وزير الامن الصهيوني في الخرطوم!؟

 

تحت عنوان: “وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين زار السودان في حدث غير مسبوق”، قالت شبكة التلفزيون البريطاني (BBC) ان وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين زار العاصمة السودانية الخرطوم، بعد أشهر من اتفاق السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات… والتقى كوهين وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، ووقع الاثنان مذكرة شملت الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية. أعرب كوهين عن ثقته في أن نقاشاته في السودان أرست أساسا للتعاون المشترك والاستقرار في المنطقة.)،(شبكة بي بي سي العربي 26-1-2021)! هذا الخبر يتوج سلسلة اجتماعات بين عسكر السودان وقادة اسرائيل الغربية ليشكل المفاجئة الاكبر فيما سمي ب(صفقة القرن) ويجعل الخطوة السودانية، ستراتيجيا، الخطوة الاخطر في عملية الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، بحيث بهتت صدمة اعتراف الامارات والبحرين وعمان رغم خطورتها مقارنة ببريق الخطوة السودانية! والسؤال الطبيعي الذي لابد من الرد عليه هو: لم تعد الخطوة السودانية هي الاخطر؟ وللرد نؤكد على الاسباب التالية:

1- ان الدول الخليجية المذكورة اعترفت اولا ثم طبعت ثانيا، بينما السودان قفز لمستوى التطبيع بدون اعتراف رسمي، وهذا الفرق ربما لايعرف البعض اهميته الكبيرة لانه يشكل مصدر خطورة الخطوة السودانية فمن الطبيعي في الاعراف الدولية ان من يعترف يطبّع فقبل الاعتراف لامجال للتطبيع لغياب العلاقة الرسمية، الا اتصالات خجولة في السر، اما عند الاعتراف فمن الطبيعي ان تتوالي خطوات التطبيع الرسمي وهو ما حصل مع مصر والاردن منذ عقود. وفي هذا الاطار فان التطبيع السوداني قبل الاعتراف هو خطوة تظهر ان عسكر السودان يتحدون الاعراف وجماهير السودان والامة العربية برمتها بالقفز فوق سياقات العلاقات الدولية التقليدية جارين السودان لوضع خطير جدا يهدد مستقبله داخليا وخارجيا.

2- السودان ليس دول الخليج التي هي عبارة عن كيانات موضوعة فوق صفيح ساخن قد يتحول الى حريق شامل في اي لحظة بسبب التكوين السكاني حيث ان الخليجيين اقلية في وطنهم بينما غير الخليجيين هم الاغلبية الساحقة! وهذا الاختلال السكاني يشكل اللغم الاخطر المسبب للضعف الخليجي والعجز عن الصمود اعتماد على النفس، فنرى دوله تعتمد في بقاءها على الغرب والان على اسرائيل الغربية مقابل مال كثير جدا وتنازلات خطيرة عن حقوق العرب، بينما السودان شعبه هو من يمسك ارضه وهو واضح الهوية متماسكها قويها وليس فيه لغم الاجانب الذين يفوقون شعبه عددا وتأثيرا فكان طبيعيا ان تعرف عنه الصلابة والتضحية، فالسودان اقوى وارسخ من دول الخليج العربي بكثير مما يجعله قادرا على حماية حقوقه دون المساس بثوابته الوطنية والقومية، وخطوة عسكر السودان تجاهلت هذه البديهية.

3- رمزية السودان في الصراع العربي الصهيوني وهي رمزية لها قدسيتها النفسية، فالخرطوم هي عاصمة اللاءات الثلاثة التي تبناها العرب في قمة الخرطوم في عام 1967 بعد هزيمة حزيران لتحدي الهزيمة وللتأكيد على اصرار العرب على التمسك بحقوقهم المشروعة في تحرير الارض العربية المحتلة الجديدة وهي سيناء والجولان وضم ما تبقى من فلسطين، فاللاءات الثلاث (لاتطبيع ولا علاقات ولا اعتراف) مع الكيان الصهيوني، صارت هدفا وشعارا مقدسا لكل العرب لعدة عقود ومن اجلهما قدم العرب تضحيات هائلة. وكانت المقاومة العربية للغزو الصهيوني الرسمية والشعبية كلها تتم تحت رايات لاءات الخرطوم بحيث صار اسم الخرطوم مقترنا بوعي الجماهير بالنضال من اجل الحقوق الثابتة، وتحت راية لاءات الخرطوم استشهد القادة صدام حسين وابو عمار ومعمر القذافي، وعشرات الالاف من المناضلين العرب، وبسبب التمسك بتلك الحقوق هدمت سوريا والعراق وليبيا واليمن وتبددت المصادر المالية العربية وتتعرض كافة الاقطار العربية لتهديدات خطيرة وكل ذلك يجري تنفيذا للمخططات الغربية والصهيونية والفارسية والتي تمحورت حول تدمير الاقطار العربية تمهيدا لتقسيمها وما نراه منذ غزو العراق عبارة عن خطوات في ذلك المخطط.

وما يجب لفت النظر اليه بقوة في ضوء ما تقدم هو ان التطبيع السوداني مع اسرائيل ينطوي على نتائج اخطر من كافة خطوات الاعتراف والتطبيع السابقة له، والاخطر فيه انه عمل (تطوعي) قام به نظام ادعى انه جاء لانقاذ السودان من حكم الاسلامويين واذا به يقدم على ما لم يتجرأ على الاقدام عليه ذلك النظام! ناهيك عن عدم معالجته للمشاكل الداخلية السودانية التي انتفض شعب السودان وقواه الوطنية والقومية من اجلها! وربما يكون الابرز في خطوة عسكر السودان هو لجوئهم للتطبيع المتسرع -لانه تم قبل الاعتراف- هو انهم ارادوا ردع الانتفاضة السودانية بغطاء امريكي صهيوني يحميه من السقوط، وخطوة العسكر بهذا الوصف هي الوجه الاخر للخطوة الخليجية! المعترفون الخليجيون يحتمون من اسرائيل الشرقية بأسرائيل الغربية، بينما المطبعون السودانيون يحتمون من الشعب السوداني بغطاء صهيوني غربي!

ما جرى ويجري يوجه ضربات مباشرة للشعب العربي ورمزية لاءات الخرطوم فعسكر السودان يموهون اهدافهم بالتماهي الظاهري مع الانتفاضة السودانية ثم يغدرون بها ثم يوجهون سهامهم المسمومة لكل الامة العربية خصوصا لمقاوميها في فلسطين والعراق والاحواز! ولئن كانت الحركة الوطنية السودانية التي قادت الانتفاضة المباركة قد حددت لها هدفا رئيسا اثناء الانتفاضة وهو اسقاط نظام فاسد وظلامي فأنها الان بمواجهة امريكا واسرائيل الغربية اللتان تتمسكات بخطوة البرهان ومن معه التطبيعية، وهو يمثل عمليا نفس نظام الاسلامويين ولكن بعد ازالة رئيسه وتسلم حماته المراكز الاساسية، فالبرهان رئيس مجلس السيادة وحميدتي نائبه وامثالهما، كانوا حماة نظام البشير وقوته الضاربة والتي قتلت الكثير من ابناء السودان، وهم الان يمسكون بنفس القوة القمعية وبها يحاولون اخماد الانتفاضة وتطويع الشعب العربي السوداني الذي قدم الاف الشهداء من اجل انهاء نظام الاسلامويين الفاشي.

واخيرا وللفت الانتباه اكثر فان ترؤوس وزير الاستخبارات الاسرائيلي للوفد وهو كان سابقا مديرا للموساد له معنى كبير في مستقبل الخطوات ولهذا تضمنت (المذكرة التي وقعت اثناء الزيارة) الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية، وهو تأكيد واضح ولا يحتاج لاي شرح لما سيقدم عليه نظام العسكر في الفترة القادمة، بعد تأكيد ان هناك (تنسيق وصلات امنية)، وهو نفس ما فعلته انظمة خليجية، فالتحدي الذي تواجهه القوى الوطنية السودانية كبير ومعقد، وهو يفرض عليها التفرغ للنضال ضده.

[email protected] شبكة البصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى