الاتفاق الاسرائيلي الإماراتي لم يكن مفاجأة لأحد، فهو بمثابة تأكيد لما كنا نعرفه ونتوقعه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي ستجنيه الامارات من هذا الاتفاق المذل؟
هل مثلاً ستخفف اسرائيل من تهديداتها العسكرية ضد الامارات؟ هل سيأمر نتانياهو قطاعات البحرية والطيران بأن تخفف من تحرشاتها بالاسطول الاماراتي؟
هل سيساعد الاتفاق في أن تبيع الامارات منتجاتها الالكترونيه والتكنولوجيه في أسواق اسرائيل؟
هل سيساعد في تجنب خطر المجاعة التي تهدد دائماً ابناء الأمراء؟
طبعاً لن تجني الامارات شيئاً من ذلك، فجنايتها الوحيده هي الاعلان للعالم عن خطيئتها في زمن أصبحت الخطيئة فيه فضيله، يباركها كهنة الرذيلة في اميركا و اوروبا و أذيالهم العرب. فمبروك للامارات أنها صنعت التاريخ بهذا السبق في عالم الخيانة. وقد نبارك لهم أيضاً على ربطهم الاتفاق بتأجيل ضم اراضي الضفة ( أي انهم موافقون أيضاً على ضم اراضي الضفة ) الذي هو نوع من البقشيش للمغفلين من العرب الذين تنطلي عليهم تلك الألاعيب.
صحيح أن العرب لم يمتلكوا ابداً سلاحاً نووياً ليرعبوا به اسرائيل، لكنهم من البداية كانوا يمتلكون ما هو أقوى من السلاح النووي ــ وهو رفض الاعتراف بإسرائيل. من غير اعتراف العرب بالكيان الصهيوني الصنيع تبقى إسرائيل فاقدة للشرعية مهما بلغت ومهما تقدمت، ومهما اعترفت بها دول العالم. تماماً مثل الذي يسطو على عقار ويأخذه عنوة لكنه يبقى موضع شبهة و لن يستريح باله إلا إذا جاءه المالك الشرعي ليعلن طواعية امام الملأ تنازله عن العقار.
عدم اعتراف العرب بإسرائيل كان يؤرقها منذ عام ١٩٤٨ وكان يرعبها أكثر مما ترعبها الجيوش العربية، وهذا ليس كلامي ولكنه كان كلاماً أذكر أني قرأته لمسئولين صهاينه بعد توقيع كامب ديفيد مباشرة وهم في نشوة انتصارهم وبهجتهم. كانوا يعتبرون عدم الاعتراف باسرائيل مع مقاطعتها التامة (وكانوا بذلك يشيرون الى مكتب مقاطعة اسرائيل) بمثابة هجوم عربي متواصل على الكيان الصنيع وانها كانت مسألة وقت لا أكثر قبل أن تلفظ الدولة الغاصبة أنفاسها الاخيرة. كان جمال عبدالناصر مدركا تماماً لتلك الحقيقة، وكان يصف إسرائيل بالندبة الصغيرة على الجلد فإذا رُبِطَت و تُرِكت فإنها ستموت وتقع مع الوقت. الصهاينة معهم كل الحق في إعتبار السادات المؤسس الثاني لدولتهم بعد بن جوريون، وأن يضعوا إسمه على شوارعهم و طوابعهم، وتباً لكل عربي مغفل لم يفهم بعد الدور القذر الذي لعبه ذلك الجاسوس.
ما فعلته الأمارات انها، بلا أي تفويض من أصحاب الأرض، قدمت اعترافاً منها لاسرائيل بأنها هي المالك الشرعي لفلسطين. ومن المفارقات انها في نفس الوقت تصر أن إيران تحتل جزراً إماراتية وتتوقع من العرب تضامنهم معها! أذكر مقدار غضبي عندما احتل شاه إيران تلك الجزر قبل ساعات من ولادة دولة الامارات، وقلت لنفسي أن الشاه قد يجعل الجزر قاعدة لاسرائيل. أما الآن فأعتقد أن إيران أحق بتلك الجزر فعلى الأقل هي دولة معادية لإسرائيل.
وطبعاً لن تكون مفاجأة عندما تسعى دول أخرى مسعى الامارات، مثل قطر والبحرين وعُمان والسعودية، فالعلاقات موجودة وكذلك الصداقة والنية ولا يبقى سوى الاعلان عنها. وربما تلحق بالركب دول أخرى إذ أن العقد انفرط منذ زمن بعيد في كامب ديفيد واسلو ووادي عربة وما يحصل الآن تحصيل حاصل. من أجل هذا وجدنا أن الربيع العربي حصل في الدول العربية التي تقع خارج الحظيرة الاميركية مثل ليبيا و سوريا، لأنهم لا يريدون أن تبقى دولة واحدة معادية لاسرائيل.
ولا ينبغي أن تغرنا مواقف وفرقعات أردوغان لأنها لا تعني شيئاً. تركيا كانت أول بلد إسلامي يعترف باسرائيل، وعلاقاتها طيبة مع اسرائيل منذ إنشائها، فما الذي يمنعه من قطع العلاقات وسحب الاعتراف؟ ماذا يخشى؟. للمفارقة فقط أقول أن الخميني لم يتردد أبداً في قطع علاقات بلاده مع اسرائيل وتحويل سفارتها لسفارة فلسطينية لأنه كان يقف مع الشعب الفلسطيني. أما تركيا فها هو جيشها يحارب ضد الجيش العربي السوري تماماً كما تحاربه إسرائيل.
ليس لنا سوى أن ندعو الله أن يقوي ويحفظ دولتي المقاومة، إيران وسوريا ومعهما حزب الله.