لان الدماغ يكف عن انتاج “مخدر الحب” بعد الزواج.. البعد بين الأزواج يجدد اشواقهما

يواجه بعض الأزواج ضغوط الحياة اليومية بالابتعاد المؤقت. وهذا الأمر يساهم في تجديد المشاعر بينهما. وينصح خبراء العلاقات الأسرية بالبعد بين الزوجين لعلاج الملل الذي يتسرب إلى حياتهما والقضاء عليه ليحل محله الودّ والصفاء والانسجام.
ويؤكد هؤلاء الخبراء أن خفوت الحب ليست له علاقة بالمودة والتراحم والعشرة الطيبة بين الزوجين بل يعود إلى غياب مادة الـ”فينيل إيثالمين” الموجودة في أدمغة المحبين الجدد. وهذه المادة هي أحد أنواع “الأمفيتامين” المخدرة التي ثبت أنها السبب المباشر لحالات التخدير والسرحان اللذيذ الذي يصيب المحبين. لكنها تختفي بعد سنوات من الزواج.
وحتى يعود الحب الذي خفت بين الزوجين وتتأجج مشاعر المودّة بينهما وتعود مادة الـ”فينيل إيثالمين” إلى سالف نشاطها ينصح الخبراء بالابتعاد غير الطويل الذي من شأنه أن يعالج الملل الذي يتسرب إلى الحياة الزوجية فيقضي عليه ليحل محله الود والصفاء والانسجام بين الطرفين.
ويلجأ بعض الأزواج إلى الإجازة الزوجية لتهدئة النفوس، وإعادة أيام الصفاء، حيث يتاح لهما قضاء فترة استرخاء لاستعادة نشاط المشاعر وتجديدها.
ويشير خبراء العلاقات الأسرية إلى أن الإجازة الزوجية تعني أن يأخذ كلا الزوجين راحة من الآخر، ويبتعد عن الشريك فترة قد تطول أو تقصر، وقد تتمثل بالابتعاد ليوم كامل، ثم يأتي اللقاء على أضواء الشموع في العشاء، وقد تصل فترة الإجازة أسبوعاً، موضحين أن هذا الانفصال المؤقت قد يثير مشاعر الفقدان وقلق الانفصال بين الزوجين، وبالتالي يؤجج مشاعر إيجابية تجاه الشريك، إضافة إلى منح الوقت لهما لمراجعة مشاكلهما والوقوف على أسبابها وإيجاد حلول لها، خاصة إذا كانت الإجازة بعد مشكلة أو شجار حاد، حتى تأتي فائدتها في تهدئة النفوس وتخفيف درجة الغضب، ما يؤدي إلى بروز المشاعر الإيجابية تجاه الطرف الآخر والتفكير المنطقي بعيداً عن الغضب والجروح.
قال الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة “ممّا لا شك فيه أن العلاقات العائلية ولاسيما بين الزوجين تحتاج إلى الرعاية اليومية سواء بالإصلاح أو بالترميم، أو بتنمية المحبة والتفاهم… فالزوج هو سكن لزوجته والعكس أيضا صحيح. والسكن من السكينة ومن المسكن… وهما وعاء روحي وجسدي واجتماعي ووجودي. لكن لكل شيء في الحياة من فترة انقطاع حتى يستطاب، مثل الانقطاع عن الأكل والشرب في رمضان. وكذلك في العلاقات الزوجية لا بد من فترات انقطاع إما لأسباب صحية أو لضرورات العمل أو لانشغالات اجتماعية.”
وأضاف يقول أن “هنالك ابتعادا آخر من نوع عاطفي الهدف منه تجديد الشوق إلى الطرف الثاني… وهذا النوع منصوح به من زاوية نظر علم النفس، رغم أن كل طرف في العلاقات الزوجية يشعر به ويستمتع به خلال فترات البعد التي تمليها ضروريات سفر الفرد للعمل أو للقاء الأبوين”.
وأشار بن منصور إلى أن تجديد العلاقات الزوجية مسألة تحتاج إلى أن تؤخذ على محمل الجد، فإذا كان الدين يتجدد بعد كل مئة سنة، وإذا كان الإيمان يبلى مثل الثوب ويحتاج إلى تجديد بين المدة والأخرى، فإن العلاقات الزوجية تحتاج هي الأخرى إلى شحنة تجديد ونقاء وصفاء، لعل من بين سبلها الجميلة الابتعاد الذي يغذي الاشتياق للطرف الآخر ويعمق الوعي بمحاسن خصاله وحلو معشره ومكانته في حياته… وكم تكون الحسرة عظيمة إذا كان البعد نهائيا لأنه ناتج عن فقدان أبدي… سببه الموت أو حتى الطلاق… فالبعد داء لأدواء زوجية كثيرة أما الفراق فإنه هادم للعلاقة الزوجية وحسرة دائمة على ما لا يمكن تداركه وشوق بلا حول على لقاء زوجي جميل غابر صار محض سراب. وتعد فكرة وجود إجازة زوجية متفق عليها بين الزوجين إجراء سليما لا يخلو من فوائد.
وقال حمزة دودين أستاذ القياس بكيلة العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات، “إن كانت الإجازة الزوجية من دون خلافات فهذا الإجراء سليم، فالابتعاد يؤدي إلى زيادة العواطف، وتأجيج الحياة العاطفية والاشتياق بين الزوجين لبعضهما بعضاً، فيشعر كل منهما بقيمة الآخر”.
أما إن كانت الإجازة الزوجية قد جاءت بسبب كثرة الخلافات والمشاحنات الزوجية، فهنا يرى دودين أن ابتعاد الزوجين عن بعضهما البعض يأتي على حساب اتخاذ قرار غير مدروس، فقط من أجل الابتعاد عن المشاكل وتأجيلها وليس حلها، مشيرا إلى أن أخذ إجازة طويلة مهما كانت مدتها، لن يؤدي إلى حل المشكلة بل سيقود إلى تراكمها، فيعود الطرفان إلى نقطة الخلاف نفسها. ويوضح أن الإجازة الزوجية بين الزوجين تعني الانفراد بالنفس قليلاً من الوقت لتجديد الحنين والشوق، وإذا طبقت بطريقة صحيحة، على ألا تطول مدتها، وألا تكون بعد ثورة غضب، أو تأتي كفض اشتباك ستؤتي ثمارها.

ويرى خبراء العلاقات الأسرية أن الحاجة إلى تجديد مشاعر الحب في العلاقة الزوجية أمر مهم جدا خاصة بالنسبة إلى الأزواج الذين يمارسون حياتهم بنوع من الروتين الصارم، ما يؤدي إلى فتور المشاعر نتيجة التكرار وغياب التشويق، لذا ينصحون بأهمية ابتعاد الزوجين عن بعضهما البعض، بغرض تأجيج العاطفة والأحاسيس في ما بينهما. لكن البعض يرفض فكرة الإجازة الزوجية تماماً. ويراها مخالفة للكثير من أسس العلاقة الزوجية الطبيعية، بل “ضد العشرة”.
كما يرون أن البعد قد يأتي بنتائج عكسية، حيث يؤدي ابتعاد الشريكين عن بعضهما البعض إلى حدوث نوع من الفتور والجفاء بينهما، وهو ما يزيد الوضع سوءا، وربما يهدد العلاقة الزوجية بأكملها.
وأوضح المختصون أن سفر الأزواج دون زوجاتهم لا بد أن يحكمه نظام وتنسيق بين الطرفين، مبينين أن بعد الزوجين عن بعضهما البعض يوما في الأسبوع أو فترة من السنة يمكن أن يكون فرصة لتجديد العلاقة بينهما وبث روح جديدة في علاقتهما، وشددوا على ضرورة أن تتوفر الثقة المتبادلة بين الطرفين.
وأفادت الدكتورة صابرين جابر الكاتبة والباحثة المصرية في العلاقات الأسرية أن أي علاقة زوجية تحتاج إلى إجازة، بالاتفاق بين الطرفين على مدة محددة، لكسر حالة الملل والروتين الزوجي، مشيرة إلى أن الابتعاد لبعض الوقت يعيد شحن طاقة الاشتياق بين الزوجين ويحررهما من مسؤوليات الزواج وما يصاحبها من ضغوط.
كما أشارت إلى أنه عندما يبتعد الزوج عن زوجته يبدأ في تذكر جميع اللحظات الجميلة التي قضياها معا، وأسعد المواقف التي مرت بينهما، لكن مع زيادة الفجوة وطول المسافة يقل الحماس شيئا فشيئا، ويبدأ في التساؤل والحيرة وتأتي بعدها مرحلة تذكر سلبيات شريك الحياة وما كان يعاني منه في شخصيته.
وهكذا يؤكد الخبراء على ضرورة التباعد بين الزوجين من فترة إلى أخرى لكن دون أن يكون لمدة طويلة قد تؤدي إلى حدوث فجوة بينهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى