لا يسلم المجتمع الأمريكي من نقيصة الجهل بالإسلام ومبادئه الأساسية، يحدث ذلك دون إعطاء المسلمين حق الرد لتوضيح الأحداث العنيفة أو المشينة التي تربط بالإسلام أو المسلمين، حيث تساهم القيم العلمانية أحيانًا وربما غالبًا في هذا اللبس.
ولكن رغم ذلك يعتبر الإسلام ثالث أكبر ديانة في الولايات المتحدة بعد المسيحية واليهودية، وبحسب إحصاءات عام 2017 يوجد على أرض الولايات المتحدة نحو 3.45 مليون مسلم 1.1% من إجمالي سكان البلاد.
مركز بيو للأبحاث كشف عن وجود ثلاث مجموعات فرعية، هي السنة 65% والشيعة 11% ومسلمون لم يصنفوا أنفسهم مذهبيًا بنحو 24%، نصف هذا العدد من مواليد البلاد بينما النصف الآخر ولدوا في الخارج، وتبلغ نسبة الأمريكيين الأفارقة الذين يدينون بالإسلام نحو ربع إجمالي السكان المسلمين، منهم من اعتنق الإسلام خلال السبعة عقود الماضية.
يعود تاريخ المسلمين في أمريكا إلى القرن التاسع عشر، معظمهم كانوا من التجار والمسافرين والبحارة، لكن ازداد عددهم بشكل كبير في القرن العشرين، بسبب معدل المواليد المرتفع نسبيًا والهجرة من الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.
يعيش المسلمون في أمريكا حياة ليست صعبة إلى حد كبير، ومن السهل رؤية الملابس المحتشمة والحجاب في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة وكذلك المنتجات الحلال، كما توجد كلية فنون ليبرالية إسلامية في بيركلي وكاليفورنيا، ومدرسة دراسات عليا في كليرمونت وكاليفورنيا، ويزدهر النشاط المجتمعي ويقيم النشطاء المسلمون تحالفات مع المجتمعات المهمشة الأخرى.
صعد العديد منهم إلى مراتب متقدمة من الحياة العامة، منهم من وصل للبرلمان مثل الصومالية الأمريكية إلهان عمر التي ترتدي الحجاب في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية مينيسوتا، وهناك مسلمان غيرها في الكونغرس.
خاض البعض الآخر انتخابات الكونغرس للعام الحاليّ، وتعتبر مدينة كاليفورنيا أفضل واحات التعددية في البلاد التي تكافح دائمًا لخلق بيئة تتمتع بترحيب غير متحفظ للجميع، بما يمكنهم من تحقيق طموحاتهم وبشروطهم الخاصة.
علاقة مهتزة
لكن هذه الطفرة في حياة المسلمين بأمريكا لا تقول إن كل شيء على ما يرام، فالعلاقة مهتزة للغاية منذ أحداث 11 سبتمبر، حيث ينظر للمسلمين من وقتها بريبة كبيرة، وزاد من هذه الأزمة لعب الساسة على إزكاء المخاوف من الإسلام في محاولة للاستفادة من الصدمة الكبرى للجمهور مما حدث، وهو ما ساعد على تنامي المواقف السلبية تجاه الإسلام والمسلمين.
يساعد في نمو هذه الإشكالية عقلية العناد المعروفة عن الشخصية الأمريكية، التي تجعلهم يتمسكون بما لديهم من صور نمطية سلبية عن المسلمين دون إعطائهم حق الرد أو إعادة النظر في التفسيرات التي تطرح من المسلمين لتوضيح ما يحدث من إرهاب، ولماذا هو أبعد ما يكون عن المسلمين.
يخلط الكثير من الأمريكين بين المسلمين والإرهاب، ظاهرة الهوس باستغلال هذه الظاهرة لزيادة الشعبية السياسية والاجتماعية تتنامى بسرعة، والكثير يتربح من الإيحاء بأن الأقليات على شاكلة المسلمين في حاجة ماسة لمراقبة صارمة.
هذه الاضطرابات التي تهدم أسس العلمانية ومزاعمها، كانت الأساس الذي صنع عليه قانون باتريوت، وهو تشريع قاسٍ يزعم توحيد وتقوية أمريكا عبر توفير الأدوات المناسبة لاعتراض الإرهاب وعرقلته من خلال توسيع قواعد الاشتباه وتكبيل الحريات.
لا يتخلى الجيل الثاني من المسلمين عن التمسك بدينهم ويلاحظ أنهم الأكثر دفاعًا عن قيمهم الإسلامية
يوفر القانون الحماية التشريعية لمراقبة المسلمين والمساجد والمدارس الإسلامية والمنازل الخاصة دون غيرهم، مما يفتح أبواب محاكم التفتيش على مصراعيها للتنقيب في النوايا والضمائر، وهو ما أدى تلقائيًا إلى زيادة حادة في جرائم الكراهية ضد المسلمين.
ويمكن القول إن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، كان صاحب المبادرة في هذه الهستيريا من خلال تبنيه ضرب بلدان إسلامية لمحاصرة “الإرهاب” ومن يوفر له المأوى، ولم يكتف بذلك بل هدد بشكل واضح الدول ذات الأغلبية المسلمة التي خيرّها إما بالتعاون مع واشنطن وإما التعرض للقصف وإعادتها إلى العصر الحجري.
الإسلام أقوى
رغم كل هذه التعقيدات، لا يتخلى الجيل الثاني من المسلمين عن التمسك بدينهم ويلاحظ أنهم الأكثر دفاعًا عن قيمهم الإسلامية حتى من آبائهم الذين هاجروا إلى أمريكا، حيث يجد الجيل الأصغر نفسه أقوى وأكثر حجة بحكم تربيته المنفتحة على شرح مفردات الإسلام والدفاع عنه.
يرفض شباب المسلمين الاستسلام إلى بيئة علمانية تتزايد فيها حدة العداء له، ويتبنون إستراتيجية دفاعية تجعل من التمسك بالدين رأس حربة عدالة قضيتهم، ولا يتنازلون أمام أي انتهاك، ويثبت ذلك تعدد القضايا المرفوعة أمام القضاء من أجل حق بناء المساجد ودور العبادة.
يقاتل المسلمون الأمريكيون من أجل تمكينهم في المجتمع على أسس الحرية والمساواة الكاملة، وخاصة الذين ولدوا بأمريكا ولا يعرفون وطنًا غيرها، ويدفعهم إيمانهم الواسع بالحريات للجميع، غلى الإصرار على مبادئ عقيدتهم، ولهذا يرفضون التنازل عن حقهم مهما كانت الضغوط العالمية والداخلية.
في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال