أولوية المشهد العربي على المشهد الأمريكي

 

 

 
نتائج وتداعيات الزحف الغوغائي على ساحات وقاعات الكونغرس الأمريكي، منذ بضعة أيام، على المشهد السياسي الأمريكي الداخلي، أمر لا يعنينا، وتشير كل الدلائل إلى وجود إرادة شعبية ورسمية لمحاسبة ومعاقبة وفضح أبطاله، وتلاعباته والقوى الخفيّة التي وقفت وراءه، وسيدفع الرئيس الأمريكي الحالي ثمنا غاليا من مستقبله السياسي، ومكانة امبراطوريته المالية، وتماسك عائلته، عندما تظهر الأيام المقبلة الأدوار المجنونة التي لعبها والحماقات التي ارتكبها عبر الأربع سنوات الماضية.

ذاك إذن موضوع يخص الأمريكيين، وهو في جميع الأحوال فصل جديد في تاريخ المسيرة الأمريكية، التي قامت على الإصرار بتفّوق وهيمنة الإنسان الأمريكي الأبيض، منذ أن قامت المجتمعات الأمريكية قبل الاستقلال على أساسين: استعباد واستغلال للعبيد في الجنوب الأمريكي، وغزو واحتلال للوسط وللغرب الأمريكي من قبل الرأسماليين الجشعين البيض.

ما يجري اليوم هو الاستمرار في النهج الإثني المتعصّب نفسه: هيمنة البيض وخضوع الملوّنين.. وإلا فالحرب الأهلية. لكن ماذا عن نتائج الأدوار التي لعبها ذلك الرجل، الذي وصفته مجموعة كبيرة من كتابات علماء النفس الأمريكيين ومفكريهم السياسيين بالإنسان الشّديد النرجسية، غير المتوازن عقلياً ونفسياً وروحياً وأخلاقياً، المكيافيلي في كل تصرفاته السياسية، والذي أعطاه بعض الساسة العرب الفرصة والمكانة والوسائل والمناسبات، ليمارس كل مساوئه الشخصية تلك في بلاد العرب؟

ماذا عن استقبالاته الحارة الحميمية، ليحضر المناسبات كضيف شرف، يلقي المحاضرات ويوجّه ويبتزّ رؤساء دول عربية وإسلامية؟ ماذا عن استقبال صهره، تاجر العقارات الصهيوني وتلميذ نتنياهو اليميني المهوس بتدمير الحياة الفلسطينية وإفناء شعبها، من قبل أعلى السلطات العربية، وخروجه بإملاءات سياسية واقتصادية وأمنيّة، ساهمت في تمزيق النظام الإقليمي القومي بشكل يبزّ ما حققه من قبله الصهيوني الأمريكي كيسنجر؟ ماذا عن التعايش العربي الرسمي المحيّر مع ذاك الرئيس الأمريكي وذاك الصّهر المهووس بصهيونيته، وذاك الوزير بومبيو المانح يومياً صكوك التصنيفات والمقاطعة والحصار، لذلك البلد العربي، أو تلك الحكومة أو الشخصية العربية، من دون أن يسمع اعتراضاً عربياً مشرّفاً واحداً من قبل الحكومات، أو الجامعة العربية، أو المنظمة الإسلامية؟

مثلما أن الأمريكيين سينظرون في كل ملابسات وحماقات وفضائح نظامهم الرئاسي، التي هزّت المجتمع الأمريكي من أعمق أعماقه وفضحت تاريخ وحاضر ومستقبل الجنون السياسي الأمريكي، فكذلك يجب أن يحدث الأمر نفسه في بلاد العرب. فالعلاقات الرسمية العربية مع ذاك النظام الأمريكي، بعقليته ورجالاته وقراراته المحتقرة لأمة العرب، وحقوق شعوبها، ولاستقلالها الاقتصادي، وحقّها في امتلاك ثرواتها، ذاك النظام الذي قدّم القدس العربية والجولان العربي والضفة الغربية، هدية للكيان الصهيوني، وقدّم العون لمرتزقته من البرابرة، الذين عاثوا فسادا في كل أرجاء البلاد العربية، يجب أن تدرس وتحلّل وتعرف الجهات التي مولتها ورعتها وباركت نتائجها، كخطوات ضرورية لمحاسبة من احتقروا رغبات وإرادات شعوبهم بالنسبة للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تترك شيئاً مؤلماً وجارحاً ومؤذياً للأمة العربية عبر السبعين سنة الماضية إلا وفعلته، وأوصلته عبر الأربع سنوات الماضية إلى ذروته.

انشغال المحللين العرب وشبكات التواصل الاجتماعي العربية بالجنون الأمريكي في العاصمة الأمريكية لن يجدينا نفعاً، إنه هروب من مواجهة المآسي السياسية العربية التي تمثّل جحيماً تكتوي بناره هذه الأمة منذ أكثر من عشر سنوات. عندما استمع إلى المناقشات التي تدور من خلال بعض الإذاعات العربية، أو الأجنبية الناطقة باللغة العربية حول ما يجري على المسرح السياسي الامريكي بينما يتجاهلون ما دار على المسرح العربي، من قبل أولئك الممثلين الأمريكيين، بالتعاون الحميم مع بعض الممثلين العرب، أعرف أننا، وكالعادة، سنضيع فرصة مجابهة اللعنات التي يرتكبها البعض بحق هذه الأمة المنهكة، من دون مساءلة أو محاسبة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى