خلية “عين بوبين” عملت في ظروف معقدة وطورت تكتيك المقاومة بالضفة وتفوقت على الاحتلال

 

قدس برس – كتب عبد الغني الشامي

رأى محللون وخبراء أمنيون وسياسيون أن عملية “عين بوبين” والتي اشتهرت بـ “عملية العين”، تطورًا نوعيًا في تكتيك المقاومة بالضفة الغربية المحتلة، وواحدة من العمليات الأكثر تخطيطًا وإبداعًا منذ سنوات.

وقد تمت العملية من خلال تفجير عبوة ناسفة يُعتقد أنها محلية الصنع، قرب منطقة “عين بوبين” إلى الشمال من قرية دير ابزيع غربي مدينة رام الله ، وخرجت عن تقليد إطلاق الرصاص أو الدهس أو الطعن لتصل إلى التفجير عن بعد دون ترك بصمات في المكان.

واستغرق جهاز “الشاباك” التابع للاحتلال الإسرائيلي مدة 40 يومًا، قبل أن يكشف النقاب عن اعتقال الخلية المُنفذة للعملية، والتي قال إنها عناصرها ينتمون لـ “الجبهة الشعبية”

وشهد صباح يوم الجمعة 23 آب/ أغسطس الماضي، تفجير عبوة ناسفة قرب “عين بوبين” أسفر عن مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة والدها وشقيقها بجراح خطيرة.

وقد ذكر تقرير لصحيفة “معاريف” العبرية، مؤخرًا أن اعتقال خلية “عملية العين قد ” جاء بـ “تنسيق وتعاون أمني” بين أمن السلطة في رام الله وقوات الاحتلال.

وبحسب جهاز “الشاباك” ووفق القناة العبرية “13”، فإن أعضاء الخلية هم من نشطاء “الجبهة الشعبية” لتحرير فلسطين. وهم: سامر عربيد، قسام شلبي، يزن مغامس، من رام الله، ونظام امطير من مدينة الخليل.

العمل رغم المعيقات

وقد أكد الخبير الاستراتيجي والأمني، هشام المغاري، “من الواضح عبر تسلسل العمليات الفدائية في الضفة الغربية أن هناك تطورا واضحا في الأداء سواء في المستوى الأمني أو العسكري”.

ورأى المغاري في حديث لـ “قدس برس”: “هذا يؤكد إصرار وإرادة لدى المقاومة في الضفة الغربية على العمل رغم المعوقات التي تواجهها هناك”.

وقال: “حالة التقدم هذه ترتقي لتصل منع أجهزة أمن السلطة والاحتلال من الوصول إليهم على الأقل لفترة طويلة تمتد لشهور أو سنوات أو إيجاد جيوب ومربعات يتم الاختفاء فيها رغم صعوبتها في ظل الوضع الأمني المعقد في الضفة”.

وأردف: “يومًا ما سيكتشف رجال المقاومة كثيرًا من الثغرات ويتعرفون على كثير من الأساليب التي تمكنهم من الاختفاء فترة طويلة عن أعين أجهزة السلطة والاحتلال”.

واستطرد: “لكن هذا يحتاج لمزيد من النشاط والتضحية والتعمق ودراسة البيئة ليتمكن رجال المقاومة من تجاوز هذه العقبة”.

وتابع: “أتلمس حالة إصرار وتطوير الأداء الموجود والإرادة الصلبة في التضحية”.

واعتبر الخبير الأمني، أن وصول أمن الاحتلال لأعضاء الخلية بعد 40 يومًا “إنجاز كبير في ظل الحالة الأمنية الصعبة في الضفة الغربية والتنسيق الأمني الكبير”.

وتابع: “حالة التعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة تلعب دورًا كبيرًا جدًا في هذا الجانب في أكثر من قضية؛ أولها جمع المعلومات والتحري، وجمع تسجيلات الكاميرات المنتشرة لعب دورًا كبيرًا في جمع هذه البيانات والتعرف على جزء آخر من خيوط العملية”.

القبضة الأمنية

ونوه المغاري إلى أن تحرك الخلية في الميدان “صعب جدًا في ظل القبضة الأمنية والخوف من السلطة أو الاحتلال لدى قطاع واسع في الشارع الفلسطيني”.

وأشار إلى أن ذلك كان معوقًا أمام هذه الخلية للاختباء بطريقة مريحة. مؤكدًا أن “حالة المناورة والاختفاء على أنظار السلطة والاحتلال محدودة ومقلصة كثيرًا”.

وقال: “في ظل سلوك السلطة والاحتلال يكون الوصول إلى الفعالين عملية ممكنة حتى لو أخذت وقتا بعيدا، ولو تابعنا العمليات السابقة سنجد أن الوصول لمنفذيها كان بنفس الأساليب”.

وبيّن: “رغم هذه المخاوف والمعطيات التي يدركها المقاومون فإنه من الواضح أن لديهم إصرار على العمل، وواضح أن عندهم اجتهاد كبير للاختفاء عن أعين الاحتلال والسلطة وأجهزة الرقابة ذات العلاقة”.

ولفت النظر إلى أن عناصر المقاومة في الضفة أصبحوا يتمتعوا بخبرة عالية لتحقيق ذلك، وهذا ما مكنهم من الاختفاء لمدة 40 يومًا عن أعين أجهزة الأمن الإسرائيلية.

وطالب المغاري السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني “قولًا وعملًا، نحن بحاجة إلى موقف وطني جاد يضع حد لاستمرار التنسيق الأمني، ونريد خطوة عملية حقيقة في هذا الاتجاه”.

تطور نوعي

من جهته، صرّح المحلل السياسي إبراهيم المدهون: “نحن أمام تطور نوعي في عدة اتجاهات أهمها أن هذه العملية انتقلت من العمل التقليدي والفردي إلى التخطيط والتصنيع والقدرة على زرع العبوات، وهذا تقدم كبير”.

وقال المدهون لـ “قدس برس”، إن هذه العملية مختلفة عن العمليات السابقة، والتي كانت أغلبها فردية وغير منظمة.

وأردف: “هذه العملية تم التخطيط لها من خلال خلية منظمة ومدربة، في حين أن العمليات السابقة كانت بطرق تقليدية، وكان فيها ابتكار وتخطيط وتركيز وتصنيع وإعداد العبوة وتوجيهها”.

وذكر: “من الواضح أنه كان في هذه العملية تكتيك وترتيب، وراعت الظروف المعقدة لمراقبة دائمة للطرقات وللتكنولوجيا من كاميرات وغيرها”.

ونوه: “الخلية نجحت في تضليل العدو الإسرائيلي من خلال التمويه ووضع خطة انسحاب نموذجية، وكانت نقلة نوعية مما أخر كشف أفرادها لمدة 40 يومًا وهو وقت قياسي بالنسبة للحالة الأمنية في الضفة”.

وشدد المدهون على أن هذه العملية وهذه الخلية الفدائية تعطي بارقة أمل للشعب الفلسطيني أنه يمكن أن تتوسع في الضفة عمليات من هذا النوع كما أنها أكدت أن العمليات الموجهة أكثر إيلامًا للاحتلال وقادرة على الانتصار على العقلية الإسرائيلية والمراقبة الشديدة.

تململ المقاومة

واستدرك: “مثل هذه العمليات تعطي روح وديمومة وقدرة على مواجهة الاحتلال، ويبدو أن هناك في الضفة الغربية تململا للعودة للعمليات المنظمة”.

وأضاف: “كانت هذه العملية إحدى المحاولات الناجحة، ولكنها ليس الوحيدة؛ هناك مجموعات يتم كشفها قبل تنفيذ العملية وأخرى أثناء التنفيذ. ولكن اليوم نحن أمام نموذج نجح في أن يضع بصمته”.

وأوضح: “ربما يكون أحد أسباب نجاح هذه المحاولة دخول مقاتلي الجبهة الشعبية بذكاء وحنكة ومفاجأة”.

وشدد على أن كل أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية “مقاومون رافضون للاحتلال ولديهم تهيئة أولية للانضمام والانخراط في العمل المسلح في إطار أي تنظيم”. مشيرًا إلى عشرات العمليات التي خرجت في الضفة على مدار السنوات الماضية.

وقال: “ربما الآن تعقيد الحالة الأمنية والاعتقالات والمستمرة والتنسيق يحول دون تنظيم العمل، ولكن في أي لحظة من اللحظات ستكون ساحة الضفة الغربية آيلة للانفجار والمواجهة”.

ورأى: “ستكون ساحة المعركة الحقيقية في المرحلة القادمة، فمثل هذه العمليات هي إرهاصات لما سيكون عليه الواقع في المستقبل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى