3 قصص قصيرة جدا

1- لحم الضان البلدي
يتكئ على مسند خاص حمله خصيصا للرحلة، او يشرب الماء بجرعات قليلة، يراقب الزهور، ويطارد العصافير بنظراته، لكن عينيه لا تغادران صدر الشابة المتلهفة، طال حديثهما، وتلته الضحكات والنكات وبعض اللمس والمداعبة، نهض يلملم عباءته فجأة وهو يلهث، مسّـد لحيته الطويلة ناعمة الملمس ثم حمد الله على الوقت الجميل، والحسناء بدا عليها الحيرة تفكر في وعود الشيخ السابقة، قالت له
الفضاء من حولنا بهي فسيح، وأعرف أنكم تحبون العاجلة يا مشايخنا، وها أنا أحتمل خشونة الفراش الخفيف في الخلاء إسعادا لك، على أمل أن نتبتل في محرابك.يا (سيدنا الشيخ)، قهقه وهو يمسك بيدها في حزم ويجذبها، ثم مشى صوب سيارته الفارهة قائلا، حان وقت غدائي، سأسرع للمطعم الكبير، أجابته، الفلوس الكثيرة التي اعطيتني اشتريت بها أطعمة كثيرة وخفيفة على المعدة، حتى يطول بقاؤنا ونستمتع في رحلة الشوق التي طالما منيتني بها؟ وها نحن وحدنا بين الزهور والأعشاب والطيورالبرية كما كنت تريد؟ خاطبها قائلا، كلي ما شئت مما حملنا، أو خذيها كلها، لاتنفعني اطعمتكم ولا مقوياتكم، كل ما اريده هو التمتع بنظري ولحم الضان البلدي القديد مع ثريد أوعصيد.

 

2- موجودة في كل مكان
سأله الصحفي، يقال أنك تتصرف كالشباب أحيانا، تؤيد البنات وتحرضهن على استقلال الفكر ومواجهة الرجل، فهلا تنبئنا أين وكيف نجدك سيدي؟ أثاره كلام الصحفي، ودّ لو يهمل الردّ، لكنه تذكّر أنه أمام صحفيّ جادّ، يبحث عن الحقيقة ويسعى اليها، يحاول الابتسام، لكنه ظل مقطب الوجه، يتنحنح، وألم في صدره يحزّ، باحثا عن الرد ولو بكلمة واحدة، يرى السيارات المارة كنمل أحمر، مسرع أو يبحث عن جيف، علا منبه إحداها، شعر امرأة لوّحه الهواء خارج النافذة، وفي سيارة أخرى خلفها امرأة في الأربعينات من عمرها، عرفها فصرخ يناديها، تتوقفت السيارة وصوت الفرامل يلفت الانتباه، تقترب من رصيف المشاة، لكنها تعدته بأمتار قليلة، والصحفي ينتظر الرد، تركض الأربعينية صوبه وتلتصق به، تنفرج أسارير وجهه، وهي تحرك يدها على ظهره تدليلا، كثير من المارّة لا يعنيهم الأمر، أستنشق نفسا طويلا، لف ذراعه حول خصرها، ثم ابتعدا تاركاً السائل في حيرته. لكنه فطن أن يقول له (الحياة ألوان وامرأة، وموجودة في كل زمان ومكان)، سمعنا نباح كلب في شارع فرعي.

 

3- يداه تركتا مقود السيارة
سيارته القديمة لاتقوى على مجاراة السيارات الأحدث، وصيانتها مكلفة. يتمنى أن يظل ترخيصها سارٍ لأعوام طويلة قادمة، وليتها تظل مفيدة حين يحتاجها مثل اليوم، يريد الاقتراب، لكنه يقود سيارته القديمة، الثرثرة ترافقها الضحكات المتواصلة، لابد من تجاوب صادق على ذاك النبع الرقراق قربه، ولماذا لا يدلل نفسه وصديقته الخمسينية مثل الدنمركيين؟ شاهد الدنمركيين في بلدهم، يدللون انفسهم وحبيباتهم بالشوكولاتة في أجواء البرد ويتحاضنون، لا يتمنى أن تنتهي، يقضمها قليلا قليلا، ومع كل قضمة لمسة فإجفالة فضحكة. قال لنفسه، أخالف نصائح الطب وأدلّل نفسي هذا المساء، بل اعتبر ذلك إرضاء لها، لأنها كانت في رسالتها السابقة نبعا متدفقاً، أثمر رحلة اليوم، مع اختراق العطر لحواسّه إنهزمت أرومة القهوة والشوكولاتة التي نحملها، أغرق العطر روحه فتوقفت السيارة، وتغيرت مواقع يديه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى