“الجودة الشاملة” في المؤسسات الأكاديمية

 

بتواضع فاني اعرّف الجودة الشاملة في مجال “التدريس الأكاديمي” كما يلي: “نظام فعال يسعى لتطويرمفهوم جودة التعلم لتحقيق التحسين المستمر، وذلك بهدف خلق مشاركة جماغية ما بين طرفي العملية الدراسية وهما الاستاذ والطالب”…تهدف الجودة الشاملة لتقديم سلعة تعليمية راقية لخدمة الزبائن وهم الطلاب واولياء الامور، ساعية لجلب المزايا والمنافع لكافة العاملين في المؤسسات التعليمية وللمجتمع على حد سواء.
والغريب اللافت ان المؤسسات الأكاديمية التي تدرس الجودة الشاملة كمساق تعليمي لا تطبق نفسها هذا المفهوم في أساسيات عملها، وقد طور هذا المفهوم اساسا بواسطة عالم الجودة الشهير”ديمنغ” بعد الحرب العالمية الثانية، وتبنت اليابان هذا المفهوم بشكل جدي وطوال اكثر من ثلاثين عاماً (1950—1980)، قبل أن ينتقل بشكل ثوري لمعظم الشركات والمؤسسات العربية والعالمية الناجحة، وطالما تم التركيز على تطبيقات الجودة الشاملة بقطاعات الصناعة والخدمات والبنوك والرعاية الصحية ، كما قام بعض الباحثين تطبيق هذا المفهوم بقطاعات الخدمات الحكومية والمجال التعليمي الأكاديمي وحققوا نجاحات ملحوظة مهدت لاحقا لما يسمى جوائز التميز العالمية.
يعتمد تطبيق الجودة الشاملة في المؤسسات الكاديمية على أربعة دعائم رئيسية هي :
• علاقات “التعزيز” : ويتم ذلك بالتاكيد على مفهوم الموردين والزبائن وتشكيل فرق مشتركة من المدرسين والطلاب تشبه ما يسمى في الصناعة “بعمال خطوط الانتاج الأمامية” وتركزهذه العلاقات على تطوير قدرات الطلاب واهتماماتهم، حيث يمثل الطالب دور الزبون بالنسبة للاستاذ او المدرس، من حيث تلقيه للسلعة والخدمات التعليمية، كما يلعب المدرس هنا دور المورد الفعال للسلعة التعليمية ذات القيمة المضافة ، وفي المحصلة فان تعليم الطلبة كيقية ادخال عناصر الجودة الشاملة في دراستهم وابحاثهم يعتبر أحد نتائج هذه العلاقة المتبادلة بالاضافة للعنصر الأساسي وهو جودة التعليم . واعتقد انه من الصعب تطبيق هذا المفهوم بالبيئة العربيةالأكاديمية نظرا لثقافة الاستعلاء والوصاية والخوف السائدة في العلاقة بين الأساتذة والطلاب!
• التحسين المستمر والتقييم الذاتي: تشجع هذه التوجهات كل المعنيين على تطوير قدراتهم باستمرار، وحسب مقولة ديمنغ الجريئة: “لا يجب أن يقوم شخص ما بتقييم شخص آخر، حيث يجب ان يكون كل انسان قادرا بصدق ونزاهة على تقييم وتقدير قدراته ومواهبه”! فالتقييم الذاتي جزء هام وأساسي في عملية التحسين المستمر، ويفضل هنا التركيز على القدرات الذاتية ونقاط القوة وأساليب التدريب العصرية بالاضافة للقدرة على التعامل مع أنواع الذكاء المختلقة. كما يجب التنويه هنا لصعوبة تطبيق مفهوم “التقييم الذاتي ” بالبيئة العربية الأكاديمية لضعف الثقة بالنفس والاستهتار بأراء الآخرين وضعف الموضوعية والمبالغة احيانا بتقدير الذات.
• نظام عمليات مستمر: ويعني ذلك أن اللوم والتقصير بحال حدوثهما يجب ان يوجها بالغالب للنظام وليس للأشخاص، فنظام التدريب يجب ان يكون ديناميكيا وملائما وخال من العيوب وقابلا للتصحيح باستمرار ، كما ان التركيز يجب ان ينصب على النتائج التدريسية بدون ان ننسى أهمية الأساليب وضرورة تحديثها.
• القيادة: لا يستطيع احد ان يهمش الدور الحيوي الذي يمكن ان تلعبه القيادة في المسار الأكاديمي ، فالتحصيل الكاديمي يكون بأحسن صوره عند تفاعل كل من المدرسين والطلبة في العمل المشترك “كفريق عمل فعال وتفاعلي”. وقد لوحظ أن التركيز على عنصر القيادة يؤدي بالصرورة لتشكيل اطار عملي للتحسن المستمر يضمن نجاح العملية التدريسية واندفاعها الذاتي القوي. وللتوضيح فالقيادة لا تعني الادارة بمفهومها التقليدي البيروقراطي وانما تعني باختصار خلق بيئة موائمة خلاقة لتحقيق انسياب العملية التدريسية لمصلحة الأطراف المعنية.
وحسب المدلولات العملية، فان مبادىء الجودة الشاملة تساعد المؤسسات التعليمية الأكاديمية في المجالات التالية :
• اعادة تعريف الأدوار والأهداف والمسؤوليات.
• تحسين مجمل الأداء الأكاديمي واعتماده كنظام تربوي شامل ومتكامل.
• التخطيط الدقيق لتدريب القيادات الملائمة على كافة المستويات.
• خلق مجالات تطوير للعاملين تساعد لاحقا بتشكيل التوجهات والفعاليات التعليمية .
• استخدام الأبحاث الحديثة والمعلومات المستجدة العملية لتوجيه السياسات والتطبيقات ، بمعنى مواكبة الانفجار المعرفي!
• تصميم مبادرات عملية شاملة تركز على تطوير مجمل قدرات الطلاب في كافة المراحل الجامعية.
*ومن اجل انجاح هذا السيناريو التعليمي، يجب أن تتوفر بالقيادات القدوة والرؤيا والمهارات القيادية الضرورية كالكاريزما والاقناع، كما يجب التركيز على فعالية الادارة وقدرات حل المشاكل والتعاون الخلاق، وكل ذلك بهدف مقومات “الجودة الشخصية” لتأسيس عناصر النجاح لتطبيق “الجودة الشاملة” في المجالات الأكاديمية والتعليمية .
وهناك اأسئلة ذات دلالة يفضل طرحها كأستبيان في خاتمة هذا المقال:*
• هل هناك رغبة حقيقية في تبني أساليب الجودة الشاملة؟
• هل هناك رغبة حقيقية في تبني مفاهيم التعزيز المتبادل؟
• هل هناك رغبة حقيقية للتخلي عن اساليب التعليم التقليدية التي تعتمد على التلقين والحفظ، وتبتعد عن التفكير الخلاق والبحث؟
• هل هناك رغبة حقيقية بتبني ثقافة أكاديمية جديدة تستند للثقة والاحترام المتبادل والتواضع؟
• هل هناك رغبة مشتركة لاعتماد مفاهيم فرق العمل المشتركة التي تركز على التفاعل المتبادل الناضج والدعم ما بين الطرفين الهامين في العملية التدريسية وهما الاستاذ المدرس والطالب ؟
ويتطلب هذا التوجه جهودا حثيثة متواصلة وقدرا عاليا من النضج والتواضع واحترام الاخر…وأملنا كبير في أن تبادر احدى الجامعات وتباشر بوضع برنامج عملي شامل لتطبيق الجودة الشاملة، وتقوم بدور النموذج والقدوة لباقي الجامعات، تسعى لأن تبدع صورة نموذجية “للمقارنة القياسية المرجعية” بحيث تحذو باقي الجامعات حذوها للخروج لآفاق المستقبل ودخول حلبة السباق العالمي… فمن يبادر حقا للقيام بهذه الخطوات العملية الجريئة؟

استشاري ومدرب جودة شاملة وحيود سداسي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى