المواطن في زمن الكورونا بين الجدية والاستهتار

 
قضية الاستهتار بالقانون والتعليمات واللوائح والارشادات الصادرة عن الجهات الرسمية تشكل “خطرا صامتا “يهدد المجتمع برمته هو نتاج مركب وتراكمي الى ماهو مخزون في ذهنية ومخيال المواطن من تصورات تجاه الدولة ومؤسساتها وقوانينها، وهو ايضا نتيجة الى ممارسات ومخرجات سياسات حكومية تنفيذية سابقة اوصلت المواطن الى هذه الثقافة الاستهتارية، وعدم الثقة وعدم المبالاة بما يصدر عنها من اخبار وتصريحات سياسية او اقتصادية او صحية، بل – قل – وكل ما يخص و يهم الشأن العام ، فهذه الممارسات و السلوكيات سحبت من رصيدها ومن مصداقيها وصورتها لدى المواطن الشيء الكثير، وحتى ولو انها كانت مثل هذه التعليمات تصب في صالح المواطن والصالح العام .

الازمة الكورونية التي تمر بها البلاد الأن اسقطت كافة اوراق التوت التي كانت – هذه الحكومات – تخفي سوء تصرفاتها عبر السنوات الخوالي ، لهذا فهي الأن تجني – كما يقال – ثمار ما زرعتة يداها منذ سنوات من ممارسات واجراءات خاطئة .فخلال العهود الماضية كان ضحيتها المواطن و مقدرات الوطن معا .

من هنا تأتي ازمة وباء فيروس كورونا الى المشهد لتعري هذه السياسات ولكي تقرع جرس الخطر والتنبيه الى الزوايا المعتمة في حياتنا – في مقدمتها كيفية العمل الجدي لكي نعيد الثقة للمواطن بدولته ؟ وبين اقناع المواطن بتصريحات المسؤول في الشأن العام ، وبين المواطن والمجتمع الذي يعيش فيه – وكيف علي الدولة الزام المواطن باحترام القانون وتطبيق التعليمات الصادرة من الجهات الرسمية في كل الاوقات وفي كل المناسبات، في الرخاء وفي الشدة .

ان تطبيق القانون على الجميع والبعد عن المحاباة والتمييز وتقديم الخدمات للجميع وبنفس المستوى والجودة يعد الرابط الاساسي والخطوة الاولى في المسار الصحيح  الذي يعيد الى المواطن ثقتة بالحكومة وسياساتها والى احترام القانون وتطبيقه طوعا وليس امرا فحسب ، وكل مايصدر من الجهات المسؤوله من تعليمات في كل الاوقات والظروف والازمان والمكان .

هذا الفعل ليس صعبا ولكنه يحتاج الى اعادة انتاج علاقات و ثقافة جديدة بين المواطن والحكومة والمجتمع تقوم على الشفافية والمصداقية والمساءلة في التعامل .. ثقافة تشجع على العمل والانتاج .. ثقافة تعزز المشاركة والعمل الجماعي .. ثقافة تؤدي الى تكريس دور الفرد داخل المجتمع على اساس انه يمثل الاس والمقام في المجتمع، وهو جزء اصيل فيه واحد مكوناته الحية وليس مواطنا عبثيا يعيش على هامش الحياة وقارعة الطريق ، ليس له اي دور او واجب او مهام يقوم بها.

فالازمات بقدر ماهي نقمة وتهديد يمكن ان نحولها الى نعمة ولكن بشرط ان نعرف كيف نحول التهديد الى فرصة نجاح، وذلك من خلال تحريك الاذهان وتحفيز الابداع والابتكار وابراز المبادرات الخلاقة واكتشاف قدرات الافراد والاستفادة منها وتعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية وتعزيز الجبهة الداخلية، وتمهيد السبيل والطريق الى تحقيق مرحلة جديدة تكون الحكومات فيها حكومات محفزة وميسرة بشكل ايجابي وليست حكومات مكرسة للازمات و فرض الاعباء على المواطن والمجتمع معا.

وفي المحصلة المنطقية فان سلوكيات وتصرفات المواطن الاستهتارية وعدم المبالاه ماهي الا انعكاس ونتاج لممارسات وسلوكيات الحكومات رديئة الفاعلية والمسؤولية والقوة في وقت من الاوقات!!

البريد الإلكتروني: [email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى