على هامش رحيل “الموظف” حسني مبارك

 
كغيري من المهتمين، تابعت التغطية الإعلامية المصرية لرحيل الدكتاتور المخلوع حسني مبارك، رئيس جمهورية مصر العربية الأسبق الذي أمضى بالحكم ستة وثلاثين عاما ، ستة أعوام نائبا للمقتول أنور السادات وثلاثون عاما رئيسا لمصر .

لا نستطيع بالطبع أن نعزل حكم مبارك الطويل الممل عن حكم سلفه أنور السادات ، فالسياسة واحدة ولكن السادات، ونتيجة ما اقترفت يداه الآثمة، أصبح مكروها ووجوده عبئا حتى على مشغليه الأمريكان والصهاينة .

وكان لا بد من استمرار النظام كما هو ولكن بدون الرأس الذي أفرغت فيه رصاصات خالد الاسلامبولي ورفاقه كل الاحتقان العربي عامة والمصري بشكل خاص ، ولا زالت صورة عمال مصريين كانوا يعملون في مدينة الزرقاء ماثلة أمامي عندما قتل السادات، حيث رأيت فرحتهم ورقصهم باغتيال الخائن أنور السادات .

وجاء مبارك الذي هو صورة عن الموظف الملتزم بعمله ولا يفكر إلا برضا مسئوليه و مشغليه، فحكم مصر الكنلنة ثلاثين عاما بالقمع والاستبداد، وقد نال بالفعل رضا اسياده حتى لو كانوا من وراء البحار .

ما هو ملفت للانتباه أن الإعلام المصري نقل في البداية خبر وفاة الخلوع مبارك بشكل طبيعي، وبأنه سيقام لمبارك جنازة عسكرية كونه أحد أبطال حرب أكتوبر المغدورة .

والى هنا كان الأمر طبيعيا ولكن ما لبث أن تحول هذا اللامبارك في نفس الإعلام إلى أحد أولياء الله الصالحين الذي ظلم من شعبه، وتسابق الإعلام في نشر مآثره الكاذبة وغير الموجودة ألا في عقول هؤلاء الموظفين الكتبة .

في البداية كان الصوت العالي من نصيب الاعلام الخاص في الاشادة بمبارك وعهده، ثم مالبث الإعلام الرسمي ان دخل في منافسة الإعلام الخاص حتى أصبح من يسمع الإعلام المصري يعتقد أن هذا الموظف حسني اللامبارك قد شارك في غزوة بدر، وظُلم من شعبه وهو بذلك من المبشرين بالجنة، ونسي هذا الاعلام الكاذب جرائم مبارك بحق مصر والمصريين قبل غيرهم وثم بحق العرب، وذلك من السمسرة في بيع القطاع العام، وتحويل مصر من دولة منتجة لدولة مستهلكة من الدرجة الأولى، ناهيك عن قتل ملايين المصريين بالأمراض والأدوية المسرطنة وقطارات الموت والعبارات المتهالكة، وهجرة الكثير من المصريين من الوطن لأجل لقمة العيش، كما ناسي هذا الاعلام ما فعله مبارك برئيسه الأسبق الفريق سعد الدين الشاذلي بطل حرب أكتوبر الحقيقي، ثم ناسي أن اختيار مبارك جاء بتوصية من السفير الأمريكي للسادات، كما أكد ذلك الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله في كتابه ذائع الصيت (مبارك وزمانه من المنصة للميدان 3 أجزاء ) .

هل نسى المصريون شهداء ثورة 25 ينار المجيدة التي جاءت متزامنة مع عيد الشرطة المصري من كل عام، وكأنه تذكير من التاريخ مفاده كما قاوم الآباء والأجداد المستعمر البريطاني ودفعوا الدم فداء الوطن ، ها نحن اليوم نقاوم المستبد الداخلي حتى لو كان من أبطال أكتوبر ، هل نسى المصريون دماء الشهيد عبد الحميد شتى الذي تجاوز الامتحان بتفوق للعمل بالخارجية المصرية وجاء الرد من دولة الموظف مبارك انه غير لائق اجتماعيا كونه فلاح من ريف مصر فما كان منه إلا أن رمى نفسه بالنيل ليكون طعاما للسمك وسط حسرة أهله وكل مصر أوجعها رحيله بتلك الصورة .
هل نسى المصريون دماء الشهيد محمود نور الدين، والشهيد سليمان خاطر، وحبس الجندي البطل أيمن محمد حسن الذي دافع عن تراب مصر من الصهاينة الأوباش وغيرهم مئات الآلاف .

ولكن يبدو أن ذاكرة البعض أصبحت تشبه ذاكرة السمك ، ماذا ستقولون لأهالي شهداء ثورة 25 يناير الثانية التي أبهرت العالم بسلميتها رغم بطش عصابة الموظف حسني مبارك، ولولا تلك الثورة المجيدة ما جاء السيسي ولا محمد مرسي ولا عدلي منصور حكاما لمصر ، وماذا عن الملايين المرضى والقتلى نتيجة الإهمال الطبي والأغذية المسرطنة لنظام فاسد شاخ على مقعده، حسب تعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل رحمه الله .

والأهم من ذلك ما يجب أن يحاكم عليه مبارك ومن قبله السادات هو هيبة مصر ومركزها كدولة دور مركزية في المنطقة ، فقد أصبحت في عهد نظام كامب ديفيد البائد أشبه بالدولة الوظيفية ، ألا يكفي أن يذكر التاريخ أنها تعادي محمية صغيرة اسمها قطر وتجعل منها ندا لها .
وماذا عن تدمير العراق من عام 1990 م ، بعد احتلال الكويت وقرارات ما يسمى بقمة القاهرة التي جاءت مطبوعة باللغة الانجليزية كما فضحها العقيد الشهيد بإذن الله معمر ألقذافي أمام العالم أجمع والعراق الذي كان يعمل به 5 ملايين مواطن مصري من غير كفيل ولا ضمان وهو أضعاف كل المصريين الذين عملوا في دويلات الخليج مجتمعة .

ويكفي ما اعترف به جورج بوش الصغير في مذكراته مبررا غزو العراق بأن حسني مبارك اتصل به وأخبره أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل .
وماذا عن قضية العرب الأولى فلسطين التي خانها السادات وتآمر عليها مبارك ، هل تذكرون كلماته للشهيد ياسر عرفات ( وقع يا ابن الكلب) انتقاما من عرفات والعرب ، لماذا رفضوا بالأمس الموافقة على كامب ديفيد ، هل نسى شعبنا في مصر كل ذلك وأصبح مبارك أحد أبطال غزوة بدر ومن المبشرين بالجنة وليس تكملة لنظام جعل من تضحيات الجيش المصري والسوري جسرا للعدو الصهيوني والتفريط بالأمن القومي العربي وعلى رأسه أمن مصر .

يا إعلام الخيبة نظروا لوزن وقيمة مصر أيام “حروب” عبد الناصر، كما يحلو لمثقفي البرودولار ترديدها، وعهود كل من جاء بعده وصولا للسيسي.. كيف كانت بالامس وماذا أصبحت اليوم ، حيث أصبح عدوها الأول إيران مجاملة لنظام آل سعود، وليس اسرائيل الباغية المعتدية على ارض العرب في فلسطين وابنان والجولان .

لقد ذهب مبارك وقبله السادات الذي دشن لمرحلة إعراب النفط المتحالفين مع الصهاينة التي أوصلتنا لصفقة القرن والحكم العادل سيكون للتاريخ .

أما جنازة مبارك والمبالغة بها فهي صفعة على وجه كل شهيد مصري وعربي في قبره، كما هي سقطة من سقطات الإعلام المصري وتشويه لنضال شعبنا في مصر قبل غيره، ناسين أن الشعب لن يسكت لكن هي جزء من ثقافتنا أمام هيبة الموت حتى لو كان واحد بسفالة الموظف حسني مبارك وتاريخه الأسود شاهدا على عصر الانحطاط والتبعية والوصول لما نحن به اليوم .

انتهت الجنازة وحرمة الموت اليوم وغدا ستكون محاسبة التاريخ الذي لن يرحم، وسؤالي إلى الإعلام المصري بشقيه العام والخاص لولا ثورة يناير ضد الموظف المستبد مبارك وزبانيته هل كنا سنرى السيسي أو غيره رئيسا لمصر .

عذرا لأرواح الشهداء منذ انقلاب مايو أيار عام 1971م وحتى اليوم، وسحقا لاعلام الدجل والتدليس بشقيه العام والخاص .. ولا عزاء للصامتين .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى