من تداعيات الحرب فصل الجنوب عن اليمن وتصدع التحالف

في سيرورة هذه الحرب الأهلية التي يعيشها اليمن منذ بداية ما يسمى “الربيع العربي” سنة 2011، إضافة إلى تدخل القوى الإقليمية متمثلة بالتحالف السعودي الإماراتي منذ خمس سنوات، يشهد اليمن واقع التقسيم من جديد،لا سيما في ضوء الصراع الخفي المندلع منذ سنة بين المملكة السعودية والإمارات في جنوب اليمن ، والذي استفاد منه المجلس الانتقالي الجنوبي وكيل دولة الإمارات في اليمن ،ليقود انقلاباً جديداً على الحكومة اليمنية ، ويسيطر على مقراتها السياسية والعسكرية في مدينة عدن خلال الأسبوع الماضي ، رافضاً دعوة المملكة السعودية إلى الانسحاب وإن قبل بدعوتها إلى الحوار وبوقف إطلاق النار في عدن (بعدما سيطر على المدينة بأكملها).
انقلاب عدن وتصدع التحالف بين السعوديين والإماراتيين
يكشف سقوط عدن بيد الإنفصاليين الجنوبيين وسيطرتهم على القواعد العسكرية التابعة للحكومة اليمنية، عقب القتال الذي تزامن مع احتفالات عيد الأضحى،و أسفر عن مقتل 40 شخصا، وجرح 260 آخرين حسب تقديرات الأمم المتحدة ،عن بداية انهيار التحالف بين المملكة السعودية و دولة الإمارات. ومنذ شهر آذار/ مارس سنة 2015 ، تقود السعودية والإمارات تحالفًا عربيًا ينفذ عمليات عسكرية في اليمن، دعمًا للقوات الموالية للحكومة اليمنية ، التي يترأسها عبد ربه منصور هادي، الذي يقيم في السعودية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
الإنفصاليون الجنوبيون المنضوون في إطار ما يسمى “المجلس الإنتقالي الجنوبي ” يتلقون دعمًا ماليًا وعسكريًا من دولة الإمارات، وكانوا جزءًا من الائتلاف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، لكنهم معارضون لحكومة الرئيس هادي منصور ، وقد خاضوا منذ عدة أيام اشتباكات عنيفة وحرب عصابات ضد القوى اليمنية الموالية للمملكة السعودية .
ويرى مراقبون أنّ ما يحصل هو مؤامرة سعودية اماراتية حضرت ليتسنى لهم فصل الجنوب اليمني عن الشمال ولكن بصورة درامية لا تُظهر أنّ للنظام السعودي دورًا في المشهد خاصة أنّه يدعي أن الحرب المجرمة التي شنّها على اليمن لإعادة ما يسمى “الشرعية” والحفاظ على وحدة اليمن، بينما ما يعكسه الواقع الميداني دليل على المخططات الاستعمارية التي يتوهم تحالف العدوان تحقيقها على الأراضي اليمنية .
في الواقع السياسي، تُعَدُّ سيطرة “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتيًا، والذي تأسس في 11 من أيار/ مايو 2017،ويطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله،على مدينة عدن جنوبي اليمن، مسمارًا جديدًا في نعش الشرعية اليمنية وضربة موجعة، للحكومة والقيادة التي فقدت في العام 2014 السيطرة على العاصمة صنعاء، لتلحق بها عدن، ثاني أهم مدن البلاد التي تُوصف بـ”العاصمة المؤقتة”، ليغدو الواقع السياسي اليمني بين سلطتي أمر واقع مركزيتين تمثّلان صنعاء وعدن، فيما يتبقى للشرعية والسلطات المحلية الموالية لها، العواصم الثانوية، وأبرزها محافظة مأرب إلى جانب أجزاء من حضرموت وغيرها، لكنها تبدو الحلقة الأضعف على الأرض.
وإلى ما قبل سقوط عدن، كانت الشرعية اليمنية، تعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ، على الدعم الخارجي، إذ إنَّ الضربة الأولى التي لا تقارن بأي تحولٍ آخر، كانت فقدان السيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 التي ما تزال تحت سيطرة الحوثيين يمارسون فيها سلطاتهم إلى جانب سيطرتهم على أغلب المحافظات الشمالية والجنوبية الغربية والوسطى، وجميعها تمثل مركزًا للثقل السكاني حيث يعيش الغالبية من اليمنيين، فضلاً عن كونها تضم البنية التحتية للدولة ومؤسساتها.
من الواضح بشكل متزايد أنّ ما يحصل في عدن هو نتاج طبيعي للاختلافات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، اللتين لا تتشاركان في الأهداف النهائية نفسها في اليمن، على الرغم من أنهما تمتلكان الهدف الاستراتيجي الرئيسي نفسه، المتمثل في دحر النفوذ الإيراني حسب وجهة نظرهما. وفيما ترى المملكة السعودية أنّ ما يسمى “حزب التجمع الوطني للإصلاح ” القريب من الإخوان المسلمين هو المفوض بالشأن اليمني بحكم ولائه المطلق للرياض، وتستخدمه في حربها ضد المقاومة اليمنية ،و يمتلك دورًا حيويًا في عملية إعادة إعمار اليمن ، تُعَارِضُ الإمارات العربية المتحدة تَقَلُّدِ هذا الحزب أي دور مهم في المشهد السياسي اليمني، بسبب علاقته بالإخوان المسلمين، الحركة التي تعتبرها القيادة الإماراتية تهديدًا داخليًا وقوة متطرفة في العالم العربي.
نشرت صحيفة “واشنطن بوست”بتاريخ 12 أغسطس/آب 2019 ، تقريرًا عن سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على ميناء عدن، وكيف كشف عن صدع في التحالف السعودي الإماراتي. وينوه التقرير إلى أنّ الخلافات بدأت في الظهور منذ 18 شهرًا بين الانفصاليين الجنوبيين الذين تدعمهم الإمارات، والحكومة الشرعية التي تدعمها السعودية، فيريد الانفصاليون استقلال الجنوب عن الشمال، بعد وحدة بين الشقين دامت عقدين، ويرفض الانفصاليون مع الإمارات تحالف حكومة هادي مع حزب الإصلاح.
ويذكر التقرير أنَّ المعارك بدأت في عدن بعدما قتل صاروخ على مسيرة عسكرية للانفصاليين عددًا من الجنود الأسبوع الماضي، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا أن الانفصاليين اتهموا الإصلاح بالقيام بدورٍ في الهجوم. وتجد الصحيفة أنَّ المعارك كانت أكبر ضربة لطموحات السعودية بإعادة الحكومة الشرعية، خاصة أن عدن ظلت عاصمة مؤقتة لها بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، مشيرة إلى قول الحكومة السعودية إنّ هذه المعارك تُعَدُّ حَرْفًا عن الحملة ضد الحوثيين، فيما قالت وزارة الخارجية السعودية إنّها دعت الحكومة اليمنية والأطراف المشاركة في القتال كلها إلى اجتماع عاجل في السعودية لمناقشة الخلافات.
الموقف اليمني الرسمي من انقلاب الجنوبيين
طالبت الحكومة اليمنية، يوم الخميس15أغسطس/آب 2019، الإمارات بسحب ووقف دعمها العسكري لـ”المجموعات المتمردة” بشكل كامل وفوري، مؤكدة تورط أبو ظبي بانقلاب العاصمة المؤقتة عدن.وحمل بيان لوزارة الخارجية “المجلس الانتقالي الجنوبي” والإمارات مسؤولية “الانقلاب” على الشرعية في عدن.
وأوضح البيان أنّ “تحالف دعم الشرعية، بقيادة السعودية، جاء بالأساس استجابة لدعوة من الرئيس عبد ربه منصور هادي للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، استنادًا إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لحماية اليمن من الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران”.
وكان نائب رئيس الوزراء اليمني وزير الداخلية، الذي قاد المواجهات مع الانفصاليين في عدن، قد اتهم أبو ظبي بالمشاركة المباشرة في الانقلاب على السلطة الشرعية من خلال “400 عربة إماراتية شاركت في الهجوم على المعسكرات الحكومية” كما أنه انتقد الموقف السعودي وصمت السعودية إزاء ما وصفه بـ”ذبح الشرعية من الوريد إلى الوريد”.
وأكَّد المجلس الانتقالي الجنوبي باليمن، في بيان سياسي مطول، صدر عقب الاجتماع الاستثنائي لهيئة المجلس، مساء الخميس15أغسطس/آب 2019، في مقره بمدينة التواهي محافظة عدن جنوبي البلاد،أنّ هدف شعب الجنوب المتمثل في استعادة دولة الجنوب الفدرالية المستقلة لا بديل عنه.
وأضاف المجلس في بيانه ، أنّ “مزيدا من التسويف والمماطلة، وعدم التعاطي الإيجابي مع القضية الجنوبية كهوية وشعب، سيولد المزيد من التعقيدات والمخاطر على أمن وسلامة المنطقة والعالم”.
وحيّا البيان، دول التحالف العربي، بقيادة السعودية، على “مساعيها الحثيثة لاحتواء الأزمة الأخيرة، ودعوتها طرفي النزاع الاحتكام للحوار برعايتها”.
ووفقا للبيان، تم تأكيد “تحرير ما تبقى من وادي حضرموت (شرقي)”، الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، ومدينتي “بيحان ومكيراس” الجنوبيتين الخاضعتين لسيطرة الحوثيين.\وجدد “وقوفه الكامل إلى جانب التحالف العربي، والاستمرار في مقاومة الحوثي والتمدد الإيراني في المنطقة”.
من الناحية التاريخية ،دخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 أيار/ مايو سنة 1990؛ غير أنّ خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم، وشكاوى قوى جنوبية من “التهميش”، و”الإقصاء” أدت إلى إعلان الحرب الأهلية، التي استمرت قرابة شهرين في 1994، وعلى وقعها لا تزال قوى جنوبية تطالب بالانفصال مجددا وتطلق على نفسها “الحراك الجنوبي”.
انقلاب الجنوبيين يشكل هزيمة للسعوديين
نشر موقع “المونيتور” مقالاً تحليليًا للمحلل السابق في المخابرات الأمريكية والزميل في معهد بروكينغز بروس ريدل، تحت عنوان “الرياض تواجه نكسة في جنوب اليمن”،بتاريخ 13أغسطس/آب 2019 ،جاء فيه:إنّ “انتصار الانفصاليين الجنوبيين في اليمن يُعَدُّ إهانة جديدة ونكسة لجهود الحرب السعودية، وقائدها ولي العهد محمد بن سلمان، فقد خسرت حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من الرياض عاصمتها، ما يضعف من شرعيتها أكثر”.
ويشير الكاتب إلى أن “الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأقرب للسعودية، مسؤولة بشكل جزئي عن مكاسب الانفصاليين الجنوبيين، ما يعني أنّ الحوثيين وإيران هم المنتصرون استراتيجيًا، وقام الإماراتيون ببناء وتقوية الجنوبيين على مدى السنين الماضية، وعندما قامت أبو ظبي بسحب معظم قواتها من الميناء شعر الانفصاليون بالحرية للتحرك ضد حكومة هادي، واستطاعوا الانتصار بسرعة”.
ويعلق الكاتب قائلا إن “الفشل الأخير هو واحد من سلسلة أخطاء استراتيجية للقيادة السعودية، فالرد الأولي على دخول الحوثيين مدينة صنعاء هو محاولة خرقاء من الجو لهزيمتهم، فلم يكن لعملية عاصفة الحزم أي نصيب من اسمها، وكان غياب الأهداف الحقيقية واستراتيجية الخروج باديا منذ البداية لحلفاء السعودية، مثل باكستان وعمان اللتين قررتا عدم المشاركة في الحرب، كما كانت إدارة الحرب الضحية الأولى لزعيم عديم الخبرة”.
الحرب التي تخوضها المملكة السعودية في اليمن انتهت إلى مستنقع له آثار إنسانية كارثية على الشعب اليمني، وتضرر الاطفال تحديدا بسبب فقر التغذية والأمراض التي حرمت الملايين منهم طفولة طبيعية، أما الآثار طويلة الأمد على جيل من الحرب فقد بدأت تظهر، ويتحمل السعوديون نصيب الأسد من هذه الكارثة التي حلت بأفقر بلد عربي.
كما أنّ كلفة الحرب على السعودية أصبحت كبيرة ، رغم أنّه من من الصعب تقديرها؛ نظرًا للثقافة السرّية والمغلقة فيها، إلا أنه من الواضح أن السلطات السعودية حاولت منع النقد العام للحرب في اليمن، من خلال شراء دعم المدن الحدودية وعائلات الجنود والمحاربين القدماء. وتشير بعض التقارير إلى سقوط حوالي 3 آلاف جندي سعودي وجرح 20 ألفا آخرين، رغم محاولات الجيش تجنب وجود عسكري على الأرض، وفي الوقت الذي أكد فيه السعوديون في خطابهم السياسي و الإعلامي على الطبيعة الطائفية لهذه الحرب ضد العدو الشيعي (الحوثيين المدعومين من إيران)من أجل الحصول على دعم المؤسسة الوهابية، فإنّ إثارة المشاعر الطائفية تترك آثارها في الداخل والخارج.
ويتحمل ولي العهد محمد بن سلمان مسؤولية رئيسة في هذه الحرب العبثية السعودية على اليمن ، فهو يقف حقا وراء القرار المتهور للتدخل: خاصة الفشل في التخطيط وسوء الإدارة وتجويع ملايين الأبرياء، ولأنه يحظى بدعم والده الملك سلمان، فإن من الصعوبة بمكان مناقشة مسار الحرب في السعودية ، فجمال خاشقجي الذي انتقد سياسات الأمير دفع حياته ثمنا لهذا النقد.
لا شك أنّ الصراع الدائر في عدن الآن يفيد المنظمات الإرهابية مثل تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”، الأمر الذي لا توافق عليه السعودية,فتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة يستفيدان من الفراغ الأمني في اليمن، الأمر الذي مهد الطريق لشن تنظيم القاعدة في الأسبوع الأول من آب/ أغسطس سبع عمليات عسكرية، استهدف فيها القوات الموالية للإمارات، أما تنظيم الدولة فشن هجومين في عدن، وهما أول عمليتين يقوم بهما منذ عام.
عوامل فشل استراتيجية الإمارات في اليمن
منذبداية أحداث الربيع العربي في 2011، أصبحت الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول التي تتدخل عسكرياً في المنطقة. جنرالات أمريكا في أفغانستان يلقبونها”اسبرطة الصغيرة”أي أنها قوة عسكرية مكرسة لإعادة تشكيل ميزان القوة الحساس في المنطقة. وبناء على توجيهات محمد بن زايد، الرجل القوي في الدولة ،تحولت الإمارات من دولة ناعسة إلى أهم قوة في المنطقة. وجيش الإمارات مسلح جيدًا ولكن بخبرات قليلة.
وفي مقال نشرته مجلة أتلانتيك الأمريكية،جاء فيه،أنَّ سياسات جديدة بدأت منذ 2015 في المنطقة العربية، تقودها السعودية ومصر والإمارات،هدفها الجوهري منع عودة الثورات نهائيًا. ورأت المجلة أنَّ الاستبداد الشديد والمتزايد سيعطي المعارضة العربية ولا سيماالإخوان المسلمين شرعية أكبر،وإذا فشلت الأنظمة اقتصاديا فسيكون مستقبل المنطقة أسوأ من عدم الاستقرار في فترة الربيع العربي.
ومن جهته، تحدث موقع أمريكي في تقرير مهم عما أسماه “القتلة الآخرون في الخليج”، مرفقا صورة محمد بن زايد ومحمد بن راشد، مسلطًا الضوء على فظائع أبوظبي وجرائمها الحقوقية داخل الدولة وخارجها، ومطالبًا بفرض عقوبات أمريكية عليها.ومما قاله الموقع: نجحت الإمارات صاحبة المغامرة الإقليمية الكارثية والاستبداد الذي لا يرحم  في تجنب نظرة واشنطن عن مسؤوليتها الخاصة عن المذبحة التي تعصف بالمنطقة. وزعم الموقع، طوال فترة الحرب في اليمن كان “الإماراتيون متوحشين ومتهورين مثل السعوديين”.
بالنسبة للإمارات، كان السعوديون بديلاً مفيدًا للطموحات الإقليمية الضخمة. إذ سمحت العلاقة الإماراتية مع المملكة لهم بأن يتغلبوا على وزنهم. هذا ليس شيئًا جيدًا، على حد تقدير الموقع.وأضاف، دولة الإمارات سيئة مثل السعودية، ولكن أقل خبثا وأكثر كفاءة. وهذا ما سمح لها بالتحليق تحت شاشة الرادار في الغرب والهروب من الفحص الدقيق.
أما الباحث  الفرنسي “ستيفن لاكروا”، فقد أشار أن مشروع أبوظبي أساسه تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة “استقرار سلطوي”تحكمها أنظمة على منوال الإمارات، محصنة ضد الثورات، و”أبوظبي مستعدة للتعاون من أجل ذلك حتى مع إسرائيل” .
وأوضح، يقوم مشروع الإمارات سياسيا على “حرب لا هوادة فيها على الإسلام السياسي، وقودها حقد خاص وشديد على حركة الإخوان المسلمين التي ينصبها الرجل القوي في أبوظبي ولي العهد محمد بن زايد عدوًا له”، على حد تعبيره.وأضاف “:السعودية مهووسة بإيران وتحارب ضد توسعها، ولكن الإمارات تشاركها في ذلك على سبيل المجاراة لا القناعة، وبالمقابل تجاريها السعودية في الأزمة مع قطر”.
وقالت مجلة “إيكونوميست: “يخوض السعوديون والإماراتيون الثورة المضادة ضد الربيع العربي وآمال الديمقراطية. وللأسف فقد منحتهم الولايات المتحدة صكًّا أبيضَ لِعَمَلِ مَا يُرِيدُونَ. وسيجلب فشل “إصلاحات” (محمد بن سلمان (الاضطرابات إلى منطقة الخليج التي تجنبت ثورات الربيع العربي عام 2011.
أما موقع “جيمس تاون”فتحدث عن إستراتيجية الإمارات في تقسيم اليمن ومحاربة حزب الإصلاح، ومواجهة الإخوان في المنطقة. وأكَّدَ الموقع أنَّ أبوظبي لا تريد إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن، ولكنها تمارس سياسة فَرِّقْ تَسُدْ لِتَتَّمَكَّنَ من السيطرة على اليمن، على حد قوله.
ومن جانبها، قالت إذاعة” فرانس-إِنْفُو”: إنَّ أبو ظبي تُمَوِّلُ سياسة التأثير على السواحل الإفريقية بالتركيز على البلدان الهَشَّةِ كإرتيريا، وأرض الصومال وجيبوتي، لإنشاء قواعد خلفية على الساحل الشرقي لإفريقيا للخروح من المواجهة مع إيران في الخليج.
وفي مقال بمجلة “ناشيونال إنترست”، جاء فيه : وسَّعت الإمارات من علاقاتها التجارية والعسكرية إلى أرض الصومال وجيبوتي وإرتيريا، وهو جزء من خطة إماراتية للسيطرة على ممر قناة السويس والمحيط الهندي الحيوي المتمركز حول باب المندب المائي في اليمن، غير أنَّ هذه الخطة فشلت في الصومال وجيبوتي.
أما موقع “مودرن دبلوماسي” البريطاني، فقال إنَّ السعودية والإمارات تقومان برعاية مالية لدولتي إثيوبيا وإريتريا، في محاولة منهما لإقامة نظام إقليمي جديد يقوم على ربط أمن الخليج مع أمن القرن الأفريقي. وفي نوفمبر الماضي، صدرت دراسة فرنسية مهمة عن محمد بن زايد وعن محمد بن سلمان، وصفتهما “بأنهما وجهان لمشروع استبدادي واحد”، على حد قولها.
ومما زعمته الدراسة: سبب إبقاء محمد على خليفة بالسلطة، أنَّه يريد حجز منصب ولي عهد أبوظبي لابنه خالد، على حساب سلطان ومحمد ابني خليفة، وكذلك على حساب أشقائه حمدان وهزاع وطحنون ومنصور وعبد الله الذين قتل طموحاتهم، بحسب تعبير الدراسة.
ورأت الدراسة، أنّه من العناصر الأساسية لقوة محمد بن زايد اعتماده على الجيش.إذ يعتبر الجيش إلى حَدٍّ بعيدٍ القناة الأولى لإعادة توزيع الثروة وإيصالها للإمارات الشمالية. ومما يفتخر به محمد بن زايد أنَّه يسعى لاستبدال العلاقات المحلية أو القبلية بالولاء للأمة أو الدولة. ومع ذلك يريد القطيعة مع ملحمة أبيه البدوية(الشيخ زايد) التي يعتبر أنَّ الزمن عفا عليها، على حد تقدير الدراسة.
واعتبرت الدراسة أنَّ قوة الإمارات الحالية غير مرتبطة بإستراتيجية أمن إقليمي، ولا بتوسعية سياسية واقتصادية، بل إِنَّ زعيم الحرب محمد بن زايد يَهْدِفُ إلى إِظْهَارِ القوة لردع الآخرين، وأيضا لتعبئة مواطنيه، على حَدِّ زعمها.
وكنتيجة منطقية لتدخل الإمارات في الحرب في اليمن، “والمغامرات” التي تخوضها في العديد من الملفات الخارجية، أصبحت الأوضاع الاقتصادية في هذه الدولة الخليجية متدهورة بصورة ملحوظة. فـ “الإمارات لاعب نشط في صراعات المنطقة، وتقاتل في حروب أهلية من ليبيا إلى اليمن، وتشارك بحصار قطر” .
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي مير محمد علي خان، في مقال نشره موقع “مودرن دبلوماسي”: إن اقتصاد دبي بدأ ينهار سنة 2018 كما كان يتوقع، بسبب مبدأ:”أنا مَدِينٌ لك وسأدفع لاحقًا”، في إشارة إلى الشيكات مُؤَجَلَّةِ الدَفْعِ. وأضاف أنَّ “الشيكات المرتجعة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بلغت 26 مليار درهم (سبعة مليارات دولار)، وبلغ عدد هذه الشيكات 1.2 مليون شيك، وهو ما يمثل 39.3% من مجموع الشيكات التي أُصدرت سنة 2017 والتي تستحق الدفع في 2018”.
ورأى الكاتب أنَّ “هذا العدد الضخم من الشيكات المرتجعة ينذر بكارثة ستواجهها السلطات من دون إمكان الرجوع إلى ممتلكات هؤلاء المدينين؛ لأنَّ أغلبهم يفرّ من الإمارة بلا عودة”.وأعرب عن اعتقاده أنَّ “انهيار سوق العقارات الإماراتي قد يعصف بالكثير من مقدرات الدولة”.فالعقارات تُبَاعُ بربع قيمتها في إمارة دبي، مُؤَكِّدً ا أنَّ الاقتصاد “يَنْهَارُ”، والمستثمرون “يَهْرُبُونَ”، في حين أصبحت سوق الذهب الشهيرة بها فارغة من المشترين.
أمّا عن أسباب هذا الانهيار فيلخصها في أربعة أسباب رئيسية هي إنفاق الإمارات عشرات المليارات في فوضى “الربيع العربي” ،وتورطها في الحرب الدائرة باليمن،واعتمادها على جيش من المرتزقة ومجرمي الحروب الذين يتقاضون رواتب عالية، ويقاتلون نيابة عنها،والتوسع غير الطبيعي لشركة موانىء دبي في شراء و استئجار الموانىء على مستوى العالم والتي بلغت 75ميناء عالمي،والأهم فيها المطلة على البحر الأحمر، والقرن الإفريقي، تلبية للإدارة الأمريكية.واستنزاف الخزائن الخليجية من قبل الحليف الأمريكي في عقود تسليح كبيرة وتمويل حروب ودفع تكاليف الجنود و القواعد الأمريكية في قاعدة الظفرة لذلك دخل مراهقوا الشيخ زايد في نفق سيطيح بهم و أبراجهم الفرعونية واقتصادهم الريعي.
لم تشهد الدولة الإماراتية من قبل حملات واتهامات بقدر ما شهدته سنة 2018، إذ تعدَّدت التقارير الاقتصادية والأممية والإعلامية حول استغلال شخصيات وجهات النظام الاقتصادي والمالي في الإمارات في عمليات مشبوهة من غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاحتيال الضريبي.وأكد تقرير صادر عن مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة في واشنطن، أنَّ مستفيدين من الحروب ومُمَوِّليِ الإرهاب ومُهَرِّبِي مخدرات فرضت عليهم واشنطن عقوبات استخدموا سوق العقارات في دبي خلال السنوات القليلة الماضية ملاذًا لتبييض أموالهم.
وكشف تحقيق استقصائي بعنوان “أوراق دبي” عن تحول الإمارات إلى مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسل الأموال. وشرح التحقيق، الذي نشرته مجلة “لونوفال أوبسيرفاتور الفرنسية بالوثائق كيفية تبييض الأموال في الإمارات وتحويل الأرباح إلى العملاء في عملية خارجة عن القانون مستمرة منذ 20سنة . وأبرز شركة متورطة في هذه العمليات موجودة في رأس الخيمة.
وقال تقرير الخارجية الأميركية بشأن مكافحة الإرهاب 2017: الإمارات ظلت مِحْوَرًا للتحويلات المالية على الصعيدين الإقليمي والدولي، واستغلت المنظمات الإرهابية ذلك لإرسال واستقبال الدعم المالي.ومن جهتها، قالت “الغارديان”: “إمارة دبي أصبحت تُستخدم لإخفاء الأموال والتهرب من دفع الضرائب. و قالت الصحيفة: دبي أصبحت أسوأ مكان في العالم في غسيل الأموال.”
طرح انفصال جنوب اليمن سيشعل حربًا أهلية جديدة
يرى المحللون الملمون بالشأن اليمني أنّ المجلس الانتقالي الموالي للإمارات يستغل “القضية الجنوبية” للتخلص من معارضيه،ويعمل على تكريس التقسيم الكامل لليمن، الأمر الذي أثار مخاوف السياسيين اليمنيين من انتقال عدوى الانفصال والتقسيم إلى مناطق يمنية أخرى ،على غرار حضرموت، التي تخشى نخب يمنية عدّة أنْ تكون الواجهة المقبلة لمحاولة زعزعة الاستقرار فيها، أَخْذًا بالاعتبار أهميتها نظرًا لكونها الأغنى بالثروات في اليمن ككل وليس بين المحافظات الجنوبية فحسب، فضلاً عن أن مساحتها تشكل نحو 36 في المائة من مساحة اليمن.
يقول مسؤول رفيع في محافظة حضرموت، تحدث مع صحيفة “العربي الجديد”(تاريخ 13أغسطس/آب 2019)، لكنّه فضل عدم الكشف عن اسمه لحساسية المرحلة، إنّ “الأحداث في عدن دفعت بالجنوب نحو الهاوية وجنون قد لا تكون محاولات احتواءه سهلة، لا سيما أن ّ المتطرفين هم من يتحكمون بالمشهد، ووصل بهم الأمر إلى مواجهة التحالف لا سيما السعودية، وتعريض الوضع في الجنوب لاندلاع حرب أخرى في الجنوب”. لذلك يقول المسؤول نفسه، الذي يميل إلى دعاة “حضرموت الدولة” (أي الذين ينادون بأن تكون حضرموت دولة مستقلة)، إنّهم في حضرموت يعملون على عدم انتقال أحداث عدن إلى المحافظة ورفض إعطاء من بسطوا سيطرتهم على العاصمة المؤقتة فرصة للتحكم في حضرموت. وهذا الرأي، وفقاً له، “يحظى بشبه إجماع لدى الشارع الحضرمي خوفاً من تكرار ما تعرض له الحضارم قبل الوحدة (من تهجير وإقصاء من مراكز القرار وتأميم ممتلكاتهم)، خصوصاً أن المعطيات تشير إلى أن الوجوه والعقليات نفسها تعود من جديد”، على حدِّ وصفه.
وبرأي مجدي الحريري، عضو المجلس الثوري في الحراك الجنوبي الذي يتزعمه حسن باعوم، والذي تحدث مع صحيفة “العربي الجديد”، فإنَّ “لا تداعيات جوهرية على القضية الجنوبية نفسها، لكون التمسك بما تحقق وتمكن قيادة المجلس الانتقالي من إقناع الإقليم والمجتمع الدولي به كشريك يُعَدُّ انتصارًا للجنوبيين كباحثين عن أرضهم ودولتهم. وبالتالي يكون الجنوبيون قد حققوا تقدمًا كبيرًا للقضية الجنوبية”. لكنَّ من وجهة نظره، “قد تكون هناك تداعيات على الشارع الجنوبي، بسبب الإقصاء الذي يمارسه المجلس الانتقالي الجنوبي ضد المعارضين ومحاولة فرض رأي واحد وصوت وتوجه واحد”.
ووسط تعدد الآراء إزاء التطورات، يرى كثر أنَّ المشهد المقبل في الجنوب قاتمٌ لأنَّ الإمارات وحلفاءها فتحوا أبواب الصراع على مصراعيه ودفعوا بالمشهد الجنوبي إلى الانفجار وتمزيق النسيج الاجتماعي تحت ذرائع شتى، متجاوزين كل محاولات الجنوبيين لتخطي سلبيات الماضي وتداعياته التي لا تزال عالقة في أذهانهم. ويعتبر مصدر سياسي في الحراك الجنوبي من جناح مؤتمر القاهرة (من أبرز قياداته رئيس الوزراء السابق حيدر أبو بكر العطاس والرئيس السابق علي ناصر محمد)، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ المشاهد الأولية لمستقبل الجنوب وقضيته مخيفة، فقد أفرزت التطورات تَمَتْرُسًا مَنَاطِقِيًا، ومن شأن ذلك أن يحد في الفترة المقبلة من أي محاولات للتقارب أو حوارات تخص “القضية الجنوبية”، وهذا ما بدأت أطراف وقيادات جنوبية تؤمن به، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن سلبيات الماضي التي تم العمل على تخطيها من خلال مشاريع التصالح والتسامح، أطلت برأسها من جديد.
جدلية الحرب الأهلية و الوحدة في اليمن
ليست المرة الأولى التي يشهد فيها اليمن حربًا أهلية، فقد سبقت هذه الحرب حربًا أهلية شرسة ـ بعد وفاة الإمام أحمد في 18 سبتمبر/أيلول 1962، وإعلان تنصيب ابنه محمد البدر إماماً بعدهـ بين الملكين والجمهوريين. وقد كانت الحرب سجالاً بين الفريقين، وسلسلة من المناوشات، فتارة ينقلب الملكيون وأخرى الجمهوريون تبعاً للدعم المقدم لهذا الفريق اليمني أو ذاك من جانب القوى الإقليمية التي كانت تخوض الحرب بالوكالة على أرض اليمن.
لننظر أولاً إلى الشمال حيث أطيحت سنة 1962 الإمامة المتعبة التي حكمت شمال اليمن واستُبدِلت بجمهورية بعد الحرب الأهلية، وتراجع الزيديون الشيعة الذين كانوا موالين للنظام القديم، إلى شبه قبول بالدولة وعلى مضض. لكن كما كانت سلطة الإمام تقتصر على المدن الكبرى، كانت للحكومة الجديدة سيطرة محدودة. أعيد إحياء الزيدية في حقبة ما بعد التوحيد، لكن ما عدا الفترة القصيرة التي أمضاها حسين بدر الدين الحوثي في البرلمان، كانت المشاركة السياسية ضئيلة.وانتهت الحرب الأهلية الممتدة من السنة 1962 إلى السنة 1970 بتشكيل حكومة جمهورية ـ ملكية مشتركة، واعتراف السعودية بالجمهورية العربية اليمنية، وبداية مرحلة جديدة من العلاقات بين السعودية واليمن.
ومنذ انسحاب الجيش البريطاني من جنوب اليمن في 29 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1967 واستقلال البلاد وانسحاب القوات المصرية في أواخر ذات العام، كانت النزاعات وشبه الحروب بين الشطرين السابقين تدور حول موضوع تحقيق الوحدة اليمنية. وكان الشطران الشمالي والجنوبي يتبادلان الاتهامات بين البلدين بسبب فتح كل طرف حدوده لمعارضي الطرف الآخر. فقد حصلت مواجهات عسكرية محدودة على حدود البلدين استمرت من ربيع 1968 حتى يونيو/حزيران 1969.
بعد هذه الحرب الأهلية الضارية التي استمرت ثماني سنوات، قررت السعودية الاعتراف بنظام الحكم الجمهوري الجديد في اليمن. وبادرت إلى إعلان هذا الموقف في الثامن من نيسان (أبريل/نيسان ( 1970 وجاء هذا الإعلان عقب المصالحة الوطنية التي رعاها الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز. وقد اغتنم مناسبة عقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة (24 آذار/ مارس 1970) ليشرف على المحادثات بين الجانبين الملكي والجمهوري، ويضمن تثبيت المصالحة ووصف في حينه الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي كلفه الملك فيصل بمهمة التباحث مع الرئيس جمال عبدالناصر حول مستقبل اليمن، وصف موقف بلاده بأنه موقف الاعتراف بالجمهورية كدولة ذات سيادة كاملة على أراضيها ومستقلة استقلالاً تاماً. وأضاف الأمير سلطان، بأن بلاده تعتبر أمن اليمن واستقراره جزءاً لا يتجزأ من أمنها واستقرارها.
ومع وصول المقدم إبراهيم الحمدي إلى السلطة 13 يونيو/حزيران 1974، قام بخطوات جدية لإقامة الوحدة مع الشطر الجنوبي، غير إنه لم تكن له المقومات الذاتية والموضوعية الكافية للتحرر من هيمنة الضغوطات الإقليمية والغربية، التي كانت تمارس عليه بهدف لجم توجهاته نحو تحقيق مشروع الوحدة بين شطري اليمن، وكانت نهاية حياته مأساوية إذ قتل في مكتبه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977 قبل يوم واحد فقط من زيارته المقررة لعدن للتفاوض بشأن الوحدة معها. وحين حاول الرئيس السابق علي عبد الله صالح انتهاج سياسة استقلالية، سواء لجهة التوجه نحو تطوير العلاقات مع السوفيات وإبرام اتفاقية تسلح معهم في أغسطس/آب 1979 كرد ّ فعل على إيقاف شحن الأسلحة الأميركية لبلاده، أم من خلال موافقته على إقامة الوحدة بين شطري اليمن في نهاية السبعينات، تعرض بدوره لضغوطات اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة، خصوصاً من قبل القبائل المدعومة إقليمياً والمعارضة للحكم، ولإقامة الوحدة مع الجنوب.
وسرعان ما ظهرت الكوارث بعد هذه الوحدة، وخصوصاً ما ترتب على دعم اليمن لغزو صدام حسين للكويت سنة 1990 وعودة حوالى مليون يمني كانوا يعملون في السعودية الى بلادهم. وتسبّبت تلك الضربة القاسية ببؤس كبير في بلد كان يعاني اصلاً بؤساً واسعاً. وفي سنة 1994، حاول الجنوب أن ينفصل عن الشمال. إلا أن الحرب انتهت بعد إراقة الكثير من الدماء بانتصار الجزء الشمالي واحتلال عدن، عاصمة الجنوب في 7 تموز/ يوليو. وقد أثار ذلك امتعاضاً شديداً بدأ فتيله يشتعل حالياً.
قد يعتبر المرء أن التاريخ خلّف عواقب وخيمة على القائد الأعلى الذي يواجه مشاكل عدة. فالجزء الجنوبي يطالب مجدداً بالانفصال حتى يؤسس دولته المستقلة الخاصة بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.وتمارس حركة النضال السلمي في الجنوب الضغوط من أجل الانفصال، غير أن هذه الحركة ليست سلمية كما يشير اسمها. ويبدو أن الشطر الجنوبي يتسلّح في إطار الاستعداد لمواجهة جديدة. وقد شهد منذ سنوات عدداً من التظاهرات العنيفة ضد الحكومة في صنعاء وعمدت السلطات إلى اتخاذ إجراءات صارمة وعنيفة في معرض الرد على ذلك.
وعلى الرغم من أن الشعب اليمني في كلا الشطرين الشمالي والجنوبي يتمتع بوحدة ثقافية، واجتماعية واحدة منذ العصور القديمة، حيث أن وحدة الشعب واللغة والتاريخ والنسل (من قحطان) والفولكلور تشكل معطى أساسي ثابت تبلور في التاريخ اليمني، إلا أن البنية القبلية الموجودة في المجتمع اليمني، التي ليست البداوة حصراً، بقدر ما هي قائمة على انغراس “الروح العشائرية” في القرى والمدينة التي تخشى تحول اليمن إلى بناء الديموقراطية والمجتمع المدني الحديث، فضلاً عن دعم القوى الإقليمية للمعارضات المعادية للوحدة في الشمال، والحكم اليساري في الجنوب، لخشيتها من استقلالية القرار اليمني، يشكلان عقبات حقيقية أمام قضية الوحدة اليمنية، الذي إذا ماتوافر لها الاستقلال الاقتصادي بفضل عامل النفط، الذي يعني في الوقت عينه الاستقلال السياسي، فإنها قادرة أن تتحول إلى قوة رئيسية كبرى تهز التوازنات الاستراتيجية الإقليمية والدولية في الجزيرة العربية.
وحين اتخذت حكومتا الشطرين الشمالي والجنوبي قراراً بتحقيق الوحدة الاندماجية مع مطلع التسعينيات، باعتباراً أن إعادة الوحدة اليمنية كانت ولا تزال قضية حية لدى الشعب اليمني، حظيت هذه الوحدة بتأييد الأحزاب والحركات السياسية العربية على اختلاف مشاربها الفكرية. ففي ظل الحصار الذي يعاني منه الوطن العربي بالضغط الإمبريالي الاقتصادي السياسي والعسكري والتقني والثقافي من جهة، وبالتأخر التاريخي للشعب العربي من جهة أُخرى، اعتبرت الوحدة اليمنية ـ رغم ما تحمله من تناقضات وتعارضات الواقع اليمني ـ رافعة نهوض اقتصادية وسياسي مهمة، قوامها توظيف إمكانات البلاد في الشمال والجنوب معاً عبر زيادة صادرات النفط، وتوحيد رساميل المهاجرين اليمنيين الكبيرة، المتعقلين شديد التعلق ببلدهم، لتحقيق التكامل الاقتصادي والتطور المستقل الاقتصادي والسياسي لليمن، والخروج من بوتقة التخلف والتبعية. ففي اليمن هناك بقاع متخلفة تبدو وكأنها خارج سياق التاريخ العربي والعالمي الحديث، وبقاع أكثر تقدماً من الجميع، ولكن هذا التطور اللامتكافئ الاقتصادي والاجتماعي على صعيد وجود مراكز مدينية متقدمة، تليها مراكز ريفية وقبلية متخلفة، الخاضع بدوره لقانون مطلق للتطور التاريخي على الصعيد العالمي، وداخل كل قطر عربي، لم يمنع من بناء الوحدة أي اتحاد الشمال والجنوب. لأن الذي يحكم عملية الوحدة كلها، ليس التفاوت في النمط الاقتصادي والحضاربي بين عدن المركز المتقدم المتسم بسيادة المظاهر “الليبرالية”، وتوقها “للعصرنة” في حين أنها ليست الجنوب كله، والشمال الذي تسود فيه الإيديولوجية التقليدية، وإنما المطامح والمصالح البعيدة المدى لمختلف فئات الشعب اليمني، ما الذي يمنع المجتمع اليمني أن يتطور في الاتجاه الذي سار في المجتمع السوري على سبيل المثال. فالنزعة التقليدية “القبلية” والنزعة الليبرالية تتعايشان معاً، وتتقاسمان اليمن كله بشماله وجنوبه، وحتى الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة “المؤتمر” و”الاشتراكي” و”الإصلاح”، بصرف النظر عن إيديولوجياتها، وأساليب عملها، تعتبر صيغة متوسطة بين الحزب الحديث والتجمع القبلي، “وتشكل نوعاً من التوازن على الصعيد الداخلي”، إذ أن هناك تعارضاً بين وعيها الذاتي، وبين حقيقتها الواقعية، التي لا تعكس البنية السياسية الفوقية الحديثة.
ليس من شك أن الفئات الحاكمة في اليمن المتمسكة بقضية الوحدة لم تستطع من خلال تجربتها في السلطة أن تكون قيادة ديموقراطية، وذلك بسبب احتكارها مصادر القوة والسلطة في المجتمع اليمني. ولذلك حين قامت دولة الوحدة لم تنتهج سياسة حديثة، باعتبارها الوحيدة التي يمكن أن تنجز عملاً وحدوياً تاريخياً ينقض أو يوقف هذه السيرورة التقهقرية في فشل المشاريع الوحدوية العربية، التي انخرط فيها أكثر من قطر عربي.
فلا إمكانية إنجاز الوحدة بدون طرح برنامج تغيير ديموقراطي شامل، وبدون أن تتبنى القوى المدافعة عن الوحدة قيم وتقاليد ديموقراطية، في سبيل تحقيق الاتساق المنطقي والضروري بين حركة الوحدة وحركة الواقع اليمني وحاجات تغييره راديكالياً. وكانت العقبة الأولى التي عرقلت عملية بناء الوحدة السياسية بين شطري اليمن ـ على الرغم من وجود وحدة دستورية قائمة ومتمثلة وشرعية دستورية ـ هي غياب الوحدة السياسية. ففي واقع اليمن المتأخر تاريخياً، والذي يعاني نقصاً في الاندماج القومي بسبب هيمنة البنية القبلية، والانقسامات الفئوية العمودية، والإيديولوجيا التقليدية و”الاشتراكية” التي تقنع بالطبع مصالح فئات وشرائح تتعارض مصالحها مع مشروع الوحدة، لا يكفي على السلطة الحاكمة أن تطرح شعار الوحدة اليمنية كنفي سلبي رافض للتجزئة السياسية، بل إن الأمر يتطلب حل معضلة الانصهار القومي، باعتباره قاعدة أساسية للبناء القومي الديموقراطي والوحدوي، وشرطاً لازماً وضرورياً للممارسة الديموقراطية.
وإذا كان الواقع اليمني كما أسلفنا في الحديث عنه في البداية يشكل عامل وحدة، إلا أن النسيج المجتمعي اليمني ما يزال نسيجاً تقليدياً وقبلياً يفرز انقسامات تقليدية وقبلية، ويغرق الشعب اليمني في ولاءات محلية أو طائفية، تخنق نمو المظاهر الحديثة “الليبرالية” و”التقدمية” أو شبه الحديثة في المجتمع اليمني، وتحول دون تبلور طبقة سياسية موحدة متجانسة تمارس سلطتها ونفوذها في سبيل الدفاع عن مشروع الوحدة.
ولعل تعدد الأحزاب السياسية (المؤتمر، والإصلاح، والاشتراكي) المرتكزة على قوى إيديولوجية ومجتمعية غير متجانسة، والتي تحكمها علاقات تحالف أو تعاون مع قوى ذات ولاءات محلية أو فئوية، أي غير وحدوية، يجعل مستحيلاً نشوء طبقة سياسية موحدة في اليمن، بسبب نقص هذا الاندماج القومي، وإسقاطاته المدمرة على الواقع السياسي اليمني وعلى الأحزاب السياسة الحاكمة، الأمر الذي يعرقل تبلور ونمو الصراعات السياسية والاقتصادية التي تخدم مصلحة الوحدة، وتقدم الشعب، وتسييسه راديكالياً، والحال هذه فإنه ليس مفاجأ أن ينحدر الحزب الاشتراكي ـ على الرغم من أنه يعد من القوى السياسية والطبقية التي تريد لنفسها أن تكون إيديولوجية راديكالية وحديثة، ومشكلة بذلك ضرباً من القطعية مع الانتماءات ما قبل القومية (القبلية، والعشائرية، والمذهبية…إلخ) ـ إلى مستوى ما قبل الوحدة، مبرراً ذلك بلا ديموقراطية الحياة السياسية في اليمن، واحتكار شؤون السلطة فيه من قبل حزب المؤتمر والمتحالف مع حزب الإصلاح، تبعاً لمصالحهما وأهوائهما.
إن العالم يسير نحو التوحيد، ويشهد الآن ثورة التكتلات الاقتصادية العملاقة، والثورة العلمية والتكنولوجية الهائلة، وازدياد هيمنة الاحتكارات والشركات المتعددة الجنسية، وتحول الامبريالية إلى قوة عالمية أقوى من أي وقت سبق تمارس الهيمنة على عالم الجنوب، ولا تستهدف التعامل مع المنطقة العربية كوحدة واحدة، بقدر ما تستهدف التعامل معها وفق نمط جديد من التجزئة، ولا تتعامل مع الوطن العربي في وضعه الراهن فقط، بل على العكس من ذلك، إن كل سياساتها تشير وتنظر إلى العرب على أنهم أمة واحدة برسم التوحيد والتقدم والنهوض. وهي معنية بحكم مصالحها الحيوية أن تعيق هذا المشروع الوحدودي، سواء في اليمن أو غيره، وتجهز على احتمالاته، ومقوماته، بأساليب مختلفة، وأدوات كثيرة، منها السلطات الاستبدادية، والقطرية العربية، والتذرع بالخصوصيات الأقلوية والمذهبية…إلخ.
إن للوحدة حركتها السياسية الواحدة، التي تعبر عن نزوعها إلى التحرر والتقدم، والحركة السياسية الواحدة لا تعني هيمنة الأكثرية على الأقلية، ولا هيمنة الحزب الواحد، ولا القائد الواحد، ولا الفكر الواحد، بل كل الحركة السياسية بمختلف تنظيماتها وأحزابها، واتحاداتها ونقاباتها. وللوحدة حركتها السياسية الواحدة، وداخل هذه الحركة الواحدة، هناك تناقضات، وصراعات، و”تناحرات”، وخصوصيات، وهناك اتجاهات سياسية مختلفة، وهناك نمو اقتصادي متفاوت، وتطور اجتماعي مختلف، وتناقضات مناطقية وطبقية متباينة، ولكنها كلها ضمن حركة الوحدة لا خارجها.
يبدو أيضاً أن الصراع بين السعودية وإيران دفع الأخيرة إلى تصعيد الملف اليمني لاستنزاف السعودية به، خاصة مع حرص الرياض على احتواء النفوذ الإيراني باليمن، ووقف تهريب السلاح للحوثيين، مما دفع المملكة إلى شن غارات جوية ضد الحوثيين و تشكيل تحالف إقليمي لا يزال يقود منذ ما يزيد على أربعة أعوام حملة شرسة ضد الحوثيين المدعومين من إيران. إلا أن محصلة هذه الأعوام لم تكن بأي حال باتجاه احتمالية حسم الوضع المأساوي في هذا البلد بقدر ما حولته إلى مستنقع يمكن توقع أن تزداد معه مخاطر اتجاه السعودية وإيران إلى سيناريو تصعيدي إقليمي فيما بعد، أي بعد تسوية الأزمة السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى