصادم الميداني بين الاستراتيجيات المتقابلة الإقليمية والدولية، هي اليوم ومنذ اغتصبت أرضها أرض التصادم بين مشروعين متناقضين حد التناقض الوجودي. المشروع الصهيوني بكل داعميه الدوليين والإقليميين، والمشروع القومي العربي الذي ربط استنهاض الأمة وتوحيدها بتحرير فلسطين.

وبالنظر لطبيعة هذا الصراع فإن ساحة فلسطين أصبحت الساحة الكاشفة لحقيقة المواقف الواقفة على ضفتي هذا الصراع الدائر على أرضها. ومن يقرأ هذه المواقف هي جماهير فلسطين، فهي التي دفعت الأثمان ماضياً وهي التي تدفع حاضراً عبر مقاومتها الاحتلال. بحيث أصبحت الجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق شعب فلسطين المقياس الذي تقاس عليه فظاعة الجرائم التي ارتكبت بحق جماهير الأمة، من قتل وتدمير وتهجير تنكيل وانتهاك متمادٍ لحقوق الإنسان. فما حصل من مجازر في العراق بعد احتلاله يقاس بما حصل في فلسطين، وما حصل في سوريا من مجازر وترحيل جماعي “ترانسفير” وتغيير في الديموغرافيا السكانية يقاس بما حصل فلسطين وقس على ذلك في الساحات العربية التي تعرضت لعدوان خارجي أو تخريب داخلي.

إن جماهير فلسطين هي جزء من الأمة العربية تجمعها الخواص العامة وان تميزت بخواصها الذاتية. ولأن قضية فلسطين هي قضية قومية وقضية إنسانية، فالكل يستحضرها في خطابه، لكن من يكشف حقيقة المواقف ليس من يطلقها بل من يتلمس نتائجها. إن اللاقط الفلسطيني للمواقف هو الذي يقدر حقيقة المواقف وصدقيتها بعيداً عن التعليب السياسي والبروبغندا الإعلامية. والجماهير العربية عامة والفلسطينية أصبحت على مستوى النضج الذي يمكنها إحداث الفرز في المواقف بين من يطلقها للاستثمار السياسي ومن يطلقها انطلاقاً من إيمانه بأن القضية هي قضيته.

إن انتفاضة الجماهير الفلسطينية ومنذ انطلقت انتفاضة الحجارة في الثمانينيات، وتكررت جولاتها لتستقر هذه الأيام في انتفاضة الأقصى كشفت عن حقيقتين:

الأولى أن الجماهير تختزن في ذاتها طاقة نضالية عظيمة وهي تطلق هذه الطاقة من خلال انتفاضتها التي تفرض تغييراً في قواعد الاشتباك من خلال إعطاء المواجهة بعدها الشعبي الشامل في مواجهة الاحتلال. والثانية، أن الجماهير التي تتصدى للاحتلال، لم تنس من دعا لتوفير الحضن الدافئ لثورة شعب فلسطين وتقاسم معها حبة الدواء ولقمة الغذاء وهو تحت وطأة الحصار الظالم.

إن الجماهير التي تصدت للمستوطنين الصهاينة الذين حاولوا انتهاك حرمة الأقصى وقاومت الأجهزة الأمنية والقوة العسكرية لقوات الاحتلال، استطاعت أن تطرد الصهاينة من حرم الأقصى، وبعدما فرضت عليهم التراجع والانكفاء شعرت بنشوة الانتصار، وبحسها الوطني وانتمائها القومي أهدت هذا الانتصار لمن يستحقه ولمن قال فلسطين في قلوبنا وعيوننا إذا ما استدرنا إلى أي من الجهات الأربع. وعندما يهتف الشباب، في ساحات الأقصى بعد دحر الصهاينة، لصدام حسين، إنما يهدونه لمن أحبهم وهم يعبرون اليوم عن حبهم وتعلقهم برمزيته. وعندما تختار جماهير القدس صدام حسين لتهتف له من بين كل القادة والمسؤؤلين العرب ومن يزعم أنه مع القضية الفلسطينية، فهذا استفتاء على من يعبر عن الإرادة الوطنية لجماهير فلسطين.

القدس، التي تأجلت الانتخابات بسبب رفض العدو شمولها، أجرت الاستفتاء الخاص بها وصوتت لمن تعتبره يمثلها بالموقف والمشروع. حقاً إن ساحة فلسطين هي ساحة كاشفة ومشهدية شباب الأقصى وهم يهتفون لصدام حسين هي الرسالة الموجهة للجميع.

*طليعة لبنان

شبكة البصرة

الخميس 24 رمضان 1442 / 6 آيار 2021

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى