إسرائيل توسع نفوذها في أفريقيا على حساب دور مصر التي تخلت عن نهج عبد الناصر

أثارت زيارة وفد تشادي إلى إسرائيل تساؤلات حول هذه الخطوة، وإن كانت تأتي بتشجيع من اتفاقية التطبيع مع الإمارات. وهل ستؤثر على الدور المصري في القارة السمراء، أم أن تراجعه، هو ما أعطى لإسرائيل فرصة سد الفجوة؟

تشهد علاقات إسرائيل الجيوسياسية مع عدد من الدول المجاورة خلال الأشهر الأخيرة تطورا واضحا. آخرها كان مع إعلان تطبيع العلاقات مع الإمارات، الذي سلط الضوء بشكل واضح على الخطوات الإسرائيلية في محاولة جذب شركاء سياسيين واقتصاديين.

أبرزها كان لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وفد من تشاد – الدولة العضو في جامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقي- قدم إلى إسرائيل أمس الأول الثلاثاء؛ بشكل سري من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. ما يعني أن هناك توجهات إلى إعطاء العلاقات الإسرائيلية الأفريقية انطلاقة جديدة، وقد يكون أساسها التعاون التكنولوجي والتنموي.

ما بعد التطبيع الإماراتي

العلاقات الإسرائيلية الأفريقية ليست وليدة اليوم، إذ يذكر موقع المكتبة الافتراضية اليهودية أنه في ستينات القرن الماضي، كانت إسرائيل تتمتع بـ”تحالف غير رسمي” مع 32 بلد أفريقي، مع تواجد خبراء إسرائيليين يعملون في مختلف القطاعات داخل القارة السمراء، ولكنها تراجعت مع تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل في فترة حرب أكتوبر.

غير أن توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل دفع الأخيرة إلى فتح المجال لمزيد من التعاون الاقتصادي مع دول أخرى من بينها الدول الأفريقية، وفي هذا يرى المحلل الاقتصادي سامي ميعاري، الباحث في جامعة تل أبيب، في حديث مع DW عربية، أن الدول الأفريقية والعربية كالإمارات والسعودية؛ متشابهة في نظرتها لإسرائيل، بسبب اعتبارها مفتاحا للوصول إلى البيت الأبيض.

إذ تهدف الدول الأفريقية، برأي الخبير الاقتصادي، إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس بالأمر السهل، ما يجعلها تلجأ إلى إسرائيل باعتبارها بوابة للعلاقات مع واشنطن، مؤكدا أن “العلاقات بين أفريقيا وإسرائيل موجودة، ولكنها زادت ما بعد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي”.

ولهذا فإن ازدياد قوة هذه العلاقة (الإسرائيلية الأفريقية) يعود إلى استغلال النفوذ الاقتصادي الإماراتي في القارة، كما يذكر الخبير الاستراتيجي في جامعة إسطنبول، أوصمان كاغال يوشال، في مقال نشر على موقع وكالة الأناضول التركية، يتحدث فيه عن رغبة إسرائيل في تحقيق انفتاح على القارة الأفريقية من خلال دولة وسيطة، وهو “دور تلعبه الآن الإمارات” كما يقول.

فيما يرى أشرف بدر الباحث في جامعة بير زيت بالضفة الغربية، المختص في الشأن الإسرائيلي، في حديث مع DW عربية، أن تاريخ العلاقات بين القارة الأفريقية وإسرائيل هو أقدم تاريخيا من التطبيع الإماراتي، إذ أن الاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا كان منذ عهد بن غوريون الذي اعتبر “أن السلام يمر عبر أفريقيا وآسيا”، بينما قامت غولدا مائير بوضع وتنفيذ خطط دبلوماسية لتطوير هذه العلاقة، والتي انتهت بمشروع “إسرائيل لأفريقيا”، معتبرا أن البداية الحقيقية كانت ما بعد اتفاق كامب دايفيد بين إسرائيل ومصر، بسبب انهيار سياسات المقاطعة لإسرائيل من قبل عدد من الدول الأفريقية، وبلغت العلاقة ذروتها خلال حكم نتنياهو عام 2009 كونه اهتم بتقوية أواصر العلاقة مع أفريقيا، وأصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارة السمراء (جنوب الصحراء) منذ 50 عاما.

تراجع الدور المصري

يتفق الخبيران أشرف بدر وسامي ميعاري على أن تراجع الدور المصري خلال السنوات الأخيرة في القارة الأفريقية دفع عددا من دولها إلى البحث عمن يسد الفراغ، إذ كانت مصر تهيمن في عدة صناعات تكنولوجية في القارة، ولكن “غيابها مؤخرا، جعل الأعين تتوجه إلى إسرائيل”.

ويشير ميعاري إلى أن قوة إسرائيل في المجال التكنولوجي والخدمات الأمنية يجعل منها شريكا مهما لدول العالم الثالث التي تحتاج إلى بنية تحتية أساسية لتطوير اقتصادها؛ فعلى سبيل المثال قامت إسرائيل بتطوير جهاز يجمع المياه من خلال الرطوبة، والآن تعمل على تصديره لدول أفريقية كبيرة، خاصة أن الحاجة لمياه الزراعة هو من أهم ما تصبو إليه هذه الدول.

علاوة على ذلك، فإن إسرائيل تتوفر على مراكز أكاديمية متطورة وترتبط مع المراكز الأكاديمية الأمريكية التي تعتبر مصدر اهتمام لدى الدول الأفريقية، مضيفا إلى أن هذا قد يؤثر على دور مصر الاقتصادي في القارة إن عززت إسرائيل قوتها هناك في المجال التكنولوجي والتجهيزات التكنولوجية المتطورة، ففي فترة ما “كان بمقدور مصر أن تهيمن على هذا السوق في القارة، ومع غيابها فإن قيام إسرائيل بسد هذه الفجوة، يجعل خسارة القاهرة الاقتصادية كبيرة”.

فيما يعتبر بدر أن “الغياب المصري في أفريقيا” كان لديه تأثير أيضا على قضية سد النهضة، إذ أن دولة مثل أثيوبيا لن تتمكن من مواجهة مصر وحدها دون الدعم الإسرائيلي، الذي يعتبر مفتاحا للدعم الأمريكي. مشيرا إلى أن إسرائيل تحرص على إقامة علاقات مع دول منبع النيل، وترغب بإيجاد موطئ قدم لها هناك، وهو أمر قد يؤثر على النفوذ المصري في المنطقة.

ففي كلمة لها في ندوة “الاتحاد الإفريقي على خطى الاتحاد الأوروبي.. فرص وتحديات” عقدت في القاهرة في شهر فيبريار 2019، نشرت مقاطع منها على موقع صحيفة “الوطن” المصرية، حذرت السفيرة سعاد شلبي مساعد وزير الخارجية المصري، عضو لجنة الحكماء في الكوميسا بإفريقيا، من دور إسرائيلي في القارة الأفريقية على حساب الأمن القومي المصري، وذكرت السفيرة شلبي: “أن إسرائيل تعمل جاهدة في الوقت الحالي على تقسيم إفريقيا، من خلال التلاعب بدول حوض النيل للضغط على مصر لتخضع لها، لذلك يجب أن نوثق علاقتنا مع دولة إثيوبيا لحماية بلادنا من الأخطار التي تهددها حاليًا”.

وكانت أديس أبابا قد استقبلت في عام 2018 الرئيس رؤوفين ريفلين وهي أول زيارة لرئيس إسرائيلي إلى البلد الاستراتيجي في القرن الأفريقي. وفي وقت لاحق من عامي 2019 و2020 بدأت العلاقات المصرية الأثيوبية تسوء على خلفية الخلاف حول سد النهضة.

وعاء تصويت

المنافسة الإقليمية على النفوذ في المنطقة ما بين تركيا وإيران وإسرائيل، يجعل أفريقيا مصدر اهتمام للجهات الثلاث، من أجل تحقيق امتداد لها في القارة، كما يذكر الخبير أشرف بدر، مضيفا أن إسرائيل تنظر للدول الإفريقية “كوعاء تصويت قد يكون داعما لها في الأمم المتحدة، إذ أن حيادها أو التصويت لصالح إسرائيل يضمن لها في المقابل عقود تنمية اقتصادية”.

فيما يرى ميعاري إلى أن إسرائيل تريد تعزيز قوتها في منطقة البحر الأحمر، من خلال رفع علاقاتها الجيوسياسية مع الدول الأفريقية، وذلك لمواجهة “عدوها الأول إيران”، ولهذا فهي تعتبر تواجدها هناك أمرا مهما واستراتيجيا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى