هل يقف التحالف الأمريكي الإسرائيلي السعودي وراء اغتيال فخري زادة؟

يشكل اغتيال محسن فخري زاده، أحد أبرز العلماء النوويين الإيرانيين من الصف الأول في مجال الأبحاث العلمية، والذي كان على لائحة العقوبات الدولية منذ عام 2007، لاتهامه بالضلوع في برنامج التسلح النووي والصاروخي، جريمةً إرهابيةً ذات طابع دولي وإقليمي ، تستهدف بالدرجة الرئيسة تعطيل المشروع النووي الإيراني.
وتأتي هذه العملية الإرهابية في سياق عمليات عدائية استهدفت إيران في السابق، على غرار العقوبات الاقتصادية الشديدة المستمرة منذ عقود من الزمن، واغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مع بداية سنة 2020، وإسقاط الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية،وانفجار منشأة ناتانز النووية. وأذا كان الخبراء لا يتوقعون أن يؤدي اغتيال فخري زاده إلى انسحاب إيران من أهدافها الاستراتيجية الشاملة، لكن من المرجح أن يتسبب في ضررها، وإن كان مؤقتًا.
وكان رئيس الحكومة الصهيونية اليمينية و الفاشية بنيامين نتنياهو تحدث في كلمة سنة 2018عن العالم الإيراني محسن فخري زاده،أنَّهُ شخصية محورية في المشروع النووي الإيراني،متهما إيران بمواصلة السعي لامتلاك أسلحة نووية،وقال:”تذكروا هذا الاسم جيدا”،وعرض صورته بوصفه رئيسا لمشروع إيران النووي السري ومؤسسه.وبدوره أعاد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب نشر تغريدة للصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان عقب ورود تقارير بتصفية العالم الإيراني محسن فخري زاده، المعروف بأنه أبو المشروع النووي الإيراني.
وجاء في التغريدة “اغتيل محسن فخري زاده في منطقة داماوند (شرق طهران) بحسب تقارير إيرانية، لقد كان رئيسا للبرنامج العسكري السري في إيران، وكان على قائمة أهداف الموساد لسنوات طويلة، ووفاته تمثل ضربة نفسية وعملية كبيرة لإيران”.ويوصف العالم محسن فخري زاده بأنَّه رأس “البرنامج النووي الإيراني”، الذي تحاربه الولايات المتحدة وإسرائيل، وتسعيان إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، في حين تؤكد طهران أنها تسعى فقط للحصول على الطاقة النووية، وليس السلاح.
اتهام إيران للتحالف الثلاثي
رغم أنَّ معظم التحليلات الإيرانية والعربية والدولية تؤكد أنَّ من يقف وراء عملية غتيال العالم النووي الكبير محسن فخري زادة، هو جهاز الموساد الصهيوني،فإنَّ اللافت في هذا الأمر هو الموقف الذي عبَّر عنه وزير الخارجية الإيراني،محمد جواد ظريف،عن حادث الاغتيال،والأطراف المتورطة فيه وأهدافها.
فقد اعتبر ظريف، في منشور عبر حسابه في “إنستغرام”، أنَّ اغتيال العالم الإيراني “كان نتيجة مؤامرة ثلاثية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي والسعودية”، إذ قال إن “زيارات (وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو)المضطردة إلى المنطقة،واللقاء الثلاثي في السعودية (بين بنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان وبومبيو)،وبيانات نتنياهو،كلَّها أدلة على المؤامرة التي تجسدت للأسف يوم الجمعة في الإجراء الإرهابي الجبان الذي أدَّى إلى شهادة أحد مدراء إيران البارزين”.
واتهم وزير الخارجية الإيراني “مخططي وحماة سياسة الضغط الأقصى الفاشلة ضد الشعب الإيراني بالسعي إلى إيجاد التشنجات وتدمير الفضاء الذي تشكل لإلغاء العقوبات الظالمة”، في إشارة غير مباشرة إلى فوز المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أجريت يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
واتهم ظريف الولايات المتحدة والسعودية والاحتلال الإسرائيلي بـ”إطلاق معركة استخباراتية وحرب نفسية تزامناً مع الحادث الإرهابي على أمل باطل لإكمال البرنامج الخبيث لبومبيو ونتنياهو وبن سلمان لأجل خلق التشنجات والتوترات”.
وفيما تواجه الحكومة الإيرانية الراهنة المدعومة من الإصلاحيين اتهامات من قبل شخصيات ووسائل إعلام محافظة بأنها قدمت اسم فخري زادة كعالم نووي إلى الأمم المتحدة، لكن ظريف اعتبر أنَّ ذلك “كذبة”، قائلاً إنَّ “أول خبر كاذب نشر في وسائل الإعلام الفارسية” بعد مقتل العالم الإيراني أنَّ “وسائل إعلام إسرائيلية زعمت أنَّ “الموساد” تعرف على هذا العالم عبر قوائم الأمم المتحدة”.
وأكَّد وزير خارجية إيران أنَّ هذه المزاعم “غير صحيحةٍ تمامًاً”، مشيراً إلى أنَّ “أمريكا والكيان الصهيوني هما من أعطى اسم الدكتور فخري زادة للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2006، وبعدها تم وضعه على قائمة العقوبات في القرار رقم 1747 الصادر يوم 24 مارس/ آذار 2007″، من قبل مجلس الأمن الدولي.
وختم ظريف مقالته بالقول إنَّ الإيرانيين “من كل التوجهات والأفكار سيحافظون على وحدتهم وانسجامهم لتحقيق مكاسب مقاومتهم البطولية في مواجهة الحرب الاقتصادية التي يشنها (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب وشركاؤه”.
وكان حديث حسين دهقان المستشار العسكري للمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي أشَّد وضوحًا في اتهام تل أبيب والإشارة إلى ترامب، حيث قال في تغريدة على تويتر “في الأيام الأخيرة من الحياة السياسية لحليفهم (ترامب) يسعى الصهاينة إلى تكثيف الضغط على إيران وإشعال فتيل حرب شاملة”.أما الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني فقال إن فخري زاده قُتل “على أيدي من ترعاهم أميركا وإسرائيل، وهذا جزء من الحرب على إيران والمنطقة الحرة وفلسطين”.
ضربة استباقية لمنع أي تقارب بين بايدن و إيران
عَبَّرَ قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكلٍ غيرِ مباشرٍ؛ لكنَّهُ مفهومٌ، عن ارتياحهم لخسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.وكان الرئيس المنتخب جو بايدن قد ذكر خلال حملته الانتخابية أنَّه يرغب في الانضمام مجددًا إلى الاتفاق النووي، وتنتظر إيران حتى 20 يناير/كانون الثاني عندما يصبح بايدن رسميًا رئيسًا حتى يبدأ النظر برفع العقوبات التي فرضها ترامب.
ويُعَدُّ الرئيس ترامب أكثر الرؤساء الأمريكيين مصابًا بمرض الهوس بإيران وبالاتفاق النووي، إذْ بذلَ كلَّ ما في وسعهِ قبل أنْ يتركَ منصبَهُ لِوَأْدِ الاتفاقِ النوويِّ، ومنعهِ من الخروجِ للنورِ في المستقبل، إضافة لإذلال إيران. فهو يريد استفزاز إيران للرَّدِ، والقادة الإيرانيون يقاومون الوقوع في هذا الفخ. وهم يسمُّونَ سياستهم -الصبر الإستراتيجي-، ولكنَّهم يتعرضون لضغوطٍ متزايدةٍ للاستجابة
واعتبرت باربرا سلافين، الخبيرة بالشأن الإيراني في المعهد الأطلسي بواشنطن في مقال لها بصحيفة “نيويورك تايمز” “أنَّ إسرائيل وإدارة ترامب تخشيان من أن تسعى إدارة بايدن إلى العودة السريعة إلى الاتفاق النووي، الذي قد ينعش الاقتصاد الإيراني المتعثر، ويجعل من الصعب احتواء نفوذها في الشرق الأوسط.. قتل السيد فخري زاده يجعل ذلك أكثر صعوبة”.
واعتبرت باربرا سلافين، أنَّ “إيران قد تعهدت بالامتثال الكامل للاتفاق النووي إذا وافقت إدارة بايدن على أن تفعل الشيء نفسه، ورفعت العقوبات التي تراكمت على يد الرئيس ترامب”.
ورأت سلافين أن “رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وبدعم من الرئيس ترامب، عازم على حرق الأرض؛ لجعل أي عودة إلى الدبلوماسية مع إيران في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن أكثر صعوبة”.
ليس خافيًا على أحد أنَّ الرئيس الأمريكي ترامب الذي يمتلك كل الصلاحيات الرئاسية حتى منتصف يوم 20 يناير/كانون الثاني القادم، بما فيها إعطاء أوامر شن هجمات عسكرية،يريد توجيه ضربة عسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، لولا معارضة المستشارين وقادة الأجهزة الأمنية و العسكرية في الدولة العميقة.
وكان مسؤول أميركي قد أكد في وقت سابق هذا الشهر أن ترامب سعى للحصول على خطة من مساعدين عسكريين لتوجيه ضربة محتملة لإيران، لكنه عدل عن هذا القرار آنذاك بسبب خطر نشوب صراع أوسع نطاقا في إقليم الشرق الأوسط.
ولطالما وصفت أجهزة المخابرات في الكيان الصهيوني ودول غربية العالم النووي الإير اني فخري زاده بأنه قائد برنامج سري للقنبلة الذرية توقف في عام 2003، وتتهم إسرائيل والولايات المتحدة طهران بمحاولة إعادة تشغيله في السر، وتنفي إيران منذ مدة طويلة أنها تسعى لإنتاج أسلحة نووية.
واتهم ترامب إيران مرارا بالسعي سرا لامتلاك أسلحة نووية، وقرر سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي رُفعت بموجبه عقوبات عن إيران مقابل قيود على برنامجها النووي، أما الرئيس المنتخب جو بايدن فقال إنه سيعاود الانضمام للاتفاق، رغم أن محللين يقولون إن ذلك لن يتم بين عشية وضحاها، وإن كلا من الطرفين سيطلب ضمانات.
ويُعْتَقَدُ أن فخري زاده، الذي لم يكن له ظهور علني، ترأس ما تعتقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأجهزة المخابرات الأميركية أنه برنامج أسلحة نووية منسق في إيران، لكن تم وقف العمل بالبرنامج في 2003.وكان فخري زاده العالم الإيراني الوحيد الذي ورد اسمه في “التقييم النهائي” للوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2015 للأسئلة المفتوحة حول برنامج إيران النووي، وقال تقرير الوكالة إنه أشرف على أنشطة “لدعم بعد عسكري محتمل لبرنامج إيران النووي”.
وأشار حسين نقوي حسيني المتحدث السابق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إلى تصفية 4 علماء نوويين إيرانيين في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبه (وقتذاك) جو بايدن، وأكد أنه لا يستبعد استمرار سياسة الاغتيالات خلال الفترة المقبلة.
وعلل فرضيته -في حديث أدلى به للجزيرة نت- بالقول إن هناك أطرافا إقليمية لا سيما الكيان الصهيوني والسعودية تخشى عودة بايدن إلی الاتفاق النووي وخفض التوتر بين الجانبين، معتبرا عملية اغتيال فخري زاده خطوة استباقية لضرب أي تفاهم محتمل بين واشنطن وطهران خلال حقبة بايدن.
وطالب حسيني الأجهزة الأمنية في إيران بتقديم توضيحات عن العملية التي وقعت في وضح النهار وقرب العاصمة طهران، مؤكدا أنه لا يمكن القبول بتكرار مثل هذه الحوادث خاصة بعد الهجوم على العرض العسكري في مدينة الأهواز جنوب غربي البلاد وهجوم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على البرلمان خلال السنوات الماضية.كما وصف اغتيال علماء الذرة في إيران بالخسارة الوطنية الكبرى التي تكاد لا تعوض، مؤكدا أن الاغتيالات تهدف إلى القضاء على البرنامج النووي أو عرقلة عجلة تطوره علی أقل تقدير، ونوه إلی أن الأعداء لن يفلحوا بتحقيق هذه الأمنية.
خاتمـــــــــة:
منذ عقدين من الزمن،والكيان الصهيوني عن طريق الاستقواء بالإمبريالية الأمريكية يغتال العلماء في المجال النووي ،والصاروخي الباليستي في كل من سورية وإيران،و العديد من القادة العسكريين الكبارفي محور المقاومة ، لعل آخرهم الشهيد قاسم سليماني،حيث أنَّ كلَ هذه الضربات العسكرية التي وجهت إلى سورية وإيران وحزب الله تم تتويجها باغتيال قائد المشروع النووي العسكري، مما يكشف عن العجز لدى أطراف محور المقاومة على مواجهة هذا التطور الخطير، والحفاظ على أمن الأهداف الأكثر حساسية في أراضيها.
من هنا تنشأ المعضلة الحقيقية وهي كيف سيتم الرد من جانب محور المقاومة ؟ يعتقد الخبراء العسكريون أنَّ ردًّا عسكريًا سيحرر فقط أيدي الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية لتنفيذ خطة الهجوم العسكري التي اضطروا لأن يسحبوها .
لكنَّ الكيان الصهيوني بوصفه قاعدة أمريكية استراتيجية متقدمة، وبنيية مجتمعية إيديولوجية وسياسية وعسكرية استيطانية وعنصرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط،يتطلب خوض الصراع ضدَّه.
وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى الصِّرَاعُ دَائِرًا, وَأَلَا يُجَزَّأُ. فَقَدْ أَكَّدَ نَجَّاحُ استراتيجية حِزْبَ اللهِ الَّذِي تَفَوَّقَ عَلَى زبَائِن الْوِلَاَيَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْعَرِبِ الَّذِينَ وَقَّعُوا اِتِّفَاقَاتِ سُلَّامٍ لِلْحِفَاظِ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ، أَنَّ أَمْرِيكَا لَنْ تُغَيِّرَ مِنْ مَوْقِفِهَا الْمُنْحَازِ لِلْكِيَانِ الصِّهْيُونِيِّ إِلَّا إِذَا أَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ وَالْإِسْلَامِيَّةُ قَادِرَةً عَلَى تحرير الأراضي الْمُحْتَلَّةَ مِنْ طَرِيقِ بَنَّاءِ مُقَاوَمَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَإِسْلَامِيَّةٍ حَديثَةٍ.
و قد أثبتت هذه التجربة،من جملة ما أثبتته من حقائق واقعية ،حقيقتين أساسيتين أولاهما أن بناء تحالف استراتيجي متين بين الدول الوطنية العربية و إيران والقوى الوطنية و الديمقراطية العربية ،يُعَدُّ شرطًا ضروريًالخوض المقاومة ضد الكيان الصهيوني،وإِنْ لم يكنْ كافيًا.وثانيهما تلازم النضال من أجل إعادة بناء الدول الوطنية في الإقليم والنضال ضدالإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني.
ولا يمكن أن نحرز تحريرًا في ظل وجود مقاومات عربية تستند في أساسها إلى النزعة “العسكريتارية”المحضة خارج عالم الفكروالثقافة والسياسة،وغير ديمقراطية في بنيانها الداخلي …أو تستند أيضا إلى الطوائف أو المذاهب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى