تمر السنين وتتعاقب الأحداث ويجري في نهر الحياة المتدفق الكثير من الأحداث التي لن ينساها التاريخ بمرها وحلوها، ولكن هناك كارثة أصابت الأمة العربية والإنسانية غير قابلة للنسيان والتجاوز عنها، وهي رحيل القائد المعلم والزعيم جمال عبد الناصر .
هذا الاوان تمر الذكرى الــ49 لرحيله المفجع، وهو في قمة عطائه القومي والوطني والإنساني ، عن عمر 52يناهز عاما وسبعة أشهر وثلاثة عشر يوما .
ومنذ رحيله المفجع بدأت مراحل السقوط للأمة والتراجع عن مشروع الوحدة العربية وتوحيد الكلمة، وخرجت الفئران النفطية وغير النفطية من الخونة من جحورهم المظلمة لتبدأ مرحلة ما يسمى بالحقبة النفطية الكريهة التي ازدهرت في سبعينيات القرن الماضي، ونشرت ثقافة الاستهلاك الهابطة بدعم وتوجيه من مشغليها في واشنطن والغرب، واشترت الضمائر الرخيصة ونشرت ثقافة الهزيمة والانحلال، وراجت مقولات منها أن العرب أمة لا تتقن فن الحرب إذاً فلتستجد السلام بأي ثمن وبأي تنازل ، ولأجل ذلك وفي سبيله لا بد من تصفية ارث المقاومة والصمود وإرادة التحدي والاعتماد على الذات التي قادها الزعيم جمال عبد الناصر .
وانتشرت كالنار في الهشيم، خلال بضع سنوات بعد رحيله، في السينما والمسرح ووسائل الإعلام الرخيصة بكل ألوانها ومسمياتها صناعة الأفلام والمسلسلات والمسرحيات و المقالات الهابطة جميعها، وأصبح الهجوم على الزعيم جمال عبد الناصر أكبر باب للارتزاق ، وليس مهما أن بعض هؤلاء من الأسماء اللامعة الذين ملأوا الدنيا مديحا لجمال عبد الناصر في حياته ، ثم تغيروا مئة وثمانين درجة بعد رحيله.. ومن بين هؤلاء نجوم لامعة أمثال نجيب محفوظ صاحب نوبل ( الذي استقبل الصهاينة في بيته بعد كامب ديفيد) وتوفيق الحكيم صاحب رسالة العار في التأييد الحار للسادات بعد عودته من رحلة الخيانة والعمالة، جلال الدين الحماصي صاحب قصة (إحنا بتوع الاتوبيس)، وأنيس منصور ( رسول السادات للصهاينة ويكفيه هذا العار ) وغيرهم وغيرهم .
والغريب ان أكثر مهاجمي عبد الناصر، خاصة من حملة الألقاب، هم مجرد واجهات لمشغليهم في واشنطن وتل الربيع المحتلة والرياض ، ولولا مجانية التعليم والعدالة الاجتماعية التي أرساها جمال عبد الناصر في أرض مصر لكانوا مجرد عبيد لدى الاقطاعيين أسياد أبائهم وأجدادهم .
ومع كل الكذب والتزوير للتاريخ والإساءة ها هو جمال عبد الناصر وتاريخه العطر الذي هو ملك الأجيال كالذهب الخالص يزداد بريقا كلما مرت السنين، لأن فبركات الكذب والتزوير واصطناع البطولات لا تصمد أمام حقائق التاريخ .
وها نحن اليوم وبعد 49 عاما على رحيله المفجع نتساءل ويتساءل الكثيرون معنا، ماذا قدم منتقدوه وكارهوه من أقصى اليمين المتأسلم لأقصى اليسار المراهق غير الانبطاح أمام أمريكا والكيان الصهيوني والتبعية المطلقة لهما؟ .
فإذا قرأنا ما قال القادة الصهاينة، وهم أعداء الأمة، سنجد ما يخرس ألسنة السوء ، فما الذي أجبر الجنرال موشيه ديان أن يصرخ حين بلغه رحيل جمال عبد الناصر بأن هذا اليوم عيد قومي لكل يهودي بالعالم ، وما الذي دعا جوالد مائير أن تقول باختفاء جمال عبد الناصر من مسرح الأحداث أصبح طريق السلام ممكنا وسالكا مع العرب؟ .
وما الذي دعا بن غوريون أهم قائد صهيوني أن يقول كان لليهود أكبر عدوين هتلر وجاءت نهايته، وجمال عبد الناصر الذي خلصنا منه الرب وغيرهم الكثير الكثير .
وما الذي دعا الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أن يلغي مناورة كانت ستقوم بها أمريكا بأسطولها السادس المتواجد في فلسطين المحتلة عندما بلغه خبر رحيل الزعيم جمال عبد الناصر الذي لا يزال لغزا محيرا، وهناك إجماع أنه لم يكن طبيعيا ذلك الرحيل المفجع اذا عرفنا أنه كان قد حدد موعد الحرب مع العدو الصهيوني بين عامي 1970 ـ 1971 م، ليأتي بعده الخائن أنور السادات ليقوم، وبدعم من العدو الصهيوأمريكي وملحقه السعودي، بالانقلاب على مشروع الزعيم جمال عبد الناصر .
ورحم الله القائد والمناضل الفلسطيني الشهيد صلاح خلف أبو إياد عندما قال (كل المصائب تبدأ كبيرة ثم تصغر تدريجيا إلا مصيبتنا بفقد جمال عبد الناصر فسوف تزداد أثارها يوما بعد يوم ) .
سلام عليك أبا خالد.. سلام على روحك الطاهرة يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا ، ولا نامت أعين الجبناء .