هدوء حذر بعد ليلة مواجهات في بيروت واستمرار قطع الطرقات وقفل المصارف لليوم الثاني

 

بعد ليلة من المواجهات بين قوى الأمن اللبنانية والمتظاهرين المطالبين برحيل الطبقة السياسية كاملةً في معظم المناطق اللبنانية عامةً وفي وسط العاصمة بيروت خصوصاً، حيث تحركت عناصر مكافحة الشغب لاخلاء ساحة رياض الصلح من الشبان الذين ردوا برشق الحجارة، يسود هدوء حذر الشوارع اليوم السبت في ما يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة، في وقت أعلنت جمعية المصارف استمرار إغلاق البنوك اللبنانية لليوم الثاني على التوالي.
وذكرت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات التي استؤنفت مساء الجمعة، بعد كلمتَي وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري، أن فترة الـ72 ساعة التي حدّدها الأخير، لن تأتي بمعجزة، بل أقصى ما يمكن الوصول اليه هو بلوغ “حل ترقيعي”، يجري التداول به، ومفاده أن يعلن التيار الوطني الحر موافقته على إحالة مشروع موازنة العام 2020 الى المجلس النيابي بمضمون رقمي يحدّد الواردات والنفقات، ومن دون أن يقترن المشروع بالاصلاحات، على أن تأتي سلّة الاصلاحات عبر مشاريع قوانين على حدة، تُحال الى البرلمان في أوقات لاحقة.

مسلحون ضد المتظاهرين

في موازاة ذلك، بثّ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعية مقاطع فيديو تظهر عودة المتظاهرين إلى وسط بيروت بأعداد كبيرة نسبياً مع ساعات الفجر الأولى من دون تسجيل احتكاكات مع قوات الأمن والجيش، بينما كانت ساعات الليل شهدت سقوط جرحى في مناوشات. وتناقل الناشطون مقاطع مصوّرة لمسلحين بلباس مدني ينزلون لفتح إحدى الطرق التي قيل إنها في جنوب البلاد شاهرين بنادقهم بوجه متظاهرين عُزل.

طرق مقطوعة

وأعلنت إذاعة صوت لبنان ان الطريق السريع (الأوتوستراد) مقطوع في مناطق جبيل والعقيبة وعند مفرق غزير بعد “كازينو لبنان”، كذلك في أدونيس قبالة محلات الحلويات. ولفتت الإذاعة إلى وجود بعض العوائق وآثار الإطارات المشتعلة في منطقة الدورة ذات الكثافة السكانية العالية الواقعة شمال بيروت.
من جهتها، أعلنت غرفة التحكم المروري عبر حسابها على تويتر ليلاً أنه تم فتح اوتوستراد عدلون محلة ابو الاسود بالاتجاهين، والطريق عند ساحة الدكوانة، شمال بيروت أيضاً.
وكانت غرفة التحكم المروري أفادت ليل الجمعة – السبت أن معظم الطرقات التي كانت قُطعت لم تُفتح بعد سوى في وسط بيروت ورياض الصلح، حيث جرت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن وسُجل سقوط عشرات الجرحى في صفوف الطرفين.
وبينما أطلقت القوى الأمنية الرصاص المطاط وقنابل مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، أطلق هؤلاء المفرقعات تجاه عناصر القوى الأمنية.
وأعلنت قوى الأمن الداخلي أنها أوقفت 70 شخصاً خلال قيامهم بـ”أعمال تخريب واشعال حرائق وسرقة في وسط بيروت ويجري حالياً توزيعهم على القطعات المختصة لإجراء المقتضى بناءً على إشارة القضاء”، مشيرةً إلى ارتفاع عدد الجرحى من عناصرها إلى 52.
كما أفاد الصليب الأحمر اللبناني بأن فرقه عالجت 160 شخصاً أصيبوا في الاحتجاجات منذ مساء الخميس.
وكان الجيش أوقف اثنين من مرافقي النائب السابق مصباح الأحدب بعدما أطلقوا النار على المتظاهرين في عاصمة شمال لبنان، طرابلس، متسببين بقتل شاب وجرح 3 آخرين على الأقل.

 

حبس أنفاس

في غضون ذلك، يحبس لبنان أنفاسه بعدما أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري عن منحه مهلة 72 ساعة لشركائه في الحكومة لتقديم “حل واضح (للأزمة) يقنعنا ويقنع الشارع والشركاء الدوليين” أو “يكون لي كلام آخر”، وذلك بعد مرور 24 ساعة على انطلاق التحركات الاحتجاجية في مختلف المناطق اللبنانية، في حين رد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل موقف الحريري، ونقلت أوساطه عنه قوله “ولماذا الانتظار 72 ساعة؟”.
وكان المحتجون استعاضوا عن التظاهرة الكبيرة التي فرقتها القوى الأمنية من قلب العاصمة بتظاهرات ليلية متفرقة تجوب في كل المناطق. وفي بعض الأماكن نصب الشبان الخيم في وسط الطرق، وأقام آخرون حفلات غناء وأناشيد وطنية.
حركة عابرة للطوائف

ويشارك في أكبر احتجاجات يشهدها لبنان منذ سنوات عامة الشعب من مختلف الطوائف والمناطق، في ظاهرو قد تكون غير مسبوقة لناحية اختراق تلك التظاهرات الحواجز المذهبية والمناطقية بين اللبنانيين. ورفع المحتجون لافتات وهتفوا بشعارات تطالب حكومة الحريري بالاستقالة وسقوط كل الطقم السياسي الحاكم، كما كان لافتاً غياب الشعارات والأعلام الحزبية من الشارع، إذ رفع المتظاهرون في كل المناطق الأعلام الوطنية اللبنانية.
وخرجت جموع من المحتجين في القرى والبلدات في جنوب وشمال وشرق لبنان وكذلك العاصمة بيروت ووجهوا انتقادات لكل الزعماء السياسيين مسلمين ومسيحيين دون استثناء.
وهتف المحتجون في أنحاء البلاد ضد كبار زعماء البلاد ومنهم رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري ورئيس البرلمان نبيه بري وطالبوا باستقالتهم.
وامتزج الغضب والتحدي بالأمل في أجواء الاحتجاجات. ومع حلول الليل نظمت حشود تلوح بالعلم اللبناني مسيرات ومواكب سيّارة عبر الشوارع على وقع الأغنيات الوطنية من مكبرات الصوت وهم يهتفون بشعارات تطالب بإسقاط النظام.
أسباب الفساد

وكان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، حذّر يوم الجمعة من القصر الرئاسي في بعبدا، الحكومة من مغبة فرض أي ضرائب جديدة، مطالباً إياها بالعمل على وقف الفساد وتنفيذ إصلاحات طال تأجيلها، منبهاً من أن الاحتجاجات الحاشدة قد تؤدي إلى فتنة.
وقال باسيل “ما يحصل قد يكون فرصة كما يمكن أن يتحول إلى كارثة… ويدخلنا بالفوضى والفتنة”.
وفي رده على دعوات المحتجين لاستقالة الحكومة، قال وزير الخارجية إن “البديل عن الحكومة الحالية هو ضباب وقد يكون اسوأ بكثير… الخيار الآخر هو الفوضى بالشارع وصولاً إلى الفتنة”.
واندلعت أحدث موجة توتر في لبنان بفعل تراكم الغضب بسبب معدل التضخم واقتراحات فرض ضريبة جديدة وارتفاع تكلفة المعيشة.
وفي خطوة غير مسبوقة هاجم محتجون ينتمون إلى الطائفة الشيعية مقرات نوابهم من حركة أمل في جنوب لبنان.

شقير والـ “واتساب”

وفي محاولة مشبوهة لزيادة الإيرادات، نُقل عن وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير يوم الخميس، خططاً لفرض رسوم جديدة قيمتها 20 سنتاً يومياً على المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت الذي تستخدمه تطبيقات مثل “واتساب” المملوك لـ”فيسبوك”. لكن مع انتشار الاحتجاجات ظهر وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير في وسائل إعلام مساء الخميس وقال إن الحكومة سحبت الرسوم المقترحة.
وفي بلد تحكمه حسابات طائفية منذ أمد بعيد يلقي النطاق الجغرافي الواسع على نحو غير مألوف للاحتجاجات، الضوء على تفاقم الغضب بين اللبنانيين. وفشلت الحكومة التي تضم كل الأحزاب تقريباً في تطبيق إصلاحات ضرورية لحل الأزمة.
وضغط حلفاء أجانب على الحريري لإجراء إصلاحات تعهد بها منذ وقت طويل، لكنها لم تتم أبداً بسبب مصالح شخصية.
ويعاني لبنان، الذي شهد حربا بين عامي 1975 و1990، من أحد أعلى معدلات الدين العام في العالم بالنسبة لحجم الاقتصاد. وتضرر النمو الاقتصادي بسبب النزاعات وعدم الاستقرار في المنطقة. وبلغ معدل البطالة بين الشباب أقل من 35 سنة 37 في المئة.
واستغل ساسة من مختلف الطوائف، معظمهم من المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب الأهلية، موارد الدولة لمصالحهم السياسية الشخصية، ويمانعون اليوم في التنازل عن مكتسباتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى