أوضاع اقطار الامة العربية!!!

لا نستطيع عزل الوطن العربي عما يحدث على امتداد الساحة الدولية من متغيرات وتحولات وتأثيرات هذه الاحداث العالمية وتطوراتها على اقطار الوطن العربي في المجالات كافة الاقتصادية والسياسية والامنية والاجتماعية والثقافية، سيما وان تدخلات القوى الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية في شؤون الاقطار العربية وفي ظل حالة التردي والتفكك القائمة قد جعل بعض هذه الاقطار ترضخ للضغوطات وتنهج سياسات لا تتوافق مع المصلحة الوطنية والقومية. ومن المفيد ان نتوقف عند عناوين اهم وابرز التحولات التي يشهدها العالم لاهمية تأثر اقطار الوطن العربي بها:
1. الصراعات والحروب التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية والتي تطال بتداعياتها العديد من دول العالم بعامة والاقطار العربية بخاصة لان بعض هذه الصراعات اصابت اقطارا في الوطن العربي بشكل مباشر او غير مباشر خاصة بعد الحرب الامريكية –على العراق عام 2003، واحتلال أراض سورية اثر العدوان الدولي عليها منذ آذار عام 2011. واقدام إدارة ترامب على ضم القدس العربية الى الكيان الصهيوني ونقل السفارة الامريكية الى هذه المدينة وقراره الجائر بضم الجولان العربي السوري الى الكيان الغاصب وترويجه الى ما يسمى بصفقة القرن وتشجيع حومة الإرهابي نتنياهو على ضم أراضي الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني. وتشكل هذه السياسة الترامبية مخاطر جسيمة على وطننا الأردن.
2. التوجه نحو سيادة النموذج الليبرالي الغربي بعامة والامريكي بخاصة سياسيا واقتصاديا.
3. التطورات العلمية والتكنولوجية وثورة الاتصالات المتسارعة التي تلقي بآثارها الهائلة على كل دول العالم.
ونتساءل امام هذا المشهد العالمي الذي لا يرحم احدا، والذي لا مكان فيه للضعفاء، كيف ستواجه اقطار امتنا العربية هذه التحولات الكبيرة المؤثرة والتي تشكل تحديات خطيرة عليها جميعا؟ هل سيواجهها كل قطر بمفرده؟ وهل يقدر فعلا على المواجهة ام سوف يستسلم للواقع ويصبح مجرد تابع له. ام سوف تقوم اقطار الامة العربية بمراجعة حساباتها ومواقفها وتواجه هذه التحديات مجتمعة مما يجنبها الكثير من السلبيات وحتى الكوارث التي ستلحق بها اذا ما بقيت مشتته متفرقة خاصة وان الامة تعاني من ازمة وخطر كبير يتمثل في المشروع الصهيوني واهدافه التوسعية، مثلما تعاني من ازمة هائلة بسبب قيام الإدارات الامريكية بغزو العراق واحتلال أراض سورية وإقامة قواعد عسكرية في العديد من اقطار الوطن العربي، ووضع مخططات لإعادة ترتيب منطقة الشرق العربي بما يلائم مصالحها ومصالح الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب؟
وما دمنا بصدد التحديات الدولية للعرب، لا بد ان نتوقف عند التحديات الداخلية التي تواجهها اقطار الامة وتتسبب بشكل رئيسي في الحالة الراهنة التي يعيشها النظام العربي واقطاره ومن أبرزها:
1. عجز العرب عن بناء الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية، سواء على الصعيد القطري ام القومي.
2. فشل العرب بوضع اسس وقواعد للتضامن والعمل العربي المشترك.
3. عدم وجود معايير وطنية وقومية عملية ملزمة للأداء السياسي الرسمي العربي لا سيما وان التوجهات السياسية في اقطار الوطن العربي لا تخضع لأية مقاييس حتى الوطنية منها، ولا تستجيب في معظمها للأصول التاريخية للامة، بل تذهب معظم الانظمة العربية الى انتهاج سلوك سياسي واقتصادي خاص بها لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح القومية العليا للامة وأحيانا حتى المصالح الوطنية لهذا القطر او ذاك، خاصة الاقطار التي تنتهج سياسة التبعية للسياسة الامريكية سياسيا واقتصاديا. حيث اتجه العديد منها الى التطبيع مع العدو الصهيوني ودعم المشاريع الامريكية التي تلحق أضراراً شديدة بالأمة العربية بعامة وقضية فلسطين بخاصة.
4. استمرار التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية للأقطار العربية واستجابة بعضها لمثل هذه التدخلات.
5. التضييق على الحريات العامة، ان لم نقل فقدان الحريات العامة، في معظم اقطار الوطن العربي، وغياب الديمقراطية والحوار الموضوعي البناء بين السلطة والشعب في هذه الاقطار، وسيادة السيطرة الكاملة والمطلقة للأنظمة واجهزتها بدلا من ذلك.
وحتى تكتمل الصورة لدى هذه الانظمة، فإنها تقوم بالاعتماد على منظومات واساليب حماية من الداخل تستند الى مصادرة الحريات بعامة وحرية التعبير بخاصة، وإطلاق المدى امام هذه المنظومات والمؤسسات لتمارس دورها في قمع الرأي الاخر بلا قيود، بل أكثر من ذلك فإن بعض اقطار الوطن العربي تعتمد في امنها الداخلي على حماية جهات اجنبية وتسير وفق توجهاتها.
واستنادا الى ذلك، فإن الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية في اقطار الوطن العربي تشهد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار القابل في أي وقت وامام أي ازمة للتفجر امام اية مخاطر خارجية وبخاصة الحركة الصهيونية، اضافة الى ان ثوابت السياسة الاستراتيجية للغرب بعامة وللإدارات الامريكية المتعاقبة بخاصة، السعي الحثيث للإبقاء على فرقة العرب وتشتتهم، ان لم نقل انزال المزيد من التفتيت بأقطارهم، عبر تشجيع الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية بين ابناء القطر العربي الواحد، والاقدام على حصار اقطار عربية سورية، لبنان، قطاع غزة مثالاً. مما يهئ ارضية لقيام نزاعات وصراعات قد تؤدي الى حروب اهلية وما تقوم به الادارة الامريكية في العراق وسورية هذه الايام يشكل نموذجا صارخا واضحا لمثل هذه المخططات التي تستهدف العديد من الأقطار العربية.
على اية حال، هذه ابرز ملامح الوضع العربي العام، حيث عجزت القمم العربية المتلاحقة عن اخراج الامة من ازمتها الحادة مما هيأ الأرضية للعدوان على العديد من اقطار الوطن العربي، وجعل الازمة العربية تتحول الى شبه كارثة، لكن ، وبالرغم من كل ذلك، فإن تاريخ امتنا العربية يجعلنا نتفاءل على الدوام بقدرتها على النهوض والصمود في وجه التحديات والاخطار ولنا في المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية وانتصارات الجيش العربي السوري العظيمة في مواجهة العدو الصهيوني والعصابات الإرهابية حيث تم تحرير معظم الأراضي السورية من هذه العصابات والبقية تأتي على الطريق لدحر العدوان التركي الأمريكي الإرهابي. وهذا دليل على قدرة هذه الامة على تخطي الواقع المرير الذي تعيشه، وعلى بناء موقف عربي واحد يجعلها تنتقل الى اخذ دورها واستعادة مكانتها في العالم.
امتنا العربية، امة حية وهي تعيش الان مخاضا تاريخيا وسوف تنهض من وسط الالام والمعاناة وتستعيد قوتها ومجدها وكرامتها والمسلوب من حقوقها، معتمدة في ذلك على محور المقاومة الذي يواجه باقتدار أعداء الامة العربية وكذلك على طاقاتها البشرية والمادية وثرواتها الطبيعية الهائلة.

*الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى