الذكرى الثامن عشرة لاحتلال العراق

 

التاسع من نيسان إبريل يوم لا يمكن أن ينسى من ذاكرة التاريخ العربي والإنساني، ففي هذا اليوم احتل الأعداء ليس العراق فحسب ولكن احتلوا وصادروا كل إرادة الأمة، وأصبحوا على حدودنا الشرقية وفي قلب كل أوطاننا، وأصبح وطننا العربي الكبير محتلا ففي الشرق هولاكو الجديد وفي الغرب قيصر الصهيوني وهما حلفاء ، ومع غياب الدور المصري الفعّال لم يعد هناك إلا سوريا وفي البعيد ليبيا والجزائر، أما الباقون فإنهم بالعرب والعروبة كافرون، وإلى أمريكا وكيانها الصهيوني عملاء مخلصون .
ولذلك جاء الربيع الصهيوأمريكي الذي يسمى عربياً بعد أن أخرجوا مصر بصفقة كامب ديفيد واحتلوا العراق وحاصروا سوريا، وهذه الأحداث لم تكن منفصلة عن المؤامرات الكبرى عن الأمة وعلى رأسها العدوان الثلاثي على مصر الناصرية عام 1956م والعمل على تفتيت وحدة مصر وسوريا أي ما عرف بالجمهورية العربية المتحدة، وكان ذلك الطريق الذي سهل لحرب حزيران يوليو عام 1967م ، فقد كانت دبابات الانفصال عن الوحدة هي المشاة التي مهدت للنكسة المؤلمة، وثم بعد ذلك الرحيل المفجع للزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي كانت آخر معاركه إعادة تسليح الجيش المصري وبناءه من جديد بأفضل الكفاءات وثم خوض حرب الاستنزاف والإعداد لحرب العبور العظيم ووضع خطتها وثم إنهاء حرب الأخوة في الأردن .
ورغم الانتصار الجزئي في حرب أكتوبر إلا أن العدو وجد في المرتد أنور السادات العميل المطلوب الذي كان طيلة أيام جمال عبد الناصر يتظاهر بالوطنية والقومية وألف كتب في ذلك منها (يا ولدي هذا عمك جمال وقصة الوحدة العربية وسيكولوجية الثورة المصرية ) الذي كتب مقدمته الزعيم جمال عبد الناصر شخصياً .
احتلال العراق قبل ثمانية عشر عاماً كان نتيجة طبيعية لكل الأحداث السالفة الذكر وبعد احتلال العراق الذي هو الآخر كان مقدمة لما يسمى زوراً بالربيع العربي الذي بدأ بأسوأ نظامين في وطننا الكبير ، تونس ومصر بعد أن ادى حكامهما كل ما كان مطلوباً منهم وأصبحوا بعد ذلك عبئاً على مشغليهم، ثم انتقلت الأحداث بخبث إلى ليبيا وجرى تدميرها واحتلالها من الناتو واستشهاد قيادتها وعلى رأسهم العقيد الشهيد معمر القذافي ، وامتد الحريق بعد ذلك لسوريا التي لن يعرف الكثير حتى من العملاء المتآمرين عليها إن بقاء أوطانهم سليمة كان بفضل الصمود الأسطوري لسوريا شعباً وجيشاً وقيادة التي كسرت حلقة المؤامرة الصهيوأمريكية المسماة بالشرق الأوسط الجديد وأوقفتها ولو مؤقتاً عند حدودها، ولكن الثمن الذي دفعته سوريا كان غاليا جداً ولكن تلك هي سوريا العطاء والتضحية والفداء .
إذا فاحتلال العراق لم يكن بسبب أسلحة الدمار الشامل المزعومة ولا من أجل عيون إعراب الخليج المحتل، ولكن استكمالاً للمؤامرات التاريخية على الأمة من العدوان الثلاثي لفصل دولة الوحدة بين مصر وسوريا لحرب حزيران يونيو وصولاً لاحتلال العراق حيث استغلت أمريكا في ذلك الوقت التوازن الدولي وفرض الأمر الواقع ليبدأ بعد احتلال العراق ضرب كل الأنظمة العربية بما في ذلك عملاء أمريكا ممن وجب تغييرهم بعد انتهاء أدوارهم وعلى هذا الأساس كان ما يسمى بالربيع العربي .
إن إحتلال العراق هو بداية فرض المشروع الصهيوأمريكي تحت مزاعم السلام، وفي مدريد حيث جاء العرب مجبرين أي إنه تم جلبهم لينفرد العدو بهم بعد ذلك واحداً تلو الآخر في حلول استسلامية منفردة ما عدا سوريا التي تدفع اليوم ثمن مواقفها القومية المشرفة، وثم فتح الطريق لما نحن عليه اليوم من هرولة البعض نحو العدو الصهيوني وإبرام الصفقات معه، والغريب العجيب إنهم يفعلون ذلك من أجل فلسطين، كما يزعمون .
سيظل التاسع من نيسان إبريل يوماً حزيناً في تاريخ الأم،ة والمؤلم أكثر أن نرى في عراق الطوائف اليوم من يسمون احتلال العراق اليوم ضيافة (حسب تعبير مظفر النواب) والجرائم الأمريكية تحريراً وفي نفس الوقت نرى بعضهم يرفض المشروع الأمريكي في سوريا واليمن ولبنان ولكنهم يقبلونه في العراق، وهذا أمر غريب يحتاج لكل أطباء الأعصاب في العالم لتحليله .
التاسع من نيسان نكسة عربية أخرى تضاف لسلسلة النكسات التي بدأت من احتلال فلسطين وتوجت بما يسمى بالربيع الصهيوأميركي المسمى عربياً، ولم يبق أمام شعبنا العربي إلا طريق النضال والكفاح والثورة على كل إفرازات الاحتلال، أو الخروج من التاريخ أو حتى ربما الجغرافيا ولا عزاء للصامتين .

عبد الهادي الراجح
Sent from Yahoo Mail on Android

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى