الشعب العربي وعقدة الخوف من الدولة

من يراقب الأحداث والمآسي التي تعصف بوطننا العربي الكبير من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، لا يجد أرخص من كرامة الإنسان العربي التي تسحق وتداس من قبل الأنظمة القطرية الديكتاتورية الحاكمة التي تتفنّن في تقديم التنازلات لأعداء الأمة، وفي مصادرة الحرّيات والاعتقالات التعسفيّة والتعذيب والإذلال، وسفك الدم العربي الذي أصبح الأقل قيمة والأرخص في العالم، ويدرك أيضا ان تلك التنازلات والانتهاكات الصارخة ارتكبت ضدّ أبناء هذا الشعب بدون مقاومة تذكر لأن الوعي الجمعي العربي تشوّه وسيطرت عليه عقدة الخوف بسبب الإرهاب والاستبداد الرسمي الذي مارسته الانظمة لسنوات طويلة باسم المصالح الوطنية والدينية والقومية وأمن الوطن والمواطن، وبنت حولها حالة من الإخافة الجمت السنة المواطنين عن قول كلمة الحق وعلّمتهم الذل والنفاق السياسي، والزمتهم على ما هو أخطر من الخوف وهو التعايش معه دون البحث عن طريق إلى الحرية والعدالة والمساواة مهما كان الثمن.
لقد أدركت الأنظمة العربية الفوائد التي يمكن أن تجنيها من تخويف المواطنين، ونجحت في تعميم ثقافة الخوف التي ترعبهم وتضعف معارضتهم للسياسات التي ترغب في تمريرها، وشدّدت قبضتها على الحكم بدعم الإقليمية وإثارة النعرات الدينية والطائفية، وبإقامة تحالفات متينة مصلحيّة مع القيادات الدينية والسياسية والعائلية والعشائرية التي كان وما زال الهدف منها خدمة رأس الدولة في كل قطر بتلميع صورته بالكذب عن قدراته القيادية ” وحكمته ” وإنجازاته وعدالة نظامه، وتضليل وتحييد الشعب وإبعاده عن المشاركة السياسية حماية للنظام واستمرارا لمنافع ” القائد الخالد ” وداعميه.
لكن هذه الأنظمة التي اعتقدت ان الشعب استسلم لإرادتها وطغيانها، فوجئت بثورات الربيع العربي التي كان من أهم حسناتها أنها كسرت حاجز الخوف، وتمكّنت من فكّ عقدته لدى المواطن العربي الذي بدأ يتكلم بصوت مرتفع مطالبا بإصلاحات اقتصادية وسياسية ديموقراطية تحرّره من قيوده، وتمنحه حقوقه في الحرية والكرامة والمشاركة في الحكم. ولهذا يمكن القول أن العالم العربي كما عرف حتى عام 2010، أي قبل اندلاع ثورات الربيع العربي لم يعد موجودا، والشعب العربي الذي فشلت الأنظمة في إسكاته وإلغائه سياسيا أثبت أنّه ليس شعبا ميتا مستسلما لإرادتها، بل حيا ووفيا لأمته وقضاياه، وله آماله وطموحاته وارادته لصنع مستقبل أفضل له وللأجيال القادمة؛ وتعلم من ثورات الربيع العربي أن الدمار والتخريب والانقسامات لن تنتج إلا مزيدا من الدمار والخراب والشرذمة؛ والدليل على ذلك هو ما شهدته الأعوام القليلة الماضية، خاصة عامي 2018، 2019 من حركات ومظاهرات عربية شعبية سلمية جابت المدن والقرى وطالبت بتحسين الأوضاع المعيشية والإصلاح السياسي، وأدت إلى الاطاحة بنظام البشير في السودان، وبنظام عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وبرئيس وزراء الأردن هاني الملقي، ونجحت في تجذير وحماية الديموقراطية في تونس، وألزمت الأنظمة في المملكة المغربية ولبنان وموريتانيا وغيرها على إجراء بعض الإصلاحات تلبية لمطالب الشعب.
الاحتجاجات الشعبيّة السلميّة في شوارع المدن والقرى العربية دليل على أن إرادة التغيير عند شباب وشابات الوطن العربي بدأت ولن تتوقف وتبشر بالخير؛ ولدعمها وتمكينها من الخلاص من الأنظمة الوراثية والشمولية التسلطية الفاسدة وتغيير الواقع وإنقاذ الوطن العربي، لا بد من تعاضد صفوف الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمثقفين مسلمين ومسيحيين وعلمانيين، واجراء المزيد من الحوار لتحقيق مصالحة اجتماعية تدعم مطالب الشعب بتحقيق الديموقراطية والعدالة والمساواة في المواطنة، وتعزّز التقارب بين أبناء الشعب العربي الواحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى