الكنيسة الإنجيلية تلعب دوراً قذراً في نشر النفوذ الاسرائيلي بالقارة الإفريقية

تمدد الكيان الإسرائيلي في دول القارة الإفريقية، لم يكن ناتجًا فقط عن سياسة الكيان الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، بل نتيجة أيضًا مساعدة أطراف أخرى على ذلك، أبرز هذه الأطراف نجد الكنيسة الإنجيلية التي اكتسحت في السنوات الأخيرة عدة بلدان إفريقية بفضل وسائل فيها كثير من التجاوز ولكنها فعالة.
في هذا التقرير سنلقي الضوء على هذه الكنيسة الموالية للولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تأخذ مكان الكنيسة الكاثوليكية في القارة الإفريقية، ومدى مساهمتها في تسهيل الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية.
من هم الإنجيليون؟
نعني بالكنيسة الإنجيلية، تلك الحركة الدينية المسيحية التي تتبناها جماعات من المحافظين البروتستانت، وتتميز تعاليمها بالتشديد على المعنى الحرفي لنصوص الكتاب المقدس، الذي تعتبره المصدر الوحيد للإيمان المسيحي.
ظهرت هذه الطائفة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر من داخل الديانة المسيحية البروتستانتية، بعد انتشار تبني بعض الكنائس والحركات البروتستانتية اسم الإنجيلية، لتمييزها بالتشدد الديني عن بقية أقرانهم من البروتستانت الليبراليين.
يعود مصدر اسم الحركة إلى الكتاب المقدس لدى المسيحيين، الذي دعت الحركة إلى جعله مركزيًا في الحياة اليومية للمؤمنين، وقد استعمل مصطلح الإنجيلية للدلالة على الحركة التقوية في أوروبا والميثودية في بريطانيا وحركة اليقظة في أمريكا، وقد شُكل الاتحاد الإنجيلي في لندن عام 1846.
تعتبر كل من الأمريكتين وإفريقيا وآسيا موطن غالبية الإنجيليين (يقع المركز الأكبر للإنجيليين اليوم في الولايات المتحدة)، حيث قدرت أعداد هؤلاء في سنة 2010 بنحو 285 مليون أو 13.1% من إجمالي المسيحيين و4.1% من مجموع سكان العالم، وهي في نمو كبير على مستوى العالم، خاصة في العالم النامي.
الكنيسة الإنجيلية في إفريقيا
شهدت الكنيسة الإنجيلية في العقود الأخيرة توسعًا كبيرًا في القارة الإفريقية على حساب الدين الإسلامي وعلى حساب الكنيسة الكاثولوكية أيضًا، خاصة في المستعمرات الفرنسية السابقة، نتيجة الحملات التبشيرية التي تقوم بها هناك وتلبية الاحتياجات التي يخلقها الوضع الإفريقي ويفتح الطريق لما تتطلبه الظروف الحديثة.
تشير الأرقام الأخيرة الصادرة عن مركز الدراسات المسيحية العالمية في مدرسة جوردون كونويل اللاهوتية إلى أن 23% من المسيحيين في إفريقيا من أصل 115 مليون مسيحي إنجيليون، وما زالوا في ازدياد.
وتتوسع الكنائس الإنجيلية خصوصًا في إفريقيا جنوب الصحراء متسلحة بإستراتيجية حديثة ونشاط تبشيري مكثف يفوق نشاط باقي الكنائس المسيحية الأخرى، ويتزايد عدد المعتنقين الجدد للكنيسة الإنجيلية تحت سمع وبصر الأنظمة الحاكمة هناك.

الانتشار الأكبر للكنيسة الإنجيلية في دول القارة الإفريقية، بدأ خلال العقدين الأخيرين، تحديدًا سنة 1990، ففي بداية تلك السنة شهدت عدة بلدان إفريقية اكتساح هذه الكنيسة وأتباعها لمساحات جديدة بفضل وسائل فيها كثير من التجاوزات القانونية ولكنها كانت فعالة.
ضمن الدول التي انتشرت فيها هذه الكنيسة نجد إفريقيا الوسطى، فقد أصبحت الكفة هناك متعادلة بين الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية بعد أن كانت الثانية أكثر عددًا، وفي الغابون، يوجد نحو 1070 كنيسة إنجيلية كما أنشئت عدة جمعيات إنجيلية في نيجيريا وغانا وبنين وكينيا وزامبيا ودول إفريقية أخرى.
ولاء كبير لإسرائيل
يعتبر أعضاء الكنيسة الإنجيلية من أشد المتحمسين لنصرة ومساندة الكيان الإسرائيلي، ويرفضون أي تنازل عن أي شبر لفائدة الفلسطينيين، ويُعرف الإنجيليون بـ”المسيحيين الصهاينة”، لدعمهم المشروع الصهيوني، ووجود العديد من التقاطعات بين مساعي الجانبين، وإن من منطلقات عقدية/أيديولوجية مختلفة.
ويؤمن الإنجيليون بأن قيام دولة “إسرائيل” يأتي “وفقًا لتعاليم الإنجيل”، ففي اعتقادهم بأن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة وإقامة ما يسمى بدولة “إسرائيل” فوق الأراضي الفلسطينية عام 1948 كانا متفقين مع نبوءة الكتاب المقدس.
كما يعتقد هؤلاء بأن المسيح عليه الصلاة والسلام، سيعود للحياة بعد تجمع كل اليهود في تلك الأرض واكتمال حدودها، أي على كامل تراب فلسطين التاريخية، فتجمع اليهود في “إسرائيل” هو شرط أساسي لعودة المسيح وفق معتقدهم.
هذه المعتقدات كانت شائعة في الأوساط البروتستانتية منذ الإصلاح، فقد كانوا يرون بأن على المسيحيين دعم نشاط عودة اليهود إلى ما يعتبرونه أرض “إسرائيل” التاريخية، جنبًا إلى جنب مع الفكرة الموازية التي مفادها أنه يجب تشجيع اليهود على أن يصبحوا مسيحيين كوسيلة تحقيق نبوءة الكتاب المقدس.
يقول هؤلاء الإنجيليون إن كتاب المسيح المقدس يدعو المؤمنين المسيحيين للاعتراف بالجذور العبرية لإيمانهم، ويدعو أيضًا للمساعدة بنشاط والمشاركة في خطة الله لتجميع الشعب اليهودي واستعادة أمة “إسرائيل” في يومنا هذا.
ويعتقد الكثيرون من أتباع الكنيسة الإنجيلية أن من واجبهم تشجيع اليهود على الانتقال من البلدان التي يعيشون فيها إلى الأرض الموعودة أو أرض الميعاد، وذلك للتعجيل بقدوم آخر الزمان الذي يفترض أن الكتاب المقدس يبشر به.
نتيجة ذلك، مارست الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التشجيع الرسمي للصهيونية المسيحية، حيث سمحت لهم بإنشاء السفارة المسيحية الدولية في القسم الغربي من مدينة القدس عام 1980، ردًا على القرار الذي اتخذته 13 دولة آنذاك والقاضي بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب.
هذه السفارة التي ترى وجوب دعم “إسرائيل”، جمعت الأموال للمساعدة في تمويل الهجرة اليهودية إلى الكيان الإسرائيلي من بلدان عدة، كما ساعدت الصهيونية المسيحية الجماعات في إنشاء المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية.
لهذه الجماعة دور كبير في إعلان الولايات المتحدة اعتبار مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، عاصمة للكيان الإسرائيلي، ودائمًا ما يدعم الإنجيليون مرشحي الحزب الجمهوري، لكونهم “ملتزمين دينيًا”، وفق الاعتقاد السائد عندهم.
تعزيز نفوذ إسرائيل في إفريقيا
كما أشرنا في أعلى التقرير، فإن ولاء هذه الطائفة الدينية تام للكيان الإسرائيلي، وبما أنهم موجودون بكثرة في دول القارة الإفريقية، فمن الطبيعي أن يستغلوا ذلك لدعم الكيان الصهيوني حتى تتحقق نبوءات كتبهم المقدسة.
على عكس باقي الجماعات الدينية المسيحية، لا تعلن الكنيسة الإنجيلية صراحة التزامها فقط بالعمل بالمنطق الفكري للمسيحية الذي يلزمها بالبعد عن المعترك السياسي والتبرؤ من أي عملية سياسية، فقد عرف عنها التدخل في الشؤون السياسية للدول بما في ذلك إفريقيا.
هذا النشاط، يبدو جليًا في خروج رؤساء بعض الدول الإفريقية من الكنيسة الإنجيلية، كما هو الشأن في دولة كينيا، كما أن النخب الفاعلة في العديد من الدول تخرجت في المدارس المسيحية الإنجيلية، ما يؤكد قوة تأثيرها هناك، فهي حاضرة بشكل مستمرٍ في الساحة الإفريقية.
وتعمل الكنيسة الإنجيلية على الضغط المباشر على الساسة الأفارقة ونخب الدول والتأثير في صناع القرار السياسي على المستوى المحلي أو الوطني، فذلك جزء مهم من التفكير السياسي واللاهوتي لهذه الجماعة المتشددة.

يتبين من هنا أن للسلطة الدينية للكنيسة الإنجيلية حيزًا كبيرًا في مراكز القوى بالدول الإفريقية، وهو ما تستغله الكنيسة لدعم الإسرائيليين في القارة الإفريقية، ففي ظل انتشار الكنيسة الإنجيلية وتوسعها في دول القارة السمراء يحقق الكيان الإسرائيلي مزيدًا من النفوذ بين الأفارقة.
أمام هذا الوضع، يمكن القول إن الكنيسة الإنجيلية أصبحت تمثل إحدى أدوات الضغط الدينية والشعبية المؤيدة للتمكين لـ”إسرائيل” داخل دول القارة الإفريقية، وهو ما يخدم المساعي الإسرائيلية المشبوهة للتغلغل داخل دول القارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى