إنْهَاءُ الْحَرْبِ فِي الْيَمَنِ وَاِسْتِمْرَارُ أَهْدَافِ الاِسْتَرَاتِيجِيَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ

كَثُرَتْ فِي الْآوِنَةِ الْأَخِيرَةِ التّقَاريرُ الْغَرْبِيَّةُ الصَّادِرَةُ عَنْ مَرَاكِزِ أبْحَاثِ أَمْرِيكِيَّةٍ وَغَيْرِهَا، تَتَحَدَّثُ عَنْ بِدَايَةِ اِتِّخَاذِ الرَّئِيسِ الْأَمْرِيكِيِّ جُو بَايْدِنْ خَطْوَاتٍ عَمَلِيَّةٍ لِإنْهَاءِ الْحَرْبِ فِي الْيَمَنِ، التي أَدَّتْ إِلَى سُقُوطِ حَوَالَيْ 100 ألف يمني مِنَ الْقَتْلَى خِلَالَ السّنوَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَتَسَبَّبَتْ فِي أَزْمَاتٍ إِنْسَانِيَّةٍ أَثَّرِتْ عَلَى مُعْظَمِ أَفْرَادِ الشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ.
الخوف من تنامي النفوذ الإقليمي الإيراني
فَقَدْ تَفَاقَمَ الصِّرَاعُ فِي الْيَمَنِ بِدَعْمٍ مِنَ الْقُوَى الْغَرْبِيَّةِ،وَعَلَى رَأْسِهَا الْوِلَاَيَات الْمُتَّحِدَة وَالْمَمْلَكَةِ الْمُتَّحِدَةِ وَفَرَنْسَا،وَهِي الدُّوَلُ الْغَرْبِيَّةُ الثلاثُ الَّتِي لَمْ تَتَوَقَّفْ إِلَى حَدِّ الْآنَ عَنْ بَيْعِ الْأسْلِحَةِ إِلَى الْأَطْرَافِ الْمُشَارِكَةِ فِي الْحَرْبِ الْيَمَنِيَّةِ(الْمَمْلَكَةَ السُّعُودِيَّةَ وَ دَوْلَةُ الْإمَارَاتِ( عَبْرَتَدَّخُلِهُمَا الْعَسْكَرِيِّ الْإِقْلِيمِيِّ فِي الْيَمَنِ تَحْتَ يافطة “عَاصِفَةَ الْحَزْمِ:”.فَالسُّعُودِيَّةُ كَانَتْ تَرْغَبُ فِي إِعَادَةِ الْاِعْتِبَارِ لِلْعُنْصُرِ الْخَلِيجِيِّ فِي الْعِرَاقِ، بَعْدَ خُلُوّ السَّاحَةَ للإيرانيين وَالْأَمْرِيكِيِّينَ،عَبْرَ ضَرْبِ الحوثيين فِي الْيَمَنِ.
وَبَعْدَ أَنَّ اِسْتَوْلَى الحوثيون عَلَى الْعَاصِمَةِ صَنْعَاءً فِي سَنَةِ 2014، وَسَيْطَرُوا عَلَى شَمَالَ الْيَمَنِ، إِذْ يَعِيشُ حوالي 80بالمئة مِنَ السُّكَّانِ،بَدَأَتْ “عَاصِفَةَ الْحَزْمِ”الَّتِي نَفَذِهَا التَّحَالُفُ الْعَرَبِيُّ بِقِيَادَةِ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ عَلَى الْيَمَنِ مُنْذُ أوَاسِطِ شَهْرِ مَارِس/ آذار2015، كَرَدَّةِ فِعْلٍّ سُعُودِيَّةٍ تُجَاهَ تَقَدُّمِ جَمَاعَةِ” أَنْصَارَ اللهِ”(الحوثيون) فِي الْيَمَنِ.وَشَنَّ حَلْفَاءُ أَمْرِيكَا) الْمَمْلَكَة السُّعُودِيَّة وَ الْإمَارَات) ” حَرْبًا قَذَرَةً وغَبِيَّةً”مَضَى عَليْهَا سِتَّةَ أَعْوَامٍ فِي الْيَمَنِ، وَأَعَادَتْ إِنْتَاجَ أَبْرَزِ الْمُوَاجَهَاتِ السُّعُودِيَّةِ -الإيرانيّة، الَّتِي لَا يَمْكِّنُ لِنَتَائِجِهَا أَنَّ تَكَوُّنَ مَحْصُورَةً عِنْدَ حدوداليمن، لَا سِيَمَا فِي ضَوْءِ السِّيَاسَاتِ الْكَارِثِيَّةِ الَّتِي تَبَنَّاهَا وَلِيُّ الْعَهْدِ السُّعُودِيِّ مُحَمَّدُ بْن سَلْمَانِ وَالرَّجُلِ الْقَوِّيّ فِي دَوْلَةِ الْإمَارَاتِ مُحَمَّد بِن زَايَدَ خِلَالَ السّنوَاتِ الْمَاضِيَةِ، لَيْسَ فِي الْيَمَنِ فَحَسْبَ، بَلْ فِي الْمِنْطَقَةِ بِشَكْلِ عَامٍ، حَيْثُ وَضَعَاع أَوْلَوِيَّةَ الصِّرَاعِ مَعَ إيران، عَلَى الصِّرَاعِ مَعَ ” الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ”.
فَالْحَرْبُ الَّتِي لَا يَزَالُ يُقُوِدُهَا التَّحَالُفُ الْعَرَبِيُّ بِقِيَادَةِ السُّعُودِيَّةِ مُنْذُ 2015، وَتَتَّهِمُهُ مُنَظَّمَاتٌ دَوْلِيَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ بِاِرْتِكَابِ جَرَائِمِ حَرْبٍ، كَلَّفَتْ الْمَمْلَكَةُ السُّعُودِيَّةُ 100مِلْيَارٍ دُولَارٍ أَمْرِيكِيٍّ.فَاِسْتِمْرَارُ اِنْزِلَاقِ الْيَمَنِ إِلَى الْفَوْضَى يُئَوثِّرُ عَلَى أَمْرِيكَا بِطْريقَةٍ مُبَاشِرَةٍ وَغَيْرِ مُبَاشِرَةٍ بِسَبَبِ تَهْدِيدِ الْحَرْبِ لِلْمَلَاَّحَةِ الدَّوْلِيَّةِ وَمَخَاطِرِ الْإِرْهَابِ.
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، قَالَ وَزِيرُ الْخَارِجِيَّةِ الْأَمْرِيكِيِّ الْجَدِيدِ أَنُتُونِيّ بِليِّنِكنّ فِي شَهْرِ كَانُونِ الثاني / يناير2021:” لِقَدَّ شَهَدْنَا حَمَلَةً بِقِيَادَةِ السُّعُودِيَّةِ سَاهَمَتْ أَيْضًا فِي مَا يَعْتَبِرُهُ الْكَثِيرُونَ أَسْوَأَ أَزْمَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ عَالِمِيَّةٍ، وَهْوَ أَمْرٌ لَا يَمْكِنُ الْاِسْتِهَانَةُ بِهِ”.
إجراءات الإدارة الأمريكية الجديدة
فِي إِطَارِ مَسَاعِيِهَا لِإنْهَاءِ الْحَرْبِ فِي الْيَمَنِ، أَعْلَنَتْ وِزَارَةُ الْخَارِجِيَّةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الماضي أَنَّهَا أَلْغَتْ قَرَارَ الرَّئِيسِ السَّابِقِ دُونَالدْ ترامب بِتَصْنِيفِ جَمَاعَةِ الْحُوثِيِّ “مُنَظَّمَةٍ إِرْهَابِيَّةٍ”.وَجَاءَ قَرَارُ ترامب قَبْلَ أيَّامٍ قَلِيلَةٍ مِنْ مُغَاَدَرَتِهِ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ فِي مُحَاوَلَةٍ وَاضِحَةٍ لِعَرْقَلَةِ جُهُودِ الْإِدَارَةِ الْجَدِيدَةِ، وعَرْقَلَةِ عَمَلِ الْمُنَظَّمَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تُحَاوِلُ تَخْفِيفَ آثَارِ الْحَرْبِ عَلَى الشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ.
وَيَجْمَعُ الْمُحَلِّلُونَ أَنَّ قَرَارَ الْإِدَارَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ الْجَدِيدَةِ حُظِّيَ بِتَأْيِيدٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ، وَمِنِ الْمُتَوَقَّعِ أَنْ يَضَعَ حَدًّا لِصَفْقَاتِ بَيْعِ الْأسْلِحَةِ الْبرِيطَانِيَّةِ وَالْفَرَنْسِيَّةِ، وَالَّتِي تَزِيدُ مِنْ مآسِي الشَّعْبَ الْيَمَنِيَّ.فَقَدْ بَرَّرَ وَزِيرُ الْخَارِجِيَّةِ الْأَمْرِيكِيِّ أَنُتُونِي بِليِنِكن إلْغَاءَ تَصْنِيفِ الحوثي مُنَظَّمَةَ إِرْهَابِيَّةٍ “بتردِي الْوَضْعِ الْإِنْسَانِيِّ فِي الْيَمَنِ.لِقَدْ سَمِعْنَا عَدِيدَ التَّحْذِيرَاتِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ وَالْمُنَظَّمَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَأَعْضَاءِ الكونغرس مِنْ كِلَا الْحِزْبَيْنِ، وَمِنْ أَطْرَافِ أُخْرَى”.وَأَضَافَ بِليِنِكن أَنَّ الْقَرَارَ يَهْدِفُ إِلَى السماحِ بوصولِ المساعداتٍ الإنسانيةٍ، لَكِنَّه أكَّدَ استمرارَ تطبيقِ العقوباتِ التي فُرِضَتْ سابقًا على قادةِ جماعةِ الْحُوثَيِّ.
وَعَلَى نَقِيضِ إِدَارَةِ ترامب الْمُولَعَةِ بِإِشْعَالِ الْحُروبِ فِي الشَّرْقِ الْأوْسَطِ، تَتَّجِهُ إِدَارَةُ بايدن لِإنْهَاءِ دَعْمِهَا لِلْحَمْلَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ الَّتِي تُقَوِّدُهَا السُّعُودِيَّةُ وَالْإمَارَاتُ فِي الْحَرْبِ الْيَمَنِيَّةِ، وَقَدْ بَدَأَتْ بِالْفِعْلِ فِي مُرَاجَعَةِ صَفْقَاتِ بَيْعِ الْأسْلِحَةِ لِلْبَلَدَيْنِ، مَعَ التَّأْكِيدِ فِي الْوَقْتِ عَيْنِهِ أَنَّ السُّعُودِيَّةَ سَوْفَ تَبْقَى شَرِيكًا مُهِّمًا فِي الشَّرْقِ الْأوْسَطِ، بِغَضِ النَّظَرِ عَنِ الصِّرَاعِ الْيَمَنِيِّ.
وَيَرَى الْمُحَلِّلُونَ فِي إقْلِيمِ الشَّرْقِ الْأوْسَطِ، أَنَّ السِّيَاسَةَ الْأَمْرِيكِيَّةَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي يَنْتَهِجُهَا الرَّئِيسُ بايدن، خَاصَّةً تُجَاهَ إيران، وَ الْإِجْرَاءَاتَ الْأَمْرِيكِيَّةَ الْجَدِيدَةَ بِشَأْنِ إنْهَاءِ الْحَرْبِ فِي الْيَمَنِ، زَادَتْ مِنْ مَخَاوِفِ كُلٍّ مِنَ الْمَمْلَكَةِ السُّعُودِيَّةِ وَالْإمَارَاتِ، الْلَتَيْنِ تَسْتَشْعِرَانِ أَنَّ الدَّعْمَ الَّذِي كَانَا يُحْظَيَانِّ بِهِ مِنَ الْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ قَدْ لَا يَسْتَمِرُّ خِلَالَ السّنوَاتِ الْقَادِمَةِ فِي ظَلَّ تَرَاجُعِ اِسْتِهْلَاكِ النَّفْطِ عَالَمِيًا، كَمَا أَنَّ تَصْرِيحَاتٍ بِلَينِكن عَنِ اِلْتِزَامِ واشنطن بِأَمْنِ الْبَلَدَيْنِ لَا تَبْدُو كَافِيَةٌ لِتَبْدِيدِ تِلْكَ الْمَخَاوِفِ.
وَيُععدُّ الْخَوْفَ مِنْ فُقْدَانِ الدَعْمِ الْأَمْرِيكِيِّ مِنْ أَهَّمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي دَفَعَتْ السُّعُودِيَّةُ وَالْإمَارَاتُ لِلْاِرْتِمَاءِ فِي أَحْضَانِ الْكِيَانِ الصِّهْيُونِيِّ، الَّذِي يُصَنِّفُ إيران الْعَدُوَّ الرَّئِيسَ لِدُوَلِ الْمِنْطَقَةِ، بِحُكْمِ مَوْقِعِهَا الرِّيَادِيِّ فِي مِحْوَرِ الْمُقَاوَمَةِ.
وَفِي إِطَارِ جُهُودِ حَلِّ الْأَزْمَةِ اليمنية،زَارَ الْمَبْعُوثُ الْأُمَمِيُّ مَارْتِنَ غرِيفِيثِ إيران لِلْمَرَّةِ الْأُولَى الْأُسْبُوعَ الماضي، بِمُوَافَقَةِ واشنطن.وَتُشِيرُ هَذِهِ الْخَطْوَةِ إِلَى أَنَّ إِدَارَةَ بايدن وَالْأُمَمَ الْمُتَّحِدَةَ تُدْرِكَانِ أهَمِّيَّةَ الدَّوْرِ الإيراني فِي إيجاد حَلٍ سَلَمِيٍّ لِلْأَزْمَةِ فِي الْيَمَنِ.
هل ستتخلى أمريكا عن إقليم الشرق الأوسط؟
كَانَتْ أَهْدَافُ الِاسْتَرَاتِيجِيَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ مُنْذُ نِهَايَةِ الْحَرْبِ الْبَارِدَةِ فِي 1991 / 1992، وَحَرْبِ الْخَلِيجِ الثَّانِيَةِ الَّتِي شَنَّهَا التَّحَالُفُ الدَّوْلِيُّ بِقِيَادَةِ الْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ لِإِخْرَاجِ الْقُوَّاتِ الْعِرَاقِيَّةِ مِنَ الْكُوَيْتِ، تَتَمَثَّلُ فِي ايجاد قَوَاعِدٍ مُسْتَقِرَّةٍ لِلَأَمْنِ فِي الخليج ومنطقة الْقَرْنِ الْإفْرِيقِيِّ تَتَقَبَّلُهَا الْقُوَى الرَّئِيسِيَّةُ فِيهِ، وَذَلِكَ بِحِسْبَانِهَا الضَّامِنِ لِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ، مِمَّا أَوْجَدَ حَالَةً مِنَ الْاِسْتِقْرَارِ النِّسْبِيِّ لِأَمْنِ الْبَحْرِ الْأحْمَرِ ومنطقة القرن الإفريقي .
وَتُولِّي الاستراتيجيةُ الْأَمْرِيكِيَّةُ أهَمِّيَّةً خَاصَّةً لِقَضِيَّةِ الْبَحْرِ الْأحْمَرِ ومنطقة القرن الإفريقي الَّتِي عَادَتْ خِلَالَ السّنوَاتِ الْأَخِيرَةِ لِتَحْتَلَّ أَوْلَوِيَّات أَجَنْدَةِ عَمَلِ الْعَدِيدِ مِنَ الْقُوَى الدَّوْلِيَّةِ والاقليميةِ.
وقد تجلت أهم أسباب هذا التدافع الأمريكي نحو القرن الإفريقي في النقاط التالية:
*- تأمين إمدادات الطاقة وعلى رأسها النفط الخليجي، إذ يعد البحر الأحمر ممراً لنحو 3,3 مليون برميل من النفط يوميًا، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تسعى جاهدة للدفاع عن هذه المصادر، وتأمينِ الوصولِ إليها، لذا، اسْتَخْدَمَتْ المصالح الاقتصادية تارةً للترغيبِ، والأدوات العسكرية،و تارةً أخرى للترهيبِ.
*- موقع إقليم القرن الإفريقي من حيث إشرافه على بحر العرب، والبحر الأحمر، والمحيط الهندي أولاً، ثم إن اشتراكه مع اليمن في خليج عدن، ومضيقِ بابِ المندبِ يَجْعَلَهُ يَتَحَكَّمُ في حركةِ التجارةِ الدوليةِ.
*-تَزايُدُ حِدَّةِ التَّهْدِيدَاتِ النَّابِعَةِ مِنَ الدُّوَلِ الْمُحِيطَةِ بِالْبَحْرِ الْأحْمَرِ، وَالَّتِي يَمْكِنُ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي حُرِّيَّةِ الْمِلَاَّحَةِ الْعَالَمِيَّةِ فِيهِ.فَبِالْإضَافَةِ إِلَى أَعْمَالِ الْقَرْصَنَةِ الْمُنْطَلَقَةِ مِنَ الصُّومَالِ مُنْذُ سنوَاتٍ، يُوجَدُ صِرَاعٌ مُسَلَّحٌ دَاخِلِيٌّ- تَمَّ تَدْوِيلُهُ- مُحْتَدِمٌ فِي الْيَمَنِ عِنْدَ الضِّفَّةِ الْجَنُوبِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ لِلْبَحْرِ الْأحْمَرِ.
هناك العديد من المصالح الأمريكية الاستراتيجية في إقليم الشرق الأوسط، و البحر الأحمر، ومنطقة القرن الإفريقي،لا تستطيع الإمبريالية الأمريكية التخلي عنها بسهولة، هذا ما أكّده مقال جون أولترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية، الذي نشره موقع”ذا هيل”، جاء فيه: أنَّ الولايات المتحدة تحاول موازنة موقفها من الشرق الأوسط منذ عقد. فهي خائفة من فقدان الجنود وتضييع المال في المنطقة التي لا تزال مشاكلها قائمة.فحفاظ الولايات المتحدة على وجودها في المنطقة ليس نابعًا من الحنين لحلفائها وشركائها ولا بسبب الكسل. ولكن لأن المنطقة لا تزال جزءا مهما من الاقتصاد العالمي. فالعنف فيها سواء ارتكبته الدول أو اللاعبون غير الدول كفيل بهز العالم في العمق.
وَلِهَذَا السَّبَبِ تَحْتَفِظُ الْوِلَاَيَاتُ الْمُتَّحِدَةُ بِآلَاَفٍ مِنَ الْجُنُودِ الْأَمْرِيكِيِّينَ الْمُوَزَّعِينَ بِالْمِنْطَقَةِ مَعَ عَدَدٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَسْكَرِيَّةِ، بِالْإضَافَةِ إِلَى آلَاَفٍ مِنَ الدِّبْلُومَاسِيِّينَ الْأَمْرِيكِيِّينَ وَعُمَّالِ الْإِغَاثَةِ وَمَسْؤُولِيِّ الْاِسْتِخْبَارَاتِ وَخُبَرَاءِ الْمَالِيَّةِ.وَمَعَ ذَلِكَ تَوَاجُهُ أَمْرِيكَا تَحَدِّيًا كبيرًا: كَيْفَ تَحْمِي مَصَالِحُهَا فِي مِنْطَقَةٍ عَنْدَمًا يَعْتَقِدُ الْعَالَمُ أَنَّ أَمْرِيكَا تَقَفُ عَلَى بَابِ الْخُرُوجِ؟
أمريكا و المنافسون الدوليون
لَقَدْ أَدْرَكَتْ إِدَارَةُ الرَّئِيسِ السَّابِقِ دُونَالدَ ترامب( 2017- 2020) أَنَّ هُنَاكَ تَحَدِّيَاتٍ إِقْلِيمِيَّةٍ وَدَوْلِيَّةٍ جَديدَةٍ، لَا سِيَمَا الْإِرْهَابَ، وَبَرُوزَ قُوَى كُبْرَى مِثْلُ رُوسِيَا والصين، وَقُوَى إِقْلِيمِيَّةٌ مِثْلُ إيران وَالْهِنْدَ، وَجَنُوبِ إفْرِيقْيَا، وَالْبرَازيلَ، وَالَّتِي أَصْبَحَتْ تُسَمَّى بِالْقُوَى الْمُتَوَسِّطَةِ، إضَافَةً إِلَى الْمُؤَسَّسَاتِ الدَّوْلِيَّةِ كَالْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ، وَالشَّرِكَاتِ الْعَابِرَةِ لِلْقَارَّاتِ، وَالْمُؤَسَّسَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمَانِحَةِ، وَهِي جَمِيعُهَا، تَرَى أَنَّ مُعَالَجَةَ الْقَضَايَا الْمُعَاصِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَتِمَّ فِي نِطَاقِ نِظَامٍ دَوْلِيٍّ مُتَعَدِّدِ الْأَقْطَابِ، الشَّيْءَ الَّذِي تَرْفُضُهُ الْوِلَاَيَاتُ الْمُتَّحِدَةُ الأمريكيةُ، الَّتِي لَا تًزَالُ تُصِّرُ عَلَى اِنْتِهَاجٍ نَفْسِ السِّيَاسَةِ الْخَارِجِيَّةِ التَّقْليدِيَّةِ فِي مِنْطَقَةِ الشَّرْقِ الْأوْسَطِ، وَالَّتِي تَقَومُ عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى تَقْديمِ الدَّعْمِ الْعَسْكَرِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيِّ وَالْاِقْتِصَادِيِّ لِلْكِيَانِ الصهيوني، لِكَيْ يَظَلَّ مُتَفَوِّقًا عَلَى جَمِيعِ الدُّوَلِ فِي الْإقْلِيمِ، وَالْهَيْمَنَةِ عَلَى النَّفْطِ الْعَرَبِيِّ كَمَصْلَحَةٍ قَوْمِيَّةٍ أمْرِكِيَةٍ بِاِمْتِيَازٍ، وَإِبْقَاءِ الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَا سِيَمَا فِي مِنْطَقَةِ الشَّرْقِ الْأوْسَطِ وَالْخَلِيجِ فِي مَرْحَلَةٍ مَا قَبْلَ الْوَطَنِيَّةِ، لِكَيْ تُحَافِظَ عَلَى الْبُنَى التَّقْليدِيَّةِ مَا قَبْلَ الْوَطَنِيَّةِ، كَالْدِّينِ، وَالْقَبِيلَةِ، وَالْعَشِيرَةِ، وَالطَّائِفَةِ، وَالْعِرْقِ، والأيديولوجيا الْمُتَشَدِّدَةِ الْمُوَلِّدَةِ لِلتَّنْظِيمَاتِ الْإِرْهَابِيَّةِ، وَمُوَاجَهَةِ إيران، كَيْ لَا تَتَحَوَّلَ إِلَى قُوَّةٍ نَوَوِيَّةٍ وَإِقْلِيمِيَّةٍ كَبِيرَةٍ فِي الْمِنْطَقَةِ.
فقد أَعْطَتْ الولايات المتحدة فرضَ النظامِ الإقليميِّ الشرقِ أوسطيِّ للكيانِ الصهيونيِّ بوصفه القاعدة الأمريكية المتقدمة في المنطقة و البحر الأحمر ،فضلاً عن طرحِ الرئيسِ السابقِ دونالد ترامب “صفقة القرن “في سنة2017،كتسويةٍ جديدةٍ لتصفية الصراع العربي-الصهيوني،وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، الأمر الذي قاد إلى إقامة علاقاتٍ من التطبيع بين الكيان الصهيوني ودولة الإمارات المتحدة، ودولة البحرين، ودولة السودان، ودولة المغرب في سنة 2020، حيث ترى الاستراتيجية الأمريكية أنَّ المصالحَ المشتركةَ بين الكيان الصهيوني والدول العربية الأساسية في هذا الطرح (مصر ، والأردن ، والسعودية،والإمارات ،والبحرين،والسودان ) أكبرَ من القضايا الخلافية. فالتهديدُ الذي تمثلهُ التنظيماتُ الإرهابيةُ قد ينتقل للكيان الصهيوني من دول الجوارِ المباشرِ، بما يدفعها للتعاونِ الاستخباراتيِّ معها، كذلك هناك مصالحٌ تَجْمَعُهَا بالدولِ الخليجيةِ في المنطقةِ لمقاومةِ الوجودِ الإيرانِيِّ المتزايدِ، ونفوذِهَا الْمُتَسَّعِ في كلٍّ من العراقِ، وسورية، ولبنانِ واليمنِ.
رَغْمَ تَرَاجُعِ قُوَّةِ الإمبريالية الْأَمْرِيكِيَّةِ خِلَالَ الْحَرْبيْنِ فِي إقْلِيمِ الشَّرْقِ الْأوْسَطِ (أفغانستان وَالْعِرَاق)،فَإِنَّ قُوَّتَهَا لَا تَزَالُ تَتَفَوَّقُ عَلَى قُوَّةِ الدُّوَلِ الْأُخْرَى بِالْمِنْطَقَةِ،صَحِيحٌ أَنَّ زِيَارَةَ الْوُفُودِ الصِّينِيَّةِ وَالرُّوسِيَّةِ تُحْظَى بِتَغْطِيَةٍ وَاسِعَةٍ إِلَّا أَنَّ لَدَى الْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْكَثِيرِ مِنَ الْوَسَائِلِ الدِّبْلُومَاسِيَّةِ وَالْعَسْكَرِيَّةِ وَالْاِسْتِخْبَارَاتِيَّةِ الَّتِي لَا تَتَوَفَّرُ لِأَيِّ مُنَافِسٍ لَهَا، هَذَا إِذَا أَضَفْنَا الْقُوَّةَ الْاِقْتِصَادِيَّةَ الْعَالَمِيَّةَ الَّتِي لَا تُضَاهِى.وَتُحَاوِلُ الصين تَعْزِيزَ الشَّرِكَاتِ الْمَمْلُوكَةِ مِنَ الدَّوْلَةِ لِكَيْ َتخْدِمَ إِسْترَاتِيجِيَّتُهَا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بَدِيلًا عَنْ أَمْرِيكَا وَلَا تُرِيدُ الصين أَنَّ تَكُونَ هَكَذَا.
خاتمــــــــة:
تَبْدُو مُقَارَبَةُ إِدَارَةِ بايدن الْجَدِيدَةِ نَحْوَ الْيَمَنِ كَأَنَّهَا عَوْدَةٌ إِلَى الْمُقَارَبَةِ الَّتِي كَانَتْ سَائِدَةٌ فِي عَهْدِ إِدَارَةِ الرَّئِيسِ الْأَسْبَقِ، بَارَّاكَ أوباما، وَالَّتِي شَغَلَ بايدن فِيهَا مَنْصِبَ نَائِبِ الرَّئِيسِ.وَقَدْ قَامَتْ مُقَارَبَةُ إِدَارَةِ أوباما حِينَهَا عَلَى ضَرُورَةِ أَنْ تُرَكِّزَ السَعُودِيَّةُ جُهُودَهَا عَلَى الْحَرْبِ ضِدَّ تَنْظِيمِ دَاعِش فِي الْعِرَاقِ وَسُورِيَّةِ، فَضْلًا عَنْ تَنْظِيمِ الْقَاعِدَةِ فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ،وَالَّذِي يَتَّخِذُ مِنَ الْيَمَنِ مَقَرًّا لَهُ،وَضَرُورَةَ إيجاد ” حَلَّ سِيَاسَيْ ” فِي الْيَمَنِ ” يَسْمَحُ بِإِعَادَةِ السَلَّامِ”.لَكِنَّ إِدَارَةَ أوباما اِضْطَرَّتْ إِلَى مُسَايَرَةِ السُّعُودِيَّةِ فِي الْيَمَنِ،لِتَخْفِيفِ مَخَاوِفِهَا مِنَ الْاِتِّفَاقِ النَّوَوِيِّ مَعَ إيران صَيْفَ 2015، وَتَوْظِيفِ الْحِزْبِ الْجُمْهُورِيِّ فِي الكونغرس ذَلِكَ ضِدِّ الْإِدَارَةِ.
غَيْرَ أَنَّ إِدَارَةَ بايدن تَبْدُو فِي وَضْعٍ أَقْوَى دَاخِلِيًّا مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ إِدَارَةَ أوباما، مَعَ تَضَاؤُلِ الدَعْمِ لِلسُّعُودِيَّةِ فِي الكونغرس بَيْنَ الْحِزْبَيْنِ، الْجُمْهُورِيِّ وَالدِّيمُقْرَاطِيِّ، خُصُوصًا بَعْدَ اِغْتِيَالِ خاشقجي عَامَ2018 ..وَقَدِ اِنْعَكَسَ ذَلِكَ عَلَى مَوْقِفِ السُّعُودِيَّةِ الَّتِي رَحَّبَتْ عَلَى لِسَانِ الْأَميرِ خَالِدَ بْن سُلَّمَانِ، نَائِبَ وَزِيرِ الدِّفَاعِ،” بِاِلْتِزَامِ الرَّئِيسِ بايدن الْمُعْلَنِ بِالْعَمَلِ مَعَ الْأَصْدِقَاءِ وَالْحُلَفَاءِ لِحَلِّ النِّزَاعَاتِ، وَالتَّعَامُلِ مَعَ الْهَجمَاتِ مِنْ إيران ووكلائها فِي الْمِنْطَقَةِ”.كَمَا سَارَعَتْ الْإمَارَاتُ، بَعْدَ خِطَابِ بايدن، إِلَى الْإعْلَاَنِ عَنْ وَقْفِ مُشَارَكَتِهَا فِي حَرْبِ الْيَمَنِ مُنْذُ تِشْرِينِ الْأَوَّلِ /أُكْتُوبرَ 2020، وَيَنْسَحِبُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى رَدِّهَا الْهَادِئِ عَلَى تَعْلِيقِ صَفْقَةِ طَائِرَاتِ” إفَ” 35-.
وينتاب الكيان الصهيوني ومعه حلفائه الجدد من الدول الخليجية مخاوف حقيقية من سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس بايدن، التي تسعى إلى العودة للإتفاق النووي و إلغاء العقوبات المفروضة على إيران،والامتثال لقيودها طالما أن إيران تفعل الشيء نفسه.وتبرر هذه الأطراف المتصادمة مع المشروع الإقليمي الإيراني،قلقها وخوفها من عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 من دون قيود إضافية،من أنَّ إيران تمتلك برنامجاً نووياً متقدماً وترسانة صواريخ باليستية وسياسة إقليمية لدعم دول ومنظمات وأحزاب محور المقاومة.
كتب سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز “تشاتام هاوس” البحثي البريطاني، مقالة في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية قال فيها:” يخشى منتقدو الاتفاق النووي لعام 2015، سواء داخل الولايات المتحدة أو في “إسرائيل” والخليج، أن تتخلى إدارة بايدن عن نفوذها على إيران إذا عادت إلى الاتفاق بسرعة كبيرة وألغت العقوبات. وينظر جيران إيران إلى مثل هذا الاحتمال بقلق. إنهم يسعون إلى سياسة أميركية تعمل على ترويض التوترات الإقليمية المتصاعدة وتمنع طهران من إثارة الأزمات في الجوار.. البلدان نفسها لديها مخاوف أكبر بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، بعد أن أصيبت بالإحباط من الدعوات لتقاسم الأعباء وإنهاء “الحروب إلى الأبد” جنباً إلى جنب مع التناقضات السياسية التي تشير إلى تقلبات في الأولويات الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى