الجيش العربي السوري في مواجهة الاحتلال التركي

بعد أن استباحت قوات الاحتلال التركي ومرتزقتها من التنظيمات الإرهابية مناطق الشمال الشرقي من سورية ،باستهدافها عدد من قرى وبلدات الريف الشمالي في الحسكة والرقة بسلاحي المدفعية والطيران ما تسبب بنزوح السكان هربا من الاعتداءات الوحشية .
أكملت وحدات الجيش العربي السوري انتشارها في مدينة منبج ومحيطها بالريف الشمالي الشرقي لمحافظة حلب وبلدة عين عيسى ومدينة الطبقة ومطارها العسكري بمحافظة الرقة إضافة إلى بلدة تل تمر وصوامع الأغيبش فيها شمال غرب الحسكة وذلك انطلاقاً من واجبه بحماية الوطن والدفاع عنه في مواجهة العدوان التركي ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية، في حين شهدت مدينة الرقة تجمعات شعبية ومسيرات طافت شوارعها ترحيباً بقدوم الجيش العربي السوري لحماية منطقة الجزيرة من أطماع أردوغان وجرائم مرتزقته.‏‏
الجيش العربي السوري يسيطر على الحدود مع تركيا
دخل الجيش العربي السوري مساء الأربعاء 16أكتوبر 2019، مدينة عين العرب (كوباني) وتمركز في ثلاثة مواقع عند الحدود مع تركيا، وهي تلة كانيه شرق المدينة، والبلدية غرب المدينة، إضافة إلى البوابة في مركز مدينة عين العرب، وذلك بموجب الاتفاق المبرم برعاية روسية بين الدولة السورية ومليشيا “قسد”.
وكانت قوات الجيش العربي السوري والقوات الروسية تنتظران انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة “خراب عشق”، جنوبي عين العرب، لدخولها.وعين العرب من أهم معاقل “قسد” شرق نهر الفرات، وتحظى بأهمية استراتيجية على خريطة المنطقة الآمنة التركية المخطط لإقامتها شمال شرق سورية، لكونها حلقة الوصل بين مناطق عمليات الجيش التركي في ريف حلب الشمالي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، ومنطقة عمليات “نبع السلام”، شرق الفرات.
وفي إطار ممارسته لموضوع السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية السورية في منطقة شرق الفرات، سيطر الجيش العربي السوري على حقلي العمر والتنك النفطيين الكبيرين، حيث كانت قوات سورية الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكيا، تسيطر على ما نسبته 80 في المئة من حقول النفط، فيما تسيطر الدولةالوطنية السورية على أقل من 20 في المئة فقط من المناطق النفطية.وكانت قوات “قسد” لديها هذا النفوذ القوي في النفط، كورثة من تنظيم “داعش”الذي كان يسيطر على غالبية حقول النفط التي باتت اليوم بيد القوات الكردية هذه.
فالأراضي التي عاد إليها الجيش العربي السوري في محافظات الحسكة والرقة وريف حلب الشرقي ، كانت خاضعة أيضًا لاحتلال قوات سورية الديمقراطية “قسد” التابعة لحزب العمال الكردستاني ، والتي احتلت مناطق شاسعة تقارب ثلث مساحة سورية بمساعدة الإمبريالية الأمريكية .فمليشيات “قسد” الكردية، قيادتها تركية الجنسية، تتبع حزب العمال الكردستاني، في جبال قنديل على الحدود العراقية الإيرانية التي تعد معقلاً لهذا الحزب، وهي القوات التي استخدمها الأمريكان مرتزقة تحقيقاً لمصالح خاصة بهم. ولكن حزب العمال الكردستاني عاد مستغلاً الفوضى الحاصلة في سورية، ليحتل عفرين أولاً، ثم ليقضم أراض سورية كثيرة إلى الشرق، ويقيم إقليم “روج آفا”، أي غرب كردستان.
وأسهمت قوات “قسد”الكردية ، بعد أن أصبحت القوة الضاربة في أيدي الإمبريالية الأمريكية، في ممارسة سياسة استعمارية تجاه العرب، إذ قتلت وسجنت وهجَّرت ، واستولت على أراضٍ ومواش ومواسم زراعية، وحرقت مواسم قبل حصادها، ولم تكن بأفضل من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي حاربته تحت إمرة الأميركان.. وحازت كذلك على الثروة النفطية، وباعتها إلى تجار في تركيا وسورية. وحدها مليشيا “قسد” ترفع العلم الصهيوني إلى جانب العلم الكردي وصورة أوجلان  تركي الجنسية، في الأراضي السورية التي تحتلها.
لقد أدانت مختلف الدول الأوروبية و الولايات المتحدة الأمريكية،ومجلس الأمن العدوان التركي على الأراضي السورية، باستثناء طرف وحيد هو الإسلام السياسي في الوطن العربي على اختلاف تنظيماته الإرهابية و التكفيرية والجهادية،والمتحالف مع نظام أردوغان العثماني ،والذي وقف إلى جانب الاحتلال التركي لشمال شرقي سورية .
وقد أعلن الجيش  التركي عن هدفين رئيسين للعملية، هما تأمين الحدود “بعد إبعاد العناصر الإرهابية” عنها، وإنشاء منطقة آمنة بطول 460 كيلومترًا وعمق 30 – 40 كيلومترًا على طول الحدود السورية – التركية شرق نهر الفرات؛ لتوطين نحو مليوني لاجئ سوري فيها، وتحويلها إلى “عنصر استقرار في المنطقة وسورية عمومًا”. ولكنّ هذين الهدفين يخفيان مجموعة أخرى من الأهداف غير المعلنة، أهمها:
1 -تخفيف الضغوط الداخلية على الحكومة التركية في موضوع اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها
2 ــ تهيئة بيئة ديموغرافية صديقة لتركيا في الشمال السوري؛ إذ إن غالبية السكان سيكونون من المقيمين سابقًا على أراضيها.
3 -إنشاء حاجز ديموغرافي وجغرافي بين تركيا والمنظمات الكردية المسلحة.
4 -زيادة تأثير تركيا ونفوذها في الصراع داخل سورية، ودورها في الحل السياسي.
5 -توسيع المنطقة الجغرافية التي تديرها المعارضة السورية المحسوبة على تركيا، لتشمل مناطق أخرى من الشمال السوري الغني بالموارد الطبيعية ومصادر الطاقة.
6ــ انتزاع أو إضعاف ورقة الضغط “الكردية” التي يستخدمها خصوم تركيا ضدها، وحل إحدى قضايا الخلاف الرئيسة مع واشنطن.
7 -القضاء نهائيًا على مشروع إقامة كيان انفصالي كردي في الشمال السوري.
8-رفع شعبية الرئيس أردوغان والحكومة، التي عانت، في الفترة الأخيرة، بفعل انتعاش المشاعر القومية، وهو أمر مهم في هذه المرحلة تحديدًا في ظل الأزمة الاقتصادية، وقرب الإعلان عن قيام أحزاب سياسية جديدة منشقة عن حزب العدالة والتنمية.
وفي أول تصريح للرئيس السوري بشار الأسد بعد العدوان التركي على شمال شرقي سورية،تعهد الأسد، أثناء استقباله مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، حاملا رسالة من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الخميس 17أكتوبر2019، بمواجهة ما وصفه بـ”العدوان التركي” على الأراضي السورية، وذلك “عبر كل الوسائل المشروعة والمتاحة”.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنَّ الرئيس الأسد أكَّدَ أنَّ “الأطماع الخارجية بدول منطقتنا لم تتوقف عبر التاريخ، والعدوان التركي الإجرامي الذي يشنه نظام (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان على بلدنا حاليا يندرج تحت تلك الأطماع مهما حمل من شعارات كاذبة، فهو غزو سافر وعدوان واضح ردت سوريا عليه في أكثر من مكان عبر ضرب وكلائه وإرهابييه”.وتعهد الأسد ب”الرَدِّ على العدوان التركي ومواجهته بكل أشكاله في أي منطقة من الأرض السورية، عبر كل الوسائل المشروعة المتاحة”
تداعيات الانسحاب الأمريكي
أثار موضوع الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية، العديد من الجدل السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها. فقد قال مسؤول أمريكي مساء يوم الاثنين الماضي : إنَّ القوات الأمريكية المتواجدة شمال سورية، “تلقت أوامر بمغادرة البلاد” وفقا للفرنسية.وأكد المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته “نقوم بتنفيذ هذا الأمر”، الذي أشار إلى أنه يطال “كلّ” العسكريين المنتشرين في سورية “ما عدا المتواجدين في قاعدة التنف”، العسكرية في جنوب البلاد والتي تضم نحو 150 عسكرياً أميركياً.
وكان وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، صرح يوم الأحد الماضي ، أنَّ بلاده تستعد لإجلاء نحو 1000 جندي أمريكي من شمالي سورية. وأكَّدَ أيضاً أنَّ “القوات الأمريكية لن تغادر البلاد تماماً، لكنها ستتحرك جنوباً”.
ضمن هذا السياق،هاجم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام مُجَدِّدًا مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التطورات في سورية، وقال إنَّ هذه المواقف إذا استمرت ستكون أسوأ من قرار الرئيس أوباما بمغادرة العراق.وفي سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر، قال غراهام: “آمل أن يكون الرئيس ترامب على حق في اعتقاده بأن غزو تركيا لسورية لا يهمنا، وأنَّ التخلي عن الأكراد لن يرتد علينا، وأنَّ داعش لن تعود للظهور، ولن تملأ إيران الفراغ الناشئ عن هذا القرار”.
وعبر السيناتور الأمريكي عن خشيته من أنَّه “لن يكون لدينا حلفاء في المستقبل ضد الإسلام الراديكالي، وسوف تعود داعش إلى الظهور، وصعود إيران في سورية سيصبح كابوسًا لإسرائيل”، وفق تعبيره.وختم بالقول: “أخشى أننا أمام كارثة أمنية وطنية كاملة وشاملة في طور الإعداد”، وآمل أن يعدل الرئيس ترامب من تفكيره”.
ويُعَدُّ غراهام من أشد المعارضين للعدوان التركي على سورية ،ووجه انتقادات حادة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقال في وقت سابق إنه “سيدفع ثمنًا باهظًا بسبب العملية التي شنتها بلاده”.
وفي مقال للكاتب الأمريكي إيشان ثارو ،نشره بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية بتاريخ 15 أكتوبر 2019،قال فيه إن الرئيس ترامب صدم واشنطن قبل أسبوع عندما أعلن أنه لن يقف أمام غزو وشيك لشمال شرق سورية، مشيرًا إلى أنَّه الآن وفي خلال أيام فقط بدأت إدارته بحصاد ما زرعت.ويلفت الكاتب إلى أن ترامب، الذي قضى جزءً من عطلة نهاية الأسبوع في أحد ملاعب الغولف التي يمتلكها، أصرَّ من خلال تغريداته على “تويتر” بأن على أمريكا التخلص من التزاماتها في “الرمال المتحركة” للشرق الأوسط.
وقال وزير الدفاع الأمريكي إسبر لـ”سي بي أس”: “لدينا الذكاء تجنب التورط في القتال العنيف” على الحدود السورية التركية، وجاء ذلك بعد تقارير يوم الجمعة بأن المدفعية قامت بعمليات قصف “قوسية” بالقرب من مواقع للقوات الأمريكية الخاصة، (القصف القوسي يتم عن طرق إطلاق قذيفة قبل الهدف وأخرى بعده)، مشيرًا إلى أنَّ قوات أمريكية قد تقع بين جيشين زاحفين عدوين”، فيما بدا ترامب في تغريداته يوم الأحد غير مهتم في المعركة، وكرر موقفه بأنه “من ذلك كان تصرفًا مذهلاً من حليف في الناتو يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنَّه كان متعمدًا.
ويشير الكاتب الأمريكي إيشان ثارو إلى أنَّ “ترامب حاول أن يؤكد وجهة نظره من خلال درس مشوه من التاريخ، لكنَّه أكَّد قلة تفاعله الحقيقي مع تعقيدات سياسة الشرق الأوسط، فأشار إلى حادث يفترض أنه حصل عام 2017، عندما (كان العراق يسعى لمحاربة الأكراد في جزء آخر من سورية)، وحَثَّهُ مُنْتَقِدُوهُ وقتها أيضًا على الوقوف مع الحلفاء الأكراد، لكنَّ حدثًا مثل هذا لم يقع، وربَّما كان ترامب يُفَكِّرُ في استيلاء الحكومة العراقية على كركوك في العراق من المقاتلين الأكراد التابعين للفصائل المسيطرة على منطقة الحكم شبه الذاتي في كردستان العراق.
ويأتي تسارع الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية، بسبب التقدم الذي أحرزه الغزو التركي للأراضي السورية مستخدمًا قوات الجماعات لسورية المرتبطة عسكريًا ولوجستيًا وماليا بتركيًا ، الذين قطعوا خطوط إمدادات القوات الأمريكية، وجاء ذلك معاكسًا لما صرَّح به البنتاغون الأسبوع الماضي، من أنَّ أمريكا لن (تتخلى) عن شركائها الأكراد الذين كانوا في الخطوط الأولى في الحرب ضد تنظيم “داعش”، وتحملوا خسائر كبيرة في الحملة الأمريكية ضد التنظيم.
وكان الهدف الحقيقي للعدوان التركي على شرق الفرات هو القضاء على ما يسميه الأكراد (روجافا)، وهو اسم المنطقة التي كانوا يأملون أن تحظى بحكم ذاتي، التي قامت قوات سورية الديمقراطية بنحتها في شمال شرق سورية على مدى السنوات القليلة الماضية، وتنظر أنقرة للفصيل الكردي السوري على أنَّهُ فَرْعٌ مُبَاشِرٌ لحزب العمال الكردستاني الانفصالي التركي، الذي قاد تمردًا عسكريًا على مدى عقود ضد تركيا.
ويرى المراقبون الغربيون أنّ منبع الخوف من الانسحاب الأمريكي يأتي من المشكلات الأمنية سيخلفها هذا الانسحاب ، بسبب هروب أكثر من 700شخصًا من معتقلي تنظيم الدولة الإسلامية”داعش” ،الذين هربوا من معسكرات الاحتجاز التي يديرها المقاتلون الأكراد السوريون المحاصرون، ومن التحول في موقف قوات سورية الديمقراطية”قسد” لجهة ارتمائها في أحضان الدولة الوطنية السورية ،ما مهدّ لقوات الجيش العربي السوري للدخول إلى مناطق كان تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية،”قسد”(وهو التحالف الذي يقوده الأكراد والمستهدف الآن من تركيا).
لقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصممًا لأشهر على مغادرة الأمريكيين شمال سورية ،لأنّ الدعم الأمريكي لقوات سورية الديمقراطية”قسد” كان دائما يتعارض مع حاجة واشنطن لإبقاء تركيا إلى جانبها، بوصفها العضو في الناتو،والحليف الاستراتيجي إلى جانب الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط. ويتعارض موقف الرئيس ترامب مع موقف الرؤوس الحامية في الدولة العميقة الأمريكية ، الذين جعلوامن قوات سورية الديمقراطية تعتقد أنها تحظى بدعم أمريكي (دائم)، بالإضافة إلى أنهم سعوا لتحقيق أجندة طموحة بإنهاء التأثير الإيراني في سورية، وهو هدف متناقض مع رغبة ترامب بالخروج من سورية
وكان مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية، آرون ستين،قال لموقع المونيتور: “خدعنا أنفسنا على مدى ثلاث سنوات حول هذا الأمر، ويجب على أولئك الذين دفعوا بسياسات متعارضة مع ترامب، وعملوا على سياسة تحقيق أقصى المطالب، مهملين نوايا أنقرة الواضحة ورغبات أقوى رجل في العالم، أن يخجلوا من أنفسهم”.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي أحدث تصريحاته، قال إن “الكرد ليسوا ملائكة، وليسوا مقاتلين جيدين”، في تراجع ضمني عن امتداحهم سابقا، حين وصفهم بأنهم “مقاتلون ممتازون وأشخاص من نوع خاص”.وقال ترامب خلال مؤتمر مشترك مع نظيره الإيطالي، إن “حزب العمال الكردستاني أسوأ من تنظيم الدولة”، على حدِّ قوله.
استفادة روسيا وإيران من الانسحاب الأمريكي
لكن تداعيات الانسحاب الأمريكي لم يقف عند هذا الحدّ، فقد نشرت صحيفة “الغارديان “بتاريخ
الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019 ،تقريرًا لمراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، يقول فيه إنَّ رحيل الولايات المتحدة عن سورية ترك آثارًا على الشرق الأوسط، الذي بات يعيش في الظل الروسي. وتفيد الصحيفة بأنه بعد يوم من قرار الأكراد السماح للقوات السورية بالدخول إلى مدنهم، وبعد أسبوع حافل لم تفهم بعد تداعياته في سورية وخارجها في الرياض وبغداد ودول الخليج، فإنَّه كان هناك شيء أكبر يحدث، وهو نهاية التأثير الأمريكي في سورية.
ويجد شولوف أن تسليم المدن كان بين الأكراد والنظام في دمشق، لكن التغيير الحقيقي في القوة كان بين الولايات المتحدة، التي غادرت قواتها العراق بعد 16 عاما، وروسيا، التي عززت تأثيرها وحضورها في الشرق الأوسط الآن.
وينوه التقرير إلى أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرياض كأنَّهُ يُرِيدُ الاحتفال بهذه اللحظة، وهو في زيارة رسمية هي الأولى له منذ 12 عاما، وباستضافة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي شعر قبل ثلاثة أسابيع بالإهانة، بعد تخلي الولايات المتحدة عنه، فبعد أن شنت إيران هجمات على مراكز إنتاج النفط في المملكة، توقع ولي العهد ردًّا انتقاميًا من الولايات المتحدة، ولم يحصل هذا، فشعر في هذه الحالة بالنبذ من حليف تعهد بالدفاع عن المصالح السعودية”.وتنقل الصحيفة عن ولي العهد السعودي، قوله للقادة العراقيين قبل أسبوعين: “هل شاهدتم ما فعلوه معنا؟.. هذا أمر لا يصدق”.
ويقول شولوف إنه “لم يبق من سلطة الولايات المتحدة سوى صوت مقاتلاتها التي كانت تحلق فوق عين عيسى، ومع مرور الوقت على آخر أثر للحكم الكردي، وصل الجنود السوريون في شاحنات للمواشي إلى بلدة تل تمر، حيث راقب سائقو الشاحنات بنوع من التسليم سكان بلدة ديرك وهم ينثرون الأرز على أقدام الجنود السوريين.
. فخلال المرحلة السابقة، اتفق الروس والإيرانيون والأتراك على أمرٍ واحدٍ: ضرورة إخراج أمريكا من سورية، كلّ لغاياته، وقد نجحوا في ذلك. الأتراك لأنَّهم رأوْا في أمريكا عائقًا دون تحقيق هدفهم في القضاء على وحدات حماية الشعب، الكردية، عدوهم الأكبر في سورية. وروسيا لأنَّها ترى في أمريكا عقبةً أمام استفرادها كليا بالملف السوري الذي تريد، باستعادة مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والمياه، طي صفحته كليا وإعلان انتصارها على “المؤامرة الأميركية”. وإيران ترى في بقاء أمريكا خطرًا على نفوذها الإقليمي في سورية والعراق، وعقبة أمام استكمال مشروع ربط مناطق نفوذها عبر المشرق العربي.
ولا شك أنّ إيران وروسيا هما القوتان المسيطرتان في إقليم الشرق الأوسط،وهما من تمليان الشروط في هذه المنطقة، لقد تغير الوضع في ضوء إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قواته من سورية، وفرض عقوبات على تركيا بسبب عدوانها العسكري عللاى شمال شرقي سورية.فروسيا التي يعتقد أنها في حوار دائم مع تركيا، ضمن ما يسمى مسار أستانة تهدّد الآن ، وبمساعدة الجيش العربي السوري ، بعملية عسكرية كبرى في إدلب،من أجل تحريرها، و القضاء على التنظيمات الإرهابية و التكفيرية المدعومة من تركيا وقطر.
الرابحون من الانسحاب الأمريكي
دخلت الولايات المتحدة دخلت الحرب في سورية في سبتمبر/ أيلول 2014، لتقود تحالفًا دوليًا للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية”داعش”.وكانت قوات سورية الديمقراطية “قس” رأس حربة في هذه الحرب ضد التنظيم الإرهابي.. حاول بعض أركان إدارة ترامب (طُردوا جميعا) تطوير أهداف هذا التحالف، بعد استيفاء الغرض منه، بضم عناصر أخرى له، مثل التصدّي لإيران، ومنعها من إنشاء كوريدور برّي بين العراق وسورية، واستخدام الوجود الأميركي ورقة ضغط باتجاه حل سياسي، الا أن الرئيس ترامب المشغول كليا بمعاركه الداخلية كان غير معنيٍّ بذلك، وهو لم يفكر حتى بمقايضة الوجود الأمريكي، مثلا، بالوجود الإيراني الذي زعم محاربته في سورية. قرّر، في نهاية المطاف، سحب كامل قواته، والاحتفاظ بوجود عسكري صغير في قاعدة التنف جنوب شرق البلاد على الحدود مع الأردن والعراق، تاركا الآخرين يتقاتلون على التركة.
أما قوات سورية الديمقراطية”قسد”،فقد اعتبرت أن امتلاكها القوة العسكرية يخوّلها الحق في الانفراد بالقرارفي منطقة الشمال الشرقي لسورية، وممارسة السلطة الشاملة فيها. ووجدت “قسد”في الدعم الأمريكي ، كما فعلت قوى معارضة سورية و تنظيمات إرهابية وتكفيرية عديدة، سبيلا مشروعا لتحقيق حلم الكرد القومي، في تناقض كلي مع سيادة الدولة الوطنية السورية على كامل ترابها الوطني والتاريخي .. ودفع الأكراد السوريون عبء القتال المرير من أجل مشروعٍ انفصالي لا يقوم على أي أسس سياسية مفاوض عليها وثابتة.
لقد أدهش قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال سورية، والتخلي عن الأكراد الذين ساهموا في هزيمة تنظيم الدولة، السكان الأكراد المحليين، ولم يترك لهم أي خيارات، وهذا ما جعل القائد في قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ،يقول : “من الأفضل التنازل بدلا من الإبادة”.
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للباحث في الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، سيتفن وولت،يوم الخميس 17أكتوبر 2019، يشير فيه إلى أن الرئيس دونالد ترامب يواجه نيران المدفعية بسبب قراره المتهور الذي اتخذه لسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، قائلا إنه “يستحق ذلك، لأن لا أحد يتخيل ردا عاجزا وغير مخطط له على الوضع المعقد الذي ورثه هناك”.
ويقول وولت: “علينا ألا ننسى النظر إلى الصورة الأكبر، وهي أن السياسة الخارجية الأمريكية في سوريا كانت فاشلة ومنذ سنوات عدة، وظلت الاستراتيجية -إن كان هناك استراتيجية- تعاني من التناقضات بدرجة لم تكن قادرة على إنجاز مكاسب مهما كان الوقت الذي ستقضيه أمريكا في سورية”.
ويضيف وولت: “علينا الاعتراف أولا بأن الالتزام الأمريكي تجاه المليشيات الكردية أو (قوات سوريا الديمقراطية) لم يكن مطلقا أو مفتوحا، بل كان تكتيكيا ومشروطا بالمعارضة لتنظيم الدولة، ولم يقاتل الأكراد تنظيم الدولة مجرد خدمة للولايات المتحدة التي ساعدتهم بسبب الإحسان، وعندما تمت السيطرة على تنظيم الدولة، وليس القضاء عليه تماما، كانت العلاقة الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية تعيش على الوقت الضائع، وأتفهم ألم الجنود الأمريكيين لمفارقة رفقاء السلاح الذين قاتلوا معهم، إلا أن هذا كان سيحدث عاجلا أم آجلا، ولو كان هناك رئيس جيد لحصل هذا بطريقة منظمة واتفاق دبلوماسي واسع وليس من خلال نزوة ودون أي مكاسب ملموسة، لكن هذا غير متيسر في ظل ترامب”.
ويجد الكاتب أن “الوضع الحالي الذي يعاني منه الأكراد نابع من عدم وجود دولة لهم، ولم تدعم الولايات المتحدة الآمال الكردية لتحقيق هذا، وأي محاولة لترسيم دولة لهم بين العراق وتركيا وسوريا وإيران ستؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية شاملة، ودون دولة كردية في الأفق فإن الأكراد سيعيشون في ظل الدول التي يقيمون فيها”.
ويشير وولت إلى أنَّ “الأمر الثاني متعلق بتركيا التي تعدهم تهديدا خطيرا، وربما كان الرئيس رجب طيب أردوغان مبالغا في تقديره التهديد الكردي، لكن وجود كيان مستقل في شمال شرق سوريا سيظل خطا أحمر، وستظل تركيا تتحين الفرص للقضاء عليه، وبقاء القوات الأمريكية يؤجل يوم الحساب ولا يقدم حلا للمشكلة”.
ويلفت الكاتب إلى أنَّ “الأمر الثالث: بدا واضحا ومنذ فترة أن نظام الأسد انتصر في الحرب، وهذه النتيجة مرعبة من الناحية الأخلاقية، لكن الغضب الأبدي لا يقدم سياسة في النهاية، فطالما كان نظامه ضعيفا وطالما استمرت أمريكا في دعم القوات المعارضة لم يكن قادرا على توطيد حكمه واعتمد بالتالي على الروس والإيرانيين”.
ويرى وولت أنَّ “السماح للأسد ليعيد السيطرة على كامل سوريا سيحل الكثير من المشكلات المزعجة، ويعالج قلق تركيا من الكيان الكردي، فأردوغان لا يحب الأسد لكنه يكره الأكراد أكثر، وعندما يتولى السيطرة تصبح مشكلة تنظيم الدولة مشكلته، وليست مشكلة الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يتعامل معها بشراسة؛ لأن التنظيم يتعامل معه ونظامه على أنهم كفار”.
نهاية مشروع الحكم الذاتي الكردي...
لم يترك الغزو العسكري التركي لشمال شرقي سورية أمام الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا أي خيار سوى طلب المساعدة من قوات الدولة الوطنية السورية. ولكن تحت القصف التركي وبعد تخلي حلفائهم الأمريكيين عنهم، لم يبقَ للأكراد أي خيار آخر. فبعد بدء الهجوم،كان من الواضح أنَّ قوات سورية الديمقراطية”قسد” لن تستطيع الصمود أمام قوات أنقرة الجوية والقوات المساندة لها منا لتنظيمات الإرهابية السورية داخل شمال سورية.
والحال هذه، عقد الأكراد بقيادة حزب العمال الكردستاني محادثات مع الروس في مدينة القامشلي قبل عدة أيام، وتباحثوا حول شروط الصفقة مع دمشق، ووجد الأكراد، الذين خسروا الحماية الأمريكية، أنهم في موقع ضعيف لمواجهة القوات التركية،فتحولت قوات سورية الديمقراطية إلى الدولة الوطنية السورية .وقال سياسي كردي كبير لـ(رويترز) بأن َّمسؤولي قوات سورية الديمقراطية اجتمعوا مع نظرائهم في الدولة السورية ، في قاعدة جوية روسية في سورية، للتوصل إلى اتفاقية، ومع حلول مساء يوم الأحد الماضي،وأعلنت قوات سورية الديمقراطية أنَّها ولأجل دفع الغزو التركي أو عرقلته فقد دعت قوات الجيش العربي السوري إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها بحماية من أمريكا”.
فالأكراد بعد أن اكتشفوا خيانة الولايات المتحدة الأمريكية لهم ، وتخلي إدارة ترامب عنهم، وغياب دور فاعل لأوروبا لم يبق أمامهم سوى اللجوء إلى الدولة الوطنية السورية،وباتوا على قناعة تامة بضرورة التوصل إلى صيغة تفاهم مع دمشق تنص على انتشار الجيش السوري على طول الحدود مع تركيا للتصدي للعدوان التركي والفصائل السورية الموالية لتركيا، على الأراضي السورية في الشمال الشرقي من البلاد، وبالتالي مع تدخل الجيش العربي السوري وانتشاره على الحدود السورية -التركية ، باعتبار ذلك مريحًا لهم.فهذه نتيجة حتمية ومنطقية،لا سيما أن الأكراد مواطنون سوريون،فالأفضل لهم أن يكونوا جزءًا من المعسكر الوطني السوري المناهض للمشروع الأمريكي- التركي- الخليجي -الصهيوني ، الذي يستهدف تقسيم سورية إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي.
فقد لعبت روسيا الحليف الاستراتيجي للدولة الوطنية السورية دورًا محوريًا في تحقيق التقارب بين الأكراد والدولة السورية بعد الغزو التركي، ما أسهم في وقوع شمال شرق سورية تحت المظلة الأمنية لدمشق ، وقد يكون مؤشرًا، بحسب المحللين، على موافقة ضمنية سورية لنهاية للصراع، تقوم كل من تركيا وروسيا بالاتفاق عليها من أجل العودة إلى تفعيل اتفاق أضنة.
يرى مراقبون ملمون بالشأن السوري، في تحليلهم لهذا الاتفاق مع الأكراد ،أنَّ الدولة الوطنية السورية ماكان لها أن تدخل في توافق من هذا النوع مع الأكراد ما لم يكن هناك مكاسب حقيقية لها على الأرض. فاستراتيجية الدولة الوطنية السورية تقوم على دخول الجيش العربي السوري و انتشاره في شمال شرقي سورية من أجل مفاوضة تركيا على عمليات السيطرة على الحدود الشمالية وإعادة تفعيل اتفاقية أضنة وهذا ما سيحققه الاتفاق مع الأكراد.
وتقضي اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1998 بأن تتوقف دمشق عن دعم حزب العمال الكردستاني (PKK)، وعدم السماح لعناصر الحزب في الخارج بدخول سورية، وحظر أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها. كما تسمح لتركيا بتعقب عناصر التنظيم داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات.
وبالمقابل ، فإنَّ وجود الجيش العربي السوري بشكل رسمي على الحدود التركية،كطرف عازل بين الأكراد والأتراك يشكل أحد الضمانات التي يمكن للدولة الوطنية السورية تقديمها لأنقرة، ما يمنح دمشق ميزة تفضيلية في المفاوضات مع النظام التركي بقيادة أردوغان ،بشأن الشمال السوري، لكن هذه الضمانات لن تكون مجانية أبداً وستطلب في المقابل الدولة الوطنية السورية تخلي تركيا عن مساندة المعارضة السورية أو على الأقل تحييدها بشكل تدريجي وحصر نشاطها في مناطق ضيقة للغاية، بحسب محللين. حينئذ سيكون على نظام أردوغان اليوم التفاهم مع الدولة الوطنية السورية من أجل إعادة اللاجئين أو جزء منهم على الأقل إلى مناطق تخضع لسيطرة دمشق، في مقابل حدوث تقدم ميداني العربي السوري وتفاهمات سياسية على مسار آستانا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى