المصارحه قبل المصالحة

 

تعالوا نتفق اولا بان لدينا في الاردن ازمة…؟
وعلينا جميعا ان نقر بالثوابت التالية للدولة الاردنيه قبل البدء في تشخيص ماكان في الاصل من واقع قائم منذ تأسيس كياننا السياسي عام 1921 وحتى رحيل الملك الحسين ( طيب الله ثراه ) والواقع المازوم في بلدنا حاليا.
اولا – ان الدوله بنظامها وشكلها الدستوري – نيابي ملكي وراثي – هي صاحبة الشرعية وان الشعب هو مصدر السلطات الثلاث وان الكرامة هي للمواطن وان الدولة بسلطاتها الثلاث وجدت اصلاً لخدمة المواطن وليس استعباده.

مع فهم هذه الثوابت، علينا ايضا ان نعي بان استقرار وامن هذا الوطن كان في الماضي القريب يقع ضمن مجموعة من العناصر –وان كل عنصر من هذه العناصر يصلب الاخر ويجذره واقعا مشهودا – كما ولايمكن الاستغناء عنه واستبعاده تحت اي ظرف من الظروف.. واول هذه العناصر هي مؤسسة العرش و شخص جلالة الملك والاسرة الهاشميه- وهي صاحبة الامارة وصاحبة الشرعية الدينيه والتاريخيه والانجاز وشرعيةالمبايعة الطوعيه من الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب الاردني من شتى المنابت والاصول-

اما العنصر الثاني، فهم العشائر والعائلات الاردنيه، فهم اس المعادلة وهم المقام في خدمة الدولة وهم مصدر اعتزاز القيادة وتقديرها وهم قبل هذا وذاك المكون الاساس من مكونات الدوله –

اما العنصر الثالث، فهي القوات المسلحة والاجهزة الامنية بكافة فروعها ومسمياتها المختلفه – فهي مصدر اعتزاز كل مواطن ومحط رعاية قائدها الاعلى، حيث وجدت لحماية الوطن من كيد العاديات وتوفير الامن والطمانينه للمواطن وتقف على مسافة واحدة من الجميع بعيدة عن تأثيرات الساسة والسياسة وتقلباتها –

اما العنصر الرابع، فهي المؤسسة الدينيه بشقيها الاسلامي والمسيحي- فهي مصدر اعتزازنا ومصدر تعزيز السلم المدني وتحظى برعاية كريمه ودعم قائد الوطن نظرا لدورها في خدمة الصالح العام والسلم الاجتماعي.

اما العنصر الخامس في تعزيزالاستقرار، فهو البعد الجغرافي شبه المتوازن في التوظيف والترقيه والجهود المبذوله من اجل تحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسيه على كافة مناطق الدوله ما امكن لذلك سبيلا.

اما العنصر السادس من عوامل الاستقرار في هذا الوطن، فهو ان النظام السياسي يغلب علية روح التعامل الابوي مع الشعب والتسامح والتعاون واخلاق الاسرة الواحدة الموحدة، وهو ارث الاسرة الهاشمية في التعامل مع افراد المجتمع وليس مجرد عمل اني او عابر بل هو ارث متوارث في نهج الحكم – و الكل يستذكر كلمات المغفور له باذن الله الحسين الباني لهذا الوطن عندما كان يوجه خطابه للامه في كل المناسبات – كانت كلمة الاسرة الاردنيه – هي التى تطغى على كلماته، وهذا لايأتي من فراغ بل يأتي من فهم عميق و متجذر في التعامل مع افراد الشعب الاردني و من عميق الاحساس بمشاعرو نبض الاسرة الواحدة الموحدة.

لهذا و من فهم لهذه الثوابت والمرتكزات التي بنية عليها الدولة الاردنيه وعناصر الاستقرارفيها سالفة الذكر ، فان مثلث الحكم بقي ثابتاً وراسخ الجذور – الامارة والادارة العامة بشقيها المدني والعسكري, والبارة ( قطاع الاعمال والتجارة ). وكان تحالف الامارة دائما مع الادارة العامة, فرجال الادارة العامة من عاملين ومتقاعدين هم القاعدة العريضة التي يرتكز عليها الاستقرار العام للدولة – ولكن من خلال التشخيص الموضوعي علينا ان نشير الى ان مثلث الحكم شابه بعض التغيير بصورة مباشرة حيث تم تحالف الامارة مع البارة ( رجال الاعمال والتجارة ) فاختل توازن الاستقرار وبدأت الازمات تطفو على السطح من خلال تململات واصوات خافته هنا وهناك، الى ان جاء بيان المتقاعدين العسكريين الاول، هذا البيان الذي صدر من اناس هم اساس الاستقرار المجتمعي والسلم المدني ..هذا البيان كان رسالة هامة لم يتم التقاطها وتحليلها ودراستها بشكل جدي، لهذا ترك بل و اهمل وبدأ التشكيك في دوافعه ولم يؤخذ على محمل الجد و دافع الغيرة على هذا الوطن وصدقية الطرح، كون من قام عليه رجال وطن قدموا زهرة شبابهم في خدمته والاخلاص لثراه ولقيادته العليا وجربوا في احلك الظروف، وكان كل واحد منهم يمثل الوطن بكافة اطيافه ومكوناته واماله وتطلعاته العليا, ولاءً واخلاصا وتفانيا.

بعد ذلك جاءت موجات مايسمى بالربيع العربي والديمقراطي، وبدأ معها ظهور تنمر وتطاول على الدولة ومؤسسة العرش معا، وعدم ثقة بالحكومات المتعاقبه ومؤسسات الدولة ومجلس الامه بشقيه الاعيان والنواب. والاهتزاز في منظومة القيم والاخلاق العربية والاسلامية السمحه، و انتشارالفساد بانواعه واشكاله المختلفه وهيمنة الاشاعة والنميمة المغرضه لخدمة اغراض سياسيه واقتصاديه واجتماعيه بشكل واسع دون وجود مصدر رسمي يفندها ويدحضها في العلن وعبر وسائل الاعلام المتوفره، وتفشي ظاهرة الفقر و البطاله بشكل غير مسبوق و التهميش لمناطق ومجموعات داخل الوطن، و انتشار ظاهرة العنف المجتمعي بشكل ملفت للنظر و ضبابية مفهوم المواطنه وترهل في العمل الاداري والتنفيذي، وارتفعت اصوات الهويات الفرعية على الهوية الجامعة للوطن، وغاب رجالات الدولة عن المشهد واصبح الوطن لابواكي عليه، واصبح المواطن من جراء الاعلام المضلل كجسم بلا راس او قل كجسم له رؤوس كثيرة، فالجسم الذي له راس حيران لايهتدي سبيلا، والجسم الذي له رؤوس كثيرة كذلك حيران لايدري اي راس يتبع او يصدق او يتعامل معه – وزيف وعي المواطن والمجتمع معا من عديمي الضمير والاخلاق، همهم الاوحد هو خدمة صاحب المال والذي يدفع اكثر، ثم جاء حراك المعلمين الذي هز كيان الوطن من خلال ارتداداته العامودية والافقية، وظهر مدى هشاشة مؤسسات الدولة التنفيذية.. وامام هذا المشهد العام جاءت رسالة جلالة الملكة لكي تزيد من تعقيد المشهد الاردني ، وبرز ذلك من خلال انشطار المجتمع بين مؤيد ومخالف وهذا الحدث لم نشهد له صورة في تاريخ الدولة الاردنية لا قديما ولا حديثا .

اننا ومن باب الحرص على مصلحة الوطن العليا التي هي فوق كل اعتبار ذاتي او منفعي, نرفع الان شعار – المصارحة قبل المصالحة – فلنبدا من خلال الكلمة الصادقة الجريئة لوضع النقاط على الحروف وذلك من خلال :-

تشكيل لجنة عليا من اصحاب الكفاءات المشهود لهم بالموضوعية وصدق الانتماء والولاء للدولة الاردنية، وهم كثر، للتحضير لعقد موتمر وطني لكافة مكونات الطيف الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي لتضع النقاط على الحروف لكل صغيرة وكبيرة ساهمت في هذا المشهد المأزوم للدولة الاردنية، ووضع الحلول المناسبة لذلك، ومحاسبة كل فاسد وكل من ساهم في هدر المال العام والاثراء على قوت المواطن والوطن امام محكمة عادلة لهذه القضايا – من اجل تجديد الذات وتصحيح المسار للنهوض في وطننا نحو معارج التقدم والازهار بهدف الولوج الى القرن القادم اكثر قوة ومنعة واعتمادا على الذات.. فالمصارحة والمصالحة هي خيار الامة.
بعد فهمنا وادراكنا لهذه المشاكل فان الحل بسيط وغير معقد- اللهم اذا توفرت الارادة السياسية في ايجاد حلول عادله ومنصفة للجميع و الراغبة من الجميع في ان يعود الاستقرار والطمانينه ليخيما على البيت الاردني.

ان عقد مؤتمر او ورشات عمل تناقش فيها كل الطروحات بكل شفافيه ومصداقيه وبدون مجامله، والاتفاق على حلول واليات تنفيذ وجداول زمنيه محدده ومبرمجه، هو الطريق الامثل للخروج من هذا الواقع المأزوم الى انفراج يعم الوطن ويحقق رضا المواطن في ان واحد .- فهل نحن فاعلون؟ … نأمل ذلك.

البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى