وفقاً لافادة ابنته.. توفيق الحكيم لم يكن بخيلاً ولا عدواً للمرأة

 

ورثت الكثير عن أبي، أحب القراءة، والكتابة، والبساطة في الحياة، وعدم المظهرية، بهذه الكلمات بدأت زينب خريجة القسم الفرنسي بكلية الآداب، ابنة الراحل توفيق الحكيم، حديثها أثناء أحد اللقاءات بها لمعرفة آخر وصية لأبيها.

صمتت لبرهة ثم قالت: أبي كان يعجبه أن تروج عنه شائعة بخله، وكان يضحك منها، ويبالغ فيها مع أصحابه، لكن أمي رحمها الله كانت تتصرف في كل دخله كما تشاء، وكان يعوضها عن عدم خروجها من المنزل بأن يسافرا سويا إلى أوروبا لتعيش معه شهرا كاملا كل عام، وتشتري كل ما تشاء لها ولنا، وكان أبي يعاملها كملكة ينقصها التاج، وليس كما كان يقول البعض بأنه عدو المرأة.

وفي حديثها لمجلة صباح الخير المصرية عام 1978، قالت: “إن أبيها لم يرتد ساعة في يده أبدا، ولم يكتب بقلم ذهب، ويرفض بل ويشمئز من الأقلام الباهظة الثمن التي كانت تقدم له أحيانا كهدية في عيد ميلاده، ويفضل القلم الرصاص، ومن أفضل الهدايا التي كانت تحلو، وتروق له، وتغمره السعادة عندما نقدمها له وهي منديل كلينكس، علبة بسكويت من النوع الذي يفضله مع شاي الصباح، ودفاتر بلوك نوت بشرط يكون الأسطر فيها ١٢ سطرا، وأقلام رصاص، وبيجاما، أما غير ذلك يدعه في الدولاب، ويصبح في طي النسيان”.

وعن أقوى صدمتين واجههما الحكيم في حياته قالت: أول صدمة كانت عام ١٩٧٧، حيث ماتت أمي، والثانية، عام ١٩٧٨ وفاة شقيقي إسماعيل، فقد أخذ أبي بعد ذلك يتجه إلى قراءة القرآن الكريم، وخرج بفلسفة، وهي إن الإسلام هو الاستسلام لقضاء الله وقدره، وأصبح يكره العزلة التي كان يعشقها طوال عمره.

واستكملت حديثها، وهي تشير إلى سيدة عجوز تقف بجوار الباب تسمع حوارها، وطلبت منها أن تجلس بجوارها، وأوضحت عن شخصيتها قائلة: إنها منصورة الطباخة التي لازمت أبي منذ شبابه، لمدة ٥٥ عاما، وتعرف عنه، وعن العائلة أكثر مما اعرف انا.

وما إن جلست منصورة حتى سبقتها دموعها وهي تقول: مازال صوته في أذني، ولم أصدق أن البيه الحكيم مات، ثم واصلت حديثها: “لقد كان يستيقظ مبكرا، ويقوم بإعداد الشاي بيده، وداخل غرفته ثلاث كبايات، والويل لمن يقترب منها، وكان يقوم بتنظيفها، ولم يطلب من أحد أن يلمع له حذاءه بل كان يلمعه بنفسه.

وتدخلت زينب قائلة: منذ أن وعيت على الدنيا، وأنا أرى الثلاث كبايات في حجرته، وحتى مماته لا أحد يعرف سر الثلاث كبايات، ولماذا هي تحديدًا؟

وبابتسامة وقورة ظهرت على وجهها الحزين قالت: لقد اضطر أبي في أيامه الأخيرة لملازمة البيت، يتصفح المجلات والجرائد، بدقة أكثر.

وبدموع تنهمر قالت: لقد كان طلبه الأخير، والذي لم ألحق أن أنفذه له، أن اتصل بالشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي كي يأتي ويقرأ له القرآن في حجرته، لكنني خجلت أن أسارع بطلب الشيخ الشعراوي، وكنت أنوي مكالمته، وإخباره برغبة أبي، لكن أنفاسه توقفت قبل أن أرفع سماعة التليفون وألبي رغبته.

واختتمت حديثها قائلة: لقد ظل الحوار متواصلا بيني وبين أبي، وأنا أسير خلف جنازته بالسيارة حتى أنزلته قبره، وهناك شعرت فقط بإنني قد افتقدته إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى