تونس ما بعد الانتقال الديمقراطي وغياب المشروع الوطني

ليس هناك شك في أن النظرية السياسية التي لاقت قبولاً عالمياً في الغرب والشرق على السواء هي نظرية الانتقال الديمقراطي، والتي تعني أساساً الانتقال من الشمولية والسلطوية إلى الليبرالية والديمقراطية. وأسباب صعود هذه النظرية متعددة.
من الصعب جداّ أن نعثر على نظرية واحدة للانتقال الديمقراطي تشمل تجارب مختلف بلدان العالم التي كانت خاضعة لحكم الأنظمة التسلطية و انتقلت فيما بعد إلى إنجاز المهام الديمقراطية .وتعني مرحلة الانتقال الديمقراطي ، الانتقال من نظام تسلطي استبدادي إلى نظام ديمقراطي جديد.فالمرحلة الانتقالية تعني التحرر من الأسس البنيوية التي يرتكز عليها النظام الاستبدادي التسلطي، و إرساء الأسس الجديدة التي يمكن أن تحمل بناء النظام الديمقراطي الجديد.
إنها مرحلة حاسمة في تاريخ أية دولة تنتقل إلى الديمقراطية،لأنه يتعين قطع الطريق على القوى القديمة التي قد تستغل سيولة الانتقال السياسي في إعادة إنتاج النظام الاستبدادي، أو قد تفتح شهية قوى سياسية أخرة تريد أن تحتل مؤسسات الدولة، وتحل محل الأغلبية المستبدة، أو أن يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية.
لماذا فشلت تونس في الانتقال إلى “الديمقراطية المستدامة”؟
رغم أنّ إجراء الانتخابات االتشريعية و الرئاسية أصبح من التقاليد الراسخة في الحياة السياسية التونسية ،بعد سقوط النظام السابق مع بداية2011،فإنّ الدارس الحقيقي لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، التي بدأت منذانتخابات 23أكتوبر 2011، مرورًا بانتخابات خريف 2014 التشريعية و الرئاسية ،لا يلمس بوضوح، أنّ البلاد قد انتقلت إلى ما يسمى “الديمقراطية المستدامة” التي تتمثل في وضع دستور جديد، وتحرير منظمات المجتمع المدني من هيمنة بيروقراطية الدولة الأمنية و المدنية، وإقرار تشريعات تعزز التنافسية بين القوى السياسية، وتأكيد حكم القانون، واستقلال مؤسسات القضاء ، وتدعيم مؤسسات الرقابة والمحاسبة المعنية بمحاربة الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة والإدارة ،وإصلاح المنظومة الإدارية للدولة، بحيث تصبح وكيلاً للمواطن، ومحل مساءلة من جانبه.
ربما يشكل وضع دستور ديمقراطي جديد مع بداية 2014يفرض قيوداً على السلطة التنفيذية ، ويمكن السلطة التشريعية من وظيفتي التشريع و الرقابة، ويعزّز حقوق وحريات الأفراد، ويعمّق اللامركزية من خلال تمكين المجتمعات المحلية، و المشاركة الشعبية، الإنجازالأبرز في مسيرةهذا الانتقال الديمقراطي التونسي.
غير أنّه لم تبرز في تونس أية “حكومة”فعالة من بين كل الحكومات المتعاقبة منذ سنة2011،ولغاية رحيل الرئيس التونسي محمدالباجي قايدالسبسي مؤخرًا، تُشعر الشعب التونسي بأنّ هناك ثورة تواجه مشكلاته الأساسية ،وتحقق الحرّية و العدالة الاجتماعية ، وتحوّل “الفوران الثوري العاطفي” إلى سياقات مؤسسية تعزّز المشاركة الشعبية الواسعة في بناء الديمقراطية،وإصلاح القوة الصلبة أو الخشنة التي كان يقوم عليها الحكم الاستبدادي السابق ، وهي في المقام الأجهزة الأمنية و الأجهزة السياسية، ووضع أسس العلاقة مع مؤسسات الدولة العميقة ، بحيث تكون مؤيدة للديمقراطية بدلاً من أن تكون”حجرة عثرة” في سبيل تحقيقها.
كل الحكومات المتعاقبة التي تشكلت ما بعد “الثورة “، بما فيها الحكومة التونسية الحالية التي يرأسها السيد يوسف الشاهد،لم تدافع عن السيادة الوطنية بوصفه مبدأ في السياسة الإقليمية والدولية، بل منذ تشكل حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية في شهر ديسمبر/كانون الأول 2011، مرورًا بالديمقراطية التوافقية، التي كرستها حركتي “نداء تونس”و”النهضة” خلال سنوات 2015 و لغاية الآن، أصبحت التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، هي التي تجهض التحول الديمقراطي، بسبب خضوع تونس لنظام الحكم المعولم الذي أرساه الشيخين :الباجي قايدالسبسي وراشد الغنوشي، بإبرام هذا الأخير اتفاق سياسي مع زعيم المعارضة العلمانية الباجي قائد السبسي وحزبه المحسوب على النظام القديم خلال اجتماع باريس في 13أغسطس /آب 2013،عقب الزالزال المصري الذي أطاح بحركة الإخوان المسلمين من الحكم في مصر.
فأصبحت تونس بذلك، محكومة بالتحالف والشراكة في الحكم ما بين اليمين العلماني بزعامة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس الفائز في انتخابات 26 أكتوبر 2014 بنحو 86 نائبًا، واليمين الديني ممثلا بحزب النهضة الذي يمثل الإسلام السياسي ، اللذين يكرسان التبعية والولاء للمراكزالدولية الغربية (الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية)و والمراكز الإقليمية (قطر، تركيا و المملكة السعودية)، و لا يجسدان الحكم الوطني السيادي ، فضلاً عن انتهاج الحكومات المتعاقبة طريق الليبرالية الاقتصادية والاندماج في نظام العولمة الليبرالية المتوحشة،وخضوعها للشروط القاسية المفروضة من جانب صندوق النقدالدولي،بسبب فشلها في بناء التوافق الداخلي بشأن تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي عبر إيجاد قواعد لعبة جديدة تحقق المساواة والتنافسية بين مختلف القوى السياسية، و”تصفية النظام القديم بالتخلص من بعضه، و تطويربعضه الآخر، و إدماج بعضه الثالث”،وإقرار نموذج اقتصادي جديد مستقل ، يحول دون محاولات من شأنها إتاحة الفرصة أمام قوى دولية وإقليمية خارجية للتدخل من خلال “أطراف داخلية” (الحزبين الحاكمين “النداء و النهضة”-2015-2018، ثم الإئتلاف الحاكم الحالي بما في ذلك تحالف حركة النهضة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحزبه وبعض شركائه في الائتلاف الحاكم الحالي مقابل القطيعة مع الرئيس المنتهية ولايته الباجي قائد السبسي)في عملية تشكيل المجتمع الديمقراطي.
لا شك أن عملية التحول الديمقراطي (عملية الانتقال إلى الديمقراطية المستدامة )في تونس التي انهار فيها النظام التسلطي السابق ، وشهدت أزمات كبيرة خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي- من الإرهاب المستوطن، إلى تدفق المجاهدين التونسيين لبؤر التوتر في كل من سورية وليبيا والعراق،مرورًا بالصراع حول الهوية وطبيعة المجتمع – و لكي تنجح فيها ، فإنّ هذه تحتاج إلى اقتصاد قادر على النمو و التحرك ، و إلى وجود دولة وطنية ديمقراطية تعددية بالمعنى الحقيقي للكلمة،لا ماكينة دولة في المعنى الضيق للكلمة، بل دولة في معنى وجود نظام سياسي قادر على ممارسة الديمقراطية، وحتى يتمثل هذا النهج الديمقراطي فينبغي عليه أن يعتمد على عدد كبير من المؤسسات الاجتماعية و الثقافية و السياسية تتضمن –وهذا شرط لا تستقيم المعادلة من دونه- معارضات سياسية ديمقراطية، و نقابات قوية، و مؤسسات المجتمع المدني الحديث.
فقط بهذه العوامل يتم الحصول على الشرعية، أي على الحد الأدنى من مستوى القبول والمساندة اللذين يجعلان من النظام السياسي في هذه المرحلة الانتقالية نظاماً شرعياً، مهما كان عدد الانتقادات الموجهة إليه.هناك عنصر إضافي آخر ضروري ، هو الثقافة السياسية الديمقراطية الشديدة الصلة بالشرعية.
وماهو مطروح هنا هو قدرة المواطن التونسي على فهم آليات العمل الإداري و مشكلاته وأهليته على اختيار القادة السياسيين ومساندتهم، ثم مراقبة سلوكهم السياسي بانتباه. وهذا يفترض أن يتمتع المواطنون التونسيون بثقة معينة في النظام، و أن يتفق الناخبون و القوى السياسية المنتخبةعلى جملة قواعد أخلاقية، وأن يتقاسم الحكام و المحكومون مجموعة مبادىء و مثل عليا.هذه أهم الثوابت المثالية للنظام السياسي، الضرورية نظرياً لنجاحه.
في تناقض مع كل ذلك،النظام السياسي الذي بنته كل من حركة النهضة الإسلامية،وحركة نداء تونس،نجد أن هناك استعادة حقيقية للنظام السابق في مجمل اختياراته الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية، الذي يفتقد كليًا إلى الأخلاق السياسية .فالنظام السياسي الذي تم إنشائه ما بعد الثورة في تونس لم يكن نظامًا حديثًا، بمعنى آخر يربط التحديث بالتحول نحو الديمقراطية ،من خلال تبني المقاربة التحديثية التي يتخطى بها مجرد المظاهرالتحديثية، ليغوص في عمق تحديث البنى الاقتصادية والاجتماعية ومستوى التصنيع والتمدن ومؤشرات الرفاه المادي.فكلما ارتفعت تلك المؤشرات في مجتمع معين كان أقرب إلى التحول الديمقراطي .فهناك علاقة سببية ، تربط بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والقابلية للتحول الديمقراطي من جهة أخرى. فالمجتمع التونسي غير الرأسمالي وغير الصناعي تحديدا ،هومن حيث المبدأ أبعد المجتمعات عن الديمقراطية.
فالتحول الديمقراطي من نظام سياسي تسلطي إلى نظام سياسي آخر محكوم بالدرجة الأولى بسياق تفاعلي يتداخل فيه الصراع الاجتماعي مع جهاز الدولة ومع الجغرافيا السياسية بما لها من تأثير لا يقل أهمية عن تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية الداخلية .إن اشتراط تغيير شكل النظام السياسي القديم مرتبط بتغيير بنية الدولة وبما تؤول إليه الصراعات الاجتماعية ، الأمر الذي يجعل من العسير التفكير في التحول الديمقراطي في المجتمع التونسي قبل أن تنضج فيه شروط ذلك التحول على صعيد البنى الاقتصادية والاجتماعية.
إنّ فشل التحول الديمقراطي في تونس، يكمن في غياب دور الثقافة السياسية في إحداث التغيير الديمقراطي. وهنا أيضا تبقى الثقافة مشروطة بمدى تقدم المجتمع وارتفاع مستوى العيش بمقاييسه المادية، ويظل دورها رهينا بمدى “مدنيتها” وقابليتها لقيم التعددية السياسية والفكرية، وإدارة الشأن العام وفقا لمبدأ الإقناع بدل الإكراه، والقبول بالتداول السلمي على السلطة تمثيلا لإرادة الشعب العامة لا سلبا لها باسم فكرة أو طبقة أو حزب. فالثقافة السياسية عموما، أكانت مدنية أم غير ذلك، غالبا ما تتشكل في سياق التحولات السياسية وتأتي كنتيجة لها بدلا من كونها مولدا لتلك التحولات ومسببا لها. فالثقافة تلعب دورا أكبر وأبعد أثرا أثناء المراحل الانتقالية التي تعقب تغيير النظام وتسبق عملية ترسيخ الخيار الديمقراطي وليس قبلها.
تونس اليوم في حاجة إلى إرساء محكمة دستورية،في أقرب وقت ممكن،لحماية الحقوق والحريّات،ومراقبة بقية السلطات من التجاوزات والخروقات،لاسيما القوانين التي تمررها الأغلبية الحاكمة،والتي تمثل تهديداً لمستقبل البلاد وسيادتها.وفيما تؤكد المعارضة الديمقراطية،ومنظمات المجتمع المدني على أن تكون الشخصيات المترشحة لعضوية المحكمة الدستورية مستقلة، وغير منتمية إلى أحزاب بعينها،وإلا يكون لها ولاء إلاّ للوطن، فإنّ حزبي نداء تونس والنهضة يعملان من أجل محاصصة حزبية داخل المحكمة الدستورية وتفصيلها على المقاس،وهذا لا يمكن أن يطمئن الشعب التونسي على مستقبل الانتقال الديمقراطي،وعلى دولة القانون والمؤسسات التي ناضلت مختلف القوى الديمقراطية من أجل تأسيسها في تونس .
ولعلّ بعض القوى من الإئتلاف الحاكم في تونس،لم تستوعب أن قوّة الدّولة وهيبتها لا تُقاس بسيطرة السلطة التنفيذية عليها،بل تُقاس بضمان التوازن بين السلطات وتوفر آليات رقابية فيما بينها تكفل عدم تغوّل سلطة منها على الأخرى.ففي هذا الجانب،تأتي بالخصوص الهيئات الدستورية،لا سيما المحكمة الدستورية لكي تمثل جِدَارَ صَدٍّ ضد انحرافات السلط التقليدية،وضمانة لتدعيم الديمقراطية التونسية.
هل ستشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة تحولاً ديمقراطيًا؟
عقب الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي،(تزامناً مع الذكرى ال62 لعيد الجمهورية 25يوليو/تموز 2019)، بدأت مؤسسات الدولة الدستورية النظر في الإجراءات القانونية اللازمة لعملية الانتقال إلى السلطة، إِذْ يَنُصُّ الفصل 84 من الدستور التونسي الْمُقِرِّفي سنة 2014،على أنَّه “في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته أو الوفاة أو العجز الدائم، فَإِنَّ على المحكمة الدستورية أنْ تَجْتَمِعَ فَوْرًا، وتُقِرَّ الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية، وتُبَلِّغَ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فوراً مهامّ رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لمدة أدناها خمسة وأربعون يومًا وأقصاها تسعون يومًا”.ويَنُصُّ الفصل 85 على أنّه ” في حالة الشغور النهائي يُؤَدِي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب وعند الاقتضاء أمام مكتبه، أو أمام المحكمة الدستورية في حالة حل المجلس”.
وعرفت تونس انتقالاً سلسًا للسلطة ، حين تولّى رئيس البرلمان التونسي السيد محمد الناصر رئاسة الجمهورية في عيدها الـ62 ،وفق أحكام الفصلين 84 و85 من الدستور،وأدّى اليمين الدستورية سويعات فحسب بعد إعلان رئاسة الجمهورية خبر الوفاة، ليكون الرئيس السادس للجمهورية التونسية لمدة أقصاها 90 يومًا .
وفي نفس اليوم الذي توفي فيه الرئيس محمد الباجي قايد السبسي ،أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، نبيل بفون، عن إجراء الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى داخل الجمهورية الأحد في الـ15 من أيلول/ سبتمبر المقبل .وأوضح بفون أن عملية “قبول الترشحات ستنطلق من يوم 2 إلى 9 آب/ أغسطس، على أن يتم الإعلان عن قائمة المترشحين المقبولين لهذه الانتخابات في أجل أقصاه الـ14 من الشهر ذاته، ويكون التصريح النهائي بالمقبولين في أجل لا يتجاوز الـ31 من الشهر ذاته”.وفيما يتعلق بانطلاق الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي، قال بفون إنها “ستنطلق يوم الاثنين 2 أيلول/ سبتمبر 2019، وتتواصل إلى الجمعة 13 من الشهر ذاته”.
لقد مات الرئيس الباجي قايد السبسي، ولم يوقع على قانون الانتخابات الجديد ، الذي كان يستهدف إقصاء عدد من الأطراف السياسية(مثل نبيل القروي مالك قناة نسمة )،إذ أنّ القانون الجديد يمنع ترشح أي شخص عمل في جمعية أو منظمة خيرية لمدة عام، إلى جانب أولئك الذين يمتلكون قنوات تلفزيونية تقوم بالدعاية السياسية، ،ما جعل الهيئة المستقلة للانتخابات تعودإلى تطبيق القانون الانتخابي القديم غير المعدل. وقد انطلقت في قبول الترشحات للبرلمان (لم يتم تعديل موعد الانتخابات البرلمانية، فقد حافظت الهيئة على موعد السادس من تشرين الأول/ أكتوبر2019).
لا شك أنّ تقديم موعد الانتخابات الرئاسية على موعد الانتخابات التشريعية ،ربما يمثل إشكالآً ،إذاعرفنا أنّ النظام السياسي الجديد الذي أسّسه، الباجي قايدالسبسي وراشد الغنوشي، وكرّسه دستور 2014، شاذ وهجين، حيث تتوزع فيه السلطة التنفيذية بين طرفين،رئيسي الجمهورية والحكومة، مع صلاحيات أوسع للثاني، وهو المتسبب الرئيس في الأزمة التي تعيشها تونس في الوقت الحاضر.
من هذا المنطلق، فإنّ إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات التشريعية ،سيغير العديد من المعطيات،والحسابات الحزبية التي كانت مبنيّة على استشراف مَنْ سَتُرَّشِحَهُ للرئاسيات على ضوء نتائج التشريعيات،لا سيما بالنسبة لأحزاب الإئتلاف الحاكم،المتكون من حزب “تحيا تونس” بزعامة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد،وحزب النهضة بزعامة الشيخ راشدالغنوشي.
بمجرد رحيل الرئيس السبسي، انطلق المترشحون للفوز بمنصب الرئاسة في قصر قرطاج في في سباقهم المحموم ،مسلحين بأجهزة إعلامية محترفة وبصحفيين بلا ضمير.
1-نبيل القروي : أعلن، يوم الجمعة 2أغسطس/آب الجاري ، رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي عن ترشحه الرسمي للانتخابات الرئاسية في المقر المركزي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات .ويُعَدُّمن نبيل القروي أبرزالمرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة،وهو يملك قناة نسمة، إذ بدأ عبر تلفزته في إطلاق أرانب السباق لتضليل التركيز على شخصه في فترة مبكرة من الموعد الانتخابي ليوم15سبتمبر/أيلول 2019، فضلا على أنه استقطب وجوها كثيرة من حول رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد لتكون على رأس قائماته الانتخابية للبرلمان. ويركز الآن الدعاية على ذلك، ليظهر الأمر كنجاح سياسي لحزبه “قلب تونس” الذي تحول في شهر فقط؛ إلى حزب نخب وحزب جماهيري. وفي نفس الوقت الذي كانت قناة نسمة تتحدث عن الصعوبات الاقتصادية التي تفشل الحكومات في حلها، كان نبيل القروي يقدم مساعدات عينية للفقراء ذات تأثير مباشر.وهكذا أصبحت لديه شعبية في أوساط الفقراء المحسوبين على الحصن الاجتماعي للثورة.
نبيل القروي مرشح طبقة رجال الأعمال ، المرتبطة بدورها بلوبيات المال الفرنسية ، إذ يجتمعان في مواجهة الثورة وبواسطة الصندوق الانتخابي. ويحظى القروي بدعم من فرنسا، صانعة الرؤساء في تونس.
2-يوسف الشاهد: مهندس زراعي دخل الحلبة السياسية إثر ثورة 2011 عبر انتمائه للحزب الجمهوري بقيادة المحامي نجيب الشابي، ثم انضم إلى حزب “نداء تونس”في عام 2013.. وتم اختياره في 2016 من الرئيس الراحل السبسي لمنصب رئيس الحكومة، حين كان عضوا في حزب “نداء تونس” حزب الرئيس الحاكم. لكن، إثر خلافات داخلية، خصوصا مع حافظ قايد السبسي نجل الرئيس، غادر الشاهد الحزب لتأسيس حزب “تحيا تونس” الذي يضم أعضاء سابقين في حزب “نداء تونس”.وتراجعت شعبية الشاهد (43 عاما) في الأشهر الأخيرة؛ بسبب صراعات أجنحة وصعوبات واجهت حكومته في حل مشكلتي البطالة والتضخم. علمًاأنّ يوسف (الشاهد) وحافظ (قائد السبسي) ونبيل (القروي) هم أبناء الباجي قائد السبسي المدللون.
قال المتحدث باسم حزب “تحيا تونس”، علي بكار:إن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد سيكون مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المبكرة، التي ستجري في 15 أيلول/ سبتمبر 2019 .و اعتبر بكار:إن “الشاهد هو مرشح حزب تحيا تونس”، مضيفا أن الشاهد سيتحدث بهذا الشأن بعد نهاية فترة الحداد على وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، التي تمتد سبعة أيام.وحزب “تحيا تونس” الذي تأسس في بداية السنة، يملك ثاني كتلة في البرلمان بعد حزب النهضة الإسلامي.والشاهد هو رئيس الحكومة الأطول بقاء في المنصب منذ ثورة 2011.
يجمع النُقَّادُ لهذا الحزب “تحيا تونس” بوصفه مَوْلُودًا جَدِيدًا في المشهد السياسي التونسي، بأنّه نسخة مشوهة من النسخة الأصلية لحزب “نداء تونس”، إِذْ ضَمَّ نفس الوجوه والأشخاص والشعارات التي رفعت خلال تأسيس حزب”نداء تونس”، في ظل مطالب مجتمعية بتحقيق التوازن مع حركة النهضة.
يوسف الشاهد مرشح حزب”تحيا تونس” لا يختلف عن حزب النداء، في أي شيء جوهري، لا في المرجعية السياسية، ولا في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية. وفوق كل ذلك، لا يحمل يوسف الشاهد أي مشروع سياسي وطني ديمقراطي لإنقاذ البلاد، ، لأنّ حزبه المتحالف مع حركة النهضة ، لايستجيب للشروط التاريخية لتأسيس الأحزاب بسبب خُلُّوِهِ من البرامج والرؤى والإيديولوجيا وغياب القاعدة الشعبية التي تسانده، إلى جانب عدم وضوح الرؤية بشأن قياداته ومسؤوليه باستثناء الإعلان عن منسقه العام سليم العزابي .
فالمشروع السياسي للشاهد حتى في صورة إقصاء الشبكات الزبونية الخيروية لن يكون إلا حزبا ثانويا لا قدرة له على الحكم ولا حتى على قيادة ائتلاف حاكم في حين أن لهذه الشبكات الزبونية وخاصة لنبيل القروي مساحة أكبر وأوسع دون نسيان العلاقات الشخصية الوطيدة التي تربط بين الرجلين ..غير أنّ نبيل القروي خرج كأكبر مستفيد من الصراع المدمر بين يوسف وحافظ وان يرث لوحده الأب وان يؤسس لإمبراطورية جديدة قوامها القفة والتلفزة ويستأثر لوحده بـ”قلب” التونسيين ، لا سيما حين رفض الأب(الراحل الباجي قايد السبسي) التوقيع على قانون يحرم الابن الضال نبيل من الفوز بالقلب وبنصيب الأسد.
3-عبد الفتاح مورو: كشف رئيس مجلس نواب الشعب التونسي بالنيابة، والقيادي بحركة النهضة عبد الفتاح مورو، أن مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة “أمر وارد”، وأن “الباب يبقى مفتوحا”.جاء ذلك خلال مشاركته في احد البرامج الإذاعية، الأربعاء 31 تموز/يوليو2019 ، على هامش حديثه عن الجلسة الطارئة لمجلس البرلمان التونسي التأبينية للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
وزاد عبد الفتاح مورو، “لحد الآن لم يحدد الموقف في هذا الأمر، وهناك كلام كثير يقال في هذا الإطار، وأنا لم أقرر بعد، فموقفي الشخصي هو هذا القرار، سيتحدد بناء على المعطيات المحيطة بالجدوى، بالإمكانية، بالقدرة على الإقناع، وهذه قضايا تحتاج إلى وقت”.وعن إمكانية ترشحه باسم حركة النهضة قال مورو، “هذا كله لم يتقرر بعد، فأنا لم أقرر لنفسي أن أكون مترشحا، وإن كنت مترشحا كيف سأترشح، وهما أمران مرتبطان ببعضهما ولم أقرر بعد فيهما”.
4-مرشح حزب “نداء تونس”: تعرض حزب “نداء تونس”إلى تشققات كبيرة منذ فوزه في الانتخابات التشريعية في 26أكتوبر/تشرين الأول 2014، بنحو 86 نائبًا، وفوز زعيمه التاريخي الراحل الباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية في 23ديسمبر 2014.ولايزال مستقبل حزب “نداء تونس” مجهولاًبعد وفاة السبسي، إذ لم يقدم الحزب لحد الآن أي مرشح للانتخابات الرئاسية .فقد سجل “نداء تونس” انسلاخ نحو 15 نائبا في وقت قياسي في الفترة بين إعلان وفاة الرئيس التونسي ونهاية آجال تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية يوم الإثنين 29يوليو/تموز2019.وانسحب رئيس كتلة الحزب بالبرلمان، سفيان طوبال، مع ثلاثة نواب آخرين هم رضا شرف الدين وسماح دمق وعماد أولاد جبريل، لترؤس قوائم انتخابية باسم حزب “قلب تونس” الذي يتزعمه نبيل القروي صاحب قناة “نسمة”، فيما انسحب 9 آخرون لترأس قوائم عن حزب “أمل تونس” الذي تقوده المديرة السابقة للديوان الرئاسي، سلمى اللومي الرقيق.
كما شهدت الكتلة انسحاب النائبين الطيب المدني وهدى تقية لترؤس قوائم حزب “هلموا لتونس”، إلى جانب استقالة النائبين محمد بن صوف (دائرة إيطاليا) ولمياء المليح (أميركا وبقية دول أوروبا) اللذين التحقا بحزب “تحيا تونس” وترأسا قائماته في الخارج.ولم يتبق في حزب نجل الرئيس حافظ سوى بعض النواب، ترشح ثلاثة فقط منهم للانتخابات التشريعية باسم “نداء تونس”، وهم شاكر العيادي وفاطمة المسدي وأنس الحطاب، فيما انسلخ عدد كبير من القيادات والنواب بسبب سياسة حافظ قايد السبسي الإنفرادية بالتسيير والقرار، بحسب معارضيه.
وتشتت نواب الحزب الذي أسسه الراحل السبسي في 2012 وتوزعوا على ما يقارب 7 أحزاب جديدة وهي “تحيا تونس” الذي يقوده رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، و”مشروع تونس” الذي يقوده محسن مرزوق، وحزب “بني وطني” الذي يقوده سعيد العايدي، وحزب “البديل” الذي يقوده مهدي جمعة، وأحزاب “قلب تونس” و”أمل تونس” و”هلموا لتونس”، فضلا عمن اختاروا الانسحاب من الحياة السياسية كلياً.
5-عبد الكريم الزبيدي: من أكثر الأسماء التي تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي بشأن إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة ، وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي، الذي بات المرشح الأقوى في أوساط الرأي العام التونسي للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة،إن أعلن عن ترشحه. فهو شخصية وطنية محترمة، وغير متحزبة،وولائه الحقيقي هو للوطن، والدفاع عن سيادته. حتى أن الشيخ الغنوشي زعيم حركة النهضة قال عنه: أن الزبيدي “رجل وطني وخدم البلاد ونعتبره صديقا”، مضيفا ان الزبيدي مؤهل لهذا المنصب وعديدون غيره مؤهلون أيضا، لكن الاختيار يبقى بيد الشعب التونسي”، وفق تعبيره.وعبد الكريم الزبيدي ، شخصية وطنية توافقية، تلبي تطلعات و انتظارات الشعب التونسي ، في تحقيق الاستقرار وبناء الدولة الوطنية.
6-المنصف المرزوقي: يرى خصومه من السياسيين أن لا مستقبل له في الفوزبالانتخابات الرئاسية المقبلة، من جراء علاقاته مع حركة الإخوان المسلمين ،ومع قطر، وخدمته أجندات أجنبية ،خاصة عندما ارتكب هووحركة النهضة الخطايا التاريخية بشأن قطع العلاقات مع سورية، وعقد مؤتمر ما يسمى أصدقاء سورية في تونس مارس/آذار2012 لشن الحرب الكونية ضد هذا البلد العربي، وإفساحهم في المجال لتدفق الجهاديين التونسيين للقتال في سورية.
7-مرشحي أحزاب اليسار المعتدل و المتشدد:
– عبيدالبريكي: وزير سابق متخرج من مدرسة الاتحاد العام التونسي للشغل النقابية،وأمين عام حزب “حركة تونس إلى الأمام”،وهومرشح ائتلاف يضم أحزاب وسطية تتبنى الاشتراكية الديمقراطية، تحت اسم الإئتلاف الديمقراطي الاجتماعي، ومدعوم من اتحاد الشغل.
-حمه الهمامي :مرشح الشق المتصلب من الجبهة الشعبية،وهو أمين عام حزب العمال، وهولم يتحرر بعد، من الإيديولوجيا الستالينية،ومرجعية ثورة1917، ومورثات الحرب الباردة.
-والمنجي الرحوي: مرشح حزب الجبهة الشعبية، المنشق عن الحزب الأم (ائتلاف الجبهة الشعبية الذي يضم أحزاب ماركسية وناصرية وبعثية)،وهوعضوقيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي أسسه الشهيد شكري بلعيد،يتبنى البراغماتية،والليبرالية ، في محاولة لإعطاء وجه جديد لليسار.
تعيش كل هذه التنظيمات اليسارية أزمة عميقة كانت وراء تراجعها الجماهيري وأفول بريقها.وفي رأيي المحللين الموضوعيين ،فإنّ أسباب هذا الوهن والأزمات تكمن في سببين أساسيين – السبب الأول يهم عجزها وعدم قدرتها على بناء برامج سياسية واقتصادية واقعية قادرة على فتح آفاق التغيير الاجتماعي . فبقيت أغلب برامجها يغلب عليها الطابع الايديولوجي و المنحى الطوباوي ولا يمكن لها بالتالي أن تكون الإطار السياسي والاقتصادي للتغيير الاجتماعي .
المسالة الثانية والتي تفسر تراجع هذه التنظيمات تهم تحالفاتها وتكتيكاتها السياسية. فنظرتها السلبية للأحزاب التقليدية والمنظمات الاجتماعية وحركات المجتمع المدني والحركة الديمقراطية بشكل عام دفعتها إلى توخي سياسات واستراتيجيات عزلتها عن الحركة الاجتماعية ولم تساعدها في بناء تحالفات تساهم في حشد اكبر للقوى الاجتماعية في العملية السياسية .
الخاتمة: ستشهد تونس تنافسًا على الترشح إلى رئاسة الجمهورية بدءًا من تقديم الملفات يوم 2أغسطس/آب الجاري ، لا سيما أنّ الدخول إلى قصر قرطاج بات يغري الجميع ، علمًا أنّ أغلب المعارك السياسية الطاحنة التي دارت طيلة السنتين الماضيتين، كانت بسبب الرئيس المستقبلي الذي سيرث الراحل السبسي.. فأخطأت جميع الأطراف، حين رفضت تحييد مؤسسة الرئاسة عن الصراع السياسي وعدم الانتباه الى قيمة وحساسية الانتخابات الرئاسية .
المرشح الحقيقي القادر على الفوزفي الانتخابات الرئاسية المقبلة،عليه أن يكون حاملاً لمشروع وطني، ويضطلع بدور هام في دعم ومساندة التطور الديمقراطي في تونس ، التي لديها معطيات وإمكانيات تجعلها أكثر قابلية للانتقال إلى “الديمقراطية المستدامة”.
في البلدان التي عرفت تحولات ديمقراطية حقيقية و راسخة مثل اليابان ، حققت نتائج اقتصادية و اجتماعية مذهلة، و الفضل في ذلك يُنسب ليس إلى تَوفّر قدر أكبر من الموارد الطبيعية( فاليابان ليس لديها موارد طبيعية)، و إنما إلى الديمقراطية. فالديمقراطيات، في العادة، لا تتعرض لمستويات أعلى من العجز في مالياتها العامة كما أنها لا تتلقى مستويات عالية من المساعدات المالية الخارجية. بل الذي يظهر هو أن مسار العمليات الداخلية الخاصة بالأنظمة الديمقراطية هي التي تكون المسؤولة عن حسن أدائها. ويكمن أحد “أسرار” النجاح الإنمائي للديمقراطيات في قدرتها النسبية على تجنّب الكوارث، ذلك أنه نادراً ما تترك الديمقراطيات اقتصاداتها تصل إلى الهاوية.
المرشح للانتخابات الرئاسية ، مطالب بأن يربط بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية ونظرية الحداثة التى تفترض أنه كلما ارتفع قدر الدولة على سلم التنمية الاقتصادية، ازدهرت الديمقراطية فيها.وعلى الرئيس المستقبلي ، أنْ يعي ،أنَّ تونس قادرة أنْ تطور مؤسسات الدولة الوطنية، وأن تسير فى طريق الديمقراطية رغم فشل نموذجها التنموي السابق، لذلك لن يكون وضع تونس الاقتصادى عائقاً أمام الديمقراطية. إنّ الفقر لن يكون عائقاً أمام تحول تونس للديمقراطية، هناك دول تعانى من الفقر وسارت فى طريق الديمقراطية مثل الهند،لكن العائق الحقيقي في تحول تونس إلى دولة ديمقراطية، هو افتقار الطبقة السياسية الحاكمة، والمترشحين للانتخابات الرئاسية إلى مشروع إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية، التي تضطلع بمهام بناء نموذج تنموي جديد ، يحقق التنمية الاقتصادية المستقلة، والعدالة فى توزيع الدخل ومنافع التنمية، ويحدّ من الفروق الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية،لا سيما في ظل طحن الطبقة الوسطى وانحدارها التاريخي إلى مستوى الفقر، وأي انجراف فى اتجاه السياسات الرأسمالية الليبرالية كما ينادي بها صندوق النقدالدولي سعياً وراء التنمية قد يعيق عملية تحول تونس إلى الديمقراطية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى