الرئيس التونسيّ الجديد في مُواجَهة التحدّيات

لا تزال الثورة التونسية تشكل مفخرة عربية حين أصبحت المفجرة التاريخية لثورة عالمية جديدة عنوانها الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية في العديد من البلدان العربية والعالمية ،وليس آخرها الانتفاضة الشعبية في لبنان، بوصفها حركات تمرّد اجتماعية ضد العولمة الرأسمالية المتوحشة، التي تقتل الإنسان في عالم الجنوب ، حين تحولت الدول العربية وأجهزتها الأمنية والقضائية إلى أدوات طيعة في خدمة مصالح الطبقات الرأسمالية الطفيلية،ومافيات الفساد، والشركات الكبيرة ،والرأسمال المعولم، إذْ إِنَّ هذا الأخير لا يهمه سوى تحقيق الأرباح الخيالية، غير آبه بمصير الشعوب الفقيرة ،والاستغلال المفرط، والفسادالمنتشر على أوسع نطاق.
قيس سعيد و النزعة الطهرية
في الخطاب السياسي المتداول في أوساط الشباب الجامعي و المتعلم و الطبقات الشعبية الفقيرة، شكّل فوز الرئيس قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية ، (الذي اعتمد على مجهوداته الذاتية وحركة شبابية عفوية مساندةله ، سحقت مرشحي منظومات حزبية واعلامية ومالية ضخمة)،انتصارًا لشخص بعيد (أو الأبعد) عن المنظومة التي حكمت تونس قبل الثورة والمنظومة التي حكمت بعدها، إِذْ يُمَثِّلُ سعيّد فكرة نبيلة، أو حلمًا طوباويًا، وشخصًا صادقًا من خارج عالم السياسة والأحزاب والمال والإعلام، وزَاهِدًا في المناصب نقيض السياسيين الذين تصدّروا المشهد منذ قيام الثورة ،أولاً. وعقابًا للطبقة السياسية الحاكمة التي تمثل منظومة الوصاية والفساد، بجناحيها الخارجي والداخلي،والتي فشلت في حل معضلة البطالة والأزمة الاقتصادية والاجتماعية،وخذلت الشعب التونسي،وأهملته، وتعالت عليه،واستخفت به، ثانيًا.وانتصارًا مُهِّمًا في معركة طويلة عنوانها تغيير أنموذج التنمية الفاشل القائم على الفلسفة الاقتصادية لليبرالية الجديدة التي عمقت الفروقات الاجتماعية بشكل كبير،وكرست انعدام المساوة والفوضى الناتجة عن عدم الاستقرار داخل بنيات المجتمع، وجعلت فكرة الديمقراطية نفسها مستحيلة عندما تحول الأفراد إلى مجرد “رأس مال بشري”، غير قادرين على التفكير في أنفسهم باعتبارهم مواطنين،ثالثًا.
في تونس، تغيَّرَ رئيس الجمهورية بفوز قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، لكنَّ النظام السياسي والاقتصادي و الاجتماعي الذي أسسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وسار على خطاه الرئيس الراحل زين العابدين بن علي ،وعمره أكثر من ستين سنة،لا يزال قائمًا،فهل يشكل فوز قيس سعيد الخطوة الأولى لخوض معركة إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية؟
في خطاب اليمين الدستورية ، ليتولى مهامه كرئيس لتونس، يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019، في مقر البرلمان بقصر باردو بتونس العاصمة، أكَّدَ الرئيس قيس سعيّد، الذي حظي بتفويض شعبي كبير قرابة ثلاثة ملايين من الناخبين،واستولى على مساحاتٍ شاسعة في مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات التونسية والعربية والعالمية، والصحافة في زمن قصير، والذي صُوِّرَ كأنَّه جان جاك روسو وصل إلى قصر قرطاج،أكّد سعيّد أنَّ ما يعيشه التونسيون اليوم أذهل العالم، باحترام الشرعية وقيادة ثورة حقيقية بأدوات الشرعية. وقال سعيّد في خطابه: “كسب التونسيون بكافة أطيافهم احترام ودهشة العالم”.
واعتبر قيس سعيّد، ثالث رؤساء الجمهورية في تونس في أعقاب الإطاحة بزين العابدين بن علي بثورة شعبية في 2011، أنَّ أحد أهم واجباته كرئيس جديد للبلاد، هي الحفاظ على الدولة التونسية والتأكيد على حياد كافة مرافقها، دون التأثر بأي حسابات سياسية، وتابع “لن أتسامح مع أي فلس يخرج من أموال التونسيين دون وجه حق”.
كما أكَّدَ الرئيس قيس سعيّد على مبدأ المساواة بين التونسيين والتونسيات، متعهداً بحماية كل الحرِّيات، قائلاً إِنَّهَا أبرز مكسب لتونس بعد الثورة.وتابع:”لتطمئن القلوب أيضاً أنّه لا مجال للمساس بحقوق المرأة وما أحوج المرأة إلى مزيد دعم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، فهي تعمل في المعامل والمكاتب والحقول، وكرامة الوطن هي من كرامة مواطنيه ومواطناته على حد السواء”.
وأشار سعيّد: “من له الحنين للعودة للوراء، فهو واهم ويلاحق السراب”.وكذلك أضاف: “المواطنون بحاجة إلى علاقة ثقة جديدة بين الحكام والمحكومين”، لافتاً إلى أنَّ “تونس مستمرة بمؤسساتها وليس بالأشخاص الذين يحكمونها”.وقال إنَّ التونسيين “ينتقلون اليوم من ضفة الإحباط لضفة العمل والبناء”.
إذا كان الرئيس التونسي يَتَطَلَّعُ إلى تحقيق أهداف الثورة التونسية – بعد أن استرجع الشارع التونسي مع قيس سعيّد شعارات الثورة وعناوينها ، وأعاد مصطلح “الثورة” للتداول السياسي والاعلامي الرسمي، بعد أن تمّت إزاحته لصالح معاجم “الانتقال الديمقراطي” و”التوافق السياسي” و”المصالحة الوطنية”-،ويُعْلِنُ انتهاء عهد الوصاية، ويُؤَكِّدُ دعمه للقضايا العادلة في مقدمتها القضية الفلسطينية ،ويَعِدُ التونسيين ببناء مشروع سياسي يرتكز على الحرِّية،فإنَّ التحدِّياتِ التي سيواجهها رئيس الدولة التونسية،تبدوجسيمة.
الغنّوشي ورئاسة الحكومة
إنّ أهم تحدِّي سيواجهه الرئيس قيس سعيّد،هو الاختلاف في الانتماء السياسي بينه وبين رئيس الحكومة، الذي سيكون من قيادات حركة النهضة،لا سيما أنَّ الرئيس سعيّد لا يستند إلى حزب سياسي ،ولا تدعمه كتلة برلمانية ، ولم يقدم برنامجًا سياسيًا و اقتصاديًا عمليًا يخوض به غمار السلطة، ويمكّنه من إطلاق مبادراتٍ واقعيةٍ تساهم في تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
منذ أن استلم رئيس الجمهورية قيس سعيّد مهامه في قصر قرطاج،قام بلقاءات ماراثونية مع مع زعماء الأحزاب والشخصيات المستقلة المؤثرة في البرلمان، وقد شملت هذه اللقاءات رئيسي حركة النهضة وحزب قلب تونس والأمين العام لحركة تحيا تونس وقادة أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة المحافظ، وقد تتعدى الأطراف الممثلة في البرلمان، لتشمل المنظمات الوطنية،كالاتحاد العام التونسي للشغل،واتحاد الصناعة والتجارة، الخ.
ومن الواضح أنَّ رئيس الجمهورية يدعو الأطراف السياسية التي لها كتل وازنة في البرلمان إلى تعميق الحوار فيما بينها لكي يتوّج بصياغة برنامج للحكومة القادمة على أن تكون الأخيرة حكومة كفاءاتٍ لا محاصصة حزبية، وفي إطار الالتزام الكامل بمقتضيات الدستور. ويبدو أنَّ الرئيس يمضي بهذه المشاورات باتجاه تشكيل مبادرة رئاسية تتوّج بما أطلق عليه “حكومة الرئيس”، وهذا مقترح لحركة الشعب طبقا للمادة 89 من الدستور، والتي تنص على أن يضطلع رئيس الجمهورية بتكليف شخصية، سياسية ومستقلة وتحظى بالإجماع، بتشكيل الحكومة أمام مؤشرات انسداد أفق تشكيلها،في ضوء مشهد برلماني جديد متكون من فسيفساء من الكتل البرلمانية الضعيفة ، المختلفة فكرياً وإيديولوجيًا إلى حًدِّ التناقض، حيث يلي حزب النهضة حزب “قلب تونس” الذي يترأسه نبيل القروي ، بنحو38 مقعدًا، الذي شاطر النهضة العداء في الانتخابات، علاوةً على احتمالية مُحاكمة القروي، فليس من المحتمل -حالياً على الأقل- أن يكون ثاني أكبر الأحزاب تمثيلاً داخل البرلمان في موقعٍ يسمح له بالعمل مع النهضة.ثم حزب “التيار الديمقراطي” الاجتماعي بـ22 مقعداً، الذي يشترط تمكينه من ثلاث وزارات، الداخلية والعدل والإصلاح الإداري، و حيث تفادى محمد عبو، زعيم “التيار الديمقراطي”، التحالف مع النهضة لأنَّه يرى أنَّ ذلك لا يدعم إقامة دولةٍ “مُحايدة”.و”ائتلاف الكرامة” ذو التوجُّه السلفي بـ21 مقعداً، يليه “الحزب الدستوري الحر” ذي المرجعية البورقيبية ،والذي تقوده المحامية عبير موسى بـ17 مقعداً، ويقعان على أقصى طرفي الطيف الأيديولوجي، لذا لن يبدأ بهما النهضة مُطلقاً في هذا التحالف. ثم “حركة الشعب” ذات المنحى القومي الناصري بنحو16 مقعدًا،والتي أعلنت رفضها المشاركة في حكومة النهضة، وحزب “تحيا تونس” الخاص برئيس الوزراء الأسبق يوسف الشاهد،14مقعدًا،وذلك بالإضافة إلى قائمةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصى من الأحزاب المُستقلة التي دخلت في الصورة.
وبينما يرى الشيخ راشد الغنوشي أنّ من حقّ حركة النهضة أنْ تتولى رئاسة الحكومة، بوصفها الفائزة الأولى وصاحبة الأغلبية (52 مقعدًا)، تجد حركة النهضة نفسها في ظل وضعية التشتت، عاجزةً بمفردها عن تشكيل الحكومة بمنأى عن مبدأ التعايش، والمضي في نسج تحالفاتٍ مع المكونات السياسية الأخرى الأقرب إليها، فحركة النهضة لا يمكنها أن تحكم بمفردها، أي برئيس حكومة منها، لتتحمّل المسؤولية كاملة خمس سنوات.
وفضلاً عن ذلك،فحركة النهضة التي تريد أن تترأس الحكومة الجديدة، وتستفرد بكل لوحة التحكم في المشهد السياسي التونسي، هي لا تمثل سوى خمس الناخب التشريعي و 15% فقط من الناخب الذي شارك في التشريعية والرئاسية ،و12% من جملة التونسيين المسجلين،ما يجعل حركة النهضة ملزمة باعتماد شيء من التواضع تجاه نظرائها من الأحزاب والحركات، وأنها رغم بقائها في المشهد السياسي منذ 2011،فإنَّها في تراجع مطرد،إِذْ إِنَّهَا خَسِرَتْ أكثر من مليون ناخب منذ انتخابات 23أكتوبر 2011، حين حصلت على 89مقعدًا( أي حوالي 1.450000من أصوات الناخبين).
فمقابل تراجع حركة النهضة في الانتخابات التشريعية ، حققت أحزاب أخرى تقدمًا كبيرًا، كالتيارالديمقراطي، وحركة الشعب ،والحزب الدستوري الحر ،وإئتلاف الكرامة، وقلب تونس الذي نال النصيب الأوفر ممن كان يُصَوِّتُ لنداء تونس.فالقول إِنَّ الشعب صَوَّتَ ضد الفساد الذي تحاول حركة النهضة أن تختزله في حركة “قلب تونس”(38مقعدًا) وضد الاستبداد الذي تسعى لأن تلصقه في الحزب الدستوري الحرّ(17مقعدًا) هو قول مجانب للصواب، بل هو تمش أخرق ، فكيف للناخب التونسي أنْ يُبَوِّئَ “الفاسد” ثانيًا و “المستبد” خامسًا بمجموع 55 عضوًا في البرلمان ،متجاوزًا النهضة “النظيفة” (52 عضوًا)! وإذا قاوم التيار الديمقراطي وحركة الشعب وبقية الأحزاب أساليب الترغيب والترهيب التي تعتمدها حركة النهضة تجاههما فستسعى هذه الأخيرة إلى الحكم مَعَ مَنْ تَنْعَتُهُ بِالْفَسَادِ ورُبَّمَا مَنْ تَنْعَتُهُ بِالْإِسْتِبْدَادِ إنْ رَضِيَا عنها وإنْ قَبِلا َالحكم معها.
على نقيض النزعة التفاؤلية لزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي بشأن قدرته على تشكيل الفريق الحكومي، يستشعر رئيس الجمهورية قيس سعيّد حالة الاستعصاء في تشكيل الحكومة الجديدة من قبل حركة النهضة. لذا يسعى رئيس الدولة استغلال الشرعية الشعبية التي حُظِيَ بِهَا ، وأصبحت تُشَكِّلُ له حِزَامًا سِيَاسِيًا قَوِّيًا، وبوصفه الضامن لوحدة الدولة والحامي للدستور، خصوصًا وهو المستقل عن كل التشكيلات السياسية، والآخذ المسافة نفسها منها جميعا ، والذي حَصَدَ من الأصوات لوحده في الانتخابات الرئاسية (حوالي 3ملايين)ما يُضَاهِي ضِعْفَيْ الأصوات في الانتخابات التشريعية،يسعى لطرح مبادرته الرئاسية بهدف الإسراع إلى تشكيل الحكومة الجديدة، لإنقاذ البرلمان من التشتت والتشرذم ،وللبلاد كذلك من سيناريو إعادة الانتخابات. ويقتضي هذا التمشي أنْ تُقَدِّمَ حركة النهضة تنازلات، وأهمها تخلي رئيسها راشد الغنوشي أوغيره من قيادات النهضة عن رئاسة الحكومة، على الرغم من أنَّهُ حَقَّهَا الدُسْتُورِي ومَحَلَّ إِجْمَاعٍ من مجلس شورى الحركة.
وإذا فشلت حركة النهضة في الوصول إلى المقعد رقم 109 السِحْرِي للفوز بالأغلبية في البرلمان ،حيث أنّ عدد النواب في البرلمان التونسي يصل إلى 217 نائبَا، فإنَّ رئيس الدولة، في هذه الحالة، سيكون مُجْبَرًا على تكليف شخصية وطنية من اختياره بتشكيل الحكومة.وإذا فشل هذا الأخير في تشكيل الحكومة في مدة لا تتجاوز الشهرين، فإنَّ رئيس الجمهورية ووفقًا للدستور التونسي، سوف يدعو آنذاك إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
قيس سعيّد والدفاع عن السيادة الوطنية
ويتعلق بمسألة إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية،لا سيما أنَّ الدولة التونسية منذ الاستقلال نشأت في أحضان العولمة الرأسمالية منذ يومها الأول ولا تزال تترعرع أوتنهار تحت رعايتها حتى هذه الساعة، أي في زمن العولمة الأمريكية الليبرالية المتوحشة.من هنا لا يمكن النظر إلى الدولة الوطنية التونسية كعضوية قائمة بذاتها بل كوحدة مشروطة بوظيفتها كموقع في شبكة الحقل السيادي الرأسمالي العالمي بقيادة الدول الغربية الأمريكية والأوروبية الوارث التاريخي للحقل التاريخي الإسلامي.وهكذا ، فإنَّ سيادة الدولة الوطنية التونسية خاضعة للحقل السيادي الرأسمالي الأوروبي-الأمريكي. ومن هنا يأتي التباس معنى السيادة الوطنية كتعبير عن “الأزمة الشرعية”للدولة الوطنية التونسية كتكوين سياسي محكوم بالبحث الدائم عن إخفاء معالم شرعيته التاريخية.
والسؤال المطروح تونسيًا وعربيًا ،هل يمتلك الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد استراتيجية وطنية وفكر سياسي راديكالي لتحويل الدولة الوطنية التونسية من موقع خاضع للسيادة الرأسمالية الأوروبية -الأمريكية إلى موقع متمرد على هذه السيادة،وإعادة فتح الحقل التاريخي العربي المقاوم للمشروع الإمبريالي الأمريكي والمشروع الصهيوني ،لا سيما أنَّ إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية في تونس هو التحول إلى ثورة وطنية جذرية قادرة على التحرروالانعتاق كُلِّيًا من الحقل السيادي للهيمنة الغربية الأوروبية والأمريكية.
في الواقع لا يمتلك الرئيس الجديد برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ، ما عدا كلمة “أنَّنِي لا أَبِيعُ وَهْمًا” وهي كلمة عاطفية جدًّا تَدْخُلُ في وِجْدَانِ الشَعْبِ، بِفِعْلِ ما عاناه المواطن من إِحْبَاطٍ جرّاءِبيع الوعود،بل و من جهة أخرى يَدْخُلُ في الْمَحْظُورِوَفِي الْوُعُودِ عندما يعترف بكل الاتفاقيات، و لا سيما اتفاقية الآليكَا() التي تشترط الاعتراف بدولة “اسرائيل”. فهل اطلع الرئيس الجديد على تلكم الاتفاقية؟.
فلسطينيّة الرئيس سعيّد
لقد عبَرَّتْ الثورة التونسية عن موقفها من التطبيع مع الكيان الصهيوني ، والمتمثل في تجريم التطبيع كفصل ثابت في الدستور التونسي، لكن الطرف السياسي الذي رفض تنصيص ذلك هوحركة النهضة.وإذا كان الشعب التونسي يُحَيِّي الموقف الإيجابي لرئيس الجمهورية من التطبيع بوصفه”خيانة قومية”،فإنَّ الموقف الوطني والقومي الحقيقي المعبر عن حقيقة الثورة التونسية، يجب أن يكون في اعتبار اتفاق أوسلو الموقع في 13سبتمبر 1993بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الحكومة الصهيونية آنذاك إسحاق رابين ، بمنزلة صفقة القرن الحقيقية التي قادت إلى تصفية القضية الفلسطينية.
من الواضح أنّ الرئيس قيس سعيّد يستفيد كثيرا من غياب طرح القضية الفلسطينيةعن الخطاب الرسمي العربي، إذ لم تعد فلسطين تتمثل أولويةً في الأجندات العربية منذ اندلاع “ربيع الثورات العربية”.
إنَّ هذا يطرح على الرئيس التونسي الجديد في إطار رؤيته للقضية المركزية العربية الأولى قضية فلسطين، أن يربط علاقة التحرير للأرض السليبة فلسطين ببناء مقاومة عربية تحمل في سيرورتها التاريخية مشروعًا عربيًا فكريًا و سياسيًا وثقافيًا، يضع تحرير فلسطين كمهمة قومية وإسلامية ،وعليه أن يضع التحريرفي موقعه من مهمات المشروع القومي الديمقراطي التحرري ، باعتباره هدفاً رئيساً،لا يعلو عليه أي من الهدفين الآخرين، تحقيق الوحدة القومية، و بناء الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث بالتلازم مع بناء دولة الحق و القانون، من حيث الأهمية. إذ إنَّ هذه الأهداف الثلاثة مترابطة عضوياً، بصرف النظر عن الأولويات التراتبية التي يحتلها أي منها في ظل تضاريس الجغرافيا الطبيعية والبشرية، والتاريخية والاستراتيجية للمنطقة العربية.
خاتمة: الناخبون التونسيون انتخبوا الرئيس قيس سعيّد لرئاسة الدولة التونسية، ولتحمل مسؤولية قيادة البلاد ،وهو يدرك من دون شك جسامة هذه المسؤولية، ويعي جيّدًا أنَّ وضع البلاد لا يحتمل التردّد ولا يقبل السقوط في لعبة المراوغات والحسابات السياسوية الضيّقة، بل هو يفرض النهوض لتونس والالتزام بتحقيق مطالب شعبها دون إبطاء ولا إضاعة وقت.
وهذا يقتضي أن تكون الحكومة الجديدة حكومة تشاركية تستند إلى برنامج وطني يقوم على بلورة أنموذج جديد للتنمية المستقلة،ومحاربة الفساد ،وإعلاء قيم العدل والمساواة والانتصار لقضايا الحقّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى