في الغَضْبة اللبنانية

منذ أن تناهشوا بلاد الشام، وعمل مبضع سايكسبيكو فعائله في جسدها لتقاسمها وبتر فلسطينها منها، اقتطعوا لبنانها من سوريته، وأوثقوه بقيد الطائفيَّة.. اسلموه رهينةً لبلوى التقاسم الطوائفي والمذهبي ومن ثم فريسةً لتناحر أطرافه التحاصصي على كعكته المقتطعة..
ومن حينه ظلّت سلاسلها البغيضة تصدأ وتغلظ وتتغوُّل ولا تنكسر.. استديمت موئلاً لانعزالية كامنة وعميلة، ومرتع فساد نهمٍ لا يشبع وإفساد بات من طبيعة حكمٍ وبالضرورة ملازم له.. ظلت سلاسلها المزمنة ملخَّصاً لأعراض الوجع اللبناني الدائم، وكلمة السر في تعاقب مواسم احترابات اللبنانيين الأهلية شبه الدورية.
الآن، لبنان يعيش لحظة انطفاح كيل الغضب الشعبي، وهذه هي اللحظة التي ترهص بالولوج إلى حيث فرصة الانفلات من قبضة الطائفية سبيلاً للخلاص المأمول وتحقيق ما يخرج اللبنانيون للشوارع والساحات من أجله اليوم وبه تهتف الآن حناجرهم، والأمة كل الأمة مشدودة إلى تلكم الشوارع والساحات تباركها وواضعةً يدها على قلبها، لأنها ترى نفسها فيهم، ولأنها كما باهت اعدائها بالمقاومة اللبنانية تباهيهم الآن بالانتفاضة اللبنانية..
.. وعلية،
حذارِ حذارِ، فجبهة الأعداء خارجاً وداخلا، ومن أول لحظة في اندلاعها، لا ينفكون، وكعادتهم أزاء كل ما كان من غضْبات أمتنا اللواتي سبقنها، يحومون حول حماها للاندساس بخبث في صفوفها محاولين ركوب موجتها.. لبنان الآتي لا قيامة له بلا مقاومتة وانتفاضته معاً، وهما الكفيلتان، ومعاً، بالنفاذ من تحت نير وبال الطائفية القاتلة.
.. لاعلاج لداء المحاصصة، وخلاص من وجعها المزمن، وتسلُّط بارونات الطوائف، وفساد يعي اللبنانيون أنه من طبيعة التحاصص وعقابيله، سوى باغتنام لحظة هذه الفرصة اللبنانية الهادرة للتخلُّص من سلاسل الطائفية وصدأ المذهبية.. وِحْدة الوجع الغضْبى هذه، عليها الآن أن تصنع المواطنة وأن تنحِّ كل ما عداها توطئةً لدفنه.
هذا في الآني الأقرب، أما إن شئنا الآتي الأبعد، فلا غد للبنان بدون عودته لسوريته، ولا لسورية الصغرى بدون استعادة الكبرى، والتئام شام الأمة مع عراقها على درب وحدتها من محيطها إلى خليجها واستعادة فلسطينها، باعتبارهما، الوحدة والاستعادة، ضرورة وجود وشرطاً لازباً لانعتاقها ونهوضها وإعادة الاعتبار لتاريخها ودورها الحضاري في عالم لا يرحم ضعيفاً..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى