اميركا وترامب.. والمعمعة الأكرانية!

 

إبان حملة ترامب الانتخابية الأولى للفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتي فاز فيها لاحقاً بفترته الرئاسية الأولى، كتبت مقالاً في صحيفة “الوطن” العمانية، قلت فيه، إنه لو كان من حقي التصويت في مثل هذه المعمعة الأميركية لأعطيت صوتي بلا أدنى تردد لدونالد ترامب..
وعللت ذلك مكتفياً بسببٍ واحدٍ، وهو، أن هذا الرجل هو الأقدر بلا منازع على كشف ما لم يكتشف بعد للعالم من قبح الوجه الأميركي، وعنيت به حينها إن فوز مثله كفيل بإزالة ما تبقَّى مما علق بهذه السحنة بعد لستر بشاعتها المعتَّقه من زائف شتى الملاطات السياسية والهوليودية.. لم يخيِّب الرجل ظنِّي، إذ هو كان لها فعلاً، وهي بحقٍ، وكما شهد العالم في اعوامه الرئاسية الثلاث، تعدّ واحدةً من منجزاته المدوّية التي تُحسب له..
اليوم وحملته الانتخابية لفترته الرئاسية الثانية في أشدّ احتدامها، حتى وهي لا زالت، شكلاً على الأقل، في بداياتها بعد، إذ أن قصف تويتراته ومواقفه الانتخابيه تقابها راجمات التسريبات الفضائحية من قبل خصومه الديموقراطيين ومعهم مؤسسات ما يعرف بالدولة العميقة لم تنقطع منذ أول يوم هبط فيها بمظلة “الواسب” في البيت الأبيض.. اليوم لو أن تلك اللو ممكنة فلسوف لن أتوانَ هذه المرة أيضاً في تزجية اقتراعي الافتراضي لإعادة انتخابه في فترته الرئاسية الثانية.. لاسيما وإنني في هذه المرة أرجّح فوزه أكثر من ترجيحي له في المرة الأولى!
لم أرجّح فوزه؟ ذلك، لأنني مدرك بأن ترامب منتج أميركي صرف. اختيار شريحة واسمة ومصمته من مجتمعه الأميركي، يعبٍّر عنها ويجيد مخاطبتها، وهي معه في السراء والضراء، أي لم يهبط ولن يعيد الهبوط في المكتب البيضاوي من كوكبٍ آخر، والمعسكر المقابل ليس بصلادة من هم معه، وقد قضى سنواته الثلاث في سدّة الرئاسة متحدياً للدولة العميقة ومقلِّماً لأظافرها ولا يزال..
الإرباك البادي في تويتراته وتفاصيل مواقفه لا يسلم منه ذاك المقابل أيضاً. حكاية التدخّل الروسي في الانتخابات، والعلاقة مع بوتن، إن لم يك سلاحاً مرتداً فقد تم تحييده بعد طول نزال، وفضيحة اتصاله بالرئيس الأكراني ضاغطاً عليه وطالباً منه التحقيق بشأن ابن خصمه الانتخابي الديموقراطي جو بايدن، إن هي لن تمكَّن السيدة بيلوسي من عزله والجمهوريين يسيطرون على مجلس الشيوخ، فقد تنقلب وتصيب من بايدن نفسه وليس هو مقتلاً..
أما لماذا سأخصه بصوتي الافتراضي فيكفيني، بالإضافة لمنجزه الذي اشرت إليه، أنه نجح إلى حدٍ بعيد في إحداث فالق شاقولي يزداد مع الأيام عمقاً في مجتمع هو أصلاً مضطرم بالتحولات التي نذرها أيقظت في اطنابه كوامن غوائل نشأته الاستعمارية العنصرية، كما ومن شأنها أنها تسرّع بالتالي من انكشافٍ بائنٍ لإرهاصات بدايات الأفول الأمبراطوري.. بفجاجة صريحةٍ حد الوقاحة يطلق ترامب صيحة “اميركا أولاً” وبها يستعدي العالم لإيقاف هذا الأفول.
أقول هذا، وأنا اتابع كيف يلهث غالب الإعلام العربي متسقطاً آخر تجليات راهن قائم المعمعة الأوكرانية في ساحة النزال الأميركية الداخلية المحتدمة، تماماً مثلما فعل إزاء حديث التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية المنصرمة. هو دائماً كعهده يعلّق سياسات الدول على مشجب الشخوص، لا سيما فيما يتعلَّق بقضايانا..
دوره هنا أنه يسهم في تزييف الوعي فيؤدي جهده هذا خدمةً مجَّانية لأعدائنا..
ينسى أو يتناسى أو يعجز عن فهم أن مشكلتنا هي مع الغرب، مع الولايات المتحدة، ولا تختصر في شخص من يحكمها لأنها هي من تحكِّمه وتستبدله بمن تريده حاكماً لها.. ولنضرب مثلاً، وليكن الموقف من قضية قضايا الأمة العربية في فلسطين. اميركا تنظر للكيان الصهيوني باعتباره امتداداً عضوياً لها. ترى نشأتها الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية في هذا الكيان القائم مثلها على إبادة الآخروالحلول محله ..
وحتى لا نذهب بعيداً في تاريخ السياسات الأميركية المعادية لأمتنا، نكتفي بهذه الإشارة، كانت كيمياء العلاقة الشخصية بين كلٍ من أوباما ونتنياهو، وفق ما تردد، ليست بالسويَّة، بيد أن ما أعطاه أوباما للكيان بلغ ما لم يسبق وأن منحه له رئيس أميركي سبقه، وإذ خلفه ترامب فمنح هذا الكيان مالم يحلم به صهاينته، السفارة، القدس، الجولان، ضم المستعمرات، والبقية تأتي في “صفقة القرن”، رفض منذ أيام الرد على اتصال هاتفي من نتنياهو!
.. معمعة بيلوسي، وترامب دعتني لاستعادة ما تقدَّم، وتدعوني أيضاً للقول إن لعنة أمتنا هي في انهزامييها، والذين ارتقوا من درك التبعية إلى هاوية التصهين، والأسوأ من بين كل هؤلاء هم مثقفو الاستلاب، هؤلاء وسائر من لا يعتبرون، أو لا يدركون حتى الآن، أن أميركا تصنع رؤسائها على صورتها وهي بغض النظر عمن تصنعهم هي بمن تصنعهم ظلت وتظل عدو أمتنا الأول، والصهاينة والمتصهينين هم ليسوا بأكثر من تفاصيل في عدوانيتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى