واشنطن – شكل اعتراف الكونغرس بإبادة تركيا للأرمن “صفعة” أميركية للرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه ضغوطا دولية متصاعدة بشأن سياساته في المنطقة. كما قد يفتح الباب أمام شكاوى أرمنية للمطالبة بتعويضات كبرى يمكن أن يتم تحصيلها من حسابات تركية في الولايات المتحدة ودول أوروبية، حيث يوجد لوبي أرمني قوي.
وتخشى أنقرة من أن يؤدي القانون الأميركي بشأن الإبادة الأرمنية إلى إطلاق عملية قانونية دولية تقوم بموجبها منظمة الأمم المتحدة بفرض عقوبات على الحكومة التركية، وتطالبها بتعويضات كما حصل مع ألمانيا في قضية الهولوكست الذي تعرض له اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.
وسارع أردوغان لانتقاد القرار ووصفه بأنه “لا قيمة له” و”أكبر إهانة” للشعب التركي.
وقال إن تصويت مجلس النواب كان مسيّسا، ملمّحا إلى أن البرلمان التركي سيطرح قرارا مضادا.
واستدعت تركيا السفير الأميركي بسبب قرار الكونغرس، امس الاول الثلاثاء.
وأثار القرار ضجيجا داخل الطبقة السياسية الأميركية، حتى في المعسكر الجمهوري الحاضن للرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، الذي هدد بعضه بفرض عقوبات “جهنمية” على تركيا وقادتها.
وفي أعقاب التصويت على الإبادة الجماعية للأرمن، اعتمد مجلس النواب، الثلاثاء، بالإجماع تقريبا قانونا ينص على فرض عقوبات على المسؤولين الأتراك بشأن ما يتعلق بالهجوم على شمال سوريا.
لكن القانون لا يزال يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ ليصبح فعالا وهو ما يستبعد مراقبون حدوثه.
ويفاقم اعتراف مجلس النواب الأميركي بإبادة الأرمن، من قبل الدولة العثمانية أوائل القرن الماضي، التوتر في العلاقات التركية مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة.
ويعد تصويت مجلس النواب الأميركي تطورا نوعيا لمواقف الولايات المتحدة التاريخية المتعلقة بهذا الملف، ففي عامي 1975 و1984، أصدر مجلس النواب قرارات تذكارية باستخدام مصطلح “الإبادة الجماعية”.
وفي عام 1981 استخدم الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان مصطلح الإبادة الجماعية. لكن علامات الاعتراف هذه لم ترق أبدا إلى المستويات السياسية العليا.
وينضم مجلس النواب الأميركي بهذا القرار إلى مجموعة من البرلمانات الغربية التي اعترفت الواحدة تلو الأخرى بالإبادة الأرمنية، وجاء هذا الاعتراف دائما على خلفية توتر سياسي مع نظام أردوغان.
وترى أوساط متخصصة في الشؤون التركية أن أنقرة لطالما ارتاحت للموقف الأميركي الرافض للانضمام إلى الدول التي اعترفت بالإبادة الأرمنية واعتبرت أن غياب الموقف الأميركي الداعم لرواية الأرمن يبقي قرار البرلمانات الغربية التي اعترفت بالإبادة رمزيا ولا يرقى إلى مستويات مقلقة.
وتضيف الأوساط أن تصويت مجلس النواب الأميركي يعمق الهوة بين تركيا والعالم الغربي ويكثف قناعة لدى العواصم الغربية بأن خيارات تركيا الجيوسياسية في السنوات الأخيرة سيخرجها من منظومة التحالف مع الغرب نهائيا.
وتختلف روايات المؤرخين حول ما جرى أثناء الحرب العالمية الأولى بين من يعتبر أن الضحايا الأرمن سقطوا بسبب الحروب التي شهدتها المنطقة وتلك التي تصارع فيها الأرمن مع قوميات أخرى تحت سقف السلطنة العثمانية، ومن اعتبر أن الأرمن تعرضوا لإبادة ممنهجة هدفها تنفيذ تطهير عرقي بسبب ما اعتبرته الدولة العثمانية آنذاك خيانة ارتكبها الأرمن لصالح روسيا.
وعلى الرغم من أن الأمر قديم تجاوزته التحولات الكبرى في العالم، بحيث سقطت السلطنة العثمانية وسقطت روسيا القيصرية وباتت للأرمن دولة مستقلة، فيما الأرمن الذين فروا من المجزرة باتوا مواطني دول أخرى في المنطقة والعالم يتمتعون بحقوق سياسية كاملة، إلا أن هذا الجدل ما زال يؤرق الدولة التركية وما زال الأرمن يحيون في العالم ذكرى تلك الإبادة ويطالبون العالم بالاعتراف بها وتأثيم الدولة التركية الحالية عما ارتكبته الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن.
ويأتي هذا التصويت في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، المتحالفة مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) اضطرابات جديدة.
كما تشهد العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي توترا متناميا على خلفية برودة الاتحاد الأوروبي في قبول عضوية تركيا داخل النادي الأوروبي، وعلى خلفية مواصلة أردوغان التهديد بفتح أبواب الهجرة أمام الملايين من اللاجئين باتجاه الشواطئ الأوروبية.
وصوت مجلس النواب الأميركي على قانون الاعتراف بالإبادة الأرمينية بعد أيام من قرار دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا شمال سوريا، ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر أميركي أتاح للأتراك شن حملة عسكرية استهدفت المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
ويتضارب موقف الكونغرس مع موقف البيت الأبيض في مقاربة العلاقة مع تركيا. وفيما يعتبر المراقبون الأميركيون أن شراء تركيا لمنظومة صواريخ أس-400 الروسية يتناقض مع عضوية تركيا للحلف الأطلسي ولا يتسق عسكريا مع المنظومة العسكرية التي تعمل وفق قواعدها دول الناتو، سعى ترامب إلى إبداء تفهم لموقف أردوغان متهما إدارة سلفه باراك أوباما بأنها أهملت طلبات تركيا لشراء منظومة باتريوت الأميركية ما اضطر أنقرة للبحث عن بدائل وجدتها في المنظومة الصاروخية الروسية المنافسة.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد عبرت عن رفضها للتفاهمات التي عقدت بين الرئيسين ترامب وأردوغان والتي أسست للحملة العسكرية التي شنتها تركيا في شمال شرق سوريا وأكدت حرصها وتمسكها بحماية الأكراد والحفاظ على التحالف معهم في معركة مكافحة الإرهاب.
وذهبت وزيرة الدفاع الألمانية إلى اقتراح إنشاء منطقة آمنة دولية تشارك فيها تركيا وروسيا وتكون تحت إشراف دولي لوقف الأعمال الحربية وحماية المدنيين.
وعلى الرغم من ضبابية الاقتراح الألماني وتسببه في إشعال جدل داخل ألمانيا كما داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لم يرفض من قبل روسيا والولايات المتحدة على نحو يؤشر إلى احتمال وضع بنى تحتية لحضور دولي توافق عليه موسكو لتقليص حضور تركيا العسكري في الشمال السوري.