السودان وحديث التطبيع

في سودان الراهن تآلف ما، هو موضوعياً تحالف بين جنرالات الجنجويد وكوامن بقايا المهدية والختمية، أضف إليهما مآلات شيوعيي السودان، وبؤر نزوع الأفرقة، أو ما انضووا تحت، أو على مقربةٍ من” مظلة “قوى الحرية والتغيير”.. هؤلاء أخذوا الحالة الشعبية السودانية، التي دفعت باتجاه اسقاط البشير غير المأسوف عليه، إلى مقلب آخر لم يستشهد الشهداء من أجله في الميادين التي عجَّلت بإسقاطه.
أخذوأ هذا التحالف إلى تحالف أوسع منه.. إلى تحالف المحمدين والسيسي، ومنه مباشرةً وبواقع الحال إلى أقصر الطرق إلى حضن نتنياهو، وإن لحق هذا بمآل سلفه أولمرت، فحضن من سيحل من بعده في سدة حكم الكيان الصهيوني.
جاءوا بعبدالله حمدوك من الغرب رئيساً للحكومة الانتقالية، فسحب هذا من ادراج التقاعد الدبلوماسية المعتَّقة أسماء محمد عبد الله مصرَّاً عليها، وعيَّنها زيرةً للخارجية السودانية، وهذه لم تني فكانت أولى ابداعاتها لإعادة تأهيل السياسة الخارجية السودانية اميركياً، هو ما قالته لل”بي. بي. سي”، ومثله، أو من جنسه موارباً بعض الشيء، وقبل أيام قليلة، ل”فضائية الجزيرة”، قالت الوزيرة:
“ليس هناك شيء ثابت في السياسة، وقد يقيم السودان علاقات مع إسرائيل، لكن ليس هذا الوقت هو المناسب”.. الموضوع إذن مؤجَّل حتى يتم تبليعه للسودانيين، وعليه، استدركت فاستطردت: ولسان حالها يقول، طوِّلوا بالكم علينا، “لن نتخذ قرار التطبيع مع إسرائيل قريباً، آخذين بمشاعر الشعب السوداني ونظرته في حال حدث تواصل” تطبيعي!
حمدوك كانت أولى صولات جمع الشمل السوداني عنده، اللجوء لسلفا كير ميراديت جنوباً لجمع شمله مع مشاهير متصيني الشمال من أمثال عبد الواحد النور، وياسر عرمان، وسائر من بقوا يراودون وفي نفس الوقت يشاكسون مبتزين قوى تحالف ما بعد البشير من المنتمين لتلك المجموعات المدعوَّة “الحركات المسلَّحة”.
في السودان، النزوع المتأفرق المبتعد به عن عروبته بدأ سافراً الآن ويطل برأسه. دعوات تطالب بالانسحاب من الجامعة العربية، مع التركيز على الانتماء الأفريقي وحده، زحزحة اللغة العربية في ادبيات المرحلة الانتقالية، كلغة رسمية واحدة، لصالح لهجات ولغات مناطقية أقلوية بذريعة التعدد، وهلمجرا..
.. في سودان الراهن طرحت الهوية القومية التاريخية للسودان في بورصة التقرُّب من الولايات المتحدة، وتقدَّ لها كقربان تقرُّب والتماس لرفع السودان مما تدعى “قائمة الإرهاب” ورفع عقوباتها عنه.. التاريخ السوداني التطبيعي هنا يجتر نفسه.. أسماء محمد تدرج على ذات خطى نميري الفلاشا. هي لم تزد، بل عبَّرت رسمياً، ولم يعترض عليها معترض هناك، لا من “المجلس السيادي، ولا من حكومة حمدوك، ولا “تحالف الحرية والتغيير”..
هي حتى الآن لم تزد على التناغم الديبلوماسي مع المطالبات الناشزة لمتصيني السودان التي باتت الساحة السودانية ميداناً رحباً ومتسعاً لهم.. ونذكر، مبارك الفاضل المهدي، الأكاديمي حسن مكي، كرم الله عباس والي القضارف، وحسن خوجلي رئيس تحرير صحيفة ألوان، وفتح الرحمن فضيل القيادي في حركة الإصلاح الإسلامية، والحبل على الجرَّار..
على أمتنا العربية أن تمرَّر كل حالاتها الشعبية الرافعة لرايات التغيير من بوَّابة الفحص الدقيقة التالية:
العروبة هوية غير خاضعةٍ للنقاش، وفلسطين قضيَّة مركزية وبوصلة وحدة ونهوض الأمة، وتجريم التطبيع كفعل خيانة لها، وواسطة عقد هذه وتلك اعتبار الولايات المتحدة عدوها الأول، يليه امتداداتها غرباً وصهاينةً ومتصهينين عرباَ.. ربما لهذا، وعملاً به، كانت مفاجأة الانتخابات الرئاسية التونسية، المتمثلة في تقديم التونسيين لقيس سعيِّد على سواه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى