السودان: اِنى أغرق.. استغاثة في بحر الظلمات !

الجزائرية الرائعة التي وهبت نفسها لإغاثة كل من ألمت به النكبات , فكانت له عقد الياسمين وطوق النجاة “حور حسن باى ” أطلقت ندائها من ستوكهولم تقول “حين انفجرت لبنان الكل تضامن شكلا ومضمونا, قامت الدنيا ولم تقعد,لكن حين غرقت السودان لا أذن سمعت ولا عين رأت.
وأردفت صدق من قال أن الإنسانية فتاة شقراء بعيون زرقاء.
سلام لأهل السودان. …من الجزااااااااااائر
لا أنا ولاحور نضن على شعبنا اللبناني ونتمنى أن يتصاعد التضامن الأنسانى , ليمحو محنته التي زلزلت الدنيا وقضمت نصف بيروت. لكن في المقابل يحضر السؤال: لماذا يتم التعامل حتى مع الكوارث بعدة مكاييل؟
فالكارثة هي دمار وإزهاق أرواح ودماء تسيل أنهار وخراب ديار ونار تقضى على الأخضر واليابس في كل دار وزلازل وفيضانات , لذا يجب أن تتوحد الإنسانية في مواجهتها من خلال عواطف ملتهبة تتضامن وتتأسى وتتحفز وتنطلق دون شعور لإغاثة الغريق وإطفاء الحريق وإزالة أنقاض الديار , وتقديم العون المادي والمعنوي , وكل ما من شأنه أن يخفف من المأساة الإنسانية ويضمد الجراح ويكفكف البردان ويأوي من تشرد وأصبح بلا مأوى ويقدم العلاج والدواء , والغذاء,وكافة مساعدات الإغاثة , لافرق في ذلك بين بلد وأخرى ولا بين أبيض وأسود , بل أن البلاد الفقيرة , يجب أن تكون مساعدتها غير محدودة حتى تتجاوز المحن الكارثية وتلتئم جروح من ألمت بهم الكارثة من خلال تضامن أنساني فعلى وعملي أكبر وأكثر تعاطفا , وذلك لمن يحترم الإنسانية ,بل ويحترم إنسانيته هو في المقام الأول والأخير.
مأساة حقيقية يمر بها شعبنا السوداني – ألا يكفيه أنه شعب الدولة الوحيدة في أفريقيا الذي عانى من حرب ألأهلية دامت أكثر من 21 سنة وقتلت أكثر من 3 مليون وشردت أكثر من 5 مليون داخل وخارج السودان , ليزداد هذا الشعب مزيدا من المحن حين ارتفع منسوب نهر النيل في العاصمة السودانية، الخرطوم، إلى 17.48 متر، محطما الأرقام القياسية التي سجلها خلال الأعوام الـ100 الماضية والتي بلغت 17.26 متر في عام 1946.
ست عشرة ولاية تضررت , وانهيارات لـ خمسين ألف مسكن وتشريد لـ 500 ألف مواطن – ويبقى أن المأساة الكبرى أن هذه الفيضانات توفر بيئة ملائمة لأمراض كثيرة فى ظل منظومة صحية متدنية .
يتشدق الكل , وطحين الكلام يمر , وكاميرات الفضائيات تصور لجميع أنحاء العالم حجم المأساة, والمياه التي غرقت فيها المساكن والبرك التي تكونت , فسبح البشر فيها محاولين النجاة , ولا صورة واحدة وسط الدمار والخراب وانعزال المدن والقرى في جزر كأنها منفصلة عن هذا العالم الردئ , تصور توزيعا لأكل أو شراب , أو إنقاذ لصغير وشيخ كبير أو امرأة حامل تريد تدبر الطمث الذي أنفجر من الرعب ,والخوف من غيوم الليل وصقيع المساء,لا صور تشير من قريب أو بعيد إلى لملمت الجسم النحيل بغطاء أو قطعة من قماش أدنى من ثمن أكل بعير السلطان اى سلطان أو ملك أو أمير .
الكل هرب من ساحة النيل الذي فقد عروسه السمراء في القاهرة منذ رحيل عبد الناصر , فتكالبت إسرائيل على أثيوبيا منبع النهر العظيم , وعلى السودان كانت كالسوس تنخر وتعمق الكوارث حتى لا يجد السودان غيرها من مُعين – وعلى نيل القاهرة كان الصهاينة لتعطيش المصريين حتى يرضخوا لمد المياه لصحراء النقب بإسرائيل .
لكن عروس النيل تقف الآن على حافة نيل القاهرة , تدعو شعب مصر وجيشها أن يلبسوها أغلى أثواب الزفاف , وتزينيها بالغالي والنفيس من الجواهر والمرجان والياقوت , وتقديمها للنيل لترضيه , فيحنو على شعب السودان الأسمر الرقيق , العذب السلسبيل , وينحسر عن هذا الشعب الذي عانى الكثير وهو مازال يعانى بعد ثورة خلعت البشير الصفيق , ولم تتمتع بحكم جديد , سوى جنرال التقى بنتنياهو فكان لقاء عكر صفو النيل .
يا شعبنا المصري وجيشنا العظيم ,نحن شعب وادي النيل شعبنا واحدا في مصر والسودان , إذا اشتكى منا عضو تداعى له سائر الأعضاء ,فأقيموا الصلاة من أجل إخوتنا في الجنوب الذين يعانون كل أنواع البلاء ,وأقيموا جسرا يمتد من الإسكندرية ليمر عبر كل محافظات الشمال يحمل كل أنواع المؤن والأغطية والخيام والأكل والشراب لكل ربوع البلدات المتضررة في جنوب وادي النيل ( السودان) – وجيشنا في الشمال قادر مع جيش الجنوب ,أن ينقذ كل من أصابتهم الكارثة ,وأن يتجاوزها وأن يعيد العمار.
والى كل شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج ,أغيثوا شعبنا السوداني الذي وجه النداء ,فصمت آذان بحر ظلمات حكومات العالم .
فهل تستجيب لنداء استغاثته الإنسانية وشعوب العالم الحر ؟
ويا شعبنا العربي أنت الأجدر بالاستجابة والقادر بعون الله أن تعيد البلسم والضحكة لشفاه شعبنا الأسمر في السودان , بما تقدمه من عون ومدد مادي ومعنوي – ولجامعتنا العربية نقول : ثبتت عبريتكم في السراء والضراء.
ودعاء من الأعماق أن ينحسر الفيضان وتنقضي الغمة وتعود للأمة السودانية حيويتها وعافيتها ,ولشعبها الأسمر الذي نتباهى في عالمنا العربي بسمرته المحببة بصفائها ونقائها ، أن يستعيد بسمته وسروره.

*كاتب ومحامى – مصري

البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى