السيسي يوظف تقاربه مع روسيا لغرض تعزيز مكانته لدى امريكا

قبل بضعة ايام وافقت الحكومة الأمريكية على بيع أسلحة بمليارات الدولارات لمصر والإمارات العربية المتحدة ، ووفقًا لصحيفة هيل نيوز ، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على عقد لتطوير وتحديث 43 طائرة هليكوبتر هجومية من نوع أباتشي بقيمة 2.3 مليار دولار ، وادعت الصحيفة ان جاء في بيان صادر عن وكالة التعاون الأمني بوزارة الدفاع الأمريكية ان كل من شركتي “بوينج” و”لوكهيد مارتن” ستقومان بتحديث وحدات مروحيات الأباتشي لمصر ، صديقة الولايات المتحدة الامريكية وشريكها الاستراتيجي المهم في غرب آسيا.
تقول وكالة التعاون الأمني في البنتاغون ان مصر تنوي استخدام المروحيات لتحديث قواتها المسلحة لمواجهة المصالح المشتركة للقاهرة وواشنطن في مواجهة الأنشطة الإرهابية في شبه جزيرة سيناء ، الامر الذي يهدد أمن مصر وإسرائيل ، وعلى الرغم من الضغوط على الحكومة الأمريكية حول مسألة تقديم دعم الأسلحة لحكومة عبد الفتاح السيسي ورفع بعض حظر بيع الأسلحة لمصر مع ترأس السيسي ، فلماذا استمرت الخطوة الأخيرة لإدارة ترامب في الاتجاه الذي اتخذ ضد القاهرة؟

رد فعل الأوساط الأمريكية على القرار الأخير
تزامنًا مع الموافقة المبدئية للحكومة الأمريكية لتجهيز القوات الجوية في الجيش المصري ، دعا مركزان للبحوث في واشنطن الحكومة الأمريكية إلى خفض مساعدتها العسكرية لمصر وعدم تجاهل انتهاكات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مجال حقوق الإنسان ، وجاء في تقرير هذه المراكز انه على الرغم من أن السيسي لا يحترم مصالح الولايات المتحدة الامريكية واهتماماتها ، إلا أنه يتوقع تلقي مستوى عال من المساعدات الأمريكية ، وأيضاً فان مصر قامت باستخدام هذه المساعدات من أجل التحيز وزيادة نفوذها بدلاً من استخدامها لتطوير قدراتها العسكرية وتعزيز مصالح الأمن القومي المشتركة.
ودعا كاتبو هذا التقرير الولايات المتحدة الامريكية الى تخفيض مساعدتها السنوية لمصر ، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار ، إلى 300 مليون دولار وتخصيص هذه الموارد للأمور الإنسانية ومكافحة فيروس كورونا ، ولم يتهم مؤلفو التقرير إدارة ترامب فحسب ، بل اتهموا أيضًا الحكومات الأمريكية السابقة بالفشل في إيلاء الاهتمام الكافي لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر ، فقد كانوا يولون اهتمامًا خاصًا للعلاقات بين البلدين فقط.
وجاء في التقرير نقلاً عن توم مالينوفسكي ، عضو الكونجرس الأمريكي وناقد رئيسي للقاهرة في واشنطن ، إن الجيش المصري ليس فعالًا على المطلق للتعامل مع الكوارث ، وقال مالينوفسكي: “على الرغم من الخدمات التي تتلقاها مصر من البيت الأبيض ، ولكن في المقابل فهي لا تزودنا بأي شيء ؛ وهذا ليس وضعاً يمكننا فيه تبادل حقوق الإنسان مقابل ما يخدم المصالح الوطنية للولايات المتحدة الامريكية” ، وليس لمصر أي دور في تحقيق أهداف السلام والأمن ، ويخلص التقرير إلى أن المساعدات الأمريكية لمصر لا تجعل لواشنطن نفوذاً في سياسات السيسي حتى تتهم مصر بتقويض المصالح الأمريكية في المنطقة.

جهود واشنطن للحفاظ على موقعها في مصر
مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر ، علقت الحكومة الأمريكية بعض مساعداتها المالية والأسلحة للقاهرة ، وفي المقابل ، أظهر صعود السيسي إلى السلطة في مصر منذ الأيام الأولى دفء العلاقات بين موسكو والقاهرة في العصر الجديد ، وفي حفل تنصيب السيسي ، وجه بوتين رسالة خاصة ومكتوبة إلى نظيره المصري ، وبعد ذلك سطّرت الزيارات المتكررة للمسؤولين بين البلدين بداية فصل جديد في العلاقات بين موسكو والقاهرة.
عملت الحكومة المصرية الجديدة بجد منذ بداية استقرارها في قصر الاتحاد للاقتراب من موسكو ، وقد أدى عدم دعم واشنطن للقاهرة في بعض الأمور الى تسريع هذا الامر ، وإن أحد جوانب التقارب الأخير بين القاهرة وموسكو هو العلاقات العسكرية والأمنية خلال الحقبة الجديدة ، وبينما أعلنت الحكومة الأمريكية الحظر الجزئي على مبيعات الأسلحة لمصر حتى إشعار آخر ، أعلنت موسكو في عام 2015 أنها وقعت عقدًا مع مصر لبيعها 46 طائرة هليكوبتر روسية من نوع تمساح.
وفي تتمة العقد ، تم تسليم حاملة الطائرات “ميسترال” الفرنسية ، والتي لديها القدرة على حمل هذه المروحيات وبتوسط من روسيا ، أخيراً إلى مصر من الجانب الفرنسي ، وبالإضافة إلى ذلك ، فإن قرب وجهات نظر روسيا ومصر بشأن مختلف القضايا الإقليمية ، بما في ذلك سوريا والآن ليبيا ، عرض الولايات المتحدة الامريكية بشكل متزايد للمخاوف من فقدان موقعها التقليدي في مصر وبعد اتفاقية كامب ديفيد. سعت إدارة ترامب إلى استعادة وضعها السابق في سياسات القاهرة من خلال رفع بعض القيود على مبيعات الأسلحة لمصر ومساعدة البلاد في المؤسسات النقدية والمالية الدولية للحصول على المساعدة المالية.
في حين ان واشنطن استخدمت أيضًا سياسة التهديد لمنع زيادة تعمق العلاقات بين موسكو والقاهرة ، وهددت الولايات المتحدة الامريكية بفرض عقوبات على مصر علناً في حال اشترت طائرات مقاتلة روسية من طراز سوخوي -35 من روسيا ، ووقعت الحكومة المصرية في نهاية عام 2018 صفقة شراء هذه المقاتلة المتقدمة مع الطرف الروسي ، في حال واجهت التهديدات الامريكية والتي لم ترد رسمياً على أي من هذه التهديدات ، حتى ان بعض المصادر العسكرية ، المقربة من الحكومة المصرية ، وصفت في مقابلات صحفية مختلفة ، مشتريات الأسلحة المختلفة وزيادة الشركاء العسكريين بالسياسة الصحيحة وغير القابلة للتغيير للقاهرة.
وفي غضون ذلك ، استقبلت الحكومة المصرية مؤخرًا غواصتها الألمانية الثالثة من طراز S-43 ، والتي تم التعاقد عليها في عام 2014 ، في سياسة استمرار عمليات شراء الأسلحة من دول أخرى غير الولايات المتحدة ، وهكذا ، فإن سياسة الحكومة المصرية الحالية بشأن القضايا الإقليمية ، والتي قللت بدورها من اعتمادها العسكري على الولايات المتحدة ، بل سلطت الضوء على إمكانية تغيير ميزان القوى ضد الكيان الصهيوني ، حتى ان الأوساط الصهيونية ذكرت هذا الامر بكثرة خاصة في مجال التسليح الجوي قائلة: الامر الذي أثار قلق الولايات المتحدة ودفع واشنطن إلى إعادة النظر في سياستها السابقة تجاه مصر ، هو أحداث عام 2013 وصعود عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.
لذلك ، فإن جميع انتقادات محافل حقوق الإنسان وحتى تعارض وجهات النظر بين القاهرة وواشنطن في بعض الحالات لن يمنع الولايات المتحدة الامريكية من تعزيز علاقاتها مع شريكها الاستراتيجي في المنطقة واعادتها كما كانت في السنوات السابقة ، وبالتالي ، فإن سياسة بيع الأسلحة العسكرية لمصر ومساعدة الولايات المتحدة لتجهيز الجيش المصري هي في الواقع على الجانب الآخر من عملة التهديد المصرية في حالة زيادة العلاقات العسكرية مع روسيا ، والتي من المتوقع أن تتبعها الولايات المتحدة بجدية أكبر في المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى