فن الاستعداد للأسوأ !!

 

في عالم السياسة. سياسة الحكم وإدارة شئون الدول والعلاقات الخارجية، وفيما يتعلق بالمستقبل، أي بسياسات واستراتيجيات التعامل مع المستقبل هناك مبدأ أساسي. لك أن تأمل في الأفضل، لكن عليك ان تتوقع وتستعد للأسوأ.

بمعنى انه فيما يتعلق بأي قضية او تطور او ازمة من حق صانع القرار ومن يرسم السياسة العامة ان يعلق أمله على حدوث الأفضل بالنسبة لأي قضية او تطور، لكن حساباته الأساسية واستعداداته يجب ان تبنى على توقع حدوث أسوأ الاحتمالات.

هناك منطق سياسي رشيد يحكم هذا المبدأ.

فيما يخص اي تطور او قضية او أزمة، ان انت بنيت حساباتك على أساس ان الأفضل قادم لا محالة، فقد تجد نفسك في موقف صعب جدا ومعضلة لست جاهزا للتعامل معها. قد تجد نفسك امام تطورات وأوضاع خطيرة لم تتوقعها ولم تستعد للتعامل معها. وفي هذه الحالة لا يمكن ان يكون ما تفعله سياسات رشيدة او تحقق المصلحة العامة. اما اذا أتت تطورات المستقبل بما تأمل به أي الأفضل، فحينئذ لن تخسر شيئا.

هذا المنطق.. منطق الإستعداد للأسوا ينطبق بطبيعة الحال على كل القضايا والأزمات والتطورات المحلية او الإقليمية والدولية التي تؤثر علينا.

نستطيع ان نضرب عشرات الأمثلة على هذا.

خذ على سبيل المثال ازمة كورونا الحالية التي تضرب العالم كله.

هذه الأزمة بتداعياتها وتأثيراتها المهولة فرضت على كل دول العالم ابتاع إجراءات وسياسات ووضع خطط جديدة لم تكن مطروحة من قبل.

اليوم البعض يتوقع ان تنتهي الأزمة في خلال اشهر او عام مثلا. وبالطبع الكل يأمل في هذا.. الكل يأمل ان تنتهي الأزمة في اسرع وقت.

لكن الذي يبني حساباته على هذا مخطيء. التفكير الاستراتيجي السليم يجب ان يقوم على افتراض الأسوا.. اي افتراض ان هذه الأزمة سوف تستمر لسنوات، ويجب وضع الخطط والسياسات في كل مجالات العمل الداخلي على هذا الأساس، والاستعداد لأسوا السيناريوهات.

وخذ مثلا قضية مثل قضية التآمر على دولنا العربية والأزمات الكبرى التي واجهتها دولنا من قوى وجماعات متآمرة ودول اجنبية في عام 2011 والسنوات التالية.

البعض قد يفترض انه بنجاح الدول العربية او بعضها في تجاوز الأزمة فانها قد انتهت الى غير رجعة ولم تعد مطروحة او تستدعي الانشغال الكبير بها.

هذا تفكير قاصر وخاطيء.

التفكير المنطقي الاستراتيجي السليم يقتضي من كل صناع السياسة ومتخذي القرار في دولنا افتراض ان الأزمة ما زالت قائمة، وان التآمر ما زال موجودا، وان الأحداث التي شهدناها سابقا يمكن ان تتجدد في أي وقت.

التفكير على هذا النحو يعني بداهة ان نكون مستعدين لكل الاحتمالات، وان نضع الخطط الأمنبية والسياسية على هذا الأساس بحيث اذا حدث واطلت المؤامرة مجدا برأسها نكون على اتم الاستعداد.

تستطيع عزيزي القاريء ان تفكر بنفسك في عديد من القضايا والأزمات وان تطرحها من هذه الزاوية.

المهم في الأمر كله ان الاستعداد للأسوأ في العمل الوطني وفي قضايا الوطن مبدأ أساسي يجب ان يكون حاضرا باستمرار.

حقيقة الأمر ان الاستعداد للأسوا هو فن سياسي استراتيجي. هو تجسيد لمدى رشد تفكير صناع السياسة ومتخذي القرار، ولقدرتهم على التخطيط السليم للمستقبل. وهذا التفكير المستقبلي ليس انشائيا أو اعتباطيا، وانما يقوم على أسس مدروسة.

ولهذا، فان كثيرا من الدول الكبرى، غربا وشرقا، يعطون للقضية أهمية كبرى.

اهتمامهم بالقضية يتجسد في امرين اساسيين:

الأول: إعطاء أهمية كبرى للدراسات الاستراتيجية المستقبلية عبر مراكز الأبحاث المحترمة.

الذي يتابع ما يجري في الغرب مثلا يلاحظ ان الحكومات وفيما بتعلق بالقضايا والأزمات الكبرى، تطلب من مراكز الأبحاث دراستها بعناية ووضع السيناريوهات المستقبلية المختلفة أيا كانت متفائلة او سيئة. بالطبع، الحكومات ليست ملزمة بأخذ توصيات هذه المراكز لكنها تكون على بينة بآثار وتبعات مستقبلية لأي سياسة تتبعها.

والأمر الثاني: ان صناع السياسة ومتخذي القرار في هذه الدول عادة ما يستعينون بعقول استراتيجية مستقلة يستعينون بها كمستشارين او أيا كان وضعهم.

هذه العقول الاستراتيجية لا تكون عادة في دائرة الضوء وربما لا يعلم عنهم الاعلام شيئا. لكن مهمتهم هي تقديم النصيحة المستقلة المخلصة بغض النظر عما اذا كانت ترضي صناع السياسة ام لا.

للأسف الشديد في دولنا العربية لا نعرف الأمرين معا.. لا نعرف الاهتمام بالدراسات العلمية المستقبلية الاستراتيجية، ولا الاستعانة بالعقول الاستراتيجية المفكرة غير المنافقة.

وعموما، أردنا فقط ان ننبه الى هذه القضية.. قضية ضرورة الاستعداد للأسوا بكل ما يعنيه ذلك، خاصة ان دولنا العربية تواجه قضايا وازمات عاصفة وتقلبات استراتيجية لا نعرف بالضبط الي اين يمكن ان تقود دولنا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى