روسيا تكتشف ان اردوغان يخدعها ويتخذها جسرا للتقرب من امريكا وتقاسم السيطرة معها على الشمال السوري

 

لندن – جريدة العرب
تدخل تركيا المباشر في دعم وإسناد الجماعات الجهادية في ريف إدلب الجنوبي والردّ الروسي الحازم يشيان بأن التقارب التكتيكي بين موسكو وأنقرة قد شارف على نهايته، وأنّ سوريا أمام فصل جديد ينذر بمواجهة مريرة بين الجانبين.
ويشهد الشمال السوري تطوّرات دراماتيكية قد تنتهي بمواجهة مباشرة بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض السورية، ولعلّ التطوّر الأبرز ذلك الذي استجدّ في إدلب شمال غربي البلاد حينما سارعت تركيا إلى إرسال العشرات من الآليات والمدرعات المحملة بالذخائر لنجدة هيئة تحرير الشام، التي يضيّق الجيش السوري، بدعم روسي، الخناق عليها في مدينة خان شيخون الاستراتيجية.
وقوبلت الخطوة التركية المثيرة بصدّ من قبل سلاح الجوّ الروسي والسوري وسط اتهام دمشق لأنقرة بدعم الجماعات الإرهابية، مشدّدة في بيان للخارجية “هذا السلوك العدواني للنظام التركي لن يؤثّر بأيّ شكل على عزيمة وإصرار الجيش العربي السوري على الاستمرار في مطاردة فلول الإرهابيين في خان شيخون وغيرها، حتى تطهير كامل التراب السوري من الوجود الإرهابي”.
وهذه المرة الأولى التي تحصل فيها مواجهة مباشرة بين أنقرة من جهة، وموسكو ودمشق من جهة أخرى منذ إسقاط تركيا الطائرة الروسية سوخوي 24 فوق جبل التركمان في محافظة اللاذقية في نوفمبر 2015، في تحوّل يُنذر بانتهاء التقارب التكتيكي في سوريا بين روسيا وتركيا منذ المصالحة بينهما في العام 2016.
ويقول محلّلون إن التحرّك التركي يحتمل قراءتين: الأولى أنه لم يكن هناك اتفاق تركي روسي مثلما روّج يقضي بتسليم محافظة إدلب إلى الحكومة السورية مقابل غضّ الطرف عن توجّهات تركيا شرق الفرات، وقد استندت تلك التحليلات إلى التزام أنقرة الصمت حيال تقدّم الجيش السوري طيلة الفترة الماضية، ما استدعى ردود فعل غاضبة آنذاك من الفصائل.
والقراءة الثانية والتي تبدو الأكثر ترجيحا هو أنّ تركيا تراجعت عن تفاهماتها الأولية مع الجانب الروسي بعد توصّلها لاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، سيبدأ تنفيذه وفق المسؤولين الأتراك الأسبوع الجاري.
ويقول متبنّو وجهة النظر الثانية أنّ أنقرة لطالما أولت التعاون مع الولايات المتحدة الأهمية الكبرى في الشأن السوري، لكنها ونتيجة لموقف واشنطن من الأكراد، اضطرت تركيا إلى التقارب مع روسيا التي هي في الواقع على طرف نقيض معها حيث تدعم أنقرة المعارضة والفصائل الجهادية، في المقابل تدعم موسكو الحكومة السورية.
ويلفت هؤلاء إلى أن أنقرة وبعد أن استشعرت جدية أميركية في تنفيذ التفاهمات التي تمّ التوصّل إليها في 7 أغسطس الجاري بشأن تقاسم إدارة المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، عدّلت موقفها لجهة استمرار دعم الجماعات الجهادية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام في إدلب على أمل أن تبقي المحافظة ومحيطها كمركز نفوذ دائم لها، مع تكريس تموقعها على طول الشريط الحدودي من خلال المنطقة الآمنة المُزمعة.
وبغضّ النظر عن التصريحات الدبلوماسية التي يطلقها المسؤولون الأتراك بشأن الحفاظ على وحدة سوريا، والزعم بأن محاربتهم للأكراد تندرج في سياق تحقيق هذا الهدف، إلا أنّ الواقع الميداني ينطق عكس ذلك فتركيا لطالما عدّت الشمال السوري جزءا منها، وأنّ اتفاقية “لوزان” التي وقّعت في العام 1923 سلبتها أحقيتها في تلك المنطقة، وأنه حان الوقت لتصحيح هذا الوضع بإعادة ضمّ هذا الجزء إليها.
تركيا تراجعت عن تفاهماتها الأولية مع الجانب الروسي بعد توصّلها لاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إقامة منطقة آمنة
فقد بدأت تركيا، منذ اندلاع النزاع المسلّح في سوريا في بداية العام 2012 ، تكريس واقع جديد في الشمال من خلال دعم الفصائل الجهادية والمقاتلة في مواجهتهم مع القوات الحكومية، واضطرت أمام تراجع الدعم الأميركي والغربي عموما إلى عقد اتفاقيات مع الجانب الروسي، كتسليم الغوطة الشرقية في ريف دمشق (2018)، وقبلها حلب (2016)، دون تجاهل دورها في الجنوب (2018). ويرى خبراء أن تركيا لم تكن في واقع الأمر الطرف الخاسر من تلك الاتفاقيات، بل إنها كانت مستفيدة منها لجهة تكديس المئات من الفصائل المنتشرة في عموم سوريا على الشريط الحدودي للدفاع عن مشروعها الانفصالي.
وتزامنت تلك الخطوات مع شنّ القوات التركية بدعم من الفصائل السورية عمليتين عسكريتين: الأولى في العام 2016 تحت مسمّى “درع الفرات”، في ريف حلب، تحت غطاء مقارعة تنظيم داعش، ولم تحدث في تلك العملية أيّ مواجهة مع التنظيم الجهادي بل كانت مجرّد تسليم للمناطق مثل أعزاز والباب وجرابلس للقوات التركية، وفي العام 2018 أطلقت أنقرة عملية جديدة “غصن الزيتون” استهدفت مدينة عفرين الواقعة أيضا في ريف حلب، ونتج عن ذلك التدخل تهجير الآلاف من الأكراد، وتوطين النازحين السوريين (عرب سنّة).
وفي خضم ذلك عمدت تركيا إلى تتريك كل المناطق التي سيطرت عليها بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الفصائل الموالية لها، سواء بتغيير أسماء الأنهج والشوارع وتغيير المناهج الدراسية، وبناء مراكز صحية وغيرها من المؤسسات العامة.
وتعتقد تركيا أن الولايات المتحدة قد تدعمها في مشروعها الانفصالي في حال نجحت في تقديم حزمة من المغريات، من بينها دعم وجهود واشنطن في محاربة إيران في شرق سوريا من خلال الفصائل الجهادية والمقاتلة الموالية لها، وأيضا الحيلولة دون نجاح مساعي روسيا في فرض سيطرة الحكومة السورية على كامل أراضيها.
وقد تتلاقى الطموحات التركية مع الأهداف الأميركية بيد أن المسالة ليست بهذه السهولة، خاصة وأن العلاقة بين الجانبين هشة للغاية، وهناك حالة من انعدام الثقة بينهما، فضلا عن كون الولايات المتحدة ما تزال حريصة على علاقتها مع حليفها في محاربة داعش أي الأكراد.
في المقابل فإن روسيا لن تسمح لتركيا بتمرير مشروعها لأنه يتعارض مع استراتيجتها المبنية على استعادة دمشق السيطرة على كامل أراضيها، بما في ذلك إدلب ومحيطها.
وتشكّل الغارات الروسية السورية على الرتل العسكري التركي رسالة واضحة من موسكو إلى أنقرة بأنها مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لاستعادة القوات الحكومية إدلب.
وحقق الجيش السوري بدعم جوّي من روسيا في الأيام الأخيرة تقدّما سريعا في ريف إدلب الجنوبي، ونجح في اختراق مدينة خان شيخون من الجهة الشمالية الغربية، فيما يسعى إلى تطويق المدينة من الجهة الشرقية.
وتحظى خان شيخون بأهمية استراتيجية لجهة أنها تقع على الطريق الدولي الرابط بين العاصمة دمشق وحلب، فضلا عن كون أن سيطرة الجيش عليها سيعني فصل ريف إدلب الجنوبي عن ريف حماة الشمالي، حيث توجد فصائل جهادية من قبيل جيش العزة وفيلق الشام، إلى جانب إحدى أكبر نقاط المراقبة التركية النقطة التاسعة الموجودة في مورك، إلى جانب النقطة العاشرة في شير مغار.
وتخشى تركيا أن تفضي سيطرة الجيش السوري على خان شيخون إلى محاصرة النقطتين اللتين تتمركز فيهما قواتها، وفصل ريف حماة عن إدلب، وهذا ما قد دفعها إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة لدعم الفصائل الجهادية التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) في المدينة.
وكانت تركيا وروسيا وإيران قد توصلت مطلع الشهر الجاري خلال اجتماع في كازخستان إلى وقف لإطلاق النار، في إدلب سرعان ما انهار بعد أربعة أيام فقط، وسط اتهام دمشق هيئة تحرير الشام بخرق الاتفاق عبر استهداف القاعدة العسكرية الروسية حميميم باللاذقية.
وتكشف التطوّرات الأخيرة بأن الهُدنة المنهارة لم تكن سوى استراحة محارب لأطراف النزاع، وأن الحديث الذي ترافق عن توجّه لحلّ عقدة إدلب دبلوماسيّا عبر إعادة إحياء اتفاق سوتشي، لم يكن سوى ذرّ رماد على العيون.
ويعود اتفاق سوتشي إلى سبتمبر الماضي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في مدينة سوتشي الروسية المطلّة على البحر الأسود، وأوقف ذلك الاتفاق عملية عسكرية ضخمة مرتقبة للجيش السوري وللموالين له على إدلب. ويقضي الاتفاق بإنشاء منطقة عازلة في عمق محافظة إدلب مع سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الفصائل المعارضة، وإبعاد الجماعات الجهادية صاحبة اليد الطولى إلى الحدود مع تركيا إلى حين إيجاد حل لمعضلتها.
وبدا واضحا بعد مرور أشهر عن الاتفاق أن تركيا لم تكن جادة حقيقة في تنفيذ تعهداتها، وأن هدفها كان في الأساس ربح الوقت، وتكرّس هذا الاعتقاد حينما فتحت المجال أمام هيئة تحرير الشام في ديسمبر الماضي لوضع يدها على كامل المحافظة ومحيطها. هذا الوضع دفع دمشق إلى تحريك قواتها في فبراير الماضي، ليصدر في أبريل الماضي ضوء أخضر روسي بتصعيد العمل العسكري في محيط إدلب.
وحاولت تركيا على مدى الأسابيع الماضية التوصّل لتفاهمات مع الجانب الروسي بشأن إدلب بالتوازي مع تصعيد لغتها الدبلوماسية ضد الأكراد في شرق الفرات، ولم تخلُ مفاوضات أنقرة مع موسكو من مقايضات، وبدا واضحا الآن أن تركيا كانت في الأساس تسعى إلى اتفاق “جيد” مع الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى