الرد الإيراني لم يكن ” مزلزل” والصراع سيستمر!

قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالرد على مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي، بتوجيه ضربتين صاروخيتين لأكبر وأهم قاعدتين جويتين أمريكيتين في العراق؛ الضربة الصاروخية الأولى وجهت لقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، بينما استهدفت الثانية قاعدة أربيل، وأحدثتا أضرارا مادية، لكنهما لم تسفرا عن إصابات في صفوف الجنود الأمريكيين؛ أي ان الرد الإيراني لم ” يزلزل ” ويدمر كما وعد قادة إيران، لدرجة ان بعض المحللين وشريحة كبيرة من الجمهور بدؤوا يتساءلون ويشكون بمؤامرة لفقها الأمريكيون والايرانيون من وراء الكواليس للملمة الأمور، والخروج من الأزمة قبل تحولها الى مواجهة شاملة مكلفة لهما ولدول المنطقة، وتهدد الأمن الاقتصادي الدولي والسلام العالمي.
لقد فرض هذا الصدام نفسه على وسائل الاعلام والقنوات التلفزيونية العربية والعالمية، وبعد مرور ما يزيد عن أسبوع على الاغتيال الذي نفذ يوم 3 كانون الثاني/ يناير المتحدة الأمريكية 2020، لا تزال الأنباء المتضاربة عن تفاصيل الهجوم الإيراني وما أحدثه من دمار، وعن تبعاته المستقبلية تشغل وسائل الاعلام والمحللين السياسيين، وتفتح المجال للمزيد من التساؤلات ومنها: هل كان الهجوم الصاروخي الإيراني كافيا كرد ” مزلزل ” على مقتل قاسمي والمهندس كما وعد قادة إيران وعلى رأسهم علي خامنئي؟ وهل هو بداية سلسلة من الردود الإيرانية وضربات تصعيدية بالوكالة؟
ايران تعاني من وضع اقتصادي كارثي نتيجة للحصار الذي تفرضه عليها إدارة ترامب؛ واذا أخذنا بعين الاعتباران ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية 716 مليار دولار، مقابل 6.3 مليار دولار ميزانية الجيش الإيراني، وان القوات الجوية الأمريكية تمتلك 13 الف طائرة منها 2300 مقاتلة، و 2800 طائرة هجومية، وعددا من قاذفات القنابل واساطيل بحرية وغواصات وحاملات طائرات وعددا هائلا من الطائرات المروحية والدبابات والصواريخ، مقابل 509 طائرات تملكها إيران منها 142 مقاتلة و 156 طائرة هجومية وعدد محدود من الدبابات والغواصات والسفن الحربية والزوارق الخفيفة السريعة مما يعني أنها، أي إيران تدرك ان حربا واسعة مع الدولة الأقوى في العالم ستكون بين طرفين غير متكافئين، وان نتائجها ستكون وخيمة عليها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وقد تؤدي إلى انهيار نظامها السياسي، ولهذا اختارت ألا تغامر، وأن تقوم برد محدود لامتصاص الغضب الشعبي وحفظ ماء الوجه.
ومهما كانت الأسباب والمبررات التي دفعت إيران لهذا الرد المخالف للتوقعات، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أنها دافعت عن موقفها بصلابة، وردت وضربت حسب قدراتها، وقال قادتها ان هذا هو الرد الأول ولن يتوقف على هذه الجولة من الصواريخ، وإن دولتهم ستعمل على طرد أمريكا من الشرق الأوسط؛ لكن دعنا نطرح السؤال التالي: هل تستطيع إيران بوضعها الاقتصادي والعسكري الحالي أن تواجه عقوبات واعتداءات أمريكا وترغمها على مغادرة المنطقة؟ سيبقى التكهن أساس محاولات طبيعة الرد الإيراني المستقبلي، لكن السيناريو الأقرب إلى الواقعية هو أنها قد تستخدم اصدقاءها وتحديدا حزب الله، والحشد الشعبي العراقي، وخلاياها النائمة في دول الخليج والدول العربية الأخرى لشن هجمات على القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية، ومنشآت النفط، وتزيد دعمها لدول ومنظمات محور المقاومة في المنطقة.
من المتوقع ان يستمر الصراع الإيراني الأمريكي والأخطار المحدقة بالمنطقة لأجل لا يمكن التنبؤ به؛ لكن لإيران الحق ان تدافع عن مصالحها ووجودها، ونحن كشعب عربي نتعاطف معها، وندعم موقفها المؤيد لمحور المقاومة والقضية الفلسطينية والمعادي لإسرائيل وأمريكا وحلفائها العرب، ونرى أنه من الظلم مساواة نواياها في المنطقة بنوايا إسرائيل وأمريكا، ونأمل أن يكون الاعتداء الأمريكي الغادر على قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس بداية لثورات جماهيرية تنهي دول الاستبداد والفساد العربية، وتقود إلى إنهاء الوجود الأجنبي في وطننا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى