سياسىة إثيوبيا الإقليمية في استهداف جيرانها

انعقدت القمة الافتراضية بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،ونظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا،ورئيسي الوزراء السوداني عبد الله حمدوك والإثيوبي آبي أحمد. وعلقت وزارة الخارجية المصرية أيضا على نتائج القمة،بالقول: “تم التوافق على مواصلة التفاوض، وضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا، يتضمن آلية لفض النزاعات بين الأطراف الثلاثة”،مبينة أنه “يحق لأي من أطراف الاتفاق اللجوء إلى هذه الآلية لحل أي خلافات حول تفسير أو تنفيذ الاتفاق”.
وأشارت الوزارة المصرية إلى أنَّه جرى التوافق على مواصلة المفاوضات والتركيز على منح الأولوية لبلورة الاتفاق الملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة،على أن يتم لاحقًا العمل على اتفاق شامل لكافة أوجه التعاون ين دول النيل الأزرق.
أمَا رئيس الحكومة السودانية الانتقالية عبد الله حمدوك فقد قال في تغريدة بموقع “تويتر” عقب قمة سدّ النهضة: “كان اليوم لقاء مثمرًا في القمة الإفريقية المصغرة حول سد النهضة، وانتهينا بالتفاهم لمواصلة المفاوضات، للوصول إلى اتفاق ملء وتشغيل السد”.
فشل القمة المصغرة
في تقييمه للقمة المصغرة،قال خبير القانون الدولي السوداني للمياه الدكتور أحمد المفتي في مقابلة خاصة مع “عربي21″،إنَّ القمة الإفريقية المصغرة بتاريخ 21 تموز/ يوليو 2020، انتهت بفشل ثلاثي مزدوج، موضحًا أنَّ الفشل الأول للسودان ومصر،على اعتبارأنَّ انعقاد القمة في حد ذاته “يعطي الشرعية الضمنية، للملء الأول الذي قامت به إثيوبيا بإجراء منفرد”.
وتابع المفتي: “كما يشكل سابقة قانونية، ويعطي إثيوبيا الحق في مواصلة الملء والتشغيل السنوي بإرادتها المنفردة”، مضيفًا أنَّ “الفشل الثاني، يتمثل في عدم وصول القمة إلى اتفاق نهائي ملزم، يضمن على الأقل أمان السد والأمن المائي والتعويض عن الأضرار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية”.
وأردف قائلاً: “الفشل الثالث يتمحور في الوصول إلى اتفاق (صوري)،مثل إعلان مبادئ سد النهضة عام 2015، الذي يعطي إثيوبيا كل شيء،ولا يعطي السودان أي حق من حقوقه المائية”، متطرقًا إلى حقائق وصفها بـ”المرعبة” عن تصريف النيل الأزرق في الوقت الحالي، مقارنة بالعام الماضي.
وأوضح المفتي أنَّ الخطوة الإثيوبية المتمثلة ببدء ملء سد النهضة، انعكست بشكل فوري على التصريفات المائية، مبينًا أنَّ “تصريف سد الروصيروص وصل لـ124 مليون متر مكعب مقارنة بـ448 مليون متر مكعب العام الماضي”.
وبحسب المفتي،فقد وصل تصريف سد سنار إلى 73 مليون متر مكعب، مقارنة بـ373 مليون متر مكعب العام الماضي، لافتا إلى أن ارتفاع منسوب مياه النيل بالخرطوم انخفض إلى 12 مليونا، مقارنة بـ14.6 مليون العام الماضي.
وختم الخبير القانوني السوداني بقوله:”عقب فشل القمة الإفريقية المصغرة،وافقت الخرطوم على منح إثيويبا، الحق في إقامة مشروعات مائية مستقبلية أخرى، بخلاف سد النهضة، بما في ذلك بناء سدود أخرى، ولم تطالب بحقوقها المائية المتمثلة بأمان السد والأمن الغذائي، والتعويض عن الأضرار”.
لقد أصبحت الموارد المائية العذبة سلعة ذات قيمة كبيرة مثل النفط، وتحولت إلى مجالات لصراعات إقليمية وجيو- سياسية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط ، ومنطقة حوض النيل ، حيث يجري نهر النيل في أكثر من دولة، فتصبح أنصبة المياه وحرية الملاحة مثار جدل بين دول المنابع ودول المصب. ففي حوض النيل تعتبر أثيوبيا بلد المنبع للنيل الأزرق،ومصر دولة المصب في وسط بيئة صحراوية جافة منذ آلاف السنين، والسودان دولة ترانزيت بين إثيوبيا ومصر. والأمر عينه ينطبق على نهر الفرات بصورة ما مماثل للنيل، حيث المنابع في جبال تركيا، والعراق دولة مصب، وسوريا دولة ترانزيت.
وتعاني الدول العربية من شحة كبيرة في المياه، بسبب طبيعتها الجافة، وشبه الجافة وهي من أكثر الدول حاجة إلى المياه. ومن المعروف تاريخيًا أنَّ المياه للدول وكل الدول، تعكس ثلاثة أمور، الأول أنه رمز لغنى الدولة، والثاني مصدر ازدهارها الاقتصادي، والثالث ورقة رهان سياسي في يدها.وهكذا أصبحت مصادر المياه نقطة تجاذب بين دول المنطقة،وخلقت وضعا أطلقت عليه تسمية “حرب المياه”.وقد برزت في عقد التسعينيات من القرن الماضي الأزمة المائية في كل منطقة الشرق الأوسط عامة، وحوض النيل خاصة، إذ تسارعت وتيرة هذه الأزمة بسبب النقص في المصادر المائية، لدى بعض دول المنطقة.
الصراع المصري-الأثيوبي على خلفية بناء سد النهضة
تعتبر قضية المياه من القضايا الحيوية التي تصل دول حوض النيل وخصوصا دولتي المصب، وهما مصر والسودان.فهاتان الدولتان تتغذيان من نهر النيل، الذي هو أطول أنهار العالم، إذ يبلغ طوله 6825 كلم. ويمتد على مساحة 3.1ملايين كلم مربع،أي مساحة حوض النيل تحتل 10 في المئة من إجمالي مساحة القارة.ويبلغ الإيراد المائي لنهر النيل نحو 1600 مليار م3 سنوياً، وهو إجمالي ما يسقط على الحوض من امطار.وهذا يعني أنَّ متوسط نصيب كل فرد من مواطني دول الحوض العشر يصل إلى نحو 4878م3 سنويا،الأمر الذي يؤكد حالة الوفرة الكمية للمياه.إلا أنَّ معظم دول النيل – ماعدا مصر- لا تستخدم إلا قدراً ضئيلاً من إجمالي مواردها المائية المتجددة.وتستهلك دول المنبع كميات ضئيلة،فأثيوبيا تستهلك نحو 1في المئة، وكينيا 2في المئة، وتنزانيا3في المئة،و الكونغو1في المئة، وبوروندي 5 في المئة.
وللنيل رافدان رئيسان هما النيل الأزرق والنيل الأبيض.وينبع الأخير من بحيرة فكتوريا، وهي جسم ضخم من الماء العذب تصل مساحته إلى69.485كلم مربع.وتعد ثانية أكبر بحيرات العالم بعد بحيرة سومير يور.وفي الخرطوم، يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق في منطقة المقرن (أي ملتقى النهرين).
وينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في المرتفعات الإثيوبية، ويسير من منبعه إلى الخرطوم قاطعا مسافة 1500 كلم ويساهم النيل الأزرق وأنهار الهضبة الإثيوبية الأخرى بنسبة 84 في المائة من إيراد النيل على مدار العام،وترتفع هذه النسبة إلى 95 في المائة في موسم الفيضان.وبالتقاء النيلين الأبيض والأزرق يتكون النيل الرئيس الذي يسير من الخرطوم حتى مصبه في رشيد على البحر المتوسط، في سهول منبعه. ويصل إيراد النيل إلى 85 مليار متر مكعب عند أسوان، وهي حصيلة النيل الرئيس، إضافة إلى إيراد نهر عطبرة البالغ 13 في المئة من إجمالي إيراد النهر، ويجري اقتسام هذا الإيراد بين مصر والسودان طبقا لاتفاقية عام 1959 بين البلدين، التي تحدد 55.6 مليار متر مكعب لمصر و18.5متر مكعب للسودان.
وفي السنوات الأخيرة برزت الأزمة المائية في مصر، التي أصبحت قلقة على حصتها من مياه النيل، ويعود ذلك إلى العوامل الرئيسة التالية:
1-النسبة العالية في النمو السكاني الديموغرافي، وهي من أعلى النسب في العالم وتصل إلى 3.5%، الأمر الذي جعل قسما من السكان ينتقل بصورة مكثفة من الريف إلى المدن، وبالتالي أدى هذا إلى تزايد في الطلب على المياه للاستعمالين المنزلي والصناعي. وهناك فارق ضخم بين عدد السكان في مصر وعدد السكان في دول الحوض الأخرى. وبالتالي ستختلف الحاجة إلى التنمية الاقتصادية في الدول الأخرى، وذلك من حيث الكم والتكلفة، على أن التقديرات تشير إلى أنه في عام 2025 سينخفض نصيب الفرد سنويا في مصر إلى 500 متر مكعب من الماء، وهو أقل حد في المياه العذبة، وبالتالي أي تصرف من دول الحوض من شأنه أن يؤدي إلى إنقاص حصة مصر المقررة من المياه، يهدد مباشرة المصلحة الوطنية المصرية.
سد النهضة مؤشر لتراجع دور مصر الأفريقي
ويمكن القول إنَّ أزمة سد النهضة تعكس تفاعلات السياسة الإقليمية والدولية وفقدان مصر لقدرتها السابقة للتأثير في محيطها الأفريقي. كما أنها كاشفة عن تخبط القرار السياسي بخصوص السد وعدم تبلور موقف حاسم تجاهه والذي أحسنت إثيوبيا استغلاله مِن طريق جرِّ مصر إلى المفاوضات، ما أكسب بناء السد شرعية كان يفتقدها سابقاً.
يكمن هدف الحكومة الأثيوبية خلال السنوات القادمة في تحويل أثيوبيا هذا البلد الإفريقي الفقير إلى قوة إقليمية لإنتاج الطاقة الكهربائية ،وتكريس نفوذها في منطقة القرن و الحوض الإفريقيين على السواء،حيث يضم القرن الإفريقي الصومال و إريتريا،و جيبوتي بينما يضم النيل كلاً من جنوب السودان و السودان و أوغندا.إضافة إلى ذلك ، تستغل إثيوبيا تراجع مصر في أداء دورها الإقليمي على صعيد القارة الإفريقية،إذ إنَّ هناك بونًا شاسعًا بين سياسات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تجاه إفريقيا،ولا سيما في ضوء تراجع الموارد المالية والأزمة الاقتصادية التي تؤثر بشكل لافت في برامج مصر الطموحة ،والتحديات التي تواجهها مصر في المرحلة الراهنة صعيد التهديدات المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي،خاصة وأن إثيوبيا تنحو منحى هجوميًا نحو القاهرة،من أجل تعديل الاتفاقيات التاريخية التي عقدتها مصر في سنوات :1891،و1929،و1959،المتعلقة بحصتها من مياه حوض النيل،باعتبار أنَّ أثيوبيا هي مصدر المياه. لذا تعتبر اتفاقية 1959 هي المحورية والتي ضمنت استحواذ كل من مصر والسودان علي 90 % من إجمالي مياه النيل بواقع 84 مليار متر مكعب، تذهب 55 مليار متر مكعب لمصر و 18 مليار متر مكعب للسودان.
أما العلاقات السودانية الأثيوبية فلا تقتصر على الجانب السياسي فقط بل تشمل أيضاً الجانب الاقتصادي، إذ إن حجم الاستثمارات السودانية في إثيوبيا بلغ في عام 2015 نحو 2.5 بليون دولار والشركات التجارية السودانية أصبحت ثاني أكبر المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بعد الصين. وفي المقابل تستغل إثيوبيا ذات الاقتصاد المتسارع الموانئ السودانية كمخرج لتجارتها الخارجية. هذه العوامل السياسية والاقتصادية، أدَّتْ إلى دعم السودان لإنشاء السد. ولعل تصريح وزير الخارجية السوداني أخيراً بأن السد سيحفظ للسودان مياهه التي كانت تمضي لمصر في وقت الفيضان ويُفيد السودان من الطاقة الكهرومائية الرخيصة، يؤكد سعي الخرطوم وراء مصالحها على حساب حليفتها التاريخية، القاهرة.
عطفاً على تراجع الدور المصري وصعود الدور الإثيوبي في القارة، يشير المراقبون إلى ضلوع إسرائيل في تصعيد أزمة السد واللعب بورقة مياه النيل، ما يهدد الأمن المائي في مصر. وفي هذا الإطار قامت إسرائيل بدعم متمردي جنوب السودان وتعميق الفجوة بين الأطراف المتحاربة من أجل تقسيم السودان ما يساهم في زعزعة الأمن والاستقرار في العمق الاستراتيجي لمصر وانشغال السودان بهمومه الداخلية. وفعلياً قامت إسرائيل بالمشاركة في إنشاء 25 سداً من أصل 37 سدا إثيوبيا بين عامي 1989 و1990. وأسندت الحكومة الإثيوبية إلى إحدى الشركات الإسرائيلية مهمة إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء المتوقع توليدها من سد النهضة، ما يؤكد أن إسرائيل من أكثر الأطراف دعماً واستفادة من إنشاء ذلك السد.
خاتمة:
أثيوبيا لديها طموح كبير بتصدير الكهرباء إلى قسم كبير من القارة الإفريقية. فحسب دراسة حديثة أعدها البنك الدولي ، تنتج ال48دولة الإفريقية جنوب الصحراء(800 مليون نسمة)مجتمعة من الكهرباء ما تنتجه إسبانيا (45 مليون نسمة).وهكذا،فإنَّ أثيوبيا التي تريد أن تُلَقِّبَ نفسها ب”بقصر الماء لشرق إفريقيا” حيث أن 2في المئة فقط من سكانها الريفيين (80 في المئة من 80مليون عدد سكانها) تصل الكهرباء إلى بيوتهم،تطمح إلى إنتاج مزيدا من الطاقة الكهربائية لتحقيق نهضتها التنموية، إضافة إلى تصدير الكهرباء من أجل الحصول على العملة الصعبة. وقد وقعت أثيوبيا عقدًا مع السودان لتصدير الطاقة الكهربائيه إليه بقيمة 150000دولار يوميا، وهناك عقود أخرى تم التوقيع عليها مع كل من كينيا ودجيبوتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى