استعصاء تشكيل الحكومة الإسرائيلية يكشف عن ازمة حكم وكيان وليس حكومة

لم يعد يخفى على أحد حجم المأزق السياسي الذي تعاني منه “إسرائيل” هذه الأيام ، خاصة بعد فشل حكومة الاحتلال في التعامل مع وباء كورونا المستجد الذي ينتشر كالنار في الهشيم ، بعد تأكيد تقارير إعلامية على لسان مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى أن جيش الاحتلال غير قادر على التعامل مع أزمة تفشي كورونا، فيما زاد فشل الأحزاب “الإسرائيلية” في تشكيل حكومة جديدة الطين بِلة ، مع اقتراب الموعد النهائي الممدد الذي أمهله رئيس كيان الاحتلال “رؤوفين ريفلين” لزعيم حزب أزرق أبيض “بيني غانتس” لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في الثاني من مارس وكانت الثالثة في أقل من عام .
رمي الفشل إلى الكنيست
أظهرت القرارات “الإسرائيلية” الأخيرة حجم التخبّط الحكومي في إسرائيل بعد رفض رئيس كيان الاحتلال طلب “بيني غانتس” تمديد مهلة تكليفه تشكيل حكومة لمدة 14 يوماً أخرى ، بالإضافة إلى رفضه طلبات وزراء حزب الليكود بنقل كتاب التكليف لرئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو وادعائه أن الظروف الحالية لا تسمح بتمديد فترة مهمة تشكيل الحكومة وهي 28 يوماً تنتهي منتصف ليل الاثنين ثم تراجعه عن قرار الرفض وسماحه بتمديد مهلة تكليف “بيني غانتس” لتشكيل الحكومة يوماً واحداً فقط ، ليظهر إلى العلن مدى التأزم السياسي الذي تعيشه “اسرائيل” ويعكس مدى الانقسام والتنافس العميق خاصة أن غانتس هو المنافس الرئيس لنتنياهو، وفي حال فشلهما بتشكيل حكومة الوحدة سيتم تحويل المهمة إلى الكنيست أي برلمان الاحتلال ، ما يمنح فرصة لأحد الأعضاء بمحاولة تشكيل الحكومة إذا قام بجمع 61 توقيعاً.
خلاف عميق بين الليكود وأزرق أبيض
يزداد الخلاف تشعّباً بين حزبي “الليكود” الذي يقوده بنيامين نتانياهو، و”أزرق أبيض” الذي يتزعمه بيني غانتس يوماً بعد يوم على قضية عمل اللجنة لاختيار القضاة في “إسرائيل” ، حيث يطالب حزب الليكود بمراجعة آلية عملها فيما يصرّ “أزرق أبيض” على عدم المساس بها باعتباره مساساً بما يسميه العملية الديمقراطية، ويظهر الإعلام الاسرائيلي بشكل جلي حالة غضب واستياء حزب “أبيض أزرق” من نتانياهو، الذين نكث بعهوده التي تم الاتفاق عليها بمفاوضات تشكيل حكومة الوحدة.
خلافات تشكيل الحكومة أزّمتها تصريحات مسؤولين إسرائيليين حول موافقة الليكود على التنازل عن طلباته بشأن نشاط لجنة تعيين القضاة، وقضية حق النقض أو بخصوص تغيير تركيبة اللجنة، لكن هذه الخطوة التي لاقت انتقادات لاذعة من اليمين الاسرائيلي، وهوجمت بشدة من قِبل تحالف “يمينا” ، تشي بحاجة نتنياهو لتغيير تلك اللجنة لتبرئه نفسه في حال مثوله أمام القضاء.
ووسط محاولات بائسة من حزبي الليكود وأزرق أبيض للتوصل إلى اتفاق قبيل انتهاء مهلة الـ 24 ساعة، يبقى السيناريو الأقرب في ظل الأزمة السياسية الإسرائيلية الداخلية التي يرتبط بها كثير من العوامل التي لم تحسم بعد، هو العودة إلى الانتخابات مرة أخرى.
سيناريوهات تشكيل الحكومة
بعد فشل كتلة اليمين المتطرف التي حصلت على 58 مقعداً في الكنيست في سرقة عدد من النواب في القوائم الأخرى، أصبح واضحاً أنها ستبذل جهوداً جبارة لتغيير النتيجة، حيث بدأت بالاحتجاج على النتائج وإطلاق التهم بتزييف الانتخابات، في محاولة لعرقلة تمديد أكبر، لمنع نتينياهو من استغلال منصبة لتغيير النتائج وعرقلة إمكانية تشكيل الحكومة في الفترة التي يكون فيها رئيسا لها .
وفي حال ذهبت “إسرائيل” إلى انتخابات رابعة، فهذا يعني أن نتنياهو سيبقى رئيساً للحكومة إلى ما بعد تلك الانتخابات ، خاصة مع وجود أكثرية 62 مقعدا لمعسكر أعداء نتنياهو ، ولا يمكن إقصاء “القائمة المشتركة” التي تضم الأحزاب العربية (الوطنية والإسلامية) والتي ارتفعت من 13 مقعداً في الانتخابات السابقة إلى 15 مقعداً، وتعرف هذه الأحزاب بمواقفها السياسية الحازمة و الواضحة، وتعتبر نفسها جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وبالتالي لا يمكن مثلا أن تؤيد الحرب على غزة، وهذا يعرقل أن تكون جزءاً من ائتلاف حكومي، أو حتى داعماً له من الخارج، كما أن حزب الجنرالات وهو حزب المؤسسة العسكرية في “إسرائيل”، لن يقبل بأن يضع يده بيد حزب عربي، بالإضافة إلى عداوة ليبرمان الذي هبط من 8 إلى 7 مقاعد مع القائمة المشتركة والذي يجاهر بعدم اعترافه بشرعيتها ما يجعل فكرة الانخراط معها في اتجاه واحد ضرباً من ضروب الخيال وفق ما ذكرت مواقع إخبارية.
ويشير محللون إلى وجود جهود لإقامة حكومة صغيرة مؤقتة تضم حزب العمل وتحالفه اليساري مع “أزرق أبيض”، مسنودة من الخارج من ليبرمان والقائمة المشتركة بشرط أن يتم اتخاذ قرارات جوهرية إلى حين تفكك تكتل اليمين وجلب حزب أو أكثر إلى الائتلاف الحكومي، وهذه إمكانية قائمة، لأن المشتركة تريد أن تسقط حكومة نتنياهو؛ التي تعتبر حكومة عدوان شرس وتهويد خطير للأرض الفلسطينية، وإن هذا السيناريو يمكن اعتباره اختباراً لقياس ردود أفعال الشارع الإسرائيلي الذي يعاني من تخبّط في الخيارات ، وإن السيناريو الأقوى هو إقامة حكومة أقلية من تحالف “أزرق-أبيض” بدعم خارجي وشبكة أمان من حزب “إسرائيل بيتنا” و”القائمة المشتركة” من الخارج بعد رفض ليبرمان الجلوس في حكومة برئاسة نتنياهو ، بالتزامن مع سعي تلك الأحزاب لصياغة مشروع قانون سيعرض على الكنيست، يمنع بموجبه تولي أي شخص متهم بملفات جنائية من تشكيل الحكومة؛ وهذا يعني منع نتنياهو قانونيا من تشكيل الحكومة .
نتنياهو إلى المحاكمة
بعد رفض المحكمة المركزية في القدس الشرقية طلب نتانياهو تأجيل بدء محاكمته بتهم الفساد ، وتأكيدها عدم وجود أسباب كافية لتبرير التأجيل ، تأتي المحاكمة في أوج محاولة نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرف ومن المتدينين المتشددين تشكيل حكومة في ظل معارضة شرسة، خصوصا أنه لم يستطع الحصول على 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً في البرلمان لتشكيل الحكومة المقبلة ، ولن يستطيع نتنياهو التهرّب من المحاكمة حتى إذا استطاع الحصول على محاولة لتشكيل الحكومة الجديدة ، وستكون المرة الأولى التي يحاكم فيها رئيس للحكومة وهو يتولى منصبه، وإن عودة المفاوضات بين حزبي الليكود وأزرق أبيض ظهر الاثنين، لا تعني أن الأمور أصبحت بخير وسط محاولات محمومة من الجانبين للتوصل إلى اتفاق قبيل انتهاء المهلة الممددة لغانتس لتشكيل الحكومة، والتي تنتهي منتصف ليل الثلاثاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى