جدل حول المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن

بعد ست سنوات من الحرب العبثية في اليمن ، أعلنت المملكة السعودية عن مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن .وفيما وصفت صحف سعودية المبادرة بأنَّها “شجاعة” وأنَّها “نقلت كرة السلام في اليمن لملعب الحوثي”، وتساءلت عن موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي رفع اسم جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب وهم يرفضون المبادرة.وبالمقابل ،كتبت الصحف اليمنية المعبره عن مواقف الحوثيين بأن المبادرة ما هي إلا “مناورة” وأن السعودية “تحاول عبثا الظهور بعباءة الباحث عن الحل السياسي لتحسين صورة إدارة بايدن”.
مضمون المبادرة السعودية
خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في الرياض يوم الإثنين 22مارس 2021، أعلن علن وزير الخارجية السعودي ، الأمير فيصل بن فرحان ، تفاصيل المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية، والوصول إلى اتفاق سياسي شامل.
وتتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم بشان الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية.
كما تشمل المبادرة السعودية بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
تأتي هذه المبادرة في إطار الدعم المستمر لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث والمبعوث الأمريكي لليمن تيموثي ليندركينغ والدور الإيجابي لسلطنة عمان،  ودفع جهود التوصل لحل سياسي للأزمة برعاية الأمم المتحدة.
لقد دعت المملكة السعودية الحكومة اليمنية والحوثيين للقبول بالمبادرة، وهي مبادرة تمنح الحوثيين الفرصة لتحكيم العقل ووقف نزف الدم اليمني ومعالجة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب اليمني الشقيق وأن يكونوا شركاء في تحقيق السلام، وأن يعلنوا مصالح الشعب اليمني الكريم وحقه في سيادة واستقلال وطنه على أطماع النظام الإيراني في اليمن والمنطقة، حسب وجهة نظر المملكة السعودية. وأن يعلنوا قبولهم بالمبادرة ليتم تنفيذها تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة.
وشددت المملكة على حقها الكامل في الدفاع عن أراضيها ومواطنيها والمقيمين بها من الهجمات الممنهجة التي تقوم بها المليشيات الحوثية المدعومة من إيران ضد الأعيان المدنية، والمنشآت الحيوية التي لا تستهدف المقدرات الوطنية للمملكة فحسب، وإنما تستهدف عصب الاقتصاد العالمي وإمداداته، وكذلك أمن الطاقة العالمي والممرات المائية الدولية.
وأكدت المملكة أيضًا رفضها التام للتدخلات الإيرانية في المنطقة واليمن؛ حيث إنها السبب الرئيسي في إطالة أمد الأزمة اليمنية بدعمها لميليشيات الحوثيين عبر تهريب الصواريخ والأسلحة وتطويرها وتزويدهم بالخبراء، وخرقها لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ونبهت المملكة إلى استمرار دعمها ودول التحالف للشعب اليمني وحكومتة الشرعية، وأنها ستظل ملتزمة بدورها الإنساني في التخفيف من معاناة الشعب اليمني الشقيق ودعم كل جهود السلام والأمن والاستقرار في اليمن والانتقال إلى مرحلة جديدة لتنمية وتحسين معيشة الشعب اليمني.
موقف الحوثيين من المبادرة
في سياق رد فعلها على مبادرة السلام التي أعلنت عنها السعودية يوم الإثنين الماضي ،كرَّرت حركة أنصار الله الحوثية في اليمن دعوتها إلى رفع الحصار المفروض على البلاد.
فقد أكَّدَ القيادي عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة، محمد علي الحوثي، أنَّ ما جرى إعلان إعلامي وليس مبادرة حقيقية. وأعلنت جماعة الحوثي، يوم الأربعاء24مارس/آذار 2021، أنها لم تتسلم مبادرة السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن بشكل رسمي بعد، متهمة الرياض بأنها غير جادة في مبادرتها.
وأضاف محمد علي الحوثي في مقابلة مع وسيلة إعلام روسية: “لم تسلم إلينا أي مبادرة رسمية، وإنما تم ذلك من خلال إعلان في الإعلام فقط. فلو كان هناك جدية في الموضوع لتم إرسالها قبلا، والحديث حولها، وأيضا الحديث عن مسألة ما ستعلن عنه المبادرة، حتى يكون هناك موافقة من الأطراف لو أرادت أن تكون هذه المبادرة هي مبادرة حقيقية”.
وتابع في مقابلته مع وكالة “سبوتنيك”: “طرحها للإعلام دون أن نبلغ رسميا بها، يوحي بأن هناك عدم جدية من السعوديين في أن يتوقفوا هم عما يقومون به من عدوان على بلدنا”، وفق قوله.وقال: “انتظار الرد من قِبلنا يكون بعد تسليمها بشكل رسمي. نحن مع إيقاف إطلاق النار وإيقاف العدوان وفك الحصار، ولكن ليس إعلاميا، نحن نريد أن تكون هناك مواقف عملية”.وسبق أن أعلنت السعودية عن مبادرة جديدة لإنهاء الأزمة في اليمن والتوصل لاتفاق سياسي شامل، تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار بإشراف الأمم المتحدة.
من جانبه، أكد القيادي في الجماعة، محمد عبد السلام، أن “وصول المشتقات النفطية والمواد الغذائية والطبية والمواد الأساسية استحقاق إنساني وقانوني للشعب اليمني”.ويأتي ذلك تعليقا منه على المبادرة السعودية، في حين سبق أن أكدت الجماعة أن رفع الحصار عن اليمن بشكل كامل من “العدوان” شرط لقبول أي مبادرة، قاصدا بذلك التحالف العربي بقيادة السعودية.وشدد على أن “أي مواقف أو مبادرات لا تفصل الجانب الإنساني عن أي مقايضة عسكرية أو سياسية، ولا ترفع الحصار عن اليمن، فهي غير جادة”.
وقال المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام -في تصريحات للجزيرة- إن المبادرة السعودية لا تتضمن أي جديد، وأضاف “لا يمكننا أن نقبل وقفا لإطلاق النار مع مقايضتنا بالجانب الإنساني “.وأكد عبد السلام أن الحوثيين “مستعدون للذهاب إلى حوار سياسي بعد أن توقف السعودية الحرب وترفع الحصار”.وأشار إلى أن بنود المبادرة نوقشت سابقا ضمن محادثات مع مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث.
موقف الحكومة اليمنية الشرعية
وتعليقا على المبادرة ،اعتبر وكيل وزارة الإعلام اليمني، عبدالباسط القاعدي، المبادرة السعودية “خطوة متقدمة، وأنها تشكل أرضية حقيقية لعملية السلام، خاصة أنها تضمنت أمورا لم يتم تضمينها في مبادرات سابقة، مثل فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة أمام السفن بكل البضائع والمشتقات النفطية.
وقال القاعدي، في حديث خاص لـ”عربي21″،إنَّ أهميتها تكمن في أنه تم إعلانها من السعودية التي تقود التحالف في اليمن، وبالتالي،لديها أوراق قوية لتنفيذها إذا ما وافق الحوثيون.
وبين المسؤول الحكومي أنَّ المبادرة أيضا ترفع الحرج عن الرياض، خاصة بعد تعرضها لضغوط من المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن.وأكَّد المسؤول اليمني أن “المبادرة ستعري الحوثيين، وستقدمهم باعتبارهم طرفا مليشياويا إرهابيا رافضا لأي عملية سلام”، بحسب تعبيره.
السعودية تحت الضغوطات
يعتقد المحللون الملمون و المتابعون بالشأن اليمني ،أنَ هذه المبادرة السعودية تأتي في سياق الضغوط التي مارسها المبعوثان الأممي والأمريكي إلى اليمن على المملكة.فليس خافيًا على أحد، أنَّ المملكة السعودية تتعرض للضغوط، منذ أن استلمت إدارة بايدن السلطة في واشنطن ، والحال تطرح هذه المبادرة لامتصاص الضغوط الأمريكية ورمي الكرة في ملعب الحوثيين.
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع،ل”عربي 21″، أنَّ المبادرة السعودية جاءت تحت ضغوط أمريكية،لا سيما أنَّ السعودية تعيش مأزقا تريد الخروج منه، فقدمت لها المبادرة الأمريكية لتعلنها باسمها حفظا لماء الوجه، بالرغم من أنه لا ماء ولا وجه لها، مؤكدا أن “تسليم الرياض بهذه الطريقة سيجعل طهران تضغط أكثر للحصول على مكاسب أكثر”.
وأوضح الأكاديمي اليمني ،أنَّ المبادرة تحمل في طياتها تسليم اليمن لإيران، وأن المملكة كانت وراء هذا التسليم بممارساتها الخاطئة، التي اعتمدت على تفكيك الشرعية الدستورية واحتفاظها بشرعية الأفراد.وجزم أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أنَّ المبادرة ستمضي؛ لأنه ليس من خيار للسعودية، لكنه استدرك قائلا: “الحرب ستستمر، لأن أسبابها ما زالت قائمة”.
دوافع المبادرة
تأتي هذه المبادرة في ضوء الخسارة المالية التي تكبدها التحالف العربي منذ أن بدأ بشن عاصفة الحزم في سنة 2015، إذ وصلت تكاليف الحرب الباهضة إلى نحو 100مليار دولار، إضافة إلى خسائر بشرية كبيرة حصلت في صفوف الجيش السعودي.فالمملكة السعودية تضررت كثيرًا من الإسقاطات المدمرة للحرب في اليمن،خاصة بعد القصف بالصواريخ الباليستية والمسيرات الملغمة من قبل القيادة العسكرية للجيش واللجان الشعبية اليمنية للأهداف والبنى التحتية الاقتصادية السعودية.
وفي مؤتمر صحافي للكشف عن حصاد العمليات السعودية العسكرية خلال 6 سنوات من الحرب، أعلن المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع، مساء الأحد 21مارس/آذار2021 أنَّ إجمالي الغارات، التي شنها الطيران الحربي السعودي خلال 6 سنوات من الحرب، بلغت أكثر من 250 ألف غارة، منها نحو 1000 غارة منذ بداية العام الجاري فقط.
وفيما أشار إلى أنَّ مئات الغارات لم ترصد خلال عامي 2015 و2016، ذكر المسؤول العسكري الحوثي أنَّ الغارات أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من اليمنيين، من دون تفصيل الضحايا العسكريين من المدنيين.  وكشف المتحدث العسكري للحوثيين عن إطلاق 1348 صاروخاً باليستيا، منها 499 صاروخا على منشآت عسكرية وحيوية في الأراضي السعودية، و849 صاروخاً استهدفت تجمعات ومنشآت داخل الأراضي اليمنية.  وذكر أن الطيران المسيّر نفّذ 1150 عملية هجومية، منها أكثر من 572 ضد أهداف خارج اليمن، في إشارة للأراضي السعودية، و578 عملية داخل الأراضي اليمنية.
ولما كانت المبادرة ثمرة للضغوطات الأمريكية التي مارستها إدارة بايدن على المملكة، فإنها ستصطدم بجملة من التحديات، لعل أبرزها،استمرار حرب الحوثيين، وتفرغهم للحرب الداخلية في ظل شعورهم الآن بنشوة الانتصار، باعتبار أن هذه المبادرة السعودية محصلة للتصعيد العسكري الحوثي وهجماتهم على منشآت حيوية سعودية، ومحاولة فرض المزيد من الاشتراطات في حال الذهاب نحو آليات تنفيذية لوقف إطلاق النار.
خاتمـــــــــة:
هناك إجماع لدى المحللين العرب في إقليم الشرق الأوسط، أن المبادرة السعودية هي محصلة تحولات إقليمية ودولية، وأخرى لها علاقة بسير المعركة والتبدلات الجذرية في طبيعة التحالفات داخل التحالف الذي تشكل للتدخل العسكري في اليمن.فالحوثيون هم جزء من حرب إقليمية تدار على الأرض اليمنية بين المملكة السعودية و إيران ، وهم يمارسون الضغط العسكري الكبير على مدينة مأرب المعقل الرئيس للشرعية على الأرض اليمنية، والغنية جدا باحتياطات النفط و الغاز،التي إن سقطت فسيمثل هذا السقوط نهاية الدور السعودي، مقترنة بهزيمة ثقيلة يقابلها انتصار حقيقي لإيران . فالمملكة تدرك أنَّ حركة أنصار الله الحوثية سترفض مبادرتها لاعتباراتٍ ميدانيةٍ بحتة، وباعتبارها محاولةً لاستباق ما قد تسفر عنه المواجهات العسكرية للسيطرة على مدينة مأرب التي، فضلاً عن ثقلها الاستراتيجي والنفطي و الغازي داخل الجغرافيا اليمنية، تُمثّل آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال البلاد. ونجاح الحوثيون في حسم المعركة سيكون تحوّلاً مفصلياً في مسار الأزمة.
هناك إجماع إقليمي و دولي أنَّ حركة أنصار الله الحوثية باتت جزء من محور إيران الإقليمي،الذي يخوض حرب استنزاف ضد المملكة السعودية، طويلة، ومكلفة مادياً وسياسياً وأخلاقياً.إضافة لذلك، هناك جو من انعدام الثقة بين الحوثيين والسعوديين،فضلاً عن أنَّ ربط المبادرة الملف الإنساني بالملف العسكري “لم يكن موضع قبول من الطرف الحوثي”،وأن الحوثيين يتبنون “سياسة الصبر الاستراتيجي طويل النفس”، ويطالبون الجانب السعودي “بتعويضات مالية عن خسائر الحرب”.
ومن الواضح أنَّ رفض الحوثيين مبادرة الرياض هو جزءٌ من المعركة التي تخوضها إيران ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، لا سيما أنَّ طهران ما تزال تتحكّم في جزء غير يسير من أوراق الأزمة اليمنية. وبالتالي، فإن حلها يمر، بالضرورة، عبر رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه في 2018.
إنَّ حلَّ الأزمة اليمنية بحدود معينة، يقتضي تدشين آلية حوار استراتيجي إقليمي عربي –إيراني بعيدٌ عن الهيمنة الأمريكية –الصهيونية،هدفها تأسيس مرحلة جديدة قائمة على شراكة حقيقية، قوامها المصالح الاستراتيجية المشتركة والقضايا ذات الحساسية لكل من الدول العربية والدولة الإيرانية في منطقة الخليج و البحر الأحمر،ومواجهة واقع التهميش والفقر الذي يعانيه اليمنيون، ووضع أساس التنمية المستدامة، مع التوسع في إقامة الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية المشتركة ليحل محل أسلوب المنح والهبات المالية ذات الطابع التقليدي، حيث إن أثر هذه المشروعات أكبر في تعميق الصلة الحقيقية بين كل مكونات الشعب اليمني والدول الخليجية وإيران. ويتعين في السياق ذاته على الدول الخليجية تعزيز دعمها لليمن في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى