في انتظار الدعم الحكومي.. السينما المصرية تتكبد خسائر جسيمة بتأثير كورونا

يبدو أن الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فايروس كورونا التي اعتمدتها السلطات المصرية منذ مارس الماضي، أرخت بظلالها على المشهد السينمائي في البلاد، وأثرت سلبا على صناعة السينما بفعل إغلاق دور العرض وتوقيف تصوير العشرات من الأعمال السينمائية، مما كبد القطاع خسائر كبيرة.
فدور العرض السينمائي في مصر تحقق عائدات مهمة خلال فترة الأعياد التي تعد مناسبة للتنافس بين النجوم في كسب أعلى الإيرادات وجذب الجمهور، وضمان أطول فترة عرض داخل القاعات، إذ كان من المفترض أن يتم خلال عطلة عيد الفطر المنقضي عرض أشرطة جديدة رصدت لها ميزانيات ضخمة ومثل فيها أبرز نجوم السينما المصرية.
هي المرة الأولى في تاريخ السينما المصرية، ومنذ عقود طويلة، التي حرم فيها جمهور الشاشة الكبيرة، خلال أيام العيد من متابعة جديد الإنتاج السينمائي للموسم، بعدما أوصدت أبواب قاعات العروض تنفيذا للإجراءات الاحترازية للحد من تفشي وباء كورونا.

ولم يقتصر تأثير الوباء القاتل على إغلاق دور العرض فحسب، فحتى تصوير العديد من الأعمال السينمائية توقف إلى إشعار آخر، والأفلام التي كانت على وشك الاكتمال تم تأجيل تصوير مشاهدها النهائية، مما كبد المنتجين والمعلنين على حد سواء خسائر مادية جسيمة.
ويؤكد نقاد سينمائيون أن عرض هذه الأفلام الجديدة سيواجه مصيرا مجهولا في المستقبل، فحتى وإن تقرر فتح دور السينما، فإن الأمر سيكون خاضعا لتدابير احترازية صارمة، ومنها الاشتغال بـ25 في المئة فقط من طاقتها الاستيعابية، وهو ما سيقلص من نسب الإيرادات المتحصل عليها.
ومن أبرز الأشرطة السينمائية التي لم تجد طريقها مشرعا نحو الجمهور “العنكبوت” ، و”أشباح أوروبا”، و”البعض لا يذهب للمأذون مرتين”، و”توأم روحي”، و”الكاهن”، و”العارف – عودة يونس”، و”حظر تجوال”.
هو في حقيقة الأمر، عطاء سينمائي تم التحضير له بعناية ولشهور خلت، ورصدت له إمكانيات مالية هائلة، لكنه توقف فجأة دون سابق إشعار، مما حرم عشاق الفن السابع وأيضا جمهور الشاشة الصغيرة، في مصر والوطن العربي من متعة المشاهدة.
وكانت نقابة المهن التمثيلية في مصر قد أصدرت بيانا إرشاديا ناشدت فيه شركات الإنتاج تأجيل تصوير أعمالها السينمائية والدرامية إلى ما بعد زوال جائحة كورونا، محذرة في السياق ذاته من تفشي الوباء في فضاءات التصوير، وهو ما رحبت به أغلب الأطراف الفاعلة في القطاع من منتجين وممثلين وأصحاب قاعات السينما.
ومهما يكن من أمر، فإن قطاع صناعة السينما في مصر تكبد خسائر مالية كبيرة تقدر بحسب مهتمين ومهنيين بالملايين من الجنيهات، وهي ناجمة عن تراجع مبيعات التذاكر، خاصة وأن صناعة السينما تعد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد لما تحققه من إيرادات مهمة.
وفي هذا السياق، يؤكد المنتج السينمائي المصري محسن علم الدين، وهو منتج فيلم “طلعت حرب 2“، في تصريح له، أن تصوير المشاهد الخارجية الأخيرة للشريط توقف بسبب إجراءات الحجر الصحي، وهو ما طرح لنا مشاكل جمة تتعلق بارتفاع تكلفة الإنتاج ذات الصلة بإيجار فضاءات التصوير والديكور وأجور الممثلين والفنيين.
ويضيف أن هذه الأزمة عموما ساهمت في تراجع حجم الإيرادات المتحصل عليها بنسبة 25 في المئة، (ما بين 30 و40 مليون جنيه)، وهو رقم بعيد عن عائدات سوق السينما في السنة الماضية.
ويعرب المنتج السينمائي عن أمله في أن تتحسن أوضاع القطاع في الفترة المقبلة وترتفع الإيرادات، لاسيما وأن هناك قائمة تضم 15 فيلما جديدا تخوض غمار التنافس لتحقيق أكبر عائدات، خاصة مع موسم عيد الأضحى المقبل.
بدوره، يؤكد الناقد السينمائي طارق الشناوي في تصريح مماثل أن “هذا الوباء العالمي أثر بشكل كبير على الفنون ذات الطابع الجماعي، ومنها الفيلم السينمائي الذي يعتمد أساسا على الفرجة الجماعية، وبالتالي فإن غياب الجمهور عن دور العرض بسبب هذه الجائحة كان له تأثير واضح على صناعة السينما”، مضيفا أن فتح دور السينما “لن يكون له أي تأثير إيجابي بفعل تراجع نسبة الإقبال في ظل الخوف القائم من الوباء”.
ويشير الشناوي، وهو عضو لجنة السينما التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن “توقف دورة رأس المال نتيجة إغلاق دور العرض يؤدي حتما إلى خسارة قطاع السينما”، متابعا “قبل حلول الجائحة كانت أغلب الأفلام السينمائية تنتظر نهاية شهر رمضان للتنافس من أجل تحقيق إيرادات مهمة، خاصة وأن مصر معروفة بموسمين سينمائيين كبيرين هما عيد الفطر وعيد الأضحى، إنها خسارة فادحة جدا للسينما في مصر والعالم كله، بل وستظل السينما تعاني لسنوات من توابع وباء كورونا حتى بعد انتهاء الأزمة“.
ولتجاوز تأثير كورونا على صناعة السينما في بلاده، دعا الناقد المصري إلى دعم الأفلام المصرية أسوة بما يجري في بلدان عربية كالمغرب وتونس، حيث الدولة تدعم الأشرطة في الإنتاج وما بعد الإنتاج، مشددا على أن دعم صناعة السينما في مصر “أمر حتمي والحاجة إليه باتت مضاعفة في الوقت الراهن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى