الأضحى.. بين التضحية من أجل الفقراء والتضحية بهم

ما بين نصل السكين وموضع ذبح الشاة , فعل الذبح , الذي إن صار امتثالا لسنة نبينا الهادي , فتضحي الأضحية جديرة في معناها و مغزاها ومرماها ,بهتاف أبو الأنبياء (إبراهيم) فى وجه أبنه (إسماعيل ): يا بني أرى في المنام أنى أذبحك ,فانظر ما ترى , فيرد الفتى :يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاءالله من الصابرين – فيفديه رب العزة بكبش عظيم .امتثل الفتى لأمر ربه , وصدق والده فى رؤيته , فكان الصدق والأيمان صنوان لا يفترقان فىخُلُق فارس الفتيان ، وكانت مكافأة الرحمن ,التى أفتدى بها إسماعيل , لتضحي أضحيةالعيد سنة نبوية تنتشر فى البرية , فتعيد للعلاقات الاجتماعية صفوها ولحُمتِها ,ويكون للفقير نصيب من أِطعام وقوت عيش يجسد التزام الغني بجاره الفقير , لتسموالعلاقات الاجتماعية وتذوب الفوارق الطبقية ,كرموز ومعان صارت تنهل منها كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان وكل المنظمات الإنسانية العصرية .
وأن صار فعل الذبح على غير الهدى ,انقلبت التضحية الى عكس مرماها ومغزاها.. الى التضحية بالفقير والجوعان .
والتضحية بالفقير والغلبان وكل من يعيش على هامش الحياة صار سمة حكومات هذا العصر والأوان , خاصة تلك التى تسير على هدى البنك والصندوق الدوليين الصهيونيين ,والتي في شرعهما ,حكومات سماسرة تروج لاحتلال اقتصادي للبلدان التى تتمادى فى الاقتراض منهما , وتفرض على تلك الحكومات منافستو اقتصادي يضحى بالفقراء والمساكين من أجل ان يحيا مافيا رجال الأعمال، سماسرة هذه المؤسسات النقدية الصهيونية ,وتفرض على الفقير الضرائب ويذبح بالغلاء ويكتوى باشتعال الأسعار، ويشيع الى مثواه الأخير حين لا يجد من التعليم والصحة وسائر الخدمات ما ينجيه من الموت الزؤام , فينقلب العيد من التضحية لأجل الفقير الى التضحية بالفقير , لذا يردد الأخير قول المتنبي:

“عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ … بِما مَضى أَم لأَمرٍ فيكَ تَجديدُ,.
انتهاك رمزية عيد الأضحى من جانب حكومات مافيا الأعمال غدت تتكرر مع كل عيد من الأعياد,ليقلبها الأوغاد الى بؤس وغلاء وتحرر للدولة من كل التزاماتها تجاه الطبقات الدنيا والفقيرة من المجتمع لتظل تلك الطبقات تتدنى الى أن يتم التضحية بها من عيدالأضحى أبو الأعياد، من اجل أن يزداد فُجر الرأسمالية وتكويشها على الثروات وتماهيها في التبذير والإسراف ليموت الفقراء كمداً حين لم يموتوا بفعل نار الغلاء وتعمد التضحية بهم فى أب الأعياد ( عيد الأضحى ), فلا عيد للفقراء ولا عزاء.
على الجانب الآخر “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَابَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23).
وفعل الذبح عندهم تضحية من أجل الإنسان والفقراء، يَفَعِلون للأضحى عيده ويعيدون للفقير بسمته وفرحته وعيديته , فتصير الأضحية من أجل الفقراء.
والمغزى والمرمى يتجلى ونحن نحتفل بعيد الأضحى الآن , وقد لبى نداء ربه قبل أيام رسول للإنسانية شب على التضحية بعلمه وماله وصحته وعمله من أجل الفقراء والمحتاجين من المرضى الذين لا يجدون المال وتبعا الدواء , فتجرد من كل موبقات البشرية وطهرنفسه بأسماء الذات العلية , وجرد أدواته تطهر المرضى من الأسقام والأوجاع , وتسكّن آلام الشيوخ والأطفال، وتهدهد كل من يئن من الأمراض – وغدت أبواب عيادته الطبية مفتوحةعلى مصراعيها لكل الفقراء مجانا أو بزهيد المال , ووفر الدواء لمن لم يجد المال .
نصف قرن والناسك العابد الطبيب الإنسان الدكتور “محمد مشالي “يصحو صباحاحتى المساء يعالج الفقراء ويسكن الأوجاع , مضحيا من اجلهم بالغالي والنفيس , ولم ينتظر شكرا ولا تعظيما ,غير مرضاة الله , فضرب المثال الحي فى التضحية من اجلال الفقراء , وصار عيد الأضحى فى شخصه عيد الأعياد , حتى لقي وجه ربه فى العشر الأوائل من ذي الحجة ليمارس الشعائر فى جنات عدن .
وهكذا اصبح الفرق شاسعا بين من ينتهك رمزية عيد الأضحى فَيُضَحِى بالفقراء – ومن يعظّم شعائر الله فَيُضَحِى من أجل الفقراء لكي يستقبلوا الأضحى بفرحه وعيده.
وكل عام وأنتم بخير

*كاتب ومحامى – مصري

البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى