نكسة حزيران وقميص عثمان

 

لا شك أن أي نظام يعجز عن حماية حدود وطنه يفقد شرعية وجوده .
لكن النكسة التي تعرضت لها الأمة العربية وعلى رأسها مصر في حزيران يونيو 1967م ، التي تمر ذكراها الــ53 شيئ آخر مختلف، لأنها لم تكن حربا بمعنى الكلمة للحرب ولكن كانت فخا محكم الإعداد من أطراف عديدة ليس الكيان الصهيوني بمساعدة ودعم أمريكا فقط، ولكن بتواطؤ أنظمة عربية أخرى نسقت وخططت مخابراتيا مع أعداء الأمة لإسقاط الزعيم جمال عبد الناصر وما يمثله، منذ فشل العدوان الثلاثي قبل النكسة بعشرة أعوام .
ولعل ما تحدثت عنه الوثائق الصهيونية أكبر دليل حيث اشادت بدور تلك الأنظمة لخدمة ما يسمى بإسرائيل في النكسة وقبلها النكبة ، وجاءت تلك الاعترافات الصهيونية بعد رحيل هذا الحاكم أو ذاك والموت جعل الإعلام الصهيوني يتحدث ويخرج عن الوضع الطبيعي المتحفظ للكيان، سواء أمام هيبة الموت أو بموجب القوانين الصهيونية بعد مرور المدة الزمنية الكافية على سرية الأحداث .
وخطة الحرب من الأساس التي عرفت بالنكسة أقرتها المخابرات الأمريكية والصهيونية، كما جاء بالوثائق الأمريكية وما يسمى بالإسرائيلية ( اصطياد الديك الرومي) أي الزعيم جمال عبد الناصر .
لقد اعترف قائد الجيش الصهيوني، في حواره قبل أكثر من عام ونصف مع موقع إيلاف السعودي، كيف كان التنسيق والتعاون وثيقاً بين الكيانين الاسرائيلي والسعودي، والدعم المطلق لكل مرتزقة العالم والمجيء بهم لليمن لمحاربة الجيش المصري هناك وإنهاك قوته أمام العدو الصهيوني في الحرب المقبلة .
بعد خلع الملك سعود ولجوئه لمصر اعترف لعبد الناصر كيف كان يتآمر على مصر ودفع الملك الكثير من تكاليف حرب اليمن، وغير صحيح ما تحدث عنه كتبة البترودولار أن مصر استنزفت كل مخزون الذهب لديها في حرب اليمن، فالصحيح ان الملك سعود قد ذهب بنفسه لليمن على متن طائرة عسكرية وقدم الدعم للمواليين له من زعماء القبائل .
كما أن رسالة الملك فيصل المؤرخة في ديسمبر كانون ثاني عام 1966م ، التي نشرها الكاتب العربي الفلسطيني حمدان حمدان في كتابه المعروف “عقود من الخيبات”، كما نشرها الرئيس علي عبد الله صالح قبل مقتله ، ونصها يثبت أن عدو الأمة العربية ليس الكيان لصهيوني فحسب ولكن هناك أنظمة ناطقة بالعربية وجدت لتكون خنجرا صهيونيا امبرياليا في خاصرة الأمة لحماية الكيان الصهيوني اللقيط ومصالح مشغليهم .
وللأسف يخرج علينا كتبة البترودولار من المرتزقة في كل مناسبة لانجاز ناصري مذكرين بنكسة 1967م ، وليس في قاموسهم غيرها وكأن جيوش الأمة العربية بنظر هؤلاء قبل الثورة الناصرية المجيدة في عام 1952 كانت تدق أبواب الأندلس من جديد، وليست ترزح تحت حكم المندوب السامي البريطاني والفرنسي ووريثهم الأمريكي الذي حاربهم جمال عبد الناصر وأسقط كل مشاريعهم والأحلاف العسكرية التي أرادوا بها ربط المنطقة بأمريكا في محاربة الاتحاد السوفيتي .
لذلك كانت المؤامرات والدسائس ومحاولات تصفية الزعيم جمال عبد الناصر الشخصية والحصار وحتى العدوان العسكري عام 1956م ، فيما عرف بالعدوان الثلاثي، وعندما فشل أعادوا الكرة في حزيران يونيو عام 1967 م ، فيما عرف بالنكسة التي أصبحت قميص عثمان لكتبة البترودولار المرتزقة .
ولكن كان وعي الأمة أكبر من مؤامراتهم فقد خرج الشعب المصري وكل أشقائه العرب من المحيط للخليج يطالبون الزعيم جمال عبد الناصر بالبقاء بعد قرارا التنحي الشهير، ولا يزال تجار قميص عثمان من المرتزقة يدعون أن الاتحاد الاشتراكي هو من اخرج تلك المسيرات في مصر ، وإذا قلت لهم ماذا عن باقي الدول في كل الوطن العربي التي تحكمها أنظمة بعضها له مساهماته في تلك المؤامرة، فهل الاتحاد الاشتراكي الذي عجز عن حماية رموزه من انقلاب الخائن أنور السادات بعد ذلك قادر على التأثير في كل بلد عربي .. والله عجيب أمر هؤلاء حتى احتلال الكويت وقبلها حرب الخليج وثم احتلال العراق وليبيا والمؤامرة على سوريا زجوا باسم الزعيم جمال عبد الناصر وأن سياسته هي السبب كون تلك ألأنظمة على اختلافها قومية النهج .
وتمر خمسون عاما بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر المفجع ، وثلاثة وخمسون عاما على النكسة الأليمة بدون أن يقدم هؤلاء المرتزقة ومختلف الجهات الداعمة لهم شيئا، نافعاً لهذه الامة ، وإذا تحدثت لأحدهم عن حرب الاستنزاف وهزيمة العدو في معارك عديدة منها رأس العش التي حدثت في آب أغسطس عام 1967م ، وغيرها مما اعترف بها العدو نفسه ضمن حرب الاستنزاف، لا تجد لديهم جواباً إلا النكسة أي قميص عثمان الذي به يتاجرون .
لقد أعاد الزعيم جمال عبد الناصر، وبتفويض من الشعب المصري وخلفه أشقائه العرب من المحيط إلى الخليج، إعادة بناء الجيش المصري من جديد ووضع أكفأ القيادات وخاض حرب الاستنزاف ذات الثلاثة أعوام التي كانت الأب الشرعي لحرب أكتوبر المجيدة.
ويكفي أن يذكر التاريخ أن رئيس هيئة الأركان في الجيش المصري، الفريق عبد المنعم رياض قد استشهد وهو في مقدمة الصفوف بعد أن أتم مع رفاقه خطة العبور التي صادق عليها الزعيم جمال عبد الناصر .
ومن مفارقات القدر أن أحد أبرز مهندسيها العظام كان في سجون بعد انقلاب السادات المدعوم صهيو أمريكيا سعوديا الذي أسماه إعلام السادات مؤامرة مراكز القوة .
ومن يتابع الأحداث يجد أن حزب بني صهيون في الوطن العربي يتحدث عن النكسة ويحتفل بها أكثر من الصهاينة أنفسهم، خصوصاً في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها الأمة .
نعم لقد كانت نكسة حزيران ضربة مؤلمة للمشروع القومي الذي قاده الزعيم جمال عبد الناصر، ولكنها أبدا ليست نهاية التاريخ ولن تكون ، يكفي أن أذكر كتبة البترودولار بعبارة قالها موشيه ديان معلقا على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر بعد ثلاثة أعوام من النكسة: ( أن هذا اليوم هو عيد قومي لكل يهودي في العالم ) .
وهو الجنرال الذي نفخته وسائل الإعلام الصهيونية وإتباعها باعتباره بطل حرب الأيام الستة، كما يسميها الصهاينة .
وعودة للنكسة فقد تشرفت بمعرفة بعض الأشقاء المصريين ممن سقط ذويهم شهداء في تلك النكسة فلم أجد لدى أحد منهم أي شماتة وتحميل الأشياء أكثر ممن تستحق، كما أتشرف أنا كاتب هذه السطور أن شقيقي الأكبر ( عبد الله) كان أحد شهداء تلك المعركة مع قطعان العدو الصهيوني، فهي حرب وجود وليس حرب حدود .
وهناك مشروعان قادتهما مصر، الأول المشروع المسمى بالسلام الذي بدأه أنور السادات وأثبت فشله، والمشروع الأخر المقاوم الذي قاده الزعيم جمال عبد الناصر ، وما الحرب اليوم على اسمه حتى بعد رحيله بنصف قرن الا حرب على المشروع الذي أثبت أنه الخيار الصحيح، والدليل واقع كل بلد عربي خاصة من لهم علاقات مع العدو الصهيوني ، كيف كانت احوالهم قبل وبعد تلك الصفقات .
إن النكسة خسارة معركة في صراع الوجود مع العدو ، وإذا كانت الأمة العربية الان في حالة ضعف واستهانة، ولم ينتصر في معركة منذ النكسة الأليمة، الا انها ستنهض ذات يوم حال ظهور عبد الناصر آخر يلم الصفوف العربية، ويطهرها من “صهاينة الداخل” الأكثر قذارة من الصهاينة أنفسهم .
ولا عزاء للصامتين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى