الإرهاب و الأكراد أهم ركائز المشروع الأمريكي في سورية

لم تصمد الهدنة المشروطة التي أُعلن عنها يوم الخميس (1أغسطس/ آب الجاري) في اجتماعات دول مسار أستانة (روسيا وتركيا وإيران)، حيث أقرها المشاركون في جولة مفاوضات أستانة 13الأخيرة، في منطقة شمال غرب سورية،التي تشهد حربًا مشتعلة منذ نهاية نيسان/أبريل 2019. فالجيش العربي السوري وحلفائه من الروس يسعيان إلى إخضاع محافظة إدلب ومحيطها، أبرز معاقل الجماعات الإرهابية السورية، بالقوة، وعلى مراحل، ويبدو أنّ المرحلة الحالية انتهت بالاتفاق على الهدنة التي يتوقّع المحللون أنّها لن تطول.
انهيار الهدنة المشروطة
على الرغم من إعلان الجيش العربي السوري الموافقة على وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب في الأول من شهر أغسطس/آب الحالي، فقد رفضت المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا الالتزام بوقف إطلاق النار،وقامت بشنِّ العديد من الهجمات على المدنيين في المناطق الآمنة المحيطة،بعد يومين من إعلان الهدنة.
وكان الجيش العربي السوري اشترط سحب المجموعات الإرهابية المدعومة من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية أسلحتها الثقيلة إلى مسافة 20 كيلومترا من خط المنطقة المتفق عليه، مقابل بقاء قوات الجيش على حدود هذه المنطقة، الأمر الذي رفضته هذه الفصائل المسلحة،لأنها ترى أنّ قبولها بسحب سلاحها الثقيل من المنطقة التي تشكل آخر حصونها ، والتساهل بالدفاع عنها يعني حتمية خسارتها لصالح روسيا والدولة الوطنية السورية،فضلاً عن أنّها لن تقبل بهذه الشروط المجحفة،وتترك المجال مفتوحًا أمام تقدم الجيش العربي السوري ،الذي عجز تماما عن التقدم على مدار التصعيد الأخير، حسب رأيها.
من وجهة نظر الجماعات الإرهابية المسلحة،جاء قبول الدولة الوطنية السورية بالهدنة المشروطة كنتيجة منطقية لفشل حملة القصف في إحداث تحوّل استراتيجي يجبر مسلحي الفصائل على قبول الانخراط في مصالحة مع الحكومة السورية على طريقة مصالحات الغوطة الشرقية والجنوب السوري.وهناك من اعتبرها تكتيكًا روسيًا،و حيلةً ذكيةً بإيعاز روسي على الأرجح، بهدف تعزيز مصداقية محادثات أستانة وفعاليتها، في وقتٍ كان قد بدأ فيه التشكيك جدياً بفعاليتها، وفق وفق الباحث المتابع للشأن السوري صامويل راماني.
لقد بدأت الحرب التي يقودها الجيش العربي السوري وحلفاؤه من أجل تحرير محافظة إدلب ومحيطها يوم 26 نيسان/ أبريل 2019، إذ يقطن في هذه المنطقة حاليا نحو 4 ملايين مدني، بينهم عشرات آلاف ممن رفضوا إقامة الصلح مع الدولة الوطنية السورية، فقرروا الهجرة من مدنهم وبلداتهم على مدار السنوات الماضية.وكانت هذه المنطقة التي تشهد تصعيدًا عسكريًا منذ أشهر، مشمولة باتفاق روسي- تركي تمّ التوصل إليه في سوتشي في أيلول/ سبتمبر 2018، ينصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومترا تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل.
وتعرضت هذه المنطقة لـثلاثِ حملاتٍ عسكريةٍ منذ توقيع اتفاق إدلب، وبسبب المعارك الدائرة في محافظات جنوب إدلب، وشمال حماة في سورية، بلغ إجمالي عدد النازحين منها نحو 450 ألف شخص ، حيث توجه معظم النازحين الهاربين من القصف، إلى مخيمات “أطمة” و”دير حسن” و “قاح” و”كفرلوسين” شمالي إدلب، والواقعة قبالة قضاء “ريحانلي” التابع لولاية هطاي جنوب تركيا، فضلا عن بساتين الزيتون ومنطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.
في الوقت الذي أعلنت فيه الفصائل الجهادية السورية في الشمال السوري،و المنضوية في إطار ما يسمى ” الجبهة الوطنية للتحرير” قبولها اتفاق وقف إطلاق النار الذي انهار بعد يومين من سريانه ، أكدت “هيئة تحرير الشام” الإرهابية (جبهة النصرة سابقًا) أنها لن توافق على الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، شمال غربي سورية.فقد أعلن القائد العام ل”هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، السبت الماضي ، أن فصيله لن ينسحب من المنطقة منزوعة السلاح في شمال غرب سورية، بعد يومين من هدنة أعلنت عنها دمشق، مشترطة إنشاء المنطقة وانسحاب المقاتلين منها.
وقال الجولاني: “ما لم يأخذه النظام عسكريًا وبالقوة، فلن يحصل عليه سلميًا بالمفاوضات والسياسة (…) نحن لن ننسحب من المنطقة أبدًا”.وأكَّدَ: “لن نتموضع لا على طلب الأصدقاء ولا الأعداء”، مشدِّدًا على رفض فصيله دخول قوات مراقبة روسية إلى المنطقة العازلة كما ينص الاتفاق.واعتبر الجولاني أن قوات النظام “استنزفت” خلال العمليات العسكرية.وجاءت تصريحات الجولاني خلال لقاء نظمته هيئة تحرير الشام مع صحفيين في منطقة إدلب. ولم يسمح للصحفيين بالتصوير.
في الميدان ، يواصل الجيش العربي السوري وحلفاؤه التقدم في ريف حماه الشمالي ، ومع سيطرته على بلدة الزكاة الاستراتيجية بعد تمهيد جوي ومدفعي عنيف منذ صباح الأربعاء. وبهذا التقدمأصبحخ الجيش العربي السوري يتمتع بالإشراف الناري على بلدة كفرزيتا التي تبعد عنها نحو 3 كم إلى الشمال الشرقي، وعلى بلدة اللطامنة التي تبعد عن الزكاة بنحو 4 كم إلى الجنوب الشرقي، وكلا البلدتين تشكلان المعقل الرئيس لتنظيم “جيش العزة” الارهابي الحليف الأكبر لـ”جبهة النصرة” بريف حماة.وفي محاولة لاستدراك الهزائم دفعت التنظيمات الإرهابية بأعداد كبيرة من الارهابيين والعربات المفخخة وشنت هجوما على اتجاه الزكاة – حصرايا، في ريف حماة إلا ان الجيش تمكن من التصدي للهجوم الارهابي مكبداً الارهابيين خسائر كبيرة في الارواح والعتاد.
توافق تركي –أمريكي حول ملف “هيئة تحرير الشام”
تصريحات الجولاني هذه تؤكد أنَّ تركيا لم تفرض شروطها على “جبهة النصرة” الإرهابية وتأتي في وقت أكد فيه مراقبون أنَّ تنصل الجماعات الارهابية من الاتفاق بدأ يتكشف علانية والدليل على ذلك أنَّ”هيئة تحرير الشام” المدعومة من تركيا وأمريكا ، ارتضت لنفسها أن تكون خادمًا أمينًا في تنفيذ المخطط الأمريكي-التركي- الصهيوني، الذي لا يزال يستهدف تقسيم سورية.
فاستمرار سلطات النظام التركي بالسماح لأدواتها من تنظيمات إرهابية متمركزة في إدلب بهجماتها واعتداءاتها يؤكد مواصلة أنقرة نهجها التخريبي وتجاهل تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي الخاص بمنطقة إدلب الأمر الذي أسهم في تعزيز مواقع الإرهابيين وانتشار خطر الإرهاب في الأراضي السورية.
يعتقدالمحللون المتابعون لأوضاع المنطقة أن هناك توافقًا أمريكيًا تركيًا، بشأن الوظيفة الإرهابية و التخريبية التي تقومبها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)في الشمال السوري، والحفاظ على هذا الفصيل الإرهابي البارز في محافظة إدلب ،وعدم إنهائه،لا سيما مع رجوع أمريكا إلى الملف السوري، وتحديدًا في الشمال،وسط غضب روسي من محاولات “إعادة تأهيل” هذا الفصيل المسلح الإرهابي الذي يسيطر على غالبية مناطق إدلب السورية، وتتهمه موسكو بـ”الإرهاب”.وسبق أن نقلت قناة “روسيا اليوم”، عن وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف، اتهامه لأمريكا بالرغبة في الحفاظ على “هيئة تحرير الشام” وجعلها طرفا في التسوية السياسية.
في ضوء الاحتلال الأمريكي لشمال شرق سورية،ورفض الولايات المتحدةالأمريكية القبول بتسليم أمر سورية إلى روسيا، تعمل الإمبريالية الأمريكية كعادتها دائما على إعادة تأهيل “هيئة تحرير الشام”الإرهابية ، بقدر ما أنّها تحقق مصالح لها في الشمال السوري، وسط الخلاف مع روسيا، لا سيما بعد فشل قمة القدس الأمنية، وعدم حصول الكيان الصهيوني على ما يريده ، أي انسحاب القوات الإيرانية من سورية، فضلاًعن رغبة واشنطن بالإضرار بالمصالح الروسية.
لهذه الأسباب كلها توافقت المصالح الأمريكية والتركية في قضية إدلب، وهي كذلك تهم أوروبا بقضية اللاجئين التي يمكن أن تسبب أزمة هناك، لذلك عادت أمريكا للتدخل في إدلب، ولكنَّ من خلال إعادة ترتيب المنطقة في الشمال من ضمنها المحافظةعلى “هيئة تحرير الشام”كفصيل إرهابي ينفذ الأجندة الأمريكية-التركية في الشمال السوري.
رغم أنّ “هيئة تحرير الشام”(جبهةالنصرة سابقًا) مصنفة دوليا كتنظيم إرهابي، فإنّ السياسة الميكيافيلية الرديئة التي يطبقها الرئيس التركي رجب طيبى أردوغان، والسياسة الخارجية الإرهابية التي يطبقها الرئيس دونالد ترامب على صعيد عالمي، تعملان على تبييض صفحة هيئة “تحرير الشام “الإرهابية،وإعادة هيكلتها بما يتماشى وخدمة الأهداف التركية والأمريكية في الشمال السوري، المتناقضة جذريا مع بسطسيادة الدولة الوطنية السورية سيادتها على كامل ترابها الوطني.
الرئيسان ترامب وأردوغان يمارسان الإرهاب من القتل إلى التجويع وحصار الدولة الوطنية السورية وعقابها على نهجها الوطني، من خلال تقديم كل الدعم العسكري و اللوجستي و المالي إلى الفصائل الإرهابية السورية العاملة تحت إمرتهم، وإعادة رسكلة “هيئة تحرير الشام”الإرهابية، مستغلين ومدافعين عن بعض الإجراءات التي قامت بها مؤخرًا ، بما يشي أنها قطعت علاقاتها مع تنظيم “القاعدة الإرهابي ،ومنها:
*-وقف “هيئة تحرير الشام” قضية خطف الصحفيين
*-تسليم عدد من المطلوبين والأسرى لذويهم
-*أوجدت واجهات مدنية عدة مثل حكومة الإنقاذ للتعامل مع الخارج
*-أخفت كثيرا من الشخصيات الإشكالية عن الواجهة الإعلامية والأضواء
*-الانخراط في قضية محاربة الإرهاب، حيث يعتبر المدافعون عن”هيئة تحرير الشام”، أنّها أصبحت “منخرطة في قضية محاربة الإرهاب فهي حاربت تنظيم “جند الأقصى”، وحاربت “داعش”، وتضيق على تنظيم”حراس الدين “جناح القاعدة في سورية”.
وكانت “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبي محمد الجولاني، أعلنت فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، لينشق عنها فصيل سمى نفسه “حراس الدين” كان مُصِرًّا على الانتماء التنظيمي للقاعدة، رغم التشابه الفكري والإيديولوجي مع الهيئة.
يُفَسِّرُ المراقبون الحاجة المصلحية من جانب تركيا والإمبريالية الأمريكية للمحافظة على “هيئة تحرير الشام”كقوة موجودة على الأرض، كون العمل على إنهائها يشكل تهديدًا للمصالح التركية والأمريكية،فهويفسح في المجال لسيطرة الدولة الوطنية السوريةعلى محافظة إدل ، ما يعني فقدان ورقة أمريكية مهمة للضغط على روسيا.
رغم أنَّ روسيا تمارس ضغوطات كبيرةعلى تركيا و أمريكا من أجل إنهاء ملف”هيئة تحرير الشام”،فإنّ هاتين الدولتين تعتبران أنّه في حال القضاء على “هيئة تحرير الشام” فسيثار تساؤل تركي كبير: “من البديل؟” .وبالنسبة لتركيا، وأمريكا، فإنّ بديل “هيئة تحرير الشام” في إدلب هوسيطرة الدولة الوطنية السورية على محافظة إدلب، وهذا يُعَدُّ انتصارًا لنظام الرئيس بشار الأسد،وهوما لا تقبل به لا تركيا و لا أمريكا.
الاتفاق التركي-الأمريكي بشأن “المنطقة الآمنة”
أصبح الانفصاليون الأكرادالسوريون المنضوون تحت اسماء “قوات سورية الديمقراطية”(قسد) و”وحدات الحماية الكردية”، مجرد مرتزقة يعملون من ضمن الأجندات الأميركية الاستعمارية، ويصعدون ضد تركيا، التي لم تتأخر في تنفيذ تهديداتها باتجاه تحريك القوات في شرق الفرات، مُتَوَّعِدَةً بِشَّنِ عملية عسكرية في منطقة الجزيرة السورية لإنشاء “المنطقة الآمنة” المزعومة ــ حسب مسمياتها ــ وذلك في مواجهة من تتهمهم بالخطر الكبير على الأمن القومي التركي المزعوم قاصدة بذلك الانفصاليين الأكراد.
ليس من شك أنّ لتركيا أطماع توسعية في شمال سورية،فرئيسها الحالي رجب طيب أردوغان، تسيطر عليه “أمجادالسلطنة العثمانية البائدة”و الأجندات الإخوانية،بعد أن تحولت إسطنبول إلى مركزإقليمي لحركات الإخوان المسلمين في المنطقة. ف”المنطقة الآمنة” التي يلوح الرئيس التركي أردوغان بإنشائها هي في حقيقة الأمر مشروع استعماري تركي ، حيث ترفض العشائر العربية في محافظتي الحسكة و القامشلي مشروع “المنطقة الآمنة” الذي يسعى لتحقيقها النظام التركي، ولا لغيرها من المشاريع الغربية المشبوهة في مناطقها لأنها ليست إدلب ثانية، كما ترفض أي اتفاق مهما كان نوعه أو أهدافه، لا توافق عليه الدولة الوطنية السورية.
ولأنّ السيادة السورية والوجود العسكري والإداري والسياسي لا يزال قائمًا في المنطقة، فإنّ الدولة الوطنية السورية تعتبر إنّ نظام أردوغان المأزوم يتخذ من ميليشيا “قسد” المدعومة من واشنطن حجة لاحتلال مناطق سورية جديدة، لافتة إلى إنّها ستواجه أي عدوان أجنبي قادم على المنطقة وسيكون ذلك خلف الجيش العربي السوري فقط.
فعلى وقع سلسلة علاقاته المتأزمة في الإقليم وإخفاقات سياسته الداخلية وانهيار شعبيته وتعرّض حزبه لأقسى الخسارات في الانتخابات البلدية المعادة في إسطنبول، استعاد رأس النظام التركي رجب أردوغان مجدداً اجترار مصطلح أو مفهوم “المنطقة الآمنة” على الحدود مع سورية، في محاولة منه لحجز مكان له في منطقة الجزيرة السورية جنبًاإلى جنبٍ مع حلفائه في حلف الناتو الأميركيين والفرنسيين، ولا سيما بعد أن وصل إلى حائط مسدود في عملية ابتزاز الدول الغربية بشأن المسائل المتعلقة بقضية “اللاجئين السوريين” وتفرّعاتها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد توعد يوم الثلاثاء الماضي ،بمرحلة مختلفة في شرق الفرات قريبًا، وباستخدام بلاده القوة إذا ما تطلب الأمر للدفاع عن مصالحها القومية.وسبقت التهديدات التركية ، تحذيرات أمريكية عبر وزير الدفاع مايك إسبر الذي أكّد أنّ أي عملية تركية في شمال سورية ستكون “غير مقبولة”، وأنّ الولايات المتحدة ستمنع أي توغل أحادي الجانب فيها.
وتُعَدُّ المفاوضات التي جرت يوم7أغسطس/آب الجاري ،الجولة الثانية من المباحثات بين مسؤولين عسكريين أميركيين وأتراك في أنقرة بشأن إقامة “منطقة آمنة” شمالي سورية، حيث انعقدت الأولى في 23 يوليو/ تموز 2019في مقر وزارة الدفاع التركية.وأكّدت تركيا في مناسبات عديدة أنّها ستضطر لإقامة “منطقة آمنة” شمالي سورية، في حال عدم التوصل لتفاهم مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص.
وبعد مفاوضات لثلاثة أيام،توصلت أنقرة وواشنطن يوم الإربعاء الماضي لاتفاق يُجَنِّبُ منطقة شرقي الفرات السورية عملاً عسكريًا، ويُبَدِّدُ مَخَاوِفَ الأتراك من قيام إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية بدعم غربي، وهو ما تعتبره أنقرة تهديدًالأمنها القومي.ووصف وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الاتفاق التركي-الأمريكي حول “المنطقة الآمنة” بأنّه “بداية جيدة للغاية”. وشَدَّدَ خلال مؤتمر صحافي في أنقرة يوم الخميس8أغسطس”آب الجاري ، على أنَّ تركيا لن تسمح بأن يكون الإلهاء هدف هذا الإجراء على غرار ما حدث في خارطة طريق منبج. ورَدًّا على سؤال حول القمة الثلاثية المرتقبة لزعماء تركيا وروسيا وإيران، قال جاووش أوغلو إن القمة يتوقع أن تنعقد في 11 سبتمبر/أيلول 2019في تركيا. وأكَّدّ أن بلاده تقوم ما بوسعها من أجل وقف عدوانية النظام السوري على إدلب ،في الفترة الأخيرة. وفيما يخص اللجنة الدستورية بخصوص سورية، قال إنّهم وصلوا إلى المرحلة الأخيرة في تشكيلها، وإنَّ لديهم حاليًا اعتراضًا على شخصٍ واحدٍ.
وكانت وزارة الدفاع التركية، قد أعلنت في بيان الأربعاء الماضي، أنّ الاتفاق الذي تمَّ التوصل إليه مع الأمريكيين، يقضي بإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء “المنطقة الآمنة” في سورية. وأكّدت أنّه تم الاتفاق مع الجانب الأمريكي “على جعل المنطقة الآمنة مَمَرَّ سَلاَمٍ، واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم”.
ونشرت السفارة الأمريكية في أنقرة عبر موقعها الرسمي بيانًا عن نتائج الاجتماع بين الطرفين، جاء فيه َّ تمَّ الاتفاق على بعض القضايا بشأن إنشاء المنطقة الآمنة في شمالي سورية، مشيرًا إلى الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشتركة في أقرب وقت ممكن في تركيا، بهدف إنشاء وتنسيق وإدارة المنطقة الآمنة بشكل مشترك.
كما اتفق الطرفان على تنفيذ التدابير الأولى بشكل عاجل لإزالة مخاوف تركيا الأمنية على حدودها الجنوبية مع سورية.
وحسب وكالة “الأناضول”، فإنّ قوات أمريكية وتركية مشتركة ستتولى مهمة إدارة المنطقة الآمنة بعرض 30-40 كيلومترا التي ستتم إقامتها على طول الحدود مع سورية.كما يقضي الاتفاق، بحسب الوكالة، بإخلاء هذه المنطقة من المسلحين الأكراد بعد تسليمهم أسلحتهم الثقيلة، كما سيتم تدمير كل الأنفاق والتحصينات والمواقع التابعة للفصائل الكردية داخل المنطقة.ويأتي الاتفاق بين واشنطن وأنقرة بشأن المنطقة الآمنة بالتوازي مع استعداد الجيش التركي لإطلاق عملية عسكرية جديدة ضد المسلحين الأكراد في شمال شرق سورية.
في المقابل، أعلنت الدولة الوطنية السورية “رفضها القاطع والمطلق للاتفاق الذي أعلن عنه الاحتلالان الأمريكي والتركي حول ما يسمى المنطقة الآمنة والذي يشكل اعتداءً فاضحاً على سيادة ووحدة أراضي سورية وانتهاكاً سافراً لمبادئ القانون الدولي”، بحسب مصدر رسمي في وزارة الخارجية التابعة للنظام.
ونقلت وكالة الأنباء “سانا”، الناطقة باسم الحكومة السورية ، عن المصدر قولها إنّ “بعض الأطراف السورية من المواطنين الكرد التي ارتضت لنفسها أن تكون أداة في هذا المشروع العدواني الأميركي التركي، تتحمل مسؤولية تاريخية في هذا الوضع الناشئ”، داعياً “قسد” إلى “مراجعة حساباتها والعودة إلى الحاضنة الوطنية”.
ما يُرَدِّدُهُ ويَفْعَلُهُ كبار القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية، رَدًّا على مواقف التصعيد والتلويح التركي الدائم بالعملية العسكرية شرق الفرات يكفي ويزيد، ومن ذلك أنّ مبعوث الولايات المتحدة إلى سورية، جيمس جيفري يقول إنّ “الحضور العسكري الأمريكي سوف يستمر، ومن المحتمل أن تطبق واشنطن في شرق الفرات ما طبقته من قبل في شمال العراق بين عامي 1991 و2005″، ذلك أنّ الولايات المتحدة تراهن على حليفها الكردي، لإنجاز مشروع الكيان المستقل في شمال شرق سورية، وهي لا يهمها كثيرًا ما تقوله أنقرة الممنوعة من تنفيذ أي تحرك عسكري في منبج وشرق الفرات، “لأنّ القيام بعملياتٍ عسكرية في مناطق يوجد فيها جندي أميركي غير مقبول”.
هدف واشنطن إيصال الكيان الصهيوني للمنطقة الشرقية
الإمبريالية الأمريكية معنية بتعزيز وجودها العسكري في شمال شرق سورية كاحتلال مباشر للأراضي السورية، خدمة لمصالحها الاستراتيجية ، لا سيما إطالة أمد الحرب في سورية، والإبقاء على حالة عدم الاستقرار والفوضى، والحيلولة دون أن تخرج الدولة الوطنية السورية منتصرة في هذه الحرب، والسيطرة على الحدود السورية العراقية والسورية التركية، والعمل على نهب موارد الطاقة من النفط والغاز السوريين اللذين يشكلان ثروة مهمة في المنطقة الشرقية ،إضافة إلى نهب الخيرات الزراعية باعتبار منطقة الحسكة تشكل مطمور سورية من القمح ،عبر تقديم الدعم للميليشيات الانفصالية، التي تحولت إلى قوة قمعية للمظاهرات العارمة والاحتجاجات خلال الأشهر والأسابيع الماضية المطالبة بخروج قوات الاحتلال الأمريكي والفرنسي من سورية ووقف التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية تحت أي ذريعة.
ويبقى أنّ هذا المشروع الاحتلالي الأمريكي لشمال وشرق سورية،يستهدف خدمة الأهداف الاستراتيجية للكيان الصهيوني بواسطة الورقة الكردية ، إذ تعمل الإمبريالية الأمريكية على تثبيت موقع قدم للكيان الصهيوني في هذه البقعة الجغرافية القريبة من مياه نهري دجلة والفرات، وهو المبرّر الأول والأهم في كل هذا الجهد الأمريكي. وكانت التقديرات والحسابات الخطأ تركز على أن تمسّك واشنطن بشرق سورية بذريعة محاربة إرهاب مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتصدّي للمشروع الإيراني، يهدف إلى تمركزها الاستراتيجي هناك باسم لاعبين محليين وإقليميين.
من الناحية الإعلامية و الدعائية تدعي الإمبريالية الأمريكية أنّها تريد حماية الإنفصاليين الأكراد،ولذلك هي تعرقل التحركات والتهديدات التركية، لكنّها في الحقيقة هي تريد إيصال الكيان الصهيوني إلى شرق الفرات، لفتح الطريق أمام تحالف كردي -صهيوني يُقَوِّي تل أبيب إقليميًا ويخرجها من عزلتها.
مصادر محلية وإعلامية سورية رصدت دخول قافلة جديدة مؤلفة من 200 شاحنة محملة بمساعدات لوجستية وعربات عسكرية تابعة لـ “التحالف الأمريكي” قادمة عبر معبر “سيمالكا” غير الشرعي الذي يربط محافظة الحسكة مع إقليم شمال العراق إلى مدينة القامشلي دعمًا لوحدات الحماية الكردية وميليشيا “قسد” التي تعمل بشكل متسارع على تنمية علاقاتها مع كيان العدوالصهيوني في مختلف المجالات.
وكانت مصادر إعلامية كشفت بالوثائق منتصف يوليو/تموز 2019عن رسالة رسمية تؤكد القبول بأن تمثل شركة “كاهانا” الصهيونية ما يسمى “مجلس سورية الديمقراطية” في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط المسروق من قبله، وذلك بموافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بمعدل 125 ألف برميل مع إعطاء “كاهانا” حق استكشاف النفط في منطقة الجزيرة السورية.
أمريكا تتذرع ب”داعش” لاستمرار احتلالها لشمال وشرق سورية
أفاد تقرير صادر عن المفتش العام في البنتاغون أنَّ تنظيم “داعش”، “يُعَاوِدُ الظهور” في سورية مع سحب الولايات المتحدة قوات من هذا البلد و”يُعَزِّزُ قدراته” في العراق المجاور.وقال التقرير إنّ “الإرهابيين الذين تكبدوا خسارة كبيرة على الأرض على أيدي القوات العراقية والسورية مدعومة بحملة قصف جوي من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، يستغلون ضعفا لدى القوات المحلية لتحقيق مكاسب”.
وأوضح التقرير “رغم خسارته الخلافة على الأرض، فإنّ “داعش” في العراق وسورية عزّز قدراته المسلحة في العراق ويعاود الظهور في سورية خلال الربع الحالي” من السنة.وأضاف أنّ التنظيم استطاع “إعادة تجميع صفوفه ومواصلة القيام بعمليّات” في كلا البلدين، وذلك لأسباب منها أنّ القوّات المحلّية “لا تزال غير قادرة على مواصلة القيام بعمليّات طويلة الأمد، أو تنفيذ عمليّات عدّة متزامنة أو الحفاظ على الأراضي” التي استعادتها.
وأشار التقرير إلى إنَّ ذلك يأتي مع استكمال واشنطن “انسحابًا جزئيًا” من هذا البلد، مُخالفةً بذلك رأي قادة عسكريين اعتبروا إنّ قوّات سورية الديموقراطيّة (قسد) المدعومة أميركيًّا “بحاجة إلى مزيد من التدريب والتجهيز للتصدي لعمليات مسلحة”.
العام الماضي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتصار على “داعش” وأمر بسحب جميع الجنود الأميركيين من سورية، في قرار دفع وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس الى الاستقالة.
ولا يزال عدد قليل من الجنود الأمريكيين ينتشرون في شمال شرق سورية، وهي منطقة لا تسيطر عليها الدولة الوطنية السورية .وتسعى واشنطن إلى حَشْدِ مَزِيدٍ من الدعم العسكري من أعضاء آخرين في التحالف الدولي ضدّ “داعش”. ونفذَّ عناصر التنظيم عمليات اغتيال وكمائن وتفجيرات انتحارية في الدولتين كلتيهما. وفي العراق “أنشأ نقطة قيادة ومراقبة ثابتة ونقطة لوجستية لتنسيق الهجمات”، وفقا للتقرير.
واستراتيجية التنظيم في البلدين كليهما هي “إشاعة فوضى على الأرض التي خسرها” ومنع قوات الأمن المحلية “من تحقيق سيطرة فعلية والحفاظ على النظام العام”.ويعتقد التحالف بقيادة أميركية أن التنظيم الارهابي لديه على الأرجح ما بين 14 الف إلى 18 ألف “عضو” في العراق وسورية، بينهم ما يصل إلى 3 آلاف أجنبي، وفق التقرير.
وتتذرّع إدارة ترامب بضرورة إخراج إيران من لبنان وسورية والعراق،وكذلك بمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، في الوقت الذى تؤكد فيه التقارير والوقائع وجود علاقة وثيقة بين أمريكا والتنظيم التكفيري، حيث تزوده بمختلف أنواع الدعم اللوجستي والتسليحي، بينما يقوم “التحالف الدولي” الذي شكلته واشنطن من خارج مجلس الأمن في آب 2014 بارتكاب المجازر بحق السوريين، وكان آخرها في الـ 29 من تموز 2019، حيث قصف طيران “التحالف” منازل الأهالي في قرية الزر التابعة لناحية البصيرة بريف دير الزور الجنوبي الشرقي، ما أدى إلى استشهاد عدد من المدنيين وإصابة آخرين بجروح، معظمهم من الأطفال والنساء.
وكشف تقرير لمكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” الأربعاء الماضي ، أنّ الولايات المتحدة تهدف لزيادة عدد مقاتلي قوات التحالف الدولي بسورية، بمن فيهم القوات الكردية، من 100 ألف إلى 110 آلاف.
وجاء ذلك في تقرير مكتب المفتش العام للبنتاغون، حول نجاحات التحالف في الحرب ضد تنظيم الدولة، خلال فترة 1 نيسان/ أبريل- 30 حزيران/ يونيو 2019، جرى تقديمه إلى الكونغرس، مؤخرا. وشدد التقرير على وجوب استمرار الاستعدادات المتعلقة بفترة ما بعد تنظيم الدولة بقدر حقبة محاربته، مبينا أن “التنظيم يواصل تهديده في سوريا كقوة متمردة، عقب الهزيمة التي مني بها فعليا”.
وجاء في التقرير: “مع خسارة “داعش” فعليا في سورية وتحول التركيز إلى منع التنظيم من العودة مجددا، فإن تشكيل القوات المشتركة أصبح يتغير أيضا”، لافتا إلى استمرار الجهود من أجل زيادة عدد هذه القوات، والبالغ عددها حاليا 100 ألف، إلى 110 آلاف شخص.
وأضاف التقرير أن “خطة قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب (قوة مهام مشتركة أُنشئت من قبل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة)، تهدف لمساعدة جميع القوات المشتركة (في سوريا) في الزيادة بنسبة 10 بالمئة، وإنشاء قوى جديدة بين جميع المكونات”.
وبحسب التقرير فإنّ “قوات سورية الديمقراطية (قسد)”- (“ي ب ك/بي كا كا” تكون غالبية قوامها)- ستشكل القسم الكبير من قوة قوامها 30 ألف، و”قوات محلية” قوامها 45 ألف و”قوات الأمن الداخلي” بـ35 ألف (من أصل 110 آلاف قوات مشتركة( .
وأوضح التقرير أنّ ما يسمى بـ “قوات أمن داخلي محلية”، و”قوات أمن داخلي” تتشكلان من القوات الميدانية، وتعملان بالتنسيق مع “قسد”، دون أن يصف نوع العلاقة بينهم، مشيرا إلى أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا، أثر في عمليات هادفة للحيلولة دون استعادة تنظيم الدولة قواه مجددا.
خاتمة:
من وجهة نظر المحللين للحروب التي قامت بها الإمبريالية الأمريكية في كل من أفغانستان، والعراق، وسورية،منذ بداية الألفية الجديدة ولغاية الآن،توصلوا إلى حقيقة تاريخية مفادها أنّه من المؤكد والثابت أن تنظيمات “داعش”و”القاعدة “و”جبهة النصرة” الإرهابية،وغيرها من المجموعات التي تعتنق الفكرالإرهابي و التكفيري ليست في واقعها سوى صناعة وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية،وقد جرى توظيفها لتكون بمنزلة جيش من المرتزقة بدلاً من الجنود الأمريكيين، تستخدمه الإمبريالية الأمريكية ،لتنفيذ مخططاتها المتعلقة بتفكيك الدول الوطنية في كل من العراق وسورية ،وإعادة رسم خريطة إقليم الشرق الأوسط من خلال تفجير الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية فيه،بهدف تقسيم العراق وسورية وإيران ودول إقليمية أخرى على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، والسيطرة على مواردها النفطية والغازية،واستغلال شعوبها.
في الحرب الكونية التي خِيضَتْ ضِدَّ سورية طيلة السنوات الثماني الماضية، صدرت وثائق عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية تُؤَكِّدُ أنَّ أمريكا ودول الناتو والسعودية تركيا ودول إقليمية مارقة أخرى دعمت “داعش” بالمال و السلاح بغية زعزعة الاستقرار في سورية واسقاط دولتها الوطنية ، واستبدالها بحكومةعميلة للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني و الأنظمة الخليجية الرجعية،وتحت الوصاية التركية.
فقد دعمّ الكيان الصهيوني تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”بالأسلحة والإمدادات الطبية إضافة إلى نقاط التنسيق معهما بمنطقة الجولان السورية المحتلة.وقدمّتْ أيضاً كل من بريطانيا وفرنسا الأسلحة للجماعات الإرهابية العاملة في سورية بصورة منتظمة.أمّا الدورالأمريكي في دعم “داعش” فقد كان الأكثر شمولية، حيث وجّهت ونسّقت كل أنشطة الدول الداعمة ل”داعش”، واستخدمت قواعد عسكرية في تركيا والأردن وقطر والعراق والسعودية لهذا الغرض.
وحين ادعت الإمبريالية الأمريكية أنّها أنشات تحالفًا دوليًا مزعومًا من ستين دولة ،وتدخلت في سورية والعراق بحجة محاربة تنظيم”داعش” الإرهابي،لم يكن ادعاؤها صحيحًا، بدلالة أنّها عجزت عن تفكيك تنظيم”داعش”الإرهابي، والسبب واضح تمامًا، فبعد أن باع الرئيس ترامب الأكراد في المزاد العلني لتركيا يريد الآن أن يحتفظ بورقة”داعش”،لكي يشرعن الاحتلال العسكري الأمريكي لشرق و شمال سورية ، بعد أن تورط ترامب في نهاية العام الماضي بالإعلان عن الانسحاب الأمريكي ..
فواشنطن لن تتخلى عن تنظيم “داعش”الإرهابي ولو بعد حين،لا سيما أنَّهُ يُعَدُّ الوسيلة الأنجع لخلق الفوضى والرعب الدولي فتركض الدول للتسلح وتشتري من التاجر الأميركي…فالبيت الأبيض لايُرِيدُ أن يَنْحَسِرَ التنظيم بل أنْ يَبْقَى لِيَتَمَدَّدَ هي في المنطقة وهو مايُفَسِّرُ استمرار الأحداث الإرهابية الجارية في كل من الدول العربية، وتفاقم تَجَوُّلِ الذئاب البشرية في وضح التحالفات الدولية لمكافحة الارهاب ..
وعلى نقيض الرواية الأمريكية التي قَدَّمَهَا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نهاية العام الماضي ،والتي مَفَادُهَا أنَّ تنظيم “داعش “الإرهابي،هُزِمَ في كل من العراق وسورية،يأتي التقرير الأمريكي الجديد مُخَالِفًا للرواية الأميركية الآنفة الذكر،إذ يقول أنَّ تنظيم”داعش” الإرهابي لم يُهْزَمْ ،وأنّهُ يَسْتَعِدُّ للعودة مُجَدِّدًا وعلى نحوٍ أكثرِ وأشدِّ خطورة رغم خسارته معظم الأراضي التي أعلن قيام (دولته) أو(خلافته) عليها في كل من سورية والعراق .ولعلَّ أكبر الأسئلة التي تطرحها المعطيات الأمريكية الجديدة هنا هو ما دور واشنطن في هذه العودة المحتملة والقوية لتنظيم “داعش” الإرهابي وهي التي أنشأته، وما هي مصلحتها الحقيقية من ذلك..؟!
في البداية ينبغي التوقف قليلاً عند التقارير الأمريكية التي حذّرت من عودة تنظيم”داعش” الإرهابي، فقد جاء في تقرير أمريكي سابق أعده معهد (دراسات الحرب) الأمريكي تحت عنوان: (عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل) إن التنظيم اليوم أقوى من سلفه (تنظيم القاعدة) في العراق في عام 2011 حين بدأ يضعف.وأشار التقرير إلى أن تنظيم (القاعدة) في العراق كان لديه ما بين سبعمئة وألف مسلح آنذاك، بينما كان (داعش) لديه ما يصل إلى 30 ألف مسلح في العراق وسورية في آب 2018 وفقاً لتقديرات وكالة الاستخبارات العسكرية.
وهنا ينبغي التوقف عند دقة الأرقام الواردة، إذ يقول الصحفي السوري عبد الحليم سعود في مقال نشره بصحيفة الثورة السورية: أنّ من يملك هذه الأرقام الدقيقة حول التنظيم لا بدّ أنه يملك تفاصيل أوسع وأدق عن الجنسيات، التمويل والخطط والأهداف ونقاط التمركز والانتشار ـ وقد لا نبالغ إذا قلنا ـ يملك معلومات أوفى وأدق عن مكان وجود البغدادي الذي أفرج عنه من السجون الأميركية في العراق إبان الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي في 2010، وقام بإنشاء تنظيمه الإرهابي تحت رعاية الاستخبارات الأميركية وبقية القصة معروفة من تسلل عناصره من العراق إلى سورية وقدوم مرتزقته من جميع أنحاء العالم عبر تركيا حليف واشنطن في الناتو إلى سورية والعراق للقتال، وصولاً إلى استخدام ذريعة محاربة الإرهاب من أجل التدخل العسكري في سورية وارتكاب مئات المجازر بحق المدنيين الأبرياء في شمال شرق سورية، إضافة إلى تدمير مدن وبلدات وقرى بحجة مطاردة فلول التنظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى