“مؤتمر ميونخ للأمن” والخلافات الأمريكية الأوروبية

عقد ” مؤتمر ميونخ للأمن ” دورته ال 56 يوم 14/ 2 / 2020 بمشاركة 500 شخصية عالمية يمثلون 135 دولة، بينهم 40 رئيس دولة وحكومة، ووزراء خارجية وداخلية إلى جانب عشرات المسؤولين في المنظمات الدولية والمجتمع المدني، وناقش على مدار ثلاثة أيام الهوية الأوروبية، والأخطار التي تواجه القارة، وتغيير موازين القوى بالعالم، والوضع المتأزم في الخليج، ” وصفقة القرن”، والعلاقات الأوروبية مع روسيا والصين، وأنهى أعماله وسط شعور بعدم الرضا وبالقلق جراء العديد من التحديات المرتبطة بأهداف العالم الغربي، وتراجع تأثيره السياسي والاقتصادي.
الأوروبيون منزعجون من سياسات الإدارة الأمريكية الحالية وحروبها في الشرق الأوسط التي زادت الوضع الدولي تعقيدا، وأدت إلى تدفق ملايين اللاجئين على أوروبا، ومستاؤون من تردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الالتزام بالدفاع عن حلفاء بلاده في منظمة حلف شمال الأطلسي ال” ناتو” وربطه ذلك بدفع دولهم المزيد من المليارات لدعم الحلف، ومن سياسات أمريكا الاقتصادية الابتزازية المتمثلة بفرضها رسوما على منتجات دول القارة والصين وروسيا وغيرها من دول العالم، وانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، ومن الاتفاق النووي مع إيران والتصعيد معها وتهديد مصادر النفط والسلام العالمي للخطر.
ولهذا فإن ” مؤتمر ميونخ للأمن ” هذا العام عكس الانقسام الذي طرأ على التحالف الأمريكي الأوروبي، خاصة منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وكان أبرز ما جاء في أعماله ومداولاته هو الهجوم والانتقادات التي تعرضت لها الولايات المتحدة؛ فالرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير افتتح أعمال المؤتمر بانتقاد سياسة الانطواء وأنانية الإدارة الأمريكية وعلق متهكما على شعاري ” أمريكا أولا ” و” لنعيد العظمة الى أمريكا ” بقوله ” عظيمة من جديد، حتى لو على حساب جيرانها وشركائها.”
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أقر بوجود نوع من الضعف لدى الغرب، وتقلبا في قيمه السياسية وممارساته الاقتصادية، خصوصا من جانب الولايات المتحدة وقال ” ان السياسات الأمريكية تغيرت في السنوات القليلة الماضية وينبغي لنا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار”، وشدّد على ان دول الاتحاد الأوروبي بحاجة للتعامل مع روسيا الاتحادية والصين وفقا لمصالحها، وليس بناء على رغبات الولايات المتحدة.
مداولات ونتائج ” مؤتمر برلين للأمن ” تشير إلى أن النظام العالمي الذي نتج عن الحرب العالمية الثانية، ودفع الولايات المتحدة إلى الصدارة كحامية للعالم الديموقراطي وقائدة للغرب، ومكنها من الهيمنة على السياسة الدولية يواجه نهايته، وإن الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والصين الشعبية دول عظمى لن تسمح لأمريكا بالتحكم في العالم؛ وتؤكد نتائج المؤتمر أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب فقدت مصداقيتها، ودفعت حلفاءها الأوروبيين إلى إعادة النظر في علاقاتهم معها ومع روسيا والصين ودول العالم الأخرى، وفقا لما تمليه عليهم مصالح بلادهم، وليس وفقا لما تريده إدارة ترامب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى