قضية “الاحتيال الكبرى” في تركيا.. “هزة” العملات الرقمية تثير ذعر المستثمرين والحكومة تتحرك بحذر

منذ ثلاثة أيام لم تنقطع أخبار العملات الرقمية من الصفحات الأولى للصحف التركية، وأيضا من واجهات المواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد قضية “الاحتيال الكبرى في تاريخ الجمهورية”، والتي هزت أوساط هذا السوق وخلقت ذعرا بين آلاف المستثمرين.

ويبحث المستثمرون حاليا عن “طوق نجاة” لاستعادة ما خسروه في ثوان في منصة العملات “Thodex” (ثوديكس)، والتي أوقفت أنشطتها الخميس فجأة، ليتضح فيما بعد هروب مديرها، فاروق فاتح أوزور، إلى خارج البلاد، واختفاء ما قيمته 2 مليار دولار من العملة الرقمية.

وتواصل السلطات التركية تحقيقاتها حتى الآن في مسعى للقبض على أوزور.

وكانت السلطات قد اعتقلت مقربين من عائلته في اليومين الماضيين، وصادرت أصولا مالية له تقدر بـ30 مليون ليرة تركية، كما أصدرت نشرة حمراء باسمه، وأجرت اتصالات رسمية مع ألبانيا التي يعتقد أنه حط بها بعد خروجه من مطار إسطنبول.

وعلى اعتبار أن “Thodex” هي من هزت أسواق العملات الرقمية في تركيا بقضية “الاحتيال”، إلا أن الذعر لم يتوقف عندها بل انسحب لباقي المنصات والتي أعلنت إيقاف نشاطاتها فجأة أيضا، بينها منصة “Vebitcoin”.

وحسب ما قالت مصادر مطلعة على أسواق العملات الرقمية في تركيا فمن المتوقع أن تتجه باقي منصات العملات الرقمية في البلاد إلى إيقاف أنشطتها في الأيام المقبلة.

وأضافت في تصريحات لموقع “الحرة”: “غالبية المستثمرين في هذه المنصات اتجهوا وعلى عجل في الأيام الثلاثة الماضية إلى وضع أصولهم ضمن محافظ باردة، كخطوة للحفاظ عليها من أجل قضية احتيال أخرى”.

تشير المصادر: “هناك خسائر فادحة بعد قضية Thodex، وكرد فعل على ذلك فتحت مئات القضايا في محكمة الأناضول ضد أوزور، لكن ذلك قد يطول”.

“إشارات سابقة”
على الرغم من الهزة التي ضربت أسواق العملات الرقمية في تركيا كانت مفاجأة وصادمة، إلا أن عدة إشارات كانت قد سبقتها بأسابيع، بينها إعلان البنك المركزي التركي حظر استخدام العملات والأصول الرقمية في شراء السلع والخدمات.

وقال المركزي التركي في بيانه، الأسبوع الماضي، إن العملات المشفرة (وأبرزها بيتكوين) وبقية الأصول الرقمية القائمة على تكنولوجيا الدفاتر الموزعة لا يمكن استخدامها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كأداة للدفع.

وأضاف أن “مقدّمي خدمات الدفع لن يكون باستطاعتهم تطوير نماذج أعمال بطريقة تستخدم فيها الأصول المشفرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في توفير خدمات الدفع وإصدار الأموال الإلكترونية، ولن يكون باستطاعتهم تقديم أي خدمات ذات صلة بهذه النماذج من الأعمال”.

وشرح المصرف السبب وراء الحظر، قائلا إن تلك الأصول “لا تخضع لأي آليات تنظيم أو إشراف ولا لسلطة تنظيمية مركزية”، علما أنه وقبل أسبوعين طلبت السلطات التركية معلومات تتعلق بالمستخدمين من منصات تداول.

وقد يكون هناك ربط كبير بين التطورات التي طرأت على منصات العملات الرقمية والقرار الأخير للبنك المركزي، وحسب ما قال خبراء اقتصاد فإن هذه العملات كانت قد أثرت بشكل غير مباشر مؤخرا على قيمة الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية.

فراس شعبو، أستاذ الإدارة المالية في جامعة “باشاك شهير” يقول: “كان واضحا في الفترة الأخيرة توجه الحكومة في تركيا إلى الدفع باتجاه عدم التعامل بالعملات الرقمية، كونها ساهمت بشكل أو بآخر في الضغط على قيمة الليرة التركية”.

ويضيف شعبو في تصريحات لموقع “الحرة” إن “الطلب على الأصول في منصات العملة الرقمية كان بالعملات الأجنبية، وبالتالي كان هناك حجم من العملات الأجنبية ينطرح خارج تداول العمليات التجارية ويخرج للخارج أو بعض المنصات. هي أرقام كبيرة”.

ومنصة “ثوديكس” هي جزء من مجموعة من المنصات التي يتم فيها تداول العملات، واعتبر الخبير الاقتصادي أن رقم 2 مليار دولار مبلغا كبيرا على منصة واحدة.

“الحكومة تتحرك بحذر”
إلى جانب قرار المركزي كان لافتا أن قضايا منصات العملات الرقمية جاءت عقب لجوء الكثيرين في تركيا إلى هذا النوع من التداول، لحماية مدخراتهم من ارتفاع التضخم وهبوط العملة التركية.

ومنذ مطلع عام 2021 لوحظ الازدهار المتنامي لسوق الأصول الرقمية في تركيا، وسبق وأن تحدثت وسائل إعلام تركية أن المستثمرون يأملون في الربح من ارتفاع بيتكوين والتحوط من التضخم في البلاد، الذي ارتفع سنويا ما يزيد عن 16 بالمئة في مارس الماضي.

ويوضح الخبير الاقتصادي شعبو أن “الأعين اتجهت نحو تلك المنصات بعد قرار البنك المركزي. قد نشاهد إغلاقها في الأيام المقبلة”.

ويضيف: “لكن قد يفرض الإغلاق حالة من الذعر والبلبلة الاقتصادية، لاسيما أن الأصول المالية التي يتم تداولها في المنصات تتجاوز مليارات الدولارات”.

لذلك تتعامل الحكومة التركية بحذر مع هذه الخطوة في الوقت الحالي.

ويتابع شعبو: “حتى تستطيع تخفيف ردة الفعل العكسية لهذه المنصات، أو تجنب أي بلبلة اقتصادية من قبل المستثمرين وأصحاب الأصول”.

“كوين تورك”
وتعتبر العملات الرقمية ملاذا غير آمن، لا على مستوى الدول ولا على مستوى الأنظمة الاقتصادية أو الأمن الاقتصادي، والذي من الممكن أن يتحقق للطبقة الناشئة اقتصاديا. هي الطبقة الأكثر تداولا في العالم لموضوع العملات الرقمية.

الاستشاري الاقتصادي التركي، جلال بكار، يرى أن هناك ربطا بين قرار البنك المركزي الأخير، وما يحصل في الوقت الحالي بشأن منصات العملات الرقمية.

ويقول بكار في تصريحات لموقع “الحرة”: “رأينا قرار البنك المركزي بحظر التبادلات التجارية من خلال العملات الرقمية المشفرة، لأنها بشكل بسيط تفتقد لأية أصول تجارية أو أصول مالية حقيقة ملموسة، أي أنها عبارة عن أصول وهمية لا تملك أي ضمانات لا على مستوى الدول والأفراد”.

وفي مقابل ما سبق يشير بكار إلى نقطة لافتة كانت الحكومة التركية قد فتحت باب الحديث عنها، في أواخر عام 2019، حيث أعلنت عزمها آنذاك إصدار “عملة رقمية وطنية” تحمل اسم “كوين تورك”.

ويوضح بكار: “هذه العملة (كوين تورك) سيكون لها أسس قانونية تضعها الحكومة التركية، لحماية كافة الأطراف في مختلف التعاملات، على أن تُدرج أيضا في بورصة إسطنبول مما يعطيها بعدا كبيرا على صعيد الأمن الاقتصادي”.

ومن شأن “العملية الرقمية الوطنية” في تركيا أيضا أن تتحول إلى ملاذ مهم للتعامل مع مشاكل الاقتصاد الكبرى، والتي تعاني الأخيرة منها أصلا، كارتفاع معدلات التضخم والبطالة والركود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى