عيد العمال في زمن جائحة الكورونا

يحتفل العالم في كل عام في اليوم الاول من شهر ايار بعيد العمال – تقديرا وتكريما للدور الطليعي الذي يقومون به في بناء الحضارة الانسانية وتشييد صروحها المعمارية و الصناعية والزراعية والخدمية .

ويأتي هذا الاحتفال في كل عام من اجل لفت الانظار، والتأكيد على دور العمال الفاعل في المجتمع بوصفه كرافعة اساسية في تشيد المرافق الوطنية وبناء الاوطان.

لقد ناضلت الطبقة العاملة عبر العصور من اجل تكريس وجودها في الحياه واحقاق شرعية نضالها السلمي، وقدمت قوافل من الشهداء عبر مسيرة نضالاتها الطويلة وعُمدت هذه المسيرة بالدماء الزكية من اجل الحصول على المكتسبات العمالية والنقابية، ولا زالت صرخات العامل النقابي الشهيد – اوجست سيايبس – تدوّي في الافاق عندما قال كلمته المشهورة: “سيأتي اليوم الذي يصبح فيه صمتنا في القبور اعلى من اصواتنا” وهذه الرؤيا لهذا النقابي تحقق الآن على الساحه العالميه مزيدا من المكتسبات والانجازات للطبقة العاملة، ومزيدا من الاحترام والثناء.

لقد كافحت الطبقة العاملة في الماضي ولا زالت مستمرة حاضرا في نضالها السلمي في بعض الدول من اجل الاعتراف بها وبدورها التقدمي في بناء الاوطان، والسماح لها بحرية التنظيم النقابي والضمانات التقاعدية والصحية والاجتماعية. وكل هذا ما كان له ان ينجز لولا صبر الطبقة العاملة وتضحياتها المريرة والجسيمة مع جشع الراسمالية العالمية.

لقد تفننت الراسمالية العالمية في استغلال جهود الطبقة العاملة دون مراعاة للحالة الانسانية لهذه الطبقه، وفرضت سلطة الدولار على كافة الاعتبارات الانسانية والاخلاقية، ولكن بمشروعية النضال السلمي والتمسك بالمبادئ الخالدة حققت الطبقة العاملة الكثير من الانجازات والمكتسبات الحقوقية واصبحت قوة يحسب لها كل حساب في مشاريع الربح والخساره وكقوة فاعلة وليس مفعولا بها مهيضة الجناح.

ونحن في الاردن نشارك العالم في كل عام احتفالات العمال في عيدهم، ونثمن ونقدر انجازاتهم ودورهم الريادي في خدمة بلدنا ونهضته الصناعية والزراعية والمعمارية والخدماتية وفي كل مجالات العمل المهني واليدوي، وفي هذا اليوم نرفع لهم قبعاتنا ونحيي منجزاتهم الوطنية فهم اصحاب الهمة العالية والعزيمة الصادقة، وهم اصحاب الانجاز اللامحدود فكل شارع معبد وكل مصنع يدور وكل شجرة تنمو تشهد لهم بهذا العطاء الموصول -فهم الحاضر بكل انجازاته ومعانيه وهم المستقبل بكل اشراقاته وصباحاته المتفائلة وهم اولا واخيرا رواد العطاء والبناء المثمر.

لقد ناضلت الطبقة العمالية في العالم ضد ساعات العمل الطويله، وضد توحش سلطة الراسمالية العالمية عديمة الخلق والشفقة والحس الانساني، واستشهد العديد من العمال من جراء ساعات العمل الطويلة المضنية وسوء التغذية، اضافة الى سوء الاوضاع الصحية وبيئة العمل غير الملائمة للعمل، اضافة الى تشغيل واستخدام الاطفال عمالة في المصانع لتنظيف مداخن المصانع من غازات الكربون حتى ان الشاعر الانجليزي وليام بليك خلد هذه المرحلة وظروفها القاسية على الافراد والمجتمع بقصائد منها “طفل المدخنه” وكذلك “ماسحي المداخن” ،ونحن الان في زمن فيروس الكورونا نسمع عن ممارسات اصحاب المال والاعمال في عمليات تسريح العمال وعدم دفع الاجور لهم او منحهم اجازات بدون رواتب.

انها الراسمالية المتوحشة تتفنن في الاساءة للقوى العاملة صباح مساء – لقد جسدت الراسمالية ابشع صورها وتمثلتها في العصر الحديث من ان الانسان لا قيمة له انما القيمة الحقيقية للدولار.

لقد اسقطت الراسمالية بممارساتها كافة القيم الانسانية السامية، وزادت من مساحات الانا والفردية المادية على حساب التعاون الاشتراكي المجتمعي والمشاعر الانسانية النبيلة، لذا وفي هذه المرحلة الوبائية العصيبة التي تجتازها البشرية وامتنا ووطننا جزء منها نرى لزاما علينا ان نتطلع الى الوراء الى اعماق التاريخ الانساني في كل مكان، وان نقف اجلالا واكبارا وتقديرا واحتراما للانبياء والرسل الذين تطلعوا الى الانسان كانسان لافارق بين غني او فقير وقوي وضعيف واسود وابيض، ولجميع الذين كافحوا في سبيل التقدم والرخاء وسيادة العدالة والمساواة والمحبة والاخاء لبني الانسان ولعمالنا في الوطن الذين شيدوا بكدهم وجهدهم وعرقهم ودمائهم اماكن العبادة ودور الفن والمصانع والمساكن والسدود، وروضوا الطبيعة الثائرة وجعلوا من جبال وصحراء ووديان اردننا الغالي واحة وجنة يطيب العيش فيها .

البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى