نزوح العمالة الوافدة وانعكاساته السلبية على دول مجلس التعاون الخليجي

تفيد أحدث البيانات الإحصائية الخليجية أن عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي بلغ 57.4 مليون نسمة، وإن دوله تتميز بوجود أعداد ضخمة من العمالة الأجنبية الوافدة التي وصل عددها قبل أزمة جانحة كورونا إلى 17 مليون شخص، وكونت ما يزيد عن ثلثي قوى دول المجلس العاملة، وما يعادل نصف سكانها، وشكلت أغلبية سكانية فيها باستثناء السعودية وسلطنة عمان.
وكشفت وكالة ” ستاندرد أند بورز غلوبال Standard and Poor’s Global” للتصفيات الائتمانية في تقرير نشر بتاريخ 21 شباط / فبراير 2021 عن تراجع عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 4% بسبب تداعيات فيروس كورونا الصحية، والانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية وهبوط الأسعار التي أدت إلى تباطؤ الاقتصادات الخليجية ثم انكماشها؛ ونتيجة لذلك فقد الكثير من الأجانب وظائفهم في عام 2020، واضطر 2.3 مليون منهم إلى العودة إلى بلادهم، وانعكس ذلك سلبا على الإنتاجية والنمو الاقتصادي ومستويات الدخل، ووضع دول المجلس في مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها في تاريخها؛ فقد بلغ العجز في موازنات دول المجلس عام 2020، ما يزيد عن 180 مليار دولار، وإن هذه العجوزات تراوحت بين 15- 25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ودفعت دول المجلس إلى التوجه للاستدانة من الأسواق المحلية والدولية والسحب من احتياطاتها المالية ومن صناديق الائتمان المخصصة للأجيال القادمة.
إن وجود هذا العدد الكبير من المهنيين والعمال الوافدين الذين يشكلون معظم العاملين في القطاع الخاص، يدل بوضوح على إخفاق دول مجلس التعاون الخليجي في إنتاج عمالة وطنية مدربة قادرة على المساهمة في تطوير القطاعين العام والخاص، وعلى ارتكابها خطأ فادحا باللجوء إلى خلق وتوفير وظائف ” بطالة مقنّعة ” غير منتجة لا لزوم لها، وأدت إلى وجود بيروقراطية مفرطة باهظة التكاليف تستهلك الجزء الأكبر من ميزانياتها.
إضافة الى ذلك فإن سياسة اللجوء إلى ” البطالة المقنعة ” التي كانت محاولة مكشوفة من الأنظمة الخليجية لإلهاء الشعوب وإسكاتها وإبعادها عن المطالبة بإصلاحات سياسية، أدت أيضا إلى تفضيل الغالبية العظمى من الشباب الخليجيين العمل في دوائر الدولة والجيش والشرطة وقطاعات البترول والغاز لأسباب تتعلق بالرواتب والمكانة الاجتماعية والدوام القصير والراحة، وتسببت في عزوفهم عن العمل في الكثير من الأنشطة في القطاع الخاص والنظر اليها نظرة دونية مثل العمل اليدوي، والعمالة المنزلية، والعمل في قطاعات البناء، والبنية التحتية، والنظافة العامة، والمحال التجارية الصغيرة التي تقدم معظم الخدمات الشرائية لأبناء المجتمع.
نزوح الملايين من المهنيين والعمال الوافدين، وانخفاض الإيرادات النفطية وهبوط الأسعار ستؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والبطالة، وتزيد الضغوط على دول المجلس، وقد تقود إلى حالة من عدم الاستقرار من الصعب التنبؤ بتداعياتها واستحقاقاتها السياسية والاجتماعية، لكنها لن تكون لصالح الأنظمة والحكام الذين أضاعوا ثروات بلادهم، وفشلوا في تطويرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى