أربعة أعوام مرت على غياب ضمير الإعلام المتكلم وعملاق الصحافة العربية والعالمية وأحد أشهر الصحفيين والكتاب في العالم .
ففي مثل هذا اليوم، منذ أربعة أعوام مضت، فقدت الكلمة المكتوبة والمسموعة معا أجمل من صاغ حروفها نطقا وكتابة ، وفقدت الصحافة أحد أهم أركانها وضميرها المتكلم، وفقدت الحكمة من كان معناها وعنوانها، وفقدت شاشات التلفزة من كان ينيرها ويثير حراك الأمة بعد سبات طويل .
انه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، ومجرد ذكر الاسم يكفي للتعريف بهذا العملاق الذي تربع على عرش صاحبة الجلالة لأكثر من سبعين عاما، منها عشرون عاما قريبا من السلطة وسبعة عشر عاما في ظل الزعيم جمال عبد الناصر وثلاثة أعوام مع السادات، وفيها كلها كان محاورا جادا ولا يعرف المجاملات على حساب ما يؤمن به، اما الباقي من سنوات عمره فقد قضاها الأستاذ مشاكسا ومشاغبا بالحق لكل السلطات التي اعقبت رحيل الزعيم جمال عبد الناصر .
لم ترهبه سجون الخائن أنور السادات ولا تهديداته ولا حصار القزم حسني مبارك ولا المضايقات عليهن بل ظل المقصد لكل من أراد أن يعرف ظروف المنطقة ولا سيما الصراع العربي الصهيوني .
وعندما جرى إبعاده عن السلطة بعد أن اختلف مع توجهات السادات وطريقة إدارته لنتائج حرب أكتوبر التي تشرف الأستاذ أن يكون هو من كتب توجهاتها العسكرية ، وعندما رأى خيانة دماء شهداء تلك الملحمة الخالدة من السادات، اختلفت التوجهات ووجد فقيدنا الكبير نفسه في الاتجاه المعاكس للسياسة الموجودة .
ولعل أفضل قرار اتخذه السادات، بغير أن يقصد ونتيجة ضيق صدره بالرأي الأخر، هو إبعاد الأستاذ الكبير عن روتين العمل الرسمي وظروفه ،حيث تجلت بعد ذلك العبقرية الهيكلية متحررة من قيد الروتين وقدم الأستاذ أجمل وأعظم وأخلد عطائه الإنساني والفكري من المقالات القصيرة والمستطردة والكتب والحوارات التي كانت وستبقى هي البوصلة لكل من أراد أن يعرف الحقيقة ويعي المستقبل .
ولعل أبلغ من عبّر عن تلك الظاهرة للأستاذ بعد تحرره من قيد الوظيفة هو الكاتب البريطاني المعروف (روبرت فيسك ) بقوله (( عندما كان الأستاذ في السلطة كان الجميع يفكروا ماذا سيكتب وعندما خرج من السلطة أصبحوا يفكروا بماذا يفكر الأستاذ )).
رحم الله الكاتب العربي الكبير وابن مصر الخالدة محمد حسنين هيكل الذي كان وسيبقى مدرسة حقيقية للإعلام الجاد والهادف .