يا شرفاء العرب اتحدوا.. القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية اللبنانية تجهد لتعزيز العلاقات مع سوريا

معروف جيدا ان هناك تداخلا عميقا في العلاقات السورية_اللبنانية، حيث لا يمكن فصل البلدين عن بعضيهما البعض تحت أيّ ظرف أو أيّ قانون، وما يفعله قانون “قيصر” هو محاولة أخيرة لصبّ الزيت على النار وتعقد العلاقات بين البلدين، في محاولة لإرضاخ كلّ من سوريا ولبنان للإرادة الأمريكية، خاصة وأن واشنطن تعلم جيداً أن سوريا لا يمكنها أن تنعزل عن لبنان ولبنان لا يمكنه التنفس دون سوريا، لتأتي واشنطن اليوم وتحاول تعقيد هذه العلاقات وفسخها عن بعضها بالقوة لإضعاف الطرفين وإجبارهم على الشروط الأمريكية القاضية بتفكيك محور المقاومة وإسقاط الدولة السورية ولكن النتيجة ماذا؟.
إذا كانت تعتقد واشنطن أن بإمكانها تفكيك محور المقاومة فهي واهمة، خاصة وأنها حاولت ذلك عندما كانت بكامل قوتها وكامل عدّتها وعتيدها في العراق وغيرها من الدول، ولم تستطع ذلك بل على العكس زادت قوة محور المقاومة واصبح واقعاً لا يمكن تغييره واليوم هو متجذر في عمق المنطقة ومحمي من جمهوره وأبنائه ومحبيه الذين لم يجدوا في العلاقة مع أمريكا أي مكسب، خاصة وأن البعض جرب العلاقة مع أمريكا واكتشف أن واشنطن لا تقبل بأن تعاملك بسيادة وإنما تريد تحويلك إلى تابع وإلا ستحاربك وتتحوّل لعدوّها، والجميع وصل إلى نتيجة أنّ الابتعاد عن واشنطن أكثر جدوى من الاقتراب منها.
أطلت علينا واشنطن بقانونها الجديد “قيصر” وأدخلته حيز التنفيذ في 17 حزيران/يونيو الماضي، وكما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في آخر حديث له في مؤتمره الصحافي، إن “قانون قيصر” الأميركي للعقوبات على بلاده هو “حملة لاستهداف لقمة عيش المواطن السوري، وفتح الباب لعودة الإرهاب كما في العام 2011”.
القانون يستهدف لبنان أيضاً ويعقد الظروف التي يعيشها لبنان أكثر واكثر، خاصة وان لبنان لا يستطيع أن يتحسّن اقتصادياً دون الحفاظ على علاقته الاقتصادية مع سوريا، نظراً لتشابك هذه العلاقة واحتياج لبنان للحدود السورية لتصدير بضائعه واستيراد أخرى، ومن هذا المنطلق أشارت هيئة التنسيق في لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية، إلى ضرورة تعزيز العلاقات مع سورية وتنظيمها بما يحقّق للبلدين مصالحهما الوطنية.
وقالت الهيئة في بيان بعد اجتماعها الدوري بمقرّها في بيروت: “الشرط الأول لإخراج لبنان من أزماته هو الانفتاح على سورية التي تشكل بوابة العبور لوصول المساعدات وتصدير منتجاته الزراعية والصناعية الأمر الذي يمكن أن يسهم بتحسين وضعه الاقتصادي”.
ومن جهة أخرى أشارت الهيئة إلى استمرار النزف الذي يتعرض له الاقتصاد اللبناني نتيجة التدخلات الأمريكية العدوانية على الشعب اللبناني والإصرار على محاصرته اقتصادياً ومالياً خدمة للعدو الصهيوني لتنفيذ ما يسمى “صفقة القرن” داعية إلى عدم الانصياع للأوامر والرغبات الأمريكية التي لم تجلب للبنان إلا الويلات والخراب.
واعتبرت هيئة تنسيق لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية، أن الهجمة الأمريكية على لبنان هي السبب في ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من انهيار وارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها الشعب في حياته اليومية.
واستغربت هيئة تنسيق لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية، في اجتماعها الدوري الذي انعقد ليلة الاثنين الماضي، “تصريح بعض المرجعيات، والتي طالبت خلاله بالتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية اللبنانية، معتبرةً أن هذه التصريحات تشكل إساءة واضحة وصريحة للشعب اللبناني، وتنازلاً عن السيادة الوطنية لا يمكن القبول به من أيّ جهة أتت”.
من جانبه جدّد الحزب السوري القومي الاجتماعي إدانته للإجراءات الاقتصادية القسرية الأمريكية أحادية الجانب المفروضة على سورية ولا سيما ما يسمى “قانون قيصر” واصفاً إياه بأنه يشكّل دليلاً على الإرهاب المتمادي ضدّ الإنسانية والمنتهِك كلّ قواعد ومبادئ القانون الدولي.
وقال الحزب في بيان بمناسبة ذكرى استشهاد مؤسسه أنطون سعادة إن الحرب الإرهابية الكونية متواصلة ضد سورية وتتخذ حالياً شكل الإرهاب الاقتصادي وما قانون قيصر الأمريكي سوى دليل على ذلك.
ونوه البيان بصمود سورية في وجه الإرهاب ورعاته الدوليين والإقليميين وخاصة أمريكاً والنظام التركي مشيرا إلى أن هذا الصمود والانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري ستتوّج صموداً إضافياً يسقط مفاعيل العقوبات والإجراءات الاقتصادية المفروضة على سورية.
وجدّد الحزب دعوته إلى تعزيز العلاقات العربية على كل الصعد والتآزر القومي على الصعيد الاقتصادي من أجل إسقاط الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على الشعب السوري مشددا على أهمية التنسيق بين لبنان وسورية وتعزيز علاقاتهما وتطويرها.
وجددت قيادتا حركة أمل وحزب الله النقابيتان وقوفهما إلى جانب سورية وعمالها في مواجهة ما يسمى قانون قيصر الجائر والظالم وكل الإجراءات القسرية الأمريكية والغربية ضدها.
وقالت القيادتان في بيان مشترك لهما إن “هذا القانون الأمريكي الظالم يمثل واحداً من مفردات العدوان الأمريكي على سورية” مشددتين على تكريس الجهود المشتركة لتقديم كل الدعم الممكن لعمال سورية وقيادتهم النقابية في الاتحاد العام لنقابات العمال في مختلف المواقع لمواجهة وإسقاط هذا العدوان الإرهابي الأمريكي على سورية وشعبها.
ودعا البيان اللبنانيين جميعاً إلى التمسك بالثوابت الوطنية وفي مقدمها المقاومة وحقها بحماية لبنان وثرواته النفطية والمائية وتحرير ما تبقى من أراضيه المحتلة.
الإدارة الأمريكية تعمل جاهدة على تطبيق قانون قيصر بصورة صارمة لتسديد ضربة إضافية قاسية للاقتصاد السوري الذي ينهار، ولبعث رسالة مفادها أن إعادة إعمار سورية يجب أن تكون برضا أمريكا، فالساحة اللبنانية في حالة اختناق مالي وسياسي يهدّد بانفجار كبير، وثمّة من يتوقّع “انهيار الدولة اللبنانية”.
وبالعودة إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية بين سوريا ولبنان، لا بدّ أن نتحدث عن التعاملات البنكية في البداية، حيث يضع السوريون أكثر من 45 مليار دولار في البنوك اللبنانية، وفي المقابل تنشط البنوك اللبنانية في سوريا بقوة، وفي مقدمتها “بنك بيمو” و”سوريا والمهجر” و”فرنسبنك” و”بنك عودة”، وطوال سنوات الحرب لعبت الأخيرة دوراً كبيراً في تمويل مستوردات سورية حالت العقوبات دون استيرادها عبر البنوك السورية، وهناك تبادل زراعي وصناعي يشمل بشكل رئيس الخضار والفواكه ومصادر الطاقة ومواد البناء استمر خلال سنوات الحرب السوري، ويدل على هذا التبادل توجه 7 بالمئة من الصادرات اللبنانية بقيمة أكثر من 210 ملايين دولار إلى سوريا في عام 2018 حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية GTAI. وبذلك تحتل سوريا المرتبة الثالثة بعد الإمارات والسعودية كأهم سوق للصادرات اللبنانية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تجارة التهريب المزدهرة في الاتجاهين، فإن حجم التبادل التجاري يصل إلى أضعاف الأرقام الرسمية.
وكما ذكرنا في البداية فإن سوريا هي رئة لبنان للتجارة البرية، حيث إن جميع صادرات لبنان إلى العراق والأردن والدول الخليجية تمرّ عبر سوريا، ناهيك عن خدمات السفر التي يستفيد منها السوريين عبر مطار بيروت والتي تدر ملايين الدولارات إلى لبنان، بالإضافة إلى وجود آلاف العمال السوريين في لبنان والذين يعملون بأجور قليلة نوعا ما، وبالتالي فإن هذا التشابك بين البلدين يجعل من الصعب جدا قطع لبنان علاقته الحيوية مع سوريا لأن ذلك يشكل تهديد للمدنيين قبل الحكومات ويعاقب البلدين، ويزيد من حدة الفوضى في لبنان ويدفع اقتصاد لبنان نحو الهاوية والمستقبل المجهول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى