ترامب يورط اردوغان في حرب مع الاكراد والعالم يترقب عملية عسكرية تركية في شمال شرق سوريا

 

وسط هدوء حذر يسود منطقة شرق الفرات في سوريا، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يقودها الأكراد، عقب إشارات متناقضة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول إذا ما كان يسمح بهجوم أنقرة على المنطقة، أعلنت تركيا الثلاثاء، 8 أكتوبر (تشرين الأول)، “استكمال” استعداداتها لشن عملية عسكرية لإبعاد الأكراد عن حدودها.

وغداة إعلان سحب القوات الأميركية من المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، أكّد الرئيس الأميركي، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة “لم تتخلَ عن الأكراد”. وكتب ترمب في تغريدة على تويتر “قد نكون في طور مغادرة سوريا، لكننا لم نتخلَ بأي شكل كان عن الأكراد الذين هم أشخاص مميزون ومقاتلون رائعون”.

وشدّد ترمب في الوقت نفسه على أن واشنطن لديها علاقة مهمة مع تركيا، قائلاً “ينسى كثيرون بسهولة أن تركيا شريك تجاري كبير للولايات المتحدة. في حقيقة الأمر هم (الأتراك) يصنعون الإطار الهيكلي الفولاذي للمقاتلة الأميركية إف 35. والتعامل معهم كان جيداً”. وأضاف “لنتذكّر دائماً، وعلى نحو مهم، أن تركيا عضو مهم للمكانة الجيدة لحلف شمال الأطلسي”.

 

وفي وقت سابق من اليوم الثلاثاء، كتبت وزارة الدفاع التركية في تغريدة على تويتر “لن تقبل القوات المسلحة التركية أبداً بتأسيس ممرّ للإرهاب على حدودنا. اكتملت جميع استعداداتنا للعملية”. وأضافت “من المهم إقامة منطقة آمنة/ ممر سلام للإسهام في سلام واستقرار منطقتنا وكي يعيش السوريون حياة آمنة”.

انسحاب أميركي وتهديد لتركيا

قرار الرئيس الأميركي شكّل “طعنةً بالظهر” كما وصفته قوات سوريا الديمقراطية، وأثار معارضةً كبيرة في أوساط مؤيّديه ومعارضيه داخلياً، إذ اعتبروه تخلياً عن القوات الكردية التي كانت حليفاً رئيسياً لواشنطن في المعركة ضدّ تنظيم “داعش” في سوريا.

وتحت وطأة الانتقادات الكثيفة لخطوته، حذّر ترمب من أنه “سيدمّر ويمحو تماماً” اقتصاد تركيا إذا أقدمت على شيء في سوريا يعتبره “متجاوزاً للحدود”. غير أن الردّ التركي جاء على لسان نائب الرئيس فؤاد أوكتاي، الذي قال في خطاب في أنقرة الثلاثاء إن “تركيا ليست دولة تتحرّك بناءً على التهديدات”، مضيفاً “مثلما شدّد رئيسنا على الدوام، ستحدّد تركيا دائماً مسارها وستتصرّف بنفسها”.

دمشق تدعو الأكراد “للعودة إلى الوطن”

وعلى وقع التهديد التركي، دعت دمشق الأكراد الثلاثاء إلى “العودة إلى الوطن”. وقال نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام، “ننصح من ضلّ الطريق أن يعود إلى الوطن لأن الوطن هو مصيره النهائي”. وأضاف متوجهاً إلى الأكراد “نقول لهؤلاء إنهم خسروا كل شيء ويجب ألا يخسروا أنفسهم، في النهاية الوطن يرحّب بكل أبنائه ونحن نريد أن نحل كل المشاكل السورية بطريقة إيجابية وبطريقة بعيدة عن العنف، لكن بطريقة تحافظ على كل ذرة تراب من أرض سوريا”.

موسكو لا علم “مسبق” لها ولندن قلقة

في إطار الردود الدولية المتخوّفة من تبعات عملية تركية في الشمال السوري، حيث تحتجز “قسد” آلافاً من مسلّحي “داعش” وعائلاتهم، أعرب متحدّث باسم رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الثلاثاء عن قلق بلاده من خطط تركيا المزمعة. وقال وزير الدولة في الخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أندرو موريسون “كنا واضحين تماماً مع تركيا بأنه لا بدّ من تجنّب العمل العسكري المنفرد لأنه سيزعزع استقرار المنطقة ويهدّد جهود إنزال الهزيمة النهائية بداعش”.

كما قال المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة وتركيا لم تبلّغا روسيا مسبقاً بأي ترتيبات توصلتا إليها في شأن خطط لسحب قوات أميركية من شمال شرقي سوريا.

أضاف بيسكوف للصحافيين أن روسيا ستنتظر لترى عدد أفراد القوات الأميركية الذين سيتم سحبهم، مشيراً إلى أن التفاصيل الأخرى المتعلقة بالخطط لا تزال غير واضحة وأن موسكو “تتابع الوضع عن كثب شديد”.

وفي وقت سابق، أوضح مسؤول أميركي كبير أن قرار ترمب سحب قوات أميركية متمركزة في سوريا قرب الحدود التركية لا يشمل سوى نحو 50 إلى 100 جندي فقط من أفراد القوات الخاصة “سيُنقلون إلى قواعد أخرى” داخل سوريا.

إيران ترفض الخطة التركية

إيران من جهتها، رفضت أي عملية عسكرية تركية في سوريا. وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان نشره موقعها الإلكتروني اليوم الثلاثاء إنها تتابع “الأنباء الباعثة على القلق بخصوص احتمال دخول قوات عسكرية تركية الأراضي السورية وتعتقد أن حدوث ذلك لن ينهي المخاوف الأمنية التركية كما سيؤدي إلى ضرر مادي وبشري واسع النطاق”.

وعند إعلان القرار الأميركي الاثنين، حمّل البيت الأبيض تركيا مسؤولية آلاف المحتجزين من تنظيم “داعش” في مراكز اعتقال تحت سيطرة “قسد”. وتطالب أنقرة بـ “منطقة آمنة” على الحدود مع شمال سوريا تفصل مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنّفها إرهابية، عن الحدود التركية وتسمح بعودة ما يقارب مليوني لاجئ سوري.

ونفّذت أنقرة في الماضي عمليتين في سوريا، الأولى ضد “داعش” عام 2016، والثانية ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية عام 2018، تمّت بدعم من فصائل مسلحة محسوبة على المعارضة السورية. ومن شأن الانسحاب الأميركي أن يضعف وضع قوات سوريا الديمقراطية، التي استطاعت أن تنشئ إدارة ذاتية شمال شرقي سوريا.

 

الاوضاع الميدانية
ميدانياً، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن هدوءاً حذراً يسود منطقة شرق الفرات عند الحدود مع تركيا. وتشهد الأسواق حركة اعتيادية للمواطنين، فيما تواصل “قسد” استنفارها تحسباً لأي طارئ بما يخصّ التهديدات التركية بشن عملية عسكرية على المنطقة.

وقال المرصد إن رتلاً عسكرياً تركياً دخل منطقة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي عند الحدود مع تركيا وانتشر فيها، مضيفاً أن معلومات وردته عن أن الفصائل المسلحة الموالية لتركيا في منطقة عفرين ومناطق “درع الفرات” ستّتجه إلى محيط منبج للمشاركة بالعملية العسكرية المرتقبة.

وشهدت مناطق شمال غربي سوريا، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل مسلحة معارضة، أزمة محروقات خلال الأسبوع الماضي وارتفاعاً حاداً في أسعار المشتقات النفطية المحلية، وفق المرصد. ويعود ذلك إلى الاستعداد للهجوم التركي المزمع على شرق الفرات، حيث تسيطر “قسد” على مناطق غنية بالنفط وتوفّر المحروقات الخام والمكرّرة تكريراً بدائياً لمناطق ريف حلب الشمالي، قبل انتقالها إلى إدلب وريفها عبر منطقة عفرين. وقال المرصد إن أسعار المازوت (الديزل) والكاز ارتفعت بنسبة 50 في المئة تقريباً. ما تسبّب بارتفاع أسعار كثير من المواد التي تحتاج إلى هذه المشتقات في عملية تصنيعها.

وفي سياق آخر، شنّ الجيش التركي الاثنين والثلاثاء سلسلة غارات على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ما أدّى إلى مقتل 12 شخصاً من أعضائه، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع التركية.

ويخوض هذا الحزب صراعاً مسلحاً دامياً ضدّ السلطات التركية منذ عام 1984، وتنفّذ أنقرة بانتظام غارات على قواعده الخلفية في شمال العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى